26 سبتمبر 2024
هل يشعل الصراع على سورية مواجهاتٍ جديدة؟
نذر مواجهاتٍ جديدة تلوح في أفق الصراع على سورية ما بين الولايات المتحدة ونظام الملالي الإيراني من جهة، وبينها وبين روسيا البوتينية من جهة أخرى، حيث تواترت عمليات الاستهداف الأميركي لمليشيات نظام الملالي الإيراني ومليشيات النظام الأسدي، وزاد التوتر كثيراً بعد إسقاط المقاتلات الأميركية مقاتلةً تابعةً لنظام الأسد من طراز سوخوي 22 في ريف الرقة الجنوبي، تبعها إسقاط طائرةٍ بدون طيار لنظام الملالي الإيراني.
ويبدو أن واقع الحال في سورية يشير إلى تزايد حمى الصراع في سورية وعليها، بغية توسيع مناطق نفوذ كل الخائضين في الدم السوري، حيث باتت منطقة الساحل منطقة نفوذٍ روسي بامتياز، توجد فيها قواعد بحرية وبرية ومطارات ومراكز قيادة روسية، يقابلها منطقة شرق الفرات التي باتت منطقة نفوذ أميركية، فيما يحاول نظام الملالي الإيراني إيجاد ممرّ بري يصل طهران بدمشق ثم بيروت عبر بغداد والموصل، مروراً بالبادية السورية، في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات أميركية روسية في العاصمة الأردنية عمّان، لإقامة منطقة آمنة أو منطقتين في الجنوب السوري، إحداهما تمتد من محافظة السويداء إلى محافظة القنيطرة، حماية لحدود إسرائيل وأمنها، والأخرى تمتد من محافظة درعا وصولاً إلى التنف، حماية لأمن الأردن، ولمنع مليشيات نظام الملالي من السيطرة على طريق دمشق بغداد الدولي، بوصفه خطاً أحمر أميركيا، يستدعي الاقتراب منه ردوداً عسكريةً أميركيةً فورية، حيث تصدّت المقاتلات الأميركية ثلاث مرات خلال شهر لمليشيات نظام الملالي الإيراني ومليشيات نظام الأسد، حين حاولت التقدم والاقتراب من معبر التنف، وبالتالي بات واضحاً أن الإدارة الأميركية وضعت قواعد وخطوطا جديدة للصراع على سورية، خصوصا وأن كلاً من النظامين يحاولان السيطرة على ما يتاح لهما من مناطق ينسحب منها تنظيم داعش الذي بات يفقد معظم أماكن سيطرته في محافظة الرقة، ويشهد انهياراتٍ عسكريةً كبيرة ومتتالية.
وجاء الرد الروسي على إسقاط مقاتلة نظام الأسد بتصعيد كلامي، حيث أعلنت موسكو وقف التنسيق الجوي المشترك مع طيران التحالف الدولي ضد "داعش"، والذي تقوده الولايات
المتحدة، إضافة إلى إعلان وزارة الدفاع الروسية أي أجسام طائرة في مناطق عمل قواتها الجوية في سورية أهدافاً، في تهديدٍ مبطنٍ باستهداف المقاتلات الأميركية، لكن الأمر لن يتعدّى ذلك إلى مواجهة عسكرية مباشرة، لاعتباراتٍ عديدة، بل انعكس فوراً على الأرض السورية، حيث أنهى نظام بوتين هدنة درعا، وأوعز للنظام الأسدي بإطلاق براميله عليها، وعلى مناطق في غوطة دمشق الشرقية التي اعتبرت ضمن "مناطق خفض التصعيد"، حسبما أقرّها اجتماع أستانة الأخير، إضافة إلى دعم مليشيات النظام ومليشيات نظام الملالي الإيراني إلى التقدم باتجاه الحدود العراقية، والقيام بعملياتٍ عسكريةٍ على خطوط التماس مع مليشيات سورية الديمقراطية، فيما سجل نظام الملالي سابقةً بإعلانه عن هجوم صاروخي على مواقع "داعش" في مناطق من ريف دير الزور، وحمّلها رسائل إلى الولايات المتحدة وروسيا بضرورة ضمان حصة نظام الملالي في صراع النفوذ على تركة "داعش".
ويبدو أن التصعيد المرافق للصراع على سورية ليس مجرد مناوشة بين الخائضين في الدم السوري، خصوصا وأن أيام تنظيم داعش باتت معدودة في الرّقة، فهم يسعون إلى ضمان السيطرة على أكبر قدر من المناطق، ولم يعد أمام الإدارة الأميركية سوى الاستعداد لزجّ مزيد من القوة العسكرية، حيث اضطرّت إلى زج منظومة "هيمارس" الصاروخية الإستراتيجية من أجل حماية قواتها وحلفائها، بعد أن وضعتها إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، في مأزق تنازلها عن سورية لكل من النظام البوتيني ونظام الملالي الإيراني.
وعلى الرغم من محاولات كل من النظام البوتيني ونظام الملالي الإيراني الإيحاء للإدارة الأميركية بأن لهما عدواً مشتركا هو "الإرهاب"، وأنهم يقاتلونه سوياً في سورية وفي العراق، إلا أن هذا الإيحاء فارغ تماماً، وبعيد كل البعد عن الحقيقة، إذ أن "داعش" نشأ وتمدّد وسيطر على مناطق واسعة في سورية بتواطؤ من نظام الأسد، بل أن مناطق عديدة انسحبت منها قوات نظام الأسد ومليشياته أمام عناصر "داعش"، وهناك تقارير عديدة توثق علاقة استخبارات نظام الملالي الإيراني مع قادة في تنظيم داعش، وحين تدخل نظام بوتين بشكل عسكري سافر في سورية في أواخر سبتمبر/ أيلول 2015، وجّه حمم كل آلته العسكرية وصواريخها وقنابلها ضد مقاتلي الجيش الحر ومقاتلي الفصائل الإسلامية المعارضة، وكشفت تقارير غربية أن غارات المقاتلات الروسية لم تكن تستهدف مواقع تنظيم داعش أو جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً)، بل كانت تستهدف، وما تزال، فصائل المعارضة السورية بنسبة 90% وأكثر.
ومثلما انسحبت قوات النظام ومليشاته أمام عناصر "داعش"، انسحبت كذلك من مناطق عديدة، وسلمتها لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وخصوصا مناطق في الجزيرة السورية
وعين العرب (كوباني) وعفرين في يوليو/ يوليو عام 2012، في مقابل قمع هذا الحزب الذي يعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي حراك الثورة السورية في المناطق ذات الغالبية الكردية، لكنه سرعان ما زجّ مقاتليه كمليشيا تحت الطلب في حرب التحالف الدولي ضد "داعش" الذي تقوده الولايات المتحدة، وأصبح العماد الأساس للقوات المقاتلة لعناصر تنظيم داعش في الرقة وسواها.
وأثار تمدّد قوات الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني مخاوف تركيا التي اعتبرت ذلك تهديداً لأمنها القومي، فدخلت في حمّى الصراع على سورية عبر قيامها بعملية درع الفرات بتفاهم روسي وإيراني، منعاً لربط كانتونات "الإدارة الذاتية" ببعضها بعضا، واكتفت بشريط حدودي، يمتد من جرابلس إلى إعزاز وصولاً إلى الباب، وذلك بعد أن حُجم دورها في الملف السوري، وراحت تراقب بتوجسٍ وريبةٍ مخطط حزب الاتحاد الديقمراطي الكردي الذي استفاد من تنسيقه المبكر مع النظام، ومن الدعمين، الأميركي العسكري والروسي، له، من أجل توسيع مناطق سيطرته، وفرض رؤيته الانفصالية على سكان تلك المناطق التي يسيطر عليها، ويقوم بعمليات تهجير وترويع لسكانها العرب والتركمان.
ومع تعقد مسار الصراع على سورية، فإنه بدأ يتّخذ أبعاداً تُنذر بالأسوأ، خصوصا في ظل غياب أي أفق لحل سياسي شامل، يُفضي إلى انتقالٍ سياسي للسلطة، بسبب غياب التفاهم الدولي، وخصوصا التفاهم الأميركي الروسي، وتباعد أهداف إستراتيجية كل منهما في الملف السوري، إلى جانب كثرة عدد الخائضين في الدم السوري بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يعني تسارع وتيرة التصعيد العسكري لمختلف الأطراف، بغية توسيع حدود سيطرتها الميدانية وتكريسها على الأرض، الأمر الذي قد يفضي إلى مواجهاتٍ جديدةٍ في خضم هذا الصراع.
ويبدو أن واقع الحال في سورية يشير إلى تزايد حمى الصراع في سورية وعليها، بغية توسيع مناطق نفوذ كل الخائضين في الدم السوري، حيث باتت منطقة الساحل منطقة نفوذٍ روسي بامتياز، توجد فيها قواعد بحرية وبرية ومطارات ومراكز قيادة روسية، يقابلها منطقة شرق الفرات التي باتت منطقة نفوذ أميركية، فيما يحاول نظام الملالي الإيراني إيجاد ممرّ بري يصل طهران بدمشق ثم بيروت عبر بغداد والموصل، مروراً بالبادية السورية، في الوقت الذي تجري فيه مفاوضات أميركية روسية في العاصمة الأردنية عمّان، لإقامة منطقة آمنة أو منطقتين في الجنوب السوري، إحداهما تمتد من محافظة السويداء إلى محافظة القنيطرة، حماية لحدود إسرائيل وأمنها، والأخرى تمتد من محافظة درعا وصولاً إلى التنف، حماية لأمن الأردن، ولمنع مليشيات نظام الملالي من السيطرة على طريق دمشق بغداد الدولي، بوصفه خطاً أحمر أميركيا، يستدعي الاقتراب منه ردوداً عسكريةً أميركيةً فورية، حيث تصدّت المقاتلات الأميركية ثلاث مرات خلال شهر لمليشيات نظام الملالي الإيراني ومليشيات نظام الأسد، حين حاولت التقدم والاقتراب من معبر التنف، وبالتالي بات واضحاً أن الإدارة الأميركية وضعت قواعد وخطوطا جديدة للصراع على سورية، خصوصا وأن كلاً من النظامين يحاولان السيطرة على ما يتاح لهما من مناطق ينسحب منها تنظيم داعش الذي بات يفقد معظم أماكن سيطرته في محافظة الرقة، ويشهد انهياراتٍ عسكريةً كبيرة ومتتالية.
وجاء الرد الروسي على إسقاط مقاتلة نظام الأسد بتصعيد كلامي، حيث أعلنت موسكو وقف التنسيق الجوي المشترك مع طيران التحالف الدولي ضد "داعش"، والذي تقوده الولايات
ويبدو أن التصعيد المرافق للصراع على سورية ليس مجرد مناوشة بين الخائضين في الدم السوري، خصوصا وأن أيام تنظيم داعش باتت معدودة في الرّقة، فهم يسعون إلى ضمان السيطرة على أكبر قدر من المناطق، ولم يعد أمام الإدارة الأميركية سوى الاستعداد لزجّ مزيد من القوة العسكرية، حيث اضطرّت إلى زج منظومة "هيمارس" الصاروخية الإستراتيجية من أجل حماية قواتها وحلفائها، بعد أن وضعتها إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، في مأزق تنازلها عن سورية لكل من النظام البوتيني ونظام الملالي الإيراني.
وعلى الرغم من محاولات كل من النظام البوتيني ونظام الملالي الإيراني الإيحاء للإدارة الأميركية بأن لهما عدواً مشتركا هو "الإرهاب"، وأنهم يقاتلونه سوياً في سورية وفي العراق، إلا أن هذا الإيحاء فارغ تماماً، وبعيد كل البعد عن الحقيقة، إذ أن "داعش" نشأ وتمدّد وسيطر على مناطق واسعة في سورية بتواطؤ من نظام الأسد، بل أن مناطق عديدة انسحبت منها قوات نظام الأسد ومليشياته أمام عناصر "داعش"، وهناك تقارير عديدة توثق علاقة استخبارات نظام الملالي الإيراني مع قادة في تنظيم داعش، وحين تدخل نظام بوتين بشكل عسكري سافر في سورية في أواخر سبتمبر/ أيلول 2015، وجّه حمم كل آلته العسكرية وصواريخها وقنابلها ضد مقاتلي الجيش الحر ومقاتلي الفصائل الإسلامية المعارضة، وكشفت تقارير غربية أن غارات المقاتلات الروسية لم تكن تستهدف مواقع تنظيم داعش أو جبهة فتح الشام (النصرة سابقاً)، بل كانت تستهدف، وما تزال، فصائل المعارضة السورية بنسبة 90% وأكثر.
ومثلما انسحبت قوات النظام ومليشاته أمام عناصر "داعش"، انسحبت كذلك من مناطق عديدة، وسلمتها لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، وخصوصا مناطق في الجزيرة السورية
وأثار تمدّد قوات الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني مخاوف تركيا التي اعتبرت ذلك تهديداً لأمنها القومي، فدخلت في حمّى الصراع على سورية عبر قيامها بعملية درع الفرات بتفاهم روسي وإيراني، منعاً لربط كانتونات "الإدارة الذاتية" ببعضها بعضا، واكتفت بشريط حدودي، يمتد من جرابلس إلى إعزاز وصولاً إلى الباب، وذلك بعد أن حُجم دورها في الملف السوري، وراحت تراقب بتوجسٍ وريبةٍ مخطط حزب الاتحاد الديقمراطي الكردي الذي استفاد من تنسيقه المبكر مع النظام، ومن الدعمين، الأميركي العسكري والروسي، له، من أجل توسيع مناطق سيطرته، وفرض رؤيته الانفصالية على سكان تلك المناطق التي يسيطر عليها، ويقوم بعمليات تهجير وترويع لسكانها العرب والتركمان.
ومع تعقد مسار الصراع على سورية، فإنه بدأ يتّخذ أبعاداً تُنذر بالأسوأ، خصوصا في ظل غياب أي أفق لحل سياسي شامل، يُفضي إلى انتقالٍ سياسي للسلطة، بسبب غياب التفاهم الدولي، وخصوصا التفاهم الأميركي الروسي، وتباعد أهداف إستراتيجية كل منهما في الملف السوري، إلى جانب كثرة عدد الخائضين في الدم السوري بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يعني تسارع وتيرة التصعيد العسكري لمختلف الأطراف، بغية توسيع حدود سيطرتها الميدانية وتكريسها على الأرض، الأمر الذي قد يفضي إلى مواجهاتٍ جديدةٍ في خضم هذا الصراع.