03 نوفمبر 2024
تونس في الحسابات الأميركية
ماذا تريد إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد؟ سؤال طرح في الأوساط السياسية التونسية منذ تلقى الشاهد دعوة رسمية لزيارة واشنطن. ومما زاد في إثارة فضول كثيرين، وغذّى رغبتهم في معرفة خلفيات الزيارة وكواليسها أن ضيف الإدارة الأميركية ذهب من دون أن يكون مصحوبا بأي وزير من حكومته، على الرغم من أن محادثاته تنوعت بين الدبلوماسية والدفاع والاقتصاد والمالية. هل فعل الشاهد ذلك رغبة منه أم بطلب ساكن البيت الأبيض؟ أم من باب التقشف في مرحلة صعبةٍ تمر بها تونس؟ أم لذلك خلفيات قد تكشف عنها الأيام والأسابيع المقبلة؟
يفتح المناخ السائد بين الحكومة والمعارضة المجال واسعا أمام التأويلات "الخبيثة"، ما يجعل كل حدث عادي قابلا لكي ينقلب إلى مدخلٍ للتشكيك في مصداقية الحكومة ورموزها وأحزابها الحاكمة.
ما يهم في هذا السياق هو التوجه المزدوج لإدارة ترامب في تعاملها مع تونس. فهي من جهة ترى فيه البلد العربي الوحيد الذي نجا من الإعصار الذي اجتاح جزءا من العالم العربي، والذي بسببه تحول الربيع العربي إلى شتاءٍ قارس في ليبيا وسورية واليمن. وقد أكد ذلك مسؤولون أميركيون عديدون في أثناء الزيارة وقبلها. لكن من جهة ثانية جاء القرار بخفض حجم المساعدات العسكرية إلى تونس ليطرح نقاط استفهام كثيرة.
أزعج القرار الحكومة التونسية، نظرا لاحتياجها الشديد لكل دولار، سواء من أجل إعادة نسق النمو المنهار أو التكاليف الضرورية لمواجهة الإرهاب. ولا يمكن للتونسيين استيعاب الحجة المقدمة إليهم، والقائلة إن الأمر يتعلق بمصلحة الأمن القومي الأميركي، لأن تونس لن ترهق الميزانية الأميركية إذا ما تمت المحافظة على الحجم السابق نفسه للمنحة المقدّمة لها منذ سنوات.
أمر آخر حصل في الزيارة مثير أيضا للاستغراب، حيث وجه عشرة من أعضاء الكونغرس رسالة إلى رئيس الحكومة التونسية، طلبوا فيها أن تلتزم تونس بعدم تأييد أي قرار أممي يتضمن انتقادا لإسرائيل. فعلوا ذلك، على الرغم من علمهم أن تونس دولة ملتزمة بموقف مناهض للسياسات العدوانية والعنصرية للكيان الصهيوني. لكن يبدو أن إدارة الرئيس ترامب حريصة كل الحرص على وضع حد للعزلة التي تشكو منها تل أبيب داخل محيطها العربي، على الرغم من التطبيع بينها وبين مصر. ولهذا، تسعى واشنطن اليوم أن تسقط آخر ما تبقى من المقاطعة النفسية للعرب، وتأمل، في هذا السياق، أن يتم يوما التوصل إلى تطبيعٍ علني بين السعودية وإسرائيل، ليتحقق بذلك أهم اختراق صهيوني للمنطقة، في ظل موازين القوى الراهنة. وإذ يصعب الجزم بما يروج من أخبار وتسريبات في هذا السياق، إلا أن الأهم في ذلك إثبات الرغبة الأميركية، وهي رغبة خطرة على السعودية وعلى العالم العربي، لأن الجميع يعلمون أهمية ما ترمز له المملكة من قيم روحية ومن موقع استراتيجي.
يعلم يوسف الشاهد جيدا أنه ليس من مصلحته أن يلتزم علنا أو سرا مع البيت الأبيض والكونغرس بأي قرار أو توجه يتعارض مع ثوابت الدبلوماسية التونسية، أو يتناقض مع مصالحها الاستراتيجية. فهو من جهة لا يتمتع بوزن الحبيب بورقيبة الذي كان الرئيس الوحيد القادر على أن يسير في الاتجاه المعاكس للتوجهات الشعبية للتونسيين. كما أن الوضع مختلف اليوم، حيث تخضع الاختيارات السياسية الكبرى لجملة من الاعتبارات والآليات الديمقراطية التي تحول دون أن ينفرد أي مسؤول باتخاذ أي قرار من دون موافقة البرلمان وأحزاب الائتلاف الحاكم..
لا تزال العلاقات التونسية الأميركية قوية نسبيا، وحتى لو أراد الرئيس ترامب أن يعدّل فيها شيئا مهما، فإن عموم السياسيين يؤمنون بضرورة دعم تونس في هذه المرحلة الصعبة، وتجنب كل ما من شأنه أن يعرّض العلاقات بين البلدين لهزة قوية. فذلك ليس من مصلحة تونس، كما أنه ليس من مصلحة أميركا.
يفتح المناخ السائد بين الحكومة والمعارضة المجال واسعا أمام التأويلات "الخبيثة"، ما يجعل كل حدث عادي قابلا لكي ينقلب إلى مدخلٍ للتشكيك في مصداقية الحكومة ورموزها وأحزابها الحاكمة.
ما يهم في هذا السياق هو التوجه المزدوج لإدارة ترامب في تعاملها مع تونس. فهي من جهة ترى فيه البلد العربي الوحيد الذي نجا من الإعصار الذي اجتاح جزءا من العالم العربي، والذي بسببه تحول الربيع العربي إلى شتاءٍ قارس في ليبيا وسورية واليمن. وقد أكد ذلك مسؤولون أميركيون عديدون في أثناء الزيارة وقبلها. لكن من جهة ثانية جاء القرار بخفض حجم المساعدات العسكرية إلى تونس ليطرح نقاط استفهام كثيرة.
أزعج القرار الحكومة التونسية، نظرا لاحتياجها الشديد لكل دولار، سواء من أجل إعادة نسق النمو المنهار أو التكاليف الضرورية لمواجهة الإرهاب. ولا يمكن للتونسيين استيعاب الحجة المقدمة إليهم، والقائلة إن الأمر يتعلق بمصلحة الأمن القومي الأميركي، لأن تونس لن ترهق الميزانية الأميركية إذا ما تمت المحافظة على الحجم السابق نفسه للمنحة المقدّمة لها منذ سنوات.
أمر آخر حصل في الزيارة مثير أيضا للاستغراب، حيث وجه عشرة من أعضاء الكونغرس رسالة إلى رئيس الحكومة التونسية، طلبوا فيها أن تلتزم تونس بعدم تأييد أي قرار أممي يتضمن انتقادا لإسرائيل. فعلوا ذلك، على الرغم من علمهم أن تونس دولة ملتزمة بموقف مناهض للسياسات العدوانية والعنصرية للكيان الصهيوني. لكن يبدو أن إدارة الرئيس ترامب حريصة كل الحرص على وضع حد للعزلة التي تشكو منها تل أبيب داخل محيطها العربي، على الرغم من التطبيع بينها وبين مصر. ولهذا، تسعى واشنطن اليوم أن تسقط آخر ما تبقى من المقاطعة النفسية للعرب، وتأمل، في هذا السياق، أن يتم يوما التوصل إلى تطبيعٍ علني بين السعودية وإسرائيل، ليتحقق بذلك أهم اختراق صهيوني للمنطقة، في ظل موازين القوى الراهنة. وإذ يصعب الجزم بما يروج من أخبار وتسريبات في هذا السياق، إلا أن الأهم في ذلك إثبات الرغبة الأميركية، وهي رغبة خطرة على السعودية وعلى العالم العربي، لأن الجميع يعلمون أهمية ما ترمز له المملكة من قيم روحية ومن موقع استراتيجي.
يعلم يوسف الشاهد جيدا أنه ليس من مصلحته أن يلتزم علنا أو سرا مع البيت الأبيض والكونغرس بأي قرار أو توجه يتعارض مع ثوابت الدبلوماسية التونسية، أو يتناقض مع مصالحها الاستراتيجية. فهو من جهة لا يتمتع بوزن الحبيب بورقيبة الذي كان الرئيس الوحيد القادر على أن يسير في الاتجاه المعاكس للتوجهات الشعبية للتونسيين. كما أن الوضع مختلف اليوم، حيث تخضع الاختيارات السياسية الكبرى لجملة من الاعتبارات والآليات الديمقراطية التي تحول دون أن ينفرد أي مسؤول باتخاذ أي قرار من دون موافقة البرلمان وأحزاب الائتلاف الحاكم..
لا تزال العلاقات التونسية الأميركية قوية نسبيا، وحتى لو أراد الرئيس ترامب أن يعدّل فيها شيئا مهما، فإن عموم السياسيين يؤمنون بضرورة دعم تونس في هذه المرحلة الصعبة، وتجنب كل ما من شأنه أن يعرّض العلاقات بين البلدين لهزة قوية. فذلك ليس من مصلحة تونس، كما أنه ليس من مصلحة أميركا.