10 أكتوبر 2024
في تحوُّلات الوعي بالقضية الفلسطينية
تحل هذه السنة ذكرى هزيمة 1967، لِتُبْلِغَنَا أن نصف قرن مَرَّ على الحدث، الذي نظر إليه كثيرون باعتباره مجرد نكبةٍ أو نكسة مؤقتة وعَارِضَة. وما اعتبر مؤقتاً صنع في النهاية مصيرنا ومصير القضية الفلسطينية بكثير من القسوة والعنف التاريخيين. يؤكد مرور خمسة عقود أن ما حصل في حرب 1967 يتعلق بهزيمة ثلاثة جيوش عربية، وسقوط فلسطين في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى شبه جزيرة سيناء ومدخل خليج العقبة ثم هضبة الجولان ومزارع شبْعَا.. إلخ.
ندرج ما حصل بين العرب وإسرائيل سنة 1967 من دون حرج ولا تمويه، في إطار هزائم الحرب في التاريخ. ونعلن، بالروح نفسها أيضا، أن الهزيمة تركت بصماتها على القضية الفلسطينية، وعلى روح المشروع العربي، في الوحدة والتحرير والتقدُّم.
لم يستطع العرب، منذ حصول الهزيمة، بناء ما يتيح لهم إمكانية مواجهة المحتل، والحد من أفعاله الاستعمارية الرامية إلى سرقة التاريخ الرمزي لفلسطين وعروبتها.. وقد تم استرجاع شبه جزيرة سيناء ضمن شروط المحتل الإسرائيلي الذي يعرف جيداً صُور الْوَهَن والتراجع الحاصلين في مختلف البلدان العربية.
نتذكّر جيداً أن هزيمة 1967 تمت تحت شعارات النصر التي كانت تُلَوِّح بها بعض الأنظمة العربية، من دون عنايةٍ بنوعية الأوضاع القائمة في العالم العربي، في علاقتها بمقتضيات
الصراع العربي الإسرائيلي، في السياقات والشروط التي واكبت الحرب وأطَّرت تداعياتها. واليوم، وبعد تحوُّل المشروع القومي التحرُّري إلى بيان سنوي يُماثِل في بؤس فقراته، بؤس الفقرات التي تخصّصها مؤتمرات القمة العربية الموسمية، لفقرات بيانها الأخير، المتعلقة بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، ومع سلطته الوطنية في غزة، حيث نقف على كفاءاتٍ عاليةٍ في إنشاء بياناتٍ، تتحدّث بلغةٍ لا علاقة لها بأسئلة ومخاضات ما جرى ويجري في مختلف البلدان العربية، وخصوصا في العقدين الأخيرين.
تدفعنا ذكرى مرور نصف قرن على حصول الهزيمة إلى مراجعة بعض آثارها، حيث لا ينبغي أن نُغْفِل أن نهاية الستينيات وبداية السبعينيات أنتجتا ما يُعْرَف في الفكر السياسي العربي بأدبيات النقد الذاتي بعد الهزيمة، وكان يُفْتَرَض أن يتولَّد عن هذا النقد ما يمكن أن يسعفنا بتجريب وسائل جديدة في مواجهة المحتل، ومقاومة أشكال محاصرته التطلعات الفلسطينية والعربية في التحرير والاستقلال، إلا أن فحصاً دقيقاً لبعض هذه الأدبيات وآثارها في المجتمع والفكر العربيين يكشف أنها لم تساهم في صنع البدائل المناسبة، كما أن المحيط الذي استقبلها لم ينخرط في تركيب الوسائل التي تُحَوِّلُهَا من مواقف مبدئية وعامة إلى خيارات في السياسة والمقاومة والتحرير.
راكمت الهزيمة أيضاً، خلال العقود الماضية، ما يُعْرَف بأدب الهزيمة، وفي ديوان الشعر
العربي والفلسطيني، كما في فنون السرد والتشكيل والموسيقى، غنائيات ونصوص، نعتقد أنها ساهمت في تحرير جوانب من وُجْدَانِنَا، إلاَّ أنها لم تساعدنا في تركيب الخيارات والبدائل على الأرض. إنها لم تنقل أحاسيس الوجدان إلى مُدْرَكَاتٍ ترسم الطرائق المناسبة للفهم والعمل.
انخرطت الدول العربية بعد الهزيمة في تاريخ جديد، ولم يعد بإمكانها أن تُدَبِّر مصيرها منفردةً ومستقلة الإرادة والوعي في عالمٍ يتعولم. وفي قلب تداعيات الهزيمة وعلى هامشها، نشأت أجيالُ من الوقائع والمفاهيم والتسويات، لم تعد معنيةً في أغلبها بما حصل، في سياقاته وضمن الشروط التي كانت تؤطّره، مكتفية بتدبيرٍ يُعْنَى بمنطق أقل الخسائر. وعندما نتابع ما يجري اليوم على الأرض المحتلة، نلاحظ أن انقسام الفصائل الفلسطينية يتواصل على حساب المشروع الوطني التحرُّري، كما نلاحظ عزلة الفلسطينيين، حيث تسود داخل الأرض المحتلة، منذ وقتٍ ليس قصيرا، نقاشات ترسم علامات واضحة لتحوُّلاتٍ كبيرةٍ حصلت في الوعي السياسي الفلسطيني، من قَبِيل توجيه مزيدٍ من العناية نحو مفهوم المواطنة الفلسطينية وحقوق الإنسان داخل إسرائيل، والتفكير في سؤال دولة واحدة أم دولتان؟ الأمر الذي يضعنا أمام مؤشراتٍ دالةٍ على تحوُّلاتٍ حاصلةٍ كما قلنا، وأخرى مُرْتَقَبة في الحاضر والمستقبل الفلسطينيين.
يُواجه الفلسطينيون اليوم قدرهم، وعندما يسمعون بيانات التضامن الْمُرْسَلَة من جهات عديدة، وقد أصبحت من دون لون ولا طعم، ينشأ عندهم، بالضرورة، وعي جديد مكافئ للسياق التاريخي الذي يؤطّر الوجود العربي والفلسطيني، حيث تعمل الأجيال الجديدة، في غزة وفي الأراضي المحتلة والشتات، على بناء جملةٍ من المبادئ والقيم المكافئة لتحولات زمانها في عالمٍ متغير، الأمر الذي يقرّبنا من واقع الثقافة السياسية العربية والفلسطينية في جريانه، وهي ثقافةٌ تعكس بجلاء جوانب من المآلات الخاسرة التي تجري أمامنا اليوم، بعد خمسين سنةٍ من الهزيمة.
ندرج ما حصل بين العرب وإسرائيل سنة 1967 من دون حرج ولا تمويه، في إطار هزائم الحرب في التاريخ. ونعلن، بالروح نفسها أيضا، أن الهزيمة تركت بصماتها على القضية الفلسطينية، وعلى روح المشروع العربي، في الوحدة والتحرير والتقدُّم.
لم يستطع العرب، منذ حصول الهزيمة، بناء ما يتيح لهم إمكانية مواجهة المحتل، والحد من أفعاله الاستعمارية الرامية إلى سرقة التاريخ الرمزي لفلسطين وعروبتها.. وقد تم استرجاع شبه جزيرة سيناء ضمن شروط المحتل الإسرائيلي الذي يعرف جيداً صُور الْوَهَن والتراجع الحاصلين في مختلف البلدان العربية.
نتذكّر جيداً أن هزيمة 1967 تمت تحت شعارات النصر التي كانت تُلَوِّح بها بعض الأنظمة العربية، من دون عنايةٍ بنوعية الأوضاع القائمة في العالم العربي، في علاقتها بمقتضيات
تدفعنا ذكرى مرور نصف قرن على حصول الهزيمة إلى مراجعة بعض آثارها، حيث لا ينبغي أن نُغْفِل أن نهاية الستينيات وبداية السبعينيات أنتجتا ما يُعْرَف في الفكر السياسي العربي بأدبيات النقد الذاتي بعد الهزيمة، وكان يُفْتَرَض أن يتولَّد عن هذا النقد ما يمكن أن يسعفنا بتجريب وسائل جديدة في مواجهة المحتل، ومقاومة أشكال محاصرته التطلعات الفلسطينية والعربية في التحرير والاستقلال، إلا أن فحصاً دقيقاً لبعض هذه الأدبيات وآثارها في المجتمع والفكر العربيين يكشف أنها لم تساهم في صنع البدائل المناسبة، كما أن المحيط الذي استقبلها لم ينخرط في تركيب الوسائل التي تُحَوِّلُهَا من مواقف مبدئية وعامة إلى خيارات في السياسة والمقاومة والتحرير.
راكمت الهزيمة أيضاً، خلال العقود الماضية، ما يُعْرَف بأدب الهزيمة، وفي ديوان الشعر
انخرطت الدول العربية بعد الهزيمة في تاريخ جديد، ولم يعد بإمكانها أن تُدَبِّر مصيرها منفردةً ومستقلة الإرادة والوعي في عالمٍ يتعولم. وفي قلب تداعيات الهزيمة وعلى هامشها، نشأت أجيالُ من الوقائع والمفاهيم والتسويات، لم تعد معنيةً في أغلبها بما حصل، في سياقاته وضمن الشروط التي كانت تؤطّره، مكتفية بتدبيرٍ يُعْنَى بمنطق أقل الخسائر. وعندما نتابع ما يجري اليوم على الأرض المحتلة، نلاحظ أن انقسام الفصائل الفلسطينية يتواصل على حساب المشروع الوطني التحرُّري، كما نلاحظ عزلة الفلسطينيين، حيث تسود داخل الأرض المحتلة، منذ وقتٍ ليس قصيرا، نقاشات ترسم علامات واضحة لتحوُّلاتٍ كبيرةٍ حصلت في الوعي السياسي الفلسطيني، من قَبِيل توجيه مزيدٍ من العناية نحو مفهوم المواطنة الفلسطينية وحقوق الإنسان داخل إسرائيل، والتفكير في سؤال دولة واحدة أم دولتان؟ الأمر الذي يضعنا أمام مؤشراتٍ دالةٍ على تحوُّلاتٍ حاصلةٍ كما قلنا، وأخرى مُرْتَقَبة في الحاضر والمستقبل الفلسطينيين.
يُواجه الفلسطينيون اليوم قدرهم، وعندما يسمعون بيانات التضامن الْمُرْسَلَة من جهات عديدة، وقد أصبحت من دون لون ولا طعم، ينشأ عندهم، بالضرورة، وعي جديد مكافئ للسياق التاريخي الذي يؤطّر الوجود العربي والفلسطيني، حيث تعمل الأجيال الجديدة، في غزة وفي الأراضي المحتلة والشتات، على بناء جملةٍ من المبادئ والقيم المكافئة لتحولات زمانها في عالمٍ متغير، الأمر الذي يقرّبنا من واقع الثقافة السياسية العربية والفلسطينية في جريانه، وهي ثقافةٌ تعكس بجلاء جوانب من المآلات الخاسرة التي تجري أمامنا اليوم، بعد خمسين سنةٍ من الهزيمة.