21 فبراير 2018
ملك غاضب
البلد يُحكم بشكل جيد لكنه يُدار بشكل سيّئ، اختيارات الجالس على العرش صائبة، وتنفيذها من الإدارة والنخبة السياسية كارثية، إذا لم تتحمل المؤسسات، من حكومة وبرلمان ومجالس منتخبة، مسؤوليتها، فان الملك سيتدخل.. هذه باختصار أهم رسائل العاهل المغربي، محمد السادس، في خطاب السبت الماضي بمناسبة عيد العرش.
كان الخطاب نقدياً وغاضباً من أداء الحكومة والأحزاب السياسية التي عجزت، ثمانية أشهر، عن حل أزمة حراك الريف الذي بدأ محلياً، وصار وطنياً، انطلق اجتماعياً وتحول سياسياً.
المتشائمون، كما المتفائلون، لم يحصلوا من خطاب العرش على كل ما كانوا ينتظرون، فلا العفو على معتقلي الريف شمل كل من في الزنازين، ولا القصر أعلن عن خطة جديدة لتجديد النظام السياسي، وداخله النظام الحزبي الذي حاكمه محمد السادس، كما لم يفعل ملك من قبله...
لا يمكن للمراقبين أن يختلفوا حول هشاشة المشهد الحزبي في المغرب، وأعطابه البنيوية، لكن السؤال الجوهري هنا: هل أمراض النظام الحزبي مفصولة عن أمراض النظام السياسي؟ أليس من ثوابت النظام السياسي في المغرب إضعاف الأحزاب، وتهميش النخب الحزبية، والتحكّم فيها، حتى لا تخلّ بميزان القوى، كما استقر منذ استقلال المغرب، ميزان يميل لصالح القصر، ويجعل من ساكنه حجر الزاوية في كل قرار وملف وسياسة...
كنت أنتظر خطاباً "استراتيجياً"، يجيب على مأزق المرحلة السياسية التي دخلها المغرب، نتيجة إجهاض المسلسل الإصلاحي الذي انتهى عشية الإعلان عن نتائج اقتراع 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، واكتمل هذا الإجهاض بتشكيل حكومةٍ لا تعكس إرادة الناخب، في شبه انقلاب سياسيٍّ على مخرجات صندوق الاقتراع. أما حراك الريف، فلم يكن سوى جرح تعفن في مناخ سياسي غير صحي، وتطور لما وجد أمامه فراغاً سياسياً قاتلاً... لكن الخطاب الملكي الأخير اختار منحىً (تكتيكياً) للجواب فقط على أعراض المرض، وليس على مسبباته، فعلق كل المشكلات على الأحزاب والإدارة.
إذا أرادت الدولة إصلاح البنية الحزبية، وطرد العناصر الفاسدة من وسطها، وتطهير التعدّدية السياسية من الطفيليات التي صارت تملأ الحقل الحزبي، فالأمر رهين بجملة تدابير سياسية وقانونية وثقافية، أهمها:
أولاً، أن ترفع الدولة يدها عن الأحزاب، وتتركها لقانون السوق الانتخابي، ولا تتدخل لا في نشأتها، ولا في تربيتها، ولا في رعايتها، ولا في تأديبها، ولا في انشقاقها، ولا في اختياراتها ... هي التي أفسدت الحقل الحزبي الذي صار اليوم موبوءاً، ولا ينتج، في الغالب، سوى أعيان مصالح، ونخب انتهازية، وقيادات ليس لها تأثير في المجتمع، وكل ما في جعبتها أنها تفسد المنافسة الشريفة يوم الاقتراع. هذا في وقتٍ تتعرّض الأحزاب الحقيقية لحرب تجريف قاسية...
ثانياً، لابد من تغيير نمط الاقتراع، وشكل تقسيم الدوائر الانتخابية ومستوى العتبة، ومنع المال والسلطة من التدخل في الانتخابات. بهذه الطريقة، ستنقرض الأحزاب التي لا تمثل إلا نفسها، وستولد أحزاب جديدة تعبر عن أفكار ومصالح مشروعة وبرامج مجتمعية. الحاصل اليوم أن العملة السيئة في الحقل الحزبي تطرد العملة الجيدة. ولهذا، لا غرابة أن يعلن الملك عن إفلاس السوق الحزبي...
ثالثاً، إذا أردنا أن نجعل من المواطنين حكماً بين الأحزاب، وعاملاً للفرز بينها، لا بد من تشجيع المشاركة السياسية، وإزالة العقبات الكثيرة في وجه ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات التي لا يشارك فيها سوى أقل من ربع من يحق لهم التصويت، فيما تبقى ثلاثة أرباع أخرى من المواطنين خارج العملية السياسية.
رابعاً، لابد من تغيير قانون الأحزاب، وإعطائها الإمكانات المالية واللوجستية الكافية لتأطير المواطنين وتمثيلهم، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلو كان القضاء الجالس والواقف يقوم بمهمته في تحريك الدعوى العمومية، بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية العامة للمالية، وتقارير الصحافة التي تتحدث طوال السنة عن فساد وزراء ومنتخبين ورجال في السلطة، لما تحول التدبير الوزاري والجهوي والجماعي والترابي إلى ما هو عليه اليوم..
الديمقراطية بالتعريف هي دولة الأحزاب، وإعلان إفلاس الأحزاب المغربية هو أخطر مؤشر على اختلال نموذجنا السياسي والدستوري والمؤسساتي والتمثيلي.
كان الخطاب نقدياً وغاضباً من أداء الحكومة والأحزاب السياسية التي عجزت، ثمانية أشهر، عن حل أزمة حراك الريف الذي بدأ محلياً، وصار وطنياً، انطلق اجتماعياً وتحول سياسياً.
المتشائمون، كما المتفائلون، لم يحصلوا من خطاب العرش على كل ما كانوا ينتظرون، فلا العفو على معتقلي الريف شمل كل من في الزنازين، ولا القصر أعلن عن خطة جديدة لتجديد النظام السياسي، وداخله النظام الحزبي الذي حاكمه محمد السادس، كما لم يفعل ملك من قبله...
لا يمكن للمراقبين أن يختلفوا حول هشاشة المشهد الحزبي في المغرب، وأعطابه البنيوية، لكن السؤال الجوهري هنا: هل أمراض النظام الحزبي مفصولة عن أمراض النظام السياسي؟ أليس من ثوابت النظام السياسي في المغرب إضعاف الأحزاب، وتهميش النخب الحزبية، والتحكّم فيها، حتى لا تخلّ بميزان القوى، كما استقر منذ استقلال المغرب، ميزان يميل لصالح القصر، ويجعل من ساكنه حجر الزاوية في كل قرار وملف وسياسة...
كنت أنتظر خطاباً "استراتيجياً"، يجيب على مأزق المرحلة السياسية التي دخلها المغرب، نتيجة إجهاض المسلسل الإصلاحي الذي انتهى عشية الإعلان عن نتائج اقتراع 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، واكتمل هذا الإجهاض بتشكيل حكومةٍ لا تعكس إرادة الناخب، في شبه انقلاب سياسيٍّ على مخرجات صندوق الاقتراع. أما حراك الريف، فلم يكن سوى جرح تعفن في مناخ سياسي غير صحي، وتطور لما وجد أمامه فراغاً سياسياً قاتلاً... لكن الخطاب الملكي الأخير اختار منحىً (تكتيكياً) للجواب فقط على أعراض المرض، وليس على مسبباته، فعلق كل المشكلات على الأحزاب والإدارة.
إذا أرادت الدولة إصلاح البنية الحزبية، وطرد العناصر الفاسدة من وسطها، وتطهير التعدّدية السياسية من الطفيليات التي صارت تملأ الحقل الحزبي، فالأمر رهين بجملة تدابير سياسية وقانونية وثقافية، أهمها:
أولاً، أن ترفع الدولة يدها عن الأحزاب، وتتركها لقانون السوق الانتخابي، ولا تتدخل لا في نشأتها، ولا في تربيتها، ولا في رعايتها، ولا في تأديبها، ولا في انشقاقها، ولا في اختياراتها ... هي التي أفسدت الحقل الحزبي الذي صار اليوم موبوءاً، ولا ينتج، في الغالب، سوى أعيان مصالح، ونخب انتهازية، وقيادات ليس لها تأثير في المجتمع، وكل ما في جعبتها أنها تفسد المنافسة الشريفة يوم الاقتراع. هذا في وقتٍ تتعرّض الأحزاب الحقيقية لحرب تجريف قاسية...
ثانياً، لابد من تغيير نمط الاقتراع، وشكل تقسيم الدوائر الانتخابية ومستوى العتبة، ومنع المال والسلطة من التدخل في الانتخابات. بهذه الطريقة، ستنقرض الأحزاب التي لا تمثل إلا نفسها، وستولد أحزاب جديدة تعبر عن أفكار ومصالح مشروعة وبرامج مجتمعية. الحاصل اليوم أن العملة السيئة في الحقل الحزبي تطرد العملة الجيدة. ولهذا، لا غرابة أن يعلن الملك عن إفلاس السوق الحزبي...
ثالثاً، إذا أردنا أن نجعل من المواطنين حكماً بين الأحزاب، وعاملاً للفرز بينها، لا بد من تشجيع المشاركة السياسية، وإزالة العقبات الكثيرة في وجه ارتفاع نسبة المشاركة في الانتخابات التي لا يشارك فيها سوى أقل من ربع من يحق لهم التصويت، فيما تبقى ثلاثة أرباع أخرى من المواطنين خارج العملية السياسية.
رابعاً، لابد من تغيير قانون الأحزاب، وإعطائها الإمكانات المالية واللوجستية الكافية لتأطير المواطنين وتمثيلهم، مع ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلو كان القضاء الجالس والواقف يقوم بمهمته في تحريك الدعوى العمومية، بناء على تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والمفتشية العامة للمالية، وتقارير الصحافة التي تتحدث طوال السنة عن فساد وزراء ومنتخبين ورجال في السلطة، لما تحول التدبير الوزاري والجهوي والجماعي والترابي إلى ما هو عليه اليوم..
الديمقراطية بالتعريف هي دولة الأحزاب، وإعلان إفلاس الأحزاب المغربية هو أخطر مؤشر على اختلال نموذجنا السياسي والدستوري والمؤسساتي والتمثيلي.