02 أكتوبر 2024
المعارضة السورية ودي ميستورا
لم يكن رد قوى المعارضة السورية ومثقفيها على تصريح المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، الذي دعا فيه المعارضة إلى "الواقعية"، والاعتراف بأنها "لم تربح الحرب"، موفقاً، فقد تجاهلت معظم الردود فحوى تصريحه، وراحت تنتقده، وتطالب بإقالته، لأنه، من وجهة نظرها، انحاز إلى النظام وحلفائه، وتصرّف على الضد من المهمة التي كُلف بها، وهي التوسّط بين النظام والمعارضة، بتبنّيه الموقف الروسي، موقف النظام بالتالي، من الصراع في سورية، متجاهلاً المجازر والتدمير والتهجير، كما لم تلتفت إلى الجزء الثاني من التصريح الذي قال فيه إنه "لا يمكن لأحدٍ الآن أن يقول إنه ربح الحرب".
لم تكن المعارضة موفقة في ردها على تصريح دي ميستورا بالحديث عن "صدمةٍ"، وإبراز وقوعها في "الخذلان"، ومهاجمتها الرجل، في حين أنها تدرك حراجة موقفها الميداني، وحتمية أخذه في الاعتبار، لكن ليس في السياق الذي أوحى به المبعوث الأممي، بل بالدفع باتجاه إعادة الموقف إلى طبيعته، وربط الحل بجذر الصراع: ثورة شعبية ضد نظام مستبد وفاسد، والعمل على تحريك تظاهراتٍ شعبيةٍ في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفي الشتات السوري الواسع، ولإبلاغ المبعوث الأممي أن الصراع لم ينته بعد، وإعادته إلى جوهر الموقف، وتذكيره بأنه لم ينجح في التعاطي معه، ودعوته إلى الإجابة على مطالب الشعب السوري، والالتزام بالمراجع الدولية ذات الصلة، وخصوصاً بيان جنيف 2012 وقراري مجلس الأمن 2118 و2254 اللذين لامسا، بمستويات مختلفة، مطالب الشعب السوري، حيث يمكن للالتزام بمرجعيات التفاوض وضع محدّدات لتحرك المبعوث الأممي من جهة، والحد من تأثير اختلال ميزان القوى على المفاوضات من جهة ثانية.
واقع الحال أن ما قاله دي ميستورا صحيحٌ من حيث توصيف الواقع الميداني، حيث رجّحت
كفة النظام وحلفائه في الميزان العسكري، لكنه انطوى، في الوقت نفسه، على ثلاثة أخطاء سياسية فادحة، أولها أنه تعاطى مع الصراع بين المعارضة والنظام، باعتباره صراعاً عسكرياً محضاً، وراح يطبق عليه معايير الحرب بين الدول والجيوش، وما ترتبه خسارة جيشٍ ما للحرب من تسليمٍ بشروط المنتصر والقبول بكل طلباته، بتجاهل تام لطبيعة الصراع وجذره، والحلول التي تنسجم مع هذه الطبيعة، والتي يمكن أن تقود إلى انتهائه، عبر تسويةٍ سياسيةٍ مناسبة.
نحن هنا إزاء صراع سياسي، خلفيته موقف شعبي رافض نمط الحكم الذي ساد في سورية خمسة عقود، وارتكز إلى السيطرة والبطش والتمييز بين المواطنين والمناطق، مجسّداً ثنائية الاستبداد والفساد بامتياز. لم يغير من هذه الطبيعة أو يضعها خارج قوس بروز العامل العسكري، وتحوله إلى السمة الرئيسة في إدارة الصراع. وهذا أبقى الحل السياسي المطلوب مرتبطاً بجذر الصراع، ومعالجة جذر المشكلة، ما يعني ضرورة تلبية تطلعات السوريين إلى الحرية والكرامة هدفاً للثورة عبر حلٍّ حقيقي يعيد الحقوق، يطلق الحريات العامة والخاصة، يحقق العدل والمساواة بين المواطنين، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللون، ويوفر الاستقرار والأمن. فمن دون ذلك لن نصل إلى نتيجةٍ مرضيةٍ تهيئ البلاد والعباد لولوج السلام.
وثانيها تجاهل المبعوث الأممي التطورات التي شهدها الصراع في سورية، والذي رتب سيطرة بُعد الصراع على سورية على المشهد، بفعل انخراط دول وقوى إقليمية ودولية بإمكاناتها الكبيرة وأجنداتها ومصالحها، ما يستدعي التركيز على هذا البُعد، وقراءة مواقف هذه القوى، بدلالة الصراع في سورية، وتقويم دورها وأدائها من منظار معالجة جذر هذا الصراع، وفتح الطريق لأطرافه، للاتفاق على حلٍّ يغطي كل جوانبه، مع التركيز على طبيعته وجذره، والضغط عليها للعب دور إيجابي في هذا الاتجاه. وهو جانب تجاهله دي ميستورا، حتى لا نقول إنه تصرّف على الضد من مقتضاه، حيث سعى إلى موازنة تحركاته واقتراحاته، بدلالة ممارسات هذه القوى ومطالبها، من دون إعطاء مطالب الشعب السوري وقوى الثورة والمعارضة الاهتمام المناسب، والعمل على وضعها على الطاولة، باعتبار مراعاتها ضرورةً لبلوغ الحل السياسي المناسب. المبعوث الأممي والعربي كوفي أنان وحده من بين مبعوثي الأمم المتحدة الثلاثة تعاطى مع هذا الجانب، عبر اقتراحه ذي البنود الستة.
ثالثها تصرف المبعوث الأممي خارج الدور الذي كلف به، فله دور محدّد، أساسه التوسّط بين
أطراف الصراع والبحث عن قواسم مشتركة، واقتراح مخارج بدلالة هذه المشتركات وتطويرها لبلوغ حل نهائي، فالدور الرئيس لأي مبعوث أممي خاص معرفة مطالب أطراف الصراع، والبحث عن مشتركاتها وتقاطعاتها، من أجل البناء عليها لتقريب المواقف، ولا يدخل في مهمته طرح بدائل عن مطالب أطراف الصراع، أو وضع حل خارج توجهاتها. من حقه وضع ملاحظاتٍ على سلوك أطراف الصراع على طاولة التفاوض، وفي الغرف المغلقة كذلك، من حيث جدّيتها وإيجابيتها، ولكن ليس من حقه تقويم موقفها على مستوى المضمون، إلا في حالة طرحها مواقف خارج السياق، فما بالك إذا طرح تقويماتٍ غير دقيقة، أو بعيدة عن الواقع، مثل تقويماته في إحاطته التي قدمها يوم 30 أغسطس/ آب الماضي إلى مجلس الأمن عن نجاح المصالحات ومناطق خفض التصعيد في خفض العنف، وتراجع القتال وقتل المدنيين، من دون الالتفات إلى ما جرى من مجازر وتدمير وتهجير، واستخدام الحصار والتجويع لإجبار المعارضة المسلحة على الدخول في المصالحات، على الرغم من انطوائها على التهجير القسري، لإنقاذ المدنيين من القتل والموت جوعاً.
لا يمكن للتذمر والشكوى أن يكونا جواباً على دعواتٍ أو مواقف ميدانية أو سياسية، ولا المناكفات الكلامية تفيد في وقف تطورات المواقف وتداعياتها، إذ المطلوب، وكما طرح المخططون الإستراتيجيون، الرد على قاعدة: كلام.. كلام، عمل.. عمل. فالمطلوب من المعارضة، وما تبقى من دول داعمة، الرد وفق مقتضيات إدارة الصراع والتمسّك بمستدعيات جذره ومراعاتها في أي حل سياسي.
لم تكن المعارضة موفقة في ردها على تصريح دي ميستورا بالحديث عن "صدمةٍ"، وإبراز وقوعها في "الخذلان"، ومهاجمتها الرجل، في حين أنها تدرك حراجة موقفها الميداني، وحتمية أخذه في الاعتبار، لكن ليس في السياق الذي أوحى به المبعوث الأممي، بل بالدفع باتجاه إعادة الموقف إلى طبيعته، وربط الحل بجذر الصراع: ثورة شعبية ضد نظام مستبد وفاسد، والعمل على تحريك تظاهراتٍ شعبيةٍ في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفي الشتات السوري الواسع، ولإبلاغ المبعوث الأممي أن الصراع لم ينته بعد، وإعادته إلى جوهر الموقف، وتذكيره بأنه لم ينجح في التعاطي معه، ودعوته إلى الإجابة على مطالب الشعب السوري، والالتزام بالمراجع الدولية ذات الصلة، وخصوصاً بيان جنيف 2012 وقراري مجلس الأمن 2118 و2254 اللذين لامسا، بمستويات مختلفة، مطالب الشعب السوري، حيث يمكن للالتزام بمرجعيات التفاوض وضع محدّدات لتحرك المبعوث الأممي من جهة، والحد من تأثير اختلال ميزان القوى على المفاوضات من جهة ثانية.
واقع الحال أن ما قاله دي ميستورا صحيحٌ من حيث توصيف الواقع الميداني، حيث رجّحت
نحن هنا إزاء صراع سياسي، خلفيته موقف شعبي رافض نمط الحكم الذي ساد في سورية خمسة عقود، وارتكز إلى السيطرة والبطش والتمييز بين المواطنين والمناطق، مجسّداً ثنائية الاستبداد والفساد بامتياز. لم يغير من هذه الطبيعة أو يضعها خارج قوس بروز العامل العسكري، وتحوله إلى السمة الرئيسة في إدارة الصراع. وهذا أبقى الحل السياسي المطلوب مرتبطاً بجذر الصراع، ومعالجة جذر المشكلة، ما يعني ضرورة تلبية تطلعات السوريين إلى الحرية والكرامة هدفاً للثورة عبر حلٍّ حقيقي يعيد الحقوق، يطلق الحريات العامة والخاصة، يحقق العدل والمساواة بين المواطنين، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللون، ويوفر الاستقرار والأمن. فمن دون ذلك لن نصل إلى نتيجةٍ مرضيةٍ تهيئ البلاد والعباد لولوج السلام.
وثانيها تجاهل المبعوث الأممي التطورات التي شهدها الصراع في سورية، والذي رتب سيطرة بُعد الصراع على سورية على المشهد، بفعل انخراط دول وقوى إقليمية ودولية بإمكاناتها الكبيرة وأجنداتها ومصالحها، ما يستدعي التركيز على هذا البُعد، وقراءة مواقف هذه القوى، بدلالة الصراع في سورية، وتقويم دورها وأدائها من منظار معالجة جذر هذا الصراع، وفتح الطريق لأطرافه، للاتفاق على حلٍّ يغطي كل جوانبه، مع التركيز على طبيعته وجذره، والضغط عليها للعب دور إيجابي في هذا الاتجاه. وهو جانب تجاهله دي ميستورا، حتى لا نقول إنه تصرّف على الضد من مقتضاه، حيث سعى إلى موازنة تحركاته واقتراحاته، بدلالة ممارسات هذه القوى ومطالبها، من دون إعطاء مطالب الشعب السوري وقوى الثورة والمعارضة الاهتمام المناسب، والعمل على وضعها على الطاولة، باعتبار مراعاتها ضرورةً لبلوغ الحل السياسي المناسب. المبعوث الأممي والعربي كوفي أنان وحده من بين مبعوثي الأمم المتحدة الثلاثة تعاطى مع هذا الجانب، عبر اقتراحه ذي البنود الستة.
ثالثها تصرف المبعوث الأممي خارج الدور الذي كلف به، فله دور محدّد، أساسه التوسّط بين
لا يمكن للتذمر والشكوى أن يكونا جواباً على دعواتٍ أو مواقف ميدانية أو سياسية، ولا المناكفات الكلامية تفيد في وقف تطورات المواقف وتداعياتها، إذ المطلوب، وكما طرح المخططون الإستراتيجيون، الرد على قاعدة: كلام.. كلام، عمل.. عمل. فالمطلوب من المعارضة، وما تبقى من دول داعمة، الرد وفق مقتضيات إدارة الصراع والتمسّك بمستدعيات جذره ومراعاتها في أي حل سياسي.