07 نوفمبر 2024
مصالحة فلسطينية.. لنتفاءل إذن
أما وأن مزاجاً متفائلاً يشيع باقتراب تحقيق مصالحةٍ تامة بين حركتي فتح وحماس، فلا بأس، إذن، من أن ننخرط جميعنا فيه، فليس ثمّة ما هو أدعى للسرور من أن تغادر الحالة الفلسطينية الانقسام المخزي، والذي لم يكن شططاً من صاحب هذه الكلمات أنه اعتبره، غير مرة، عاراً يصيب كل فلسطيني. ومن فرط ما تراكم من أرطال اليأس، طوال سنوات الانقسام العشر الماضية، فإن فلسطينيين عديدين اشتهوا أن يفيقوا ذات صباح، وقد تبخّرت "حماس" و"فتح" معاً، الأمر الذي التقى مع سخرية الراحل محمد طمليه المرّة، في غضون الاقتتال المسلح الذي نشب بين الحركتين في العام 2006، لمّا تمنّى عليهما مواصلة الاقتتال إلى أن يقضيا على بعضهما بعضاً، فينتهي الشعب الفلسطينيي من وجع الرأس الذي يُحدثه وجودهما.
وتالياً، مع تتابع اتفاق مكة في 2006، وإعلان صنعاء في 2008، ولاحقاً الورقة المصرية، ولقاء دمشق، واتفاقات القاهرة والدوحة، وصولاً إلى اتفاق مخيم الشاطئ في 2014، عدا عن عشرات اللقاءات بين الحركتين، في العاصمة القطرية غالباً، ظلّ السؤال يلحّ بشأن "المعجزة" المطلوبة لإنهاء هذه القصة، كما بقيت التحليلات تعيد وتزيد بشأن "القُطَب المخفية" الوفيرة التي أعاقت "التصالح" المشتهى، ومنعت توافقاً ممكناً على صيغ إدارة الاختلاف في الساحة الفلسطينية، طالما أن من البديهي أن "حماس" لن تصير مثل "فتح"، وأن الأخيرة لن تصير كما تلك، وكان القول تلو القول إن غياب الإرادة السياسية باتجاه الحل لدى قيادتي الحركتين، معطوفة عليه التأثيرات الإقليمية وتدخلات هذه الدولة وتلك عليهما، ثم زيدت عليهما "مصالح" تعزّزت لدى شخصيات وشرائح في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، ونجمت عن استمرار الشقاق وبقاء حال الانقسام على مراوحته، فعمل أصحابها على إدامة هذا الحال في مربعه الأول.
لا بأس من التمنّي على الإعلام حالياً عدم نبش هذا الأرشيف، فلا يخوض في تعيين المسؤوليات بصدده، بل أن يذهب إلى منطقة التفاؤل الطارئ هذا، ليس من باب مأثور القول إن تفاؤلك بالخير يجعلك تجده، ولكن من مدخل تشجيع طرفي "ملحمة" الانقسام المديدة على مزيد من التقدّم في الذي أُنجز في القاهرة، أخيراً، وبعد المكالمات الهاتفية المشجّعة بين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والرئيس محمود عباس. وأيضاً لتعرف قيادتا "حماس" و"فتح" أن هذا المقدار من التفاؤل الراهن هو آخر ما تبقّى لدى عامة الفلسطينيين ويمكن أن ييسروه لهما، إذا ما قرّرتا جدّيةً مؤكّدةً باتجاه تحقيق مقادير مأمولة من وحدة وطنية، تسعف أقله في تظهير صورةٍ للفلسطيني غير الشاحبة التي نراها.
ومع التشديد على وجوب هذا التفاؤل، لا يحسن التأشير إلى الشياطين المقيمة في التفاصيل، وإن لم يجر حسم هذه التفاصيل بين سلطتي رام الله وغزّة. ولكن، لا غضاضة من أن يندسّ بعض الحذر بين جوانحنا، ونحن في هذا المزاج المدعو إليه هنا بإلحاح، بسبب جبالٍ من الخيبات ظلت تعلو أكثر وأكثر، مع خطواتٍ سريعة إلى الخلف، كان الطرفان يمضيان إليها، بعد كل خطوةٍ تتقدّمان بهما. وبسبب أن معيقات إنهاء الانقسام كانت قائمةً قبل أن تشكّل حركة حماس اللجنة الإدارية، في مارس/ آذار الماضي، والتي تولّت مسؤوليات التسيير الحكومي في قطاع غزة، وهو ما كان من أسباب العقوبات التي فرضها الرئيس عباس على القطاع (إلغاء رواتب مثلاً)، ما يعني أن إعلان الحركة، في القاهرة أخيراً، حلّ هذه اللجنة، لا يعدو أن يكون عتبةً محدودة، ومثلها تسليم الإدارات والمؤسسات للحكومة برئاسة رامي الحمدالله، وكذا الموافقة على بدء الإعداد لانتخاباتٍ رئاسيةٍ وتشريعية، ذلك أن ملفاتٍ أخرى تبقى ماثلة، حاضرة في اتفاق القاهرة الموقّع في العام 2011، وطالعنا أنه سيتم إحياؤه وتنفيذه، فالعبرة بالتنفيذ، سيما فيما يتعلق بموضوع المسؤولية الأمنية والأجهزة المختصة به، وهو الذي كان سبب الاقتتال في 2006، ثم الانقسام المعلوم، عقب انعطافة الانتخابات البرلمانية غير المنسيّة، فلم يكن خيار التسوية والمفاوضات هو سبب خلاف حركة حماس مع "فتح" ورئاسة السلطة الوطنية، كما ظل يقال منذ عشرة أعوام.