04 نوفمبر 2024
"أستانة روسيا" وتقاسم النفوذ في سورية
تصاعدت ردود الفعل السورية بشأن نتائج الجولة السادسة من مباحثات أستانة السورية، وعم الصمت دولياً عن التفاهمات التي عقدت بعيداً عن الأضواء بين الأطراف الثلاثة (روسيا وتركيا وإيران)، إذ عقدت الجولة بعد اجتماعات بين كل طرفين، العامل المشترك فيهما تركيا، ما يعني أن ما آلت إليه الأمور في "أستانة 6" هو نتائج جاهزة لتلك الزيارات واللقاءات المشتركة بين القادة العسكريين والسياسيين، حيث لم يكن للسوريين، على طرفي المعادلة (نظاماً أو معارضة)، أي دور يذكر، حتى ولو كان تشاورياً، في إعلانٍ صريح من الدول المذكورة عن انتفاء سيادة أي طرف (لا سيما النظام) على المناطق التي عقدت التفاهمات والاتفاقيات حولها.
وبينما صمت الحاضرون في المحادثات من الفصائل السورية، وجلسوا مجرد شهود على اتفاقيةٍ لا يعرفون مدى تأثيراتها على واقع وجودهم بوصفهم معارضة، تردّدت هنا وهناك، بيانات رفض لهذه المخرجات، على الرغم من أن النتائج تعد حصيلة طبيعية لمقدّمات سابقة، سواء من الجولات التفاوضية الخمس لأستانة، أو من اتفاقيات خفض التصعيد التي عقدت بين الجانبين الروسي والأميركي، أو الروسي وفصائل الغوطة (جيش الإسلام وفيلق الرحمن) كل على حدة، ما يجعل تلك الصرخات غير ذات فاعلية، ولا يمكن أن تؤدي إلى تعطيل مضمون ما اتفق عليه، سواء المعلن منه، أو المضمر بين سطور بنود الاتفاقيات، وفي الاجتماعات الثنائية والثلاثية.
وقد نفى النظام موافقته على أن تكون تركيا دولة ضامنة لخفض التصعيد في إدلب، معتبراً
"الوجود العسكري التركي غير شرعي" (كأن كل القوى والقوات العسكرية الأخرى الموجودة على أرض سورية شرعية)، متجاهلاً أن كل ما تم من اتفاقيات على مناطق "خفض التصعيد" هو لشرعنة وجود تلك الدول في سورية، وفي مقدمتها إيران، وأن هذه الاتفاقيات جرت بعيداً عن مشاركتها الفعلية فيها، أسوة بالطرف الآخر (المعارضة بتنوعاتها).
وفي وقتٍ تستعد فيه كل دولة لإطباق سيطرتها على حصتها في مناطق نفوذها، تتابع قوات سورية الديمقراطية مسارها العسكري، لتحرير المناطق التي أوكلت إليها من الإدارة الأميركية، وسط اعتراض النظام وتقاطع موقفه مع اعتراضات إيران وتركيا حول ذلك الدور الكردي وحدوده، ولكل منهم أسبابه الخاصة التي تتلخص في:
أولاً- سعي النظام إلى إحكام سيطرته على كل ما يستطيعه من مساحة سورية لتكبير حصته على طاولة المفاوضات في جنيف، وصياغة تسويةٍ تتناسب وإرادته في البقاء حاكماً مطلقاً لسورية، ضمن تنازلاتٍ من نوع إجراء تعديلات في الحكومة التنفيذية، وإعطاء أدوار لشخصياتٍ معارضةٍ فيها، وتغييرات في بعض نصوص دستور 2012، حيث تسمح هذه التغييرات بمشاركة المعارضة، وفق أسسٍ لا تتجاوز ما هو قائم اليوم من شراكةٍ بين النظام وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، فالاعتبار لدى النظام ليس للسيادة الوطنية التي تجعله قادراً على صناعة القرار على أراضيه، سواء الذي يتعلق بعلاقاته مع دول الجوار أو غيرها، أو التي تسمح للدول بالوجود على أراضيه، وإنما لبقاء النظام شريكا مستثمرا لسورية داخلياً مع أي قوة أو دولة تحميه.
ثانياً- تسعى إيران إلى عرقلة حركة الأكراد في دير الزور التي تتوخى منعها من الوصول إلى مناطق الحدود مع العراق، حيث يمكن للقوى الكردية أن تعرقل لإيران مشروع ربط العواصم الأربع (طهران، بغداد، دمشق، بيروت) الذي لا زالت تحلم به، عبر وصول قواتها، أو قوات النظام، إلى دير الزور والبوكمال، وخصوصا بعد أن خسرت معبر التنف في البادية، إضافة إلى أن أي تمدّد كردي من شأنه أن يفتح أبواب حراك كردي إيراني، تسعى طهران إلى ابقاء ملفه مغلقاً، وهو ما تتشارك بهواجسه مع الجانب التركي.
ثالثاً- تركيا هي صاحبة الحراك الأساسي ضد القوة الكردية التي تعتبرها جزءاً من حزب
العمال الكردستاني الإرهابي، وتعتبر وجودها على الحدود تهديداً لأمنها القومي، وربما امتدادا لنشاط المنظمة الإرهابية. ولهذا تستمر في القول إنها لن تسمح باقامة كيان كردي في جوارها. وعليه، ما شاهدناه من موقفها الرافض لاستفتاء كردستان العراق، في عملية توحيد نظرتها تجاه الكرد عموماً، ولأي دولة كانوا ينتمون، أربك القضية السورية، حيث لم تستطع قوى المعارضة التدخل في فصل الصراع بين تركيا وأكرادها، وبينها وبين جزء من أكراد سورية، بيد أن التدخل الأميركي حدّ من قدرة أنقرة على إبعاد قوات سورية الديمقراطية، وفتح لها المجال في المشاركة في معركتي الرقة ودير الزور، وأوعز للروس بتحمل جزء من مسؤوليتها لإقامة منطقة فصلٍ بين القوات التركية والكردية في منطقة تل رفعت، في مقابل ضمان روسيا لتركيا إقامة الشريط العازل، أو منطقة خفض التوتر في ريف حماه وسهل الغاب وجبال الساحل وطبعاً إدلب.
وتأتي عملية توحيد الفصائل المسلحة في إدلب، ضمن ما يمكن تسميته ترويض المعارضة داخل مناطق نفوذ داعميها، حيث تتجمع فصائل محسوبة على تركيا في مواجهة ما يسمى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، علماً أن معظم الذين انضووا تحت جناح الهيئة قد ساهموا اليوم بتفكيكها من الداخل، في عملية نوعية لتدوير الوظائف والأهداف، ما يعني أن مرحلة الاعتراضات التي جاءت متأخرة، ست جولات في أستانة، لن تفيد إلا بتسجيل مواقف إعلامية، لا تغير من خرائط المناطق منخفضة التوتر أي شيء، ولا تعيد رسم الألوان على خريطة تفاهمات 9 سبتمبر/ أيلول في أنقرة، بعيداً عن ريشة السوريين، وحسب المشهد السوري لقوى الثورة التي غيبت تماماً بفعل الفصائل المنضوية ضمن تلك الاتفاقات.
وبينما صمت الحاضرون في المحادثات من الفصائل السورية، وجلسوا مجرد شهود على اتفاقيةٍ لا يعرفون مدى تأثيراتها على واقع وجودهم بوصفهم معارضة، تردّدت هنا وهناك، بيانات رفض لهذه المخرجات، على الرغم من أن النتائج تعد حصيلة طبيعية لمقدّمات سابقة، سواء من الجولات التفاوضية الخمس لأستانة، أو من اتفاقيات خفض التصعيد التي عقدت بين الجانبين الروسي والأميركي، أو الروسي وفصائل الغوطة (جيش الإسلام وفيلق الرحمن) كل على حدة، ما يجعل تلك الصرخات غير ذات فاعلية، ولا يمكن أن تؤدي إلى تعطيل مضمون ما اتفق عليه، سواء المعلن منه، أو المضمر بين سطور بنود الاتفاقيات، وفي الاجتماعات الثنائية والثلاثية.
وقد نفى النظام موافقته على أن تكون تركيا دولة ضامنة لخفض التصعيد في إدلب، معتبراً
وفي وقتٍ تستعد فيه كل دولة لإطباق سيطرتها على حصتها في مناطق نفوذها، تتابع قوات سورية الديمقراطية مسارها العسكري، لتحرير المناطق التي أوكلت إليها من الإدارة الأميركية، وسط اعتراض النظام وتقاطع موقفه مع اعتراضات إيران وتركيا حول ذلك الدور الكردي وحدوده، ولكل منهم أسبابه الخاصة التي تتلخص في:
أولاً- سعي النظام إلى إحكام سيطرته على كل ما يستطيعه من مساحة سورية لتكبير حصته على طاولة المفاوضات في جنيف، وصياغة تسويةٍ تتناسب وإرادته في البقاء حاكماً مطلقاً لسورية، ضمن تنازلاتٍ من نوع إجراء تعديلات في الحكومة التنفيذية، وإعطاء أدوار لشخصياتٍ معارضةٍ فيها، وتغييرات في بعض نصوص دستور 2012، حيث تسمح هذه التغييرات بمشاركة المعارضة، وفق أسسٍ لا تتجاوز ما هو قائم اليوم من شراكةٍ بين النظام وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، فالاعتبار لدى النظام ليس للسيادة الوطنية التي تجعله قادراً على صناعة القرار على أراضيه، سواء الذي يتعلق بعلاقاته مع دول الجوار أو غيرها، أو التي تسمح للدول بالوجود على أراضيه، وإنما لبقاء النظام شريكا مستثمرا لسورية داخلياً مع أي قوة أو دولة تحميه.
ثانياً- تسعى إيران إلى عرقلة حركة الأكراد في دير الزور التي تتوخى منعها من الوصول إلى مناطق الحدود مع العراق، حيث يمكن للقوى الكردية أن تعرقل لإيران مشروع ربط العواصم الأربع (طهران، بغداد، دمشق، بيروت) الذي لا زالت تحلم به، عبر وصول قواتها، أو قوات النظام، إلى دير الزور والبوكمال، وخصوصا بعد أن خسرت معبر التنف في البادية، إضافة إلى أن أي تمدّد كردي من شأنه أن يفتح أبواب حراك كردي إيراني، تسعى طهران إلى ابقاء ملفه مغلقاً، وهو ما تتشارك بهواجسه مع الجانب التركي.
ثالثاً- تركيا هي صاحبة الحراك الأساسي ضد القوة الكردية التي تعتبرها جزءاً من حزب
وتأتي عملية توحيد الفصائل المسلحة في إدلب، ضمن ما يمكن تسميته ترويض المعارضة داخل مناطق نفوذ داعميها، حيث تتجمع فصائل محسوبة على تركيا في مواجهة ما يسمى هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، علماً أن معظم الذين انضووا تحت جناح الهيئة قد ساهموا اليوم بتفكيكها من الداخل، في عملية نوعية لتدوير الوظائف والأهداف، ما يعني أن مرحلة الاعتراضات التي جاءت متأخرة، ست جولات في أستانة، لن تفيد إلا بتسجيل مواقف إعلامية، لا تغير من خرائط المناطق منخفضة التوتر أي شيء، ولا تعيد رسم الألوان على خريطة تفاهمات 9 سبتمبر/ أيلول في أنقرة، بعيداً عن ريشة السوريين، وحسب المشهد السوري لقوى الثورة التي غيبت تماماً بفعل الفصائل المنضوية ضمن تلك الاتفاقات.