14 نوفمبر 2018
أي دولة يعدنا الأكراد بها؟
لا تنفع واقعياً مقاربة المسألة الكردية من نفاد تاريخي، فعدم وجود أدلة تاريخانية وأركيولوجية علمية كافية تثبت وجود كيان اسمه كردستان من عدمه في التاريخ لا يؤثر، لا سلباً ولا إيجاباً، على مسألة القرار الدولي الجيواستراتيجي بالسماح بوجود تلك الدولة بالدرجة الأولى. فلم يكترث أحد في العالم لشح الأدلة التاريخية والأركيولوجية العلمية على وجود دولة إسرائيل، حين قرّر صناع القرار العالمي إيجادها في المنطقة. لن تنفع أيضاً مقاربة المسألة الكردية سوسيولوجياً وأنثربولوجياً، من خلال التذكير بأن مفاهيم "قومية" و"إثنية" العائدة إلى القرن التاسع عشر ما عادت تحظى بأي دور تعريفي في فضاء اليوم العولمي.
تأسيس كيان دولتي اسمه "كردستان" مسألة سياسية صرفة، وتأتي في سياق استراتيجيات يريد صناع القرار الدولي تطبيقها في المنطقة. كما أنه لا يفيد الكرد أو سواهم أن يتصدّى الرأي العام على امتداد دول الإقليم المشرقي، لتشجيع خطوة الاستفتاء على الاستقلال الذي جرى أخيرا والمباركة للأكراد قرارهم، أو لمناهضة الخطوة ومهاجمة الأكراد وإدانتهم بسبب الاستفتاء. الموقفان مجرد عواطف وشعوريات عامة لا يكترث لها (التي تؤيد والتي تناهض) أحد من أطراف صنع القرار، التي إما أوعزت للأكراد بالسير في حلمهم في هذا التوقيت بالذات، أو التي تدعم الخطوة من وراء الستار، على الرغم من علو صوتها الإعلامي والدبلوماسي بما يوحي بخلاف ذلك.
يجب مقاربة المسألة الكردية من زاوية سياسية، تتعلق بماهية الدولة التي يحلم بها من يريدون أن يوجِدوها، وتركيبة هذه الدولة. علينا أن نقرأ القرار الكردي، الاستفتاء والاستقلال، في سياق أوسع، يتعلق بوجود قرار دولي حاسم بتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى أنظمة فيدرالية. السؤال الذي يخضع للنقاش في ساحات تكوين الأفكار(يؤجل عملية تطبيق الفدرلة بشكل واسع
وحاسم في هذه المرحلة) هو سؤال القاعدة السوسيولوجية والأنثربولوجية التي سيتأسس عليها أي نظام فيدرالي في المنطقة: هل ستكون الفيدرالية على قاعدة دينية، أم طوائفية، أم عرقية، أم لغوية أم إيديولوجية.. إلخ؟ يعلم الأكراد أن المنطقة تسير نحو هذا التحول وبسرعة في الواقع، ويدركون أن الدول التي ينتمون لها جغرافياً بحكم وجودهم المعيشي قد لا تبقى في البنية والتركيبة التي كانت عليها في القرن الماضي (بما في ذلك تركيا وإيران اللتان لن تبقيا كما عرفناهما في القرن الماضي). لهذا، يفضّلون أن يكون لهم كيان منفصل ومنذ الآن، كيلا يتأثر وجودهم الجغرافي والسكاني والحياتي بالمتغيرات البنيوية التي ستعيد تشكيل معظم (إن لم يكن كل دول تلك المنطقة) وفق آليات إدارة وحكم فيدرالية لامركزية. في ضوء هذا، يسارع الأكراد إذاً لتهيئة الرأي العام الإقليمي والعالمي لفكرة تأسيس كيان دولتي مستقل، وكذلك لدفع تركيا وإيران إلى الانجراف نحو درك الفدرلة أيضاً في المستقبل الآتي.
علينا أن لا نقف مع هذا القرار أو ضده في المطلق، ليس فقط لأنه لا مطلقات في السياسة ولا مشاعر. بل كذلك لأن علينا أن نقيمه في ضوء طبيعة ماهية تلك الدولة العتيدة البنيوية وتوجهاتها، وهي الدولة التي سيتأسس على قاعدتها كيان كردستان: إذا كانت تلك الدولة ستقوم على ماهية قوموية صرفة، فالأكراد إذا ماضون نحو تأسيس دولة أحادية لا تعددية، وقوامها هيمنة إيديولوجية قوموية واحدة، وفرضها بالسلطة على كل جماعات المجتمع وفئاته الشعبية، سواء كانت تلك الفئات تؤمن بتلك الإيديولوجيا أم لا. أما إذا كانت تلك الدولة ستقوم على ماهية لغوية- ثقافية أحادية (الكردية في هذه الحال)، سنجد أمامنا دولة أحادية طغيانية أخرى، تعيد تماماً نمذجة معظم دول العالم العربي ودولة إسرائيل. أما إذا كنا سنشهد دولةً قوامها هيمنة دينية أو طائفية، فكردستان العتيدة ستنمذج عراقاً ولبنان وتركيا وإيران آخر. بكلمات أخرى، المهم أن يوجِد الأكراد فعلاً دولة لا تشبه أبداً الدول التي يوجد فيها الشعب الكردي فيها أو قريبة جغرافياً منها، ولا تتماهى مع هذه الدولة أو تقع في فخ أي منها، فكل تلك الدول المجاورة تنمذج دولاً مريضة حتى النخاع بالأحاديات والهيمنة واللاتعددية واللاتنوع والعنصرية والاستبداد على مستويات دينية وطائفية وعرقية ولغوية وإيديولوجية.
إذا كان الأكراد سيؤسسون دولة تعددية، علمانية، ديمقراطية، مدنية، عصرية تحتضن بشكل
متساوٍ وعلى قاعدة شرعة حقوق الإنسان كل فئات البشر الموجودة في أماكن وجود الأكراد جغرافياً، من تركمان وعرب وسريان وأيزيديين وآشوريين وأرمن، .. إلخ. وإذا كانوا سينجحون في تأسيس تلك الدولة في المنطقة بحق وفعلياً، فعلينا جميعاً أن نشجّع تلك العملية، لأنها ستوجِد نموذجاً جديداً غير مسبوق لدولةٍ فشلت شعوب المنطقة أجمعها (بما فيها لبنان)، حتى تلك اللحظة، في إيجادها. سيكون عندنا نموذج نابض كي نتعلم منه، وربما نقلده جميعاً. ولكن، وعلى العكس، إذا ما انتهى الأمر بالأكراد إلى إيجاد دولة تقوم على استبداد فريق بشري معين، ووصايته، بدلالة لغته وثقافته وعرقه وتاريخه وإيديولوجيته، لا بل ودينه وطائفته، على باقي الشرائح البشرية والمجتمعية الأخرى، فنحن إذاً سنشهد لا مجرد ولادة دولة إسرائيلية ثانية، بل وولادة دولة مشرقية جديدة، لا تختلف أبداً وبأي شكل عن دول المنطقة الموجودة حالياً. أي أننا بدل أن نعالج المرض، نسمح بامتداده وتضاعفه. علينا إذاً أن نراقب وندعو بجدية الأكراد إلى أن يعملوا على إيجاد الدولة الأولى، وعلى عدم الوقوع في فخ الانجرار إلى إيجاد الدولة الثانية. نريد أملاً بعلاج في المشرق، لا كيانا جديدا يزيد المرض إعضالاً.
تأسيس كيان دولتي اسمه "كردستان" مسألة سياسية صرفة، وتأتي في سياق استراتيجيات يريد صناع القرار الدولي تطبيقها في المنطقة. كما أنه لا يفيد الكرد أو سواهم أن يتصدّى الرأي العام على امتداد دول الإقليم المشرقي، لتشجيع خطوة الاستفتاء على الاستقلال الذي جرى أخيرا والمباركة للأكراد قرارهم، أو لمناهضة الخطوة ومهاجمة الأكراد وإدانتهم بسبب الاستفتاء. الموقفان مجرد عواطف وشعوريات عامة لا يكترث لها (التي تؤيد والتي تناهض) أحد من أطراف صنع القرار، التي إما أوعزت للأكراد بالسير في حلمهم في هذا التوقيت بالذات، أو التي تدعم الخطوة من وراء الستار، على الرغم من علو صوتها الإعلامي والدبلوماسي بما يوحي بخلاف ذلك.
يجب مقاربة المسألة الكردية من زاوية سياسية، تتعلق بماهية الدولة التي يحلم بها من يريدون أن يوجِدوها، وتركيبة هذه الدولة. علينا أن نقرأ القرار الكردي، الاستفتاء والاستقلال، في سياق أوسع، يتعلق بوجود قرار دولي حاسم بتحويل منطقة الشرق الأوسط إلى أنظمة فيدرالية. السؤال الذي يخضع للنقاش في ساحات تكوين الأفكار(يؤجل عملية تطبيق الفدرلة بشكل واسع
علينا أن لا نقف مع هذا القرار أو ضده في المطلق، ليس فقط لأنه لا مطلقات في السياسة ولا مشاعر. بل كذلك لأن علينا أن نقيمه في ضوء طبيعة ماهية تلك الدولة العتيدة البنيوية وتوجهاتها، وهي الدولة التي سيتأسس على قاعدتها كيان كردستان: إذا كانت تلك الدولة ستقوم على ماهية قوموية صرفة، فالأكراد إذا ماضون نحو تأسيس دولة أحادية لا تعددية، وقوامها هيمنة إيديولوجية قوموية واحدة، وفرضها بالسلطة على كل جماعات المجتمع وفئاته الشعبية، سواء كانت تلك الفئات تؤمن بتلك الإيديولوجيا أم لا. أما إذا كانت تلك الدولة ستقوم على ماهية لغوية- ثقافية أحادية (الكردية في هذه الحال)، سنجد أمامنا دولة أحادية طغيانية أخرى، تعيد تماماً نمذجة معظم دول العالم العربي ودولة إسرائيل. أما إذا كنا سنشهد دولةً قوامها هيمنة دينية أو طائفية، فكردستان العتيدة ستنمذج عراقاً ولبنان وتركيا وإيران آخر. بكلمات أخرى، المهم أن يوجِد الأكراد فعلاً دولة لا تشبه أبداً الدول التي يوجد فيها الشعب الكردي فيها أو قريبة جغرافياً منها، ولا تتماهى مع هذه الدولة أو تقع في فخ أي منها، فكل تلك الدول المجاورة تنمذج دولاً مريضة حتى النخاع بالأحاديات والهيمنة واللاتعددية واللاتنوع والعنصرية والاستبداد على مستويات دينية وطائفية وعرقية ولغوية وإيديولوجية.
إذا كان الأكراد سيؤسسون دولة تعددية، علمانية، ديمقراطية، مدنية، عصرية تحتضن بشكل