25 أكتوبر 2024
في بعض أوطاننا نحن "روهنغيا" أيضا
مع بلوغ عمليات التطهير الديني والإثني بحق الأقلية المسلمة من الروهنغيا في إقليم أراكان في ميانمار حدودا غير مسبوقة، فإن أسئلة كثيرة مشروعة تثار بشأن غياب دعم عربي وإسلامي ذي معنى لإخوانٍ لنا في الدين والإنسانية. هذا لا يعني أنه لا توجد بعض جهود مشكورة، كما من تركيا التي عرضت التكفل بمصاريف اللاجئين الروهينغا إن فتحت بنغلاديش حدودها أمامهم. ولا ينبغي أن يُنسى هنا أن الأخيرة، وهي بلد فقير معدم، تستضيف عشرات آلاف من الروهنغيا، ممن شُرِّدوا إليها على مدى عقود، ولا زالت أعدادهم تتصاعد، وإنْ كانت معاملتها لهؤلاء اللاجئين محل انتقاد كبير. وثمّة جهود لا بأس بها من كل من باكستان وإندونيسيا. ولكن الدعم المقدم إسلاميا لمنكوبي الروهنغيا أقل بكثير من المتوقع والمفترض، ولا يبدو أن دولة فقيرة هامشية كميانمار تقيم وزنا أو قدرا لأمةٍ يفوق تعدادها المليار ونصف مليار إنسان.
النقطة الأخيرة ينبغي أن تقرع أجراس الإنذار في صفوفنا، فكيف لدولةٍ هَشَّةٍ، مثل ميانمار، أن تتجرأ على فعل ما تفعله بحق مسلميها من دون أن تخشى رد فعل إسلاميا؟ ولكن، وكما يقول المثل، إن عُرِفَ السبب بَطُلَ العجب. فالأمة الإسلامية بلغت حدا من الغثائية لم يعد فيه من المتصور أن تجد أحدا قادرا على احترامها. ولا أظن أن حكومة ميانمار، برئاسة أون سان سو تشي، الحاصلة، ويا للمفارقة، على جائزة نوبل للسلام سنة 1991 لدعمها النضال اللاعنفي، أو المجلس العسكري الحاكم فعليا، يعيشون هواجس تقديم دعم إسلامي حقيقي لمسلمي
الروهنغيا، إن لم تتوقف جرائم الأغلبية البوذية بحقهم. حتى الغرب الذي يكتفي ببيانات الإدانة لانتهاكات حقوق الإنسان هناك، لا يجد نفسه مضطرا إلى فعل أكثر من ذلك، ولا يُسْتَبْعَدُ أن يتحول تركيزه غدا إلى مكافحة "الإرهاب الإسلامي" في إقليم أراكان، خصوصا بعد العمليات العسكرية أخيرا لما يعرف بجيش تحرير روهينغا أراكان، والتي تجيء رد فعل على إجرام العصابات البوذية ومن ورائها الجيش وقوى الأمن الميانمارية. بمعنى آخر، قد يتناسى هذا العالم المصاب بالعوار، قريبا، المُسَبِّباتِ، ويستغرق في العوارض الجانبية. لاحظ هنا أن الغرب لا يزال يتعامل مع الرئيسة تشي وكأنها فعلا مناضلة حقوقية، على الرغم من أنه قد انكشف اليوم حقيقة وجهها الطائفي البغيض، فحسب منطقها، فإن القيم الديمقراطية في بلادها مستحقّة للبوذيين، ممنوعة على المسلمين. أيّ مفهومٍ نضالي هذا، وأي مفهوم ذاك للمواطنة الذي يحرم مئات الآلاف من السكان حقهم فيها على أساس دينهم!؟
وعودة إلى الحالة العربية الإسلامية الكئيبة. انعدام الوزن والقيمة والقدر والاحترام ليس فقط ما نعانيه، بل أكثر من ذلك وأفظع، فصراعاتنا الطائفية، سنة- شيعة، وعرقية، عرباً- كرداً، مثلاً لا حصراً، أسقطت من الضحايا في صفوفنا أكثر من الذين قتلوا في اعتداءات أجنبية أو على أيدي غير مسلمين. بأسنا بيننا شديد، ونحن على بعضنا قساة غلاظ، ومع خصومنا تجدنا ناكصين على أعقابنا أو مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رؤوسنا. أموالنا، تلك التي ينجو منها من السرقة والفساد المباشرين، تصرف في تدميرنا وسفك دمائنا. إننا "روهنغيا" في أوطاننا، نُداس ونباد من أنظمةٍ محسوبةٍ علينا لا تقل وحشيةً ولؤما عن بوذيي ميانمار. قد يقول بعضهم إن في هذا مبالغة. هل هذا صحيح؟
ألم يقل بشار الأسد قبل بعض أسابيع: "خسرنا خيرة شبابنا والبنية التحتية، لكننا ربحنا مجتمعا
أكثر صحة وتجانسا". هل ثمّة من يشك في ما عناه حول مجتمع "أكثر صحة وتجانسا"؟ إنها الطائفية البغيضة، خصوصا في ظل العبث بالمعادلات الديمغرافية في سورية، ومحاولة تقليص الأغلبية العربية السنية بسحقها وتهجيرها. هذا جانب، أما الجانب الآخر، فهو قتل كل من تصل إليه يد إجرامه ممن يعارضون سطوته وبطشه. ولذلك لا تعجب إن قتل نظامه، بدعم من حلفائه الإيرانيين والروس، والمليشيات الشيعية، قرابة النصف مليون سوري، وهجّروا ملايين آخرين، فهذه هي أَوَلِيَّاتُ تحقيق مجتمع "أكثر صحةً وتجانسا"! ينطبق الأمر نفسه على مصر. ألم تصدح حناجر الانقلابيين، عام 2013، بأغنية "إنتو شعب واحنا شعب"، فكان أن سفكت دماء الآلاف من معارضي الانقلاب من المصريين! وقس على ذلك ما يجري في اليمن وليبيا على أيدي الإيرانيين والسعوديين والإماراتيين، وامتداداتهم في كل بلد. بل وما يجري في السعودية وإيران أيضا. ففي السعودية أخلت قوات الأمن قرية العوامية ذات الأغلبية الشيعية شرق المملكة، في حين لا تتردد إيران في استهداف سنتها وعربها.
باختصار، مأساة إخواننا من الأقلية المسلمة من الروهنغيا تعبير آخر عن حال البؤس والذل الذي نحياه نحن كأمة. لا يقتصر الأمر على غياب مشروع وبوصلة، بل إننا لا نملك كرامة، والأدهى أننا حمقى، نُحَرِّضُ على بعضنا بعضاً، ونحاصر بعضنا بعضاً، ونسفك دماءنا بأيدينا، وَنَخْفِضُ ظهورنا ليمتطينا كل غازٍ معتد، وبعد ذلك نتساءل: كيف انحدرنا إلى هذا القاع السحيق؟
النقطة الأخيرة ينبغي أن تقرع أجراس الإنذار في صفوفنا، فكيف لدولةٍ هَشَّةٍ، مثل ميانمار، أن تتجرأ على فعل ما تفعله بحق مسلميها من دون أن تخشى رد فعل إسلاميا؟ ولكن، وكما يقول المثل، إن عُرِفَ السبب بَطُلَ العجب. فالأمة الإسلامية بلغت حدا من الغثائية لم يعد فيه من المتصور أن تجد أحدا قادرا على احترامها. ولا أظن أن حكومة ميانمار، برئاسة أون سان سو تشي، الحاصلة، ويا للمفارقة، على جائزة نوبل للسلام سنة 1991 لدعمها النضال اللاعنفي، أو المجلس العسكري الحاكم فعليا، يعيشون هواجس تقديم دعم إسلامي حقيقي لمسلمي
وعودة إلى الحالة العربية الإسلامية الكئيبة. انعدام الوزن والقيمة والقدر والاحترام ليس فقط ما نعانيه، بل أكثر من ذلك وأفظع، فصراعاتنا الطائفية، سنة- شيعة، وعرقية، عرباً- كرداً، مثلاً لا حصراً، أسقطت من الضحايا في صفوفنا أكثر من الذين قتلوا في اعتداءات أجنبية أو على أيدي غير مسلمين. بأسنا بيننا شديد، ونحن على بعضنا قساة غلاظ، ومع خصومنا تجدنا ناكصين على أعقابنا أو مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رؤوسنا. أموالنا، تلك التي ينجو منها من السرقة والفساد المباشرين، تصرف في تدميرنا وسفك دمائنا. إننا "روهنغيا" في أوطاننا، نُداس ونباد من أنظمةٍ محسوبةٍ علينا لا تقل وحشيةً ولؤما عن بوذيي ميانمار. قد يقول بعضهم إن في هذا مبالغة. هل هذا صحيح؟
ألم يقل بشار الأسد قبل بعض أسابيع: "خسرنا خيرة شبابنا والبنية التحتية، لكننا ربحنا مجتمعا
باختصار، مأساة إخواننا من الأقلية المسلمة من الروهنغيا تعبير آخر عن حال البؤس والذل الذي نحياه نحن كأمة. لا يقتصر الأمر على غياب مشروع وبوصلة، بل إننا لا نملك كرامة، والأدهى أننا حمقى، نُحَرِّضُ على بعضنا بعضاً، ونحاصر بعضنا بعضاً، ونسفك دماءنا بأيدينا، وَنَخْفِضُ ظهورنا ليمتطينا كل غازٍ معتد، وبعد ذلك نتساءل: كيف انحدرنا إلى هذا القاع السحيق؟