06 نوفمبر 2024
أربع حقائق في الانتخابات العراقية
يقول الروائي الأميركي، بول أوستر، إن الأخبار السيئة لا يمكنها التخفّي ولا الانتظار، وهي تدخل آذاننا بسرعة البرق، وأغلب أخبار العراق السيئة التي تطرق أسماعنا هذه الأيام تكشف عن تدخلاتٍ خارجيةٍ في لعبة الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى العام الجاري، من ذلك لقاءات الجنرال الإيراني، قاسم سليماني، المسؤول عن الملف العراقي، بالقادة السياسيين الشيعة في بغداد، وإبلاغهم رسالة الإمام خامنئي بضرورة الوحدة في مواجهة خصومهم، وإن التنافس المطلوب هو فقط لإضفاء نكهة ديمقراطية على العملية الانتخابية، وبإمكاننا أن نتصوره، وهو يخاطب من التقى بهم، بلهجةٍ أقرب ما تكون إلى الأمر أن "لكم أن تتنافسوا في ما بينكم، وأن تتصارعوا، ولكم أيضا أن تتحالفوا مع من ترونه من الأطراف الأخرى، ولكن عليكم أن لا تنسوا توجيهات الإمام ووصاياه".
خبر وجود الجنرال الإيراني في العاصمة العراقية لم يعد جديدا، فقد اعتاد التجوال في النقاط الجغرافية التي تدخل في حسابات صانع القرار السياسي في طهران، وخصوصا في الأوقات التي يعجز القادة العراقيون فيها عن التوصل إلى توافق في ما بينهم، وهنا تدخل طهران طرفا في تقرير ما ينبغي للعراقيين فعله، وهو أمر بات اللاعبون العراقيون يدركونه، وفي حال أن يكون الجنرال مشغولا بأمر أهمّ، فإن طهران تستدعي من تريد من الساسة العراقيين لإبلاغه قرارها، وقد يحدث أن يحج سياسيون عراقيون، وبينهم محسوبون على المكون السني أو غيره، إلى طهران، إذا ما شعروا أنهم بحاجة إلى دعمها أو لطلب رضاها.
لم يعد الأميركيون في وارد البحث عن بدائل قادرة على إدارة تغيير في العملية السياسية الماثلة من وجهة نظرهم، واكتفوا بتحذير إيران مرارا بعدم الاقتراب مما رسموه من خطوط حمر، وهم يدركون جيدا أنهم باقون في العراق إلى ما شاء الله، وأن الحصة الأكبر في هذا البلد ستؤول لهم في النهاية، وأن تقليم أظافر إيران في أيديهم، وقد أعطوا فتوى "ملزمة" بإجراء الانتخابات في موعدها المقرّر، لأن تأجيلها "يقوّض الدستور، ويضر بالتطور الديمقراطي في العراق". وفي نهاية الأمر، فضلوا أن يجلسوا على حافة النهر، في انتظار أن يجيء التيار حاملا جثث خصومهم.
أما الأتراك فقد أعطوا دعما لوجستيا لقوى وشخصيات سنية في مجال الإعلام وإقامة
المؤتمرات، كما صرف السعوديون ملايين الدولارات لشراء شخصياتٍ سياسية سنية، وتلميع صورتها بنظر الجمهور العراقي، على أن الطرفين لم يتدخلا بشكل سافر على النحو الذي يفعله الأميركيون والإيرانيون، وتركوا لزبائنهم الفعل الميداني.
تعكس هذه التدخلات الحقيقة الأولى في الشأن الانتخابي العراقي، والحقيقة الثانية أن عدد الأحزاب والتيارات المنخرطة في العملية الانتخابية بلغ، بفضل الشيطان وبشهادة المفوضية العامة للانتخابات، أكثر من مئتي حزب، وهو عدد لم نسمع بمثله في سائر بلاد الله، وجدير بأن يأخذ مكانه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ومعلوم أن معظم هذه الأحزاب، إن لم نقل كلها، افتراضية اعتادت أن تنتقل في ما بينها من خلافٍ إلى اختلافٍ إلى ائتلاف إلى تحالف وبالعكس. واعتادت أن ترسو، في النهاية، على ما ترسم لها المراجع التي تتوكأ عليها. والحقيقة الثالثة ولادة عشرات الدكاكين الصغيرة التي تضم أناسا هم، بحسب وصف شائع، لا بالعير ولا بالنفير، تطمع في الحصول على بقايا الغنيمة. والحقيقة الرابعة، وهي أم الحقائق، أن هذه الانتخابات لن تكون نقطة تحول في المسار السياسي العراقي، كما يزعم بعضهم، ولن تشكل حالة استقرار في هذا البلد كما يريدها آخرون، إذ على الرغم من السخط المتنامي، لدى أوساط واسعة، على السياسات القائمة، وعلى اللاعبين السياسيين الماثلين، وعلى الرغم من الفضائح اليومية التي يتداول أخبارها العراقيون علنا، من غير المرجح أن يترجم هذا السخط إلى فعل مؤثر، ولن يتمكن هؤلاء الساخطون من قلب الطاولة، والتأسيس لعملية سياسية وطنية عابرة للطوائف والإثنيات والعشائر، لغياب مشروع وطني حقيقي ناجز، والعجز عن استيلاد قيادة وطنية قادرة على تأسيس حركة شعبية فاعلة ذات أهداف واضحة.
ولسوف يبقى العراق على حافة الهاوية أربع سنوات أخرى، من دون أن يشهد تحولا إيجابيا ذا أهمية. وإذا كان دوام الحال من المحال، كما تقول مأثوراتنا الشعبية، فإن تغيير الحال في المدى المنظور هو من المحال أيضا، وسوف يبقى العراق في قبضة "الإمام" والأصدقاء الأميركيين، إلى أن يشاء الله.
خبر وجود الجنرال الإيراني في العاصمة العراقية لم يعد جديدا، فقد اعتاد التجوال في النقاط الجغرافية التي تدخل في حسابات صانع القرار السياسي في طهران، وخصوصا في الأوقات التي يعجز القادة العراقيون فيها عن التوصل إلى توافق في ما بينهم، وهنا تدخل طهران طرفا في تقرير ما ينبغي للعراقيين فعله، وهو أمر بات اللاعبون العراقيون يدركونه، وفي حال أن يكون الجنرال مشغولا بأمر أهمّ، فإن طهران تستدعي من تريد من الساسة العراقيين لإبلاغه قرارها، وقد يحدث أن يحج سياسيون عراقيون، وبينهم محسوبون على المكون السني أو غيره، إلى طهران، إذا ما شعروا أنهم بحاجة إلى دعمها أو لطلب رضاها.
لم يعد الأميركيون في وارد البحث عن بدائل قادرة على إدارة تغيير في العملية السياسية الماثلة من وجهة نظرهم، واكتفوا بتحذير إيران مرارا بعدم الاقتراب مما رسموه من خطوط حمر، وهم يدركون جيدا أنهم باقون في العراق إلى ما شاء الله، وأن الحصة الأكبر في هذا البلد ستؤول لهم في النهاية، وأن تقليم أظافر إيران في أيديهم، وقد أعطوا فتوى "ملزمة" بإجراء الانتخابات في موعدها المقرّر، لأن تأجيلها "يقوّض الدستور، ويضر بالتطور الديمقراطي في العراق". وفي نهاية الأمر، فضلوا أن يجلسوا على حافة النهر، في انتظار أن يجيء التيار حاملا جثث خصومهم.
أما الأتراك فقد أعطوا دعما لوجستيا لقوى وشخصيات سنية في مجال الإعلام وإقامة
تعكس هذه التدخلات الحقيقة الأولى في الشأن الانتخابي العراقي، والحقيقة الثانية أن عدد الأحزاب والتيارات المنخرطة في العملية الانتخابية بلغ، بفضل الشيطان وبشهادة المفوضية العامة للانتخابات، أكثر من مئتي حزب، وهو عدد لم نسمع بمثله في سائر بلاد الله، وجدير بأن يأخذ مكانه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ومعلوم أن معظم هذه الأحزاب، إن لم نقل كلها، افتراضية اعتادت أن تنتقل في ما بينها من خلافٍ إلى اختلافٍ إلى ائتلاف إلى تحالف وبالعكس. واعتادت أن ترسو، في النهاية، على ما ترسم لها المراجع التي تتوكأ عليها. والحقيقة الثالثة ولادة عشرات الدكاكين الصغيرة التي تضم أناسا هم، بحسب وصف شائع، لا بالعير ولا بالنفير، تطمع في الحصول على بقايا الغنيمة. والحقيقة الرابعة، وهي أم الحقائق، أن هذه الانتخابات لن تكون نقطة تحول في المسار السياسي العراقي، كما يزعم بعضهم، ولن تشكل حالة استقرار في هذا البلد كما يريدها آخرون، إذ على الرغم من السخط المتنامي، لدى أوساط واسعة، على السياسات القائمة، وعلى اللاعبين السياسيين الماثلين، وعلى الرغم من الفضائح اليومية التي يتداول أخبارها العراقيون علنا، من غير المرجح أن يترجم هذا السخط إلى فعل مؤثر، ولن يتمكن هؤلاء الساخطون من قلب الطاولة، والتأسيس لعملية سياسية وطنية عابرة للطوائف والإثنيات والعشائر، لغياب مشروع وطني حقيقي ناجز، والعجز عن استيلاد قيادة وطنية قادرة على تأسيس حركة شعبية فاعلة ذات أهداف واضحة.
ولسوف يبقى العراق على حافة الهاوية أربع سنوات أخرى، من دون أن يشهد تحولا إيجابيا ذا أهمية. وإذا كان دوام الحال من المحال، كما تقول مأثوراتنا الشعبية، فإن تغيير الحال في المدى المنظور هو من المحال أيضا، وسوف يبقى العراق في قبضة "الإمام" والأصدقاء الأميركيين، إلى أن يشاء الله.