04 نوفمبر 2024
المعارضة السورية بين موسكو وعفرين ومنعطف سوتشي
يتخفف وفد المعارضة السورية من كل الشروط السابقة لحوارات الكيانات السياسية مع روسيا، الدولة الشريكة في صناعة المقتلة السورية. وعلى الرغم من أهمية ما يمكن أن ينتج عن الحوار المباشر مع دولةٍ شريكة للنظام في الحرب على الشعب السوري، إلا أن هذا الحوار كان يمكن أن ينتج من موقف كل من الجهتين المتحاورتين، أي الوفد باعتباره ممثلا عن المعارضة التي تتلقى حاضنتها الشعبية، بشكل دائم، صواريخ الجانب الروسي وقنابله، المقابل للمعارضة في الحوار في موسكو يومي الثلاثاء والأربعاء، والذي سبقته المعارضة ببيان يمكن أن تسميه روسيا "بيان اعتذار" أكثر منه بيان تصريح عن قبول "الدعوة" الموجهة إلى الوفد من الخارجية الروسية.
من المفيد أن يتابع الوفد نشاطاته بزيارات دولية لكسب التأييد الديبلوماسي للقضية السورية، بيد أن زيارة موسكو لا يمكن أن تقع ضمن سياق هذه الجهود، واعتبار البيان السابق لزيارة روسيا: "طرفاً معنياً بما يجري في سورية، وأحد رعاة العملية السياسية في جنيف، وضامنا أساسيا لمناطق خفض التصعيد"، حسب ماجاء في البيان الصادر عن هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية في 21 يناير/ كانون الثاني الجاري، من دون أي إشارة إلى شراكتها ومسؤوليتها عن الحرب الدائرة في سورية منذ تدخلها العسكري المعلن عام 2105، وفي وقت يتزامن فيه إصدار البيان مع قصف وحشي من روسيا على مناطق عديدة في سورية، ما يجعل من البيان ليس إعلانا، وإنما تصريحاً لاعتذار عن موقف المعارضة السابق من توصيف موسكو عدوا للثورة ومناصريها، ورسم صورة جديدة لروسيا في المشهد السوري، بما يتوافق والرغبة الروسية على ظاهر الحال.
إعادة ترتيب المعارضة استراتيجيتها في التعامل مع الأطراف المتصارعة في سورية، وعلى
سورية، لا يمكن أن يتساوق مع فكرة تجاهل أن روسيا هي من رفعت الفيتو 11 مرة في وجه أي قرار يخدم أي تقدم في وقف المأساة السورية، ورفع الظلم عن السوريين ومحاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية، ما يعني أن الحوار مع الجانب الروسي، على الرغم من الاستعراض الشعبي الذي يحدث في المؤتمرات الصحافية، يجب أن يكون مفهوما من المعارضة، حتى ضمن محتوى بياناتها، أنه حوار مع خصم، وليس مع "معنيٍّ بما يجري في سورية"، فروسيا ليست فرنسا ولا ألمانيا، بل هي من تحوم طائراتها فوق المدن السورية محملةً بقنابل الموت والدمار. ومن هنا أهمية الحوار معها من أجل الطلب منها وقف عدوانها، والالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع في سورية، وحتما ليس من أجل، كما ذكر البيان، "الوقوف على حقيقة الموقف الروسي تجاه العملية السياسية".
وأيضاً لا بد من القول إن المعارضة، بكل واقعية، بعد التخلي الأميركي عنها، لا تملك إلا السبل الدبلوماسية لمواجهة قوة عظمى مثل روسيا، ما يبرّر لوفد الهيئة مسعاها إلى الحصول على فرصة الحوار مع عدو للثورة، وأحد ضامني (مع إيران) تفوّق النظام في حربه الممتدة على مساحة سورية، لكن هذا المسعى لا يشترط تغيير المصطلحات والوظائف التي تتناسب وحقيقة الدور الروسي في المأساة السورية، وهو ما كان يمكن أن يعطي قوةً للوفد، وسبباً لوجوده في روسيا، قبيل تحضيراته لمباحثات فيينا تحت الرعاية الأممية، وقبل أيام من مؤتمر سوتشي الذي دعت إليه موسكو بغرض خلط الأوراق، وتمييع قضايا جوهرية، مثل مناقشة الدستور وقانون الانتخابات، وسط فوضى المدعويين، وبعيداً عن الشرعية الدولية.
تفيد هنا الإشارة إلى أن كل ما يدور اليوم من تعظيم لهالة "سوتشي"، وجعله مفصلياً في حياة المعارضة قد يصب جميعه في المصلحة الروسية التي قسمت الشارع: بين معارضين ومؤيدين من جهة، وبينه وبين القيادات المعارضة، على الرغم من أن تجاوز حضوره عبر الحوار مع روسيا مباشرة، والتعاطي معها وفق رؤيتها للحل في سورية، من خلال منحها متعة الانتصار معنوياً في جرّ المعارضة إلى حديقتها، في توقيتٍ متزامنٍ مع مذبحتها وما فرضته على نحو مائتي ألف سوري من تهجير قسري من إدلب، ومئات الضحايا في ريف دمشق، يوحي بأن المجتمع الدولي قد تخلى عن دعم المعارضة وتركها لمواجهة مصيرها مع روسيا وحلفها الجديد (إيران وتركيا)، على الرغم من إعلان المعارضة نجاحات الزيارات المكوكية لدول عديدة.
يمكن القول إن سلوك المعارضة السياسية ما قبل زيارة موسكو لن يكون كما بعدها، على
الرغم من ترجيح عدم حضورها مجتمعة، مثل وفد الهيئة، مؤتمر سوتشي، وإبقاء الأمر منوطاً برأي كل مكون من مكونات وفد المعارضة، ما يتيح مرونة في التعبير عن رأي كل مكون بالحلول المقترحة، فبينما منصة موسكو لن تعارض، تكون منصة القاهرة صامتةً عن مشاركة أعضاء لها. ويبقى قرار الائتلاف الوطني في إسطنبول مرهوناً، حتى اللحظة الأخيرة، في ما يتعلق بحضور "سوتشي"، بقرار حليفته المضيفة له، وكذلك قرار الفصائل المسلحة الشريكة في مسار أستانة ومعركة عفرين، حيث يرتبط قرار أنقرة بحضور سوتشي بتفاهماتٍ عديدة، تتقاطع من خلال معركتها الدائرة في عفرين، حيث الموقف الروسي داخل أروقة مجلس الأمن سيكون المنعطف الحاسم في الطريق إلى سوتشي، وفي التوافقات على جدول أعماله، وأسماء المدعوين له.
ليس من باب التقليل من أهمية الاستراتيجية الجديدة للهيئة العليا للتفاوض، ولكن من باب التنبيه إلى أن الاعتراف بأخطاء سياسات الهيئة السابقة، عبر نسف محاذيرها في التعامل مع روسيا، وربما لاحقاً إيران، لا يعني بالضرورة أنه المسار الصحيح. ولكن قد يكون طرق الأبواب التي تعتمدها الهيئة الجديدة مجديا، في حال تسلحت بمشروعٍ وطنيٍّ فعليٍّ، وليس شعاراتيا، وتحدثت عن سورية كما أوردت في بيانها (سابق الذكر): "دولة ديمقراطية ذات نظام سياسي تعددي، دولة المواطنة المتساوية، وسيادة القانون"، من دون أن تنسى أن ضمن هذه الدولة مناطق تحت القصف، منها عفرين ومنبج وإدلب وريف دمشق وحماه.
من المفيد أن يتابع الوفد نشاطاته بزيارات دولية لكسب التأييد الديبلوماسي للقضية السورية، بيد أن زيارة موسكو لا يمكن أن تقع ضمن سياق هذه الجهود، واعتبار البيان السابق لزيارة روسيا: "طرفاً معنياً بما يجري في سورية، وأحد رعاة العملية السياسية في جنيف، وضامنا أساسيا لمناطق خفض التصعيد"، حسب ماجاء في البيان الصادر عن هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية في 21 يناير/ كانون الثاني الجاري، من دون أي إشارة إلى شراكتها ومسؤوليتها عن الحرب الدائرة في سورية منذ تدخلها العسكري المعلن عام 2105، وفي وقت يتزامن فيه إصدار البيان مع قصف وحشي من روسيا على مناطق عديدة في سورية، ما يجعل من البيان ليس إعلانا، وإنما تصريحاً لاعتذار عن موقف المعارضة السابق من توصيف موسكو عدوا للثورة ومناصريها، ورسم صورة جديدة لروسيا في المشهد السوري، بما يتوافق والرغبة الروسية على ظاهر الحال.
إعادة ترتيب المعارضة استراتيجيتها في التعامل مع الأطراف المتصارعة في سورية، وعلى
وأيضاً لا بد من القول إن المعارضة، بكل واقعية، بعد التخلي الأميركي عنها، لا تملك إلا السبل الدبلوماسية لمواجهة قوة عظمى مثل روسيا، ما يبرّر لوفد الهيئة مسعاها إلى الحصول على فرصة الحوار مع عدو للثورة، وأحد ضامني (مع إيران) تفوّق النظام في حربه الممتدة على مساحة سورية، لكن هذا المسعى لا يشترط تغيير المصطلحات والوظائف التي تتناسب وحقيقة الدور الروسي في المأساة السورية، وهو ما كان يمكن أن يعطي قوةً للوفد، وسبباً لوجوده في روسيا، قبيل تحضيراته لمباحثات فيينا تحت الرعاية الأممية، وقبل أيام من مؤتمر سوتشي الذي دعت إليه موسكو بغرض خلط الأوراق، وتمييع قضايا جوهرية، مثل مناقشة الدستور وقانون الانتخابات، وسط فوضى المدعويين، وبعيداً عن الشرعية الدولية.
تفيد هنا الإشارة إلى أن كل ما يدور اليوم من تعظيم لهالة "سوتشي"، وجعله مفصلياً في حياة المعارضة قد يصب جميعه في المصلحة الروسية التي قسمت الشارع: بين معارضين ومؤيدين من جهة، وبينه وبين القيادات المعارضة، على الرغم من أن تجاوز حضوره عبر الحوار مع روسيا مباشرة، والتعاطي معها وفق رؤيتها للحل في سورية، من خلال منحها متعة الانتصار معنوياً في جرّ المعارضة إلى حديقتها، في توقيتٍ متزامنٍ مع مذبحتها وما فرضته على نحو مائتي ألف سوري من تهجير قسري من إدلب، ومئات الضحايا في ريف دمشق، يوحي بأن المجتمع الدولي قد تخلى عن دعم المعارضة وتركها لمواجهة مصيرها مع روسيا وحلفها الجديد (إيران وتركيا)، على الرغم من إعلان المعارضة نجاحات الزيارات المكوكية لدول عديدة.
يمكن القول إن سلوك المعارضة السياسية ما قبل زيارة موسكو لن يكون كما بعدها، على
ليس من باب التقليل من أهمية الاستراتيجية الجديدة للهيئة العليا للتفاوض، ولكن من باب التنبيه إلى أن الاعتراف بأخطاء سياسات الهيئة السابقة، عبر نسف محاذيرها في التعامل مع روسيا، وربما لاحقاً إيران، لا يعني بالضرورة أنه المسار الصحيح. ولكن قد يكون طرق الأبواب التي تعتمدها الهيئة الجديدة مجديا، في حال تسلحت بمشروعٍ وطنيٍّ فعليٍّ، وليس شعاراتيا، وتحدثت عن سورية كما أوردت في بيانها (سابق الذكر): "دولة ديمقراطية ذات نظام سياسي تعددي، دولة المواطنة المتساوية، وسيادة القانون"، من دون أن تنسى أن ضمن هذه الدولة مناطق تحت القصف، منها عفرين ومنبج وإدلب وريف دمشق وحماه.