01 نوفمبر 2024
ابن سلمان وترامب.. هل دقت ساعة الحقيقة؟
هل يكون جمال خاشقجي تلك "اللقمة الكبيرة" التي تورّطت بها المملكة العربية السعودية، ولن تقوى على مضغها وبلعها بسهولة؟ يبدو أن مسار الأحداث، حتى الآن، يشير إلى ذلك، خصوصاً بعدما تحولت قضية اختفاء الصحافي المعروف عالمياً، بعد زيارته القنصلية السعودية في إسطنبول قبل عشرة أيام، إلى مسألة ذات أهمية عالية في الدوائر السياسية والاستخباراتية والإعلامية الأميركية. وليس من باب المبالغة القول إن هذا أكثر ما يقلق وليَّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، فالموقف الأميركي هو ما يعنيه أولاً وأخيراً، وهو يعلم أن إفلاته من المسؤولية والعقاب يتوقف على ذلك، أما المواقف الدولية الأخرى فلا تعنيه كثيراً ويمكن احتواؤها، استناداً إلى ما يمكن قراءته في حساباته.
حتى يوم الاثنين الماضي، كان يمكن لابن سلمان أن يراهن على الخروج سالماً من هذه القضية بناءً على العلاقات الوثيقة التي تربطه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبعض المسؤولين المحيطين به، خصوصاً صهره ومستشاره جاريد كوشنر، ولكن تسارع الأحداث في قضية اختفاء خاشقجي، والدلائل التي كشفت عنها السلطات التركية تباعاً، والتي ترجّح قتله في مبنى القنصلية السعودية بعد وقت قصير من دخوله إليها، على أيدي فريق سعودي محترف جاء خصيصاً لهذه المهمة، وضع مزيداً من الضغوط على الحكومة السعودية، لكشف حقيقة ما حدث للرجل. كما أنها عَقَّدَت موقف ترامب إن هو أراد الدفاع عن السعودية. أما الضربة الأكبر التي تلقتها السعودية، وحتى ترامب نفسه، فكان التقرير الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست، يوم الثلاثاء الماضي، وفيه أن الاستخبارات الأميركية سبق لها أن اعترضت اتصالاتٍ بين مسؤولين سعوديين ناقشت كيفية القبض على خاشقجي.
كل ما سبق، بالإضافة إلى التغطية الإعلامية الأميركية الواسعة للمسألة، أحكم الطوق حول رقبة النظام السعودي، وجعل ترامب ينتقل من حالة الإعراب عن "القلق" على مصير
خاشقجي، كما صرح الثلاثاء الماضي، إلى أن يعلن، يوم الأربعاء، أنه تحدث مع مسؤولين سعوديين على "أعلى المستويات"، وأنه يريد أجوبة بشأن ما جرى. أيضاً، أصدر البيت الأبيض في اليوم نفسه بياناً جاء فيه أن وزير الخارجية، مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون، بالإضافة إلى كوشنر، أجروا اتصالات مع ابن سلمان وطالبوه بإجراء تحقيق سعودي "شفّاف". إلا أن اللافت، حتى صباح الخميس، أن أياً من المسؤولين في الإدارة الأميركية لم يلمّح، لا من قريب ولا من بعيد، إلى المسؤولية المحتملة للسعودية عن اختفاء خاشقجي، وهو ما علّله ترامب بأنه لا توجد لديه معلوماتٌ عما جرى، على الرغم من أن الأجهزة الاستخباراتية التركية تشاركت معلوماتها مع نظيرتها الأميركية، ولا يعقل أن ترامب لم يطّلع عليها.
قد يجادل بعضهم هنا، محقاً، أن ترامب لا يريد أن يضغط على نظام الملك سلمان وابنه، إلى درجة قد ينهار فيها، وخصوصاً أن أفرعاً أخرى من آل سعود، ممن نكّل بهم ابن سلمان وسلبهم المُلك، كما يعتقدون، يتربّصون به الدوائر، ويتحينون الفرصة للانقضاض عليه. ومعلوم الآن أن ترامب هو الذي مَكَّنَ ابن سلمان من التخلص من منافسيه على العرش. أيضاً، قد يجادل آخرون، محقّين كذلك، أن ترامب قد يوظف ورطة ابن سلمان لابتزاز مزيدٍ من الأموال من المملكة، وهو لم يتردّد في الإفصاح عن ذلك في خطابٍ انتخابي له، يوم الثلاثاء الماضي، في ولاية آيوا، عندما طالب الملك سلمان بدفع مزيد من المال نظير "الحماية" الأميركية. وجاءت هذه المطالبة مساء اليوم الذي صرح فيه ترامب بأنه لا يملك معلوماتٍ عن اختفاء خاشقجي. كل ذلك صحيح، غير أنه يغفل أمراً مهماً، حيث هناك استياء كبير في الكونغرس، وبين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، من الاختفاء الغامض لخاشقجي، والذي يحظى بشهرةٍ واسعةٍ في الولايات المتحدة، وهو المقيم القانوني فيها أولاً، وكاتب رأيٍ عربيٍّ "معتدل" في صحيفة واشنطن بوست المرموقة.
وبناء على ذلك، يُطالب رموز بارزون في مجلسي النواب والشيوخ، جمهوريون وديمقراطيون، المملكة بكشف حقيقة ما جرى مع الرجل، بل ثمّة تهديدات اليوم في الكونغرس بإعادة النظر في العلاقات الأميركية - السعودية. وكان عضو مجلس الشيوخ، الجمهوري البارز ليندسي غراهام، توعد السعودية بدفع ثمن باهظ إن كان خاشقجي قد قتل فعلاً على أيدي عملاء لها. المفارقة هنا أن السيناتور غراهام معروف بأنه من أشد المنافحين عن أهمية العلاقات الأميركية – السعودية.
الأخطر بالنسبة للسعودية، ولمحمد بن سلمان شخصيا، الرسالة إلى ترامب، والتي وقعها، يوم الأربعاء الماضي، اثنان وعشرون عضواً في مجلس الشيوخ، من الحزبين، تطالبه بإجراء تحقيق حول الدور السعودي في اختفاء خاشقجي، لتحديد ما إذا كان ينبغي فرض عقوبات متعلقة بحقوق الإنسان على المملكة. وطالب هؤلاء الأعضاء ترامب بتفعيل بندٍ في قانون ماجنتسكي للمساءلة العالمية بشأن حقوق الإنسان، يلزمه بتحديد ما إذا كان شخص أو دولة أجنبيان مسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. المفاجأة الأكبر هنا أن موقعي الرسالة طالبوا ترامب بأن يشمل التحقيق "أرفع مسؤولين في الحكومة السعودية". وحسب السيناتور
بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، وأحد الذين صاغوا الرسالة، فإن ذلك يشمل وليَّ العهد، محمد بن سلمان. وأشار كوركر إلى أن الرسالة تنص بوضوح على أن التحالف القوي بين الولايات المتحدة والسعودية لا ينبغي أن يحول دون فرض عقوباتٍ على المملكة في حال ثبت تورّطها في قضية اختفاء خاشقجي. وينص قانون ماجنتسكي الأميركي على أن الرئيس ملزمٌ بتقديم تقريره إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ خلال مائة وعشرين يوماً من تلقي طلب اللجنة بشأن إمكانية فرض "عقوباتٍ انتقامية" على أي شخصٍ أو دولةٍ يعتبران مسؤولين عن انتهاكات حقوقية خطيرة، مثل التعذيب والاحتجاز لفترةٍ طويلةٍ من دون محاكمة، أو قتل شخصٍ خارج نطاق القضاء لممارسته حرية التعبير.
باختصار، وبغض النظر عن مصير خاشقجي، إلا أن السعودية اليوم في وضعٍ لا تحسد عليه، دولياً، ولا حتى أميركياً، وهذا هو الأهم بالنسبة لابن سلمان، فعلى فرض أن المملكة ستنجو من عقوبات أميركية قاسية، بسبب دعم ترامب وتواطئه، إلا أن ذلك سيكون دافعاً أكبر له لابتزاز المملكة وإذلالها، مالياً وسياسياً، وعلى كل الصعد. بمعنى، أن ابن سلمان قد يكون على موعد مع ساعة الحقيقة، ومفادها أن رعونته وطيشه في الحكم قد تترتب عليهما نتائج كارثية عليه وعلى سطوته، بل وعلى المملكة التي يطمح للاستئثار بها.
حتى يوم الاثنين الماضي، كان يمكن لابن سلمان أن يراهن على الخروج سالماً من هذه القضية بناءً على العلاقات الوثيقة التي تربطه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبعض المسؤولين المحيطين به، خصوصاً صهره ومستشاره جاريد كوشنر، ولكن تسارع الأحداث في قضية اختفاء خاشقجي، والدلائل التي كشفت عنها السلطات التركية تباعاً، والتي ترجّح قتله في مبنى القنصلية السعودية بعد وقت قصير من دخوله إليها، على أيدي فريق سعودي محترف جاء خصيصاً لهذه المهمة، وضع مزيداً من الضغوط على الحكومة السعودية، لكشف حقيقة ما حدث للرجل. كما أنها عَقَّدَت موقف ترامب إن هو أراد الدفاع عن السعودية. أما الضربة الأكبر التي تلقتها السعودية، وحتى ترامب نفسه، فكان التقرير الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست، يوم الثلاثاء الماضي، وفيه أن الاستخبارات الأميركية سبق لها أن اعترضت اتصالاتٍ بين مسؤولين سعوديين ناقشت كيفية القبض على خاشقجي.
كل ما سبق، بالإضافة إلى التغطية الإعلامية الأميركية الواسعة للمسألة، أحكم الطوق حول رقبة النظام السعودي، وجعل ترامب ينتقل من حالة الإعراب عن "القلق" على مصير
قد يجادل بعضهم هنا، محقاً، أن ترامب لا يريد أن يضغط على نظام الملك سلمان وابنه، إلى درجة قد ينهار فيها، وخصوصاً أن أفرعاً أخرى من آل سعود، ممن نكّل بهم ابن سلمان وسلبهم المُلك، كما يعتقدون، يتربّصون به الدوائر، ويتحينون الفرصة للانقضاض عليه. ومعلوم الآن أن ترامب هو الذي مَكَّنَ ابن سلمان من التخلص من منافسيه على العرش. أيضاً، قد يجادل آخرون، محقّين كذلك، أن ترامب قد يوظف ورطة ابن سلمان لابتزاز مزيدٍ من الأموال من المملكة، وهو لم يتردّد في الإفصاح عن ذلك في خطابٍ انتخابي له، يوم الثلاثاء الماضي، في ولاية آيوا، عندما طالب الملك سلمان بدفع مزيد من المال نظير "الحماية" الأميركية. وجاءت هذه المطالبة مساء اليوم الذي صرح فيه ترامب بأنه لا يملك معلوماتٍ عن اختفاء خاشقجي. كل ذلك صحيح، غير أنه يغفل أمراً مهماً، حيث هناك استياء كبير في الكونغرس، وبين الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، من الاختفاء الغامض لخاشقجي، والذي يحظى بشهرةٍ واسعةٍ في الولايات المتحدة، وهو المقيم القانوني فيها أولاً، وكاتب رأيٍ عربيٍّ "معتدل" في صحيفة واشنطن بوست المرموقة.
وبناء على ذلك، يُطالب رموز بارزون في مجلسي النواب والشيوخ، جمهوريون وديمقراطيون، المملكة بكشف حقيقة ما جرى مع الرجل، بل ثمّة تهديدات اليوم في الكونغرس بإعادة النظر في العلاقات الأميركية - السعودية. وكان عضو مجلس الشيوخ، الجمهوري البارز ليندسي غراهام، توعد السعودية بدفع ثمن باهظ إن كان خاشقجي قد قتل فعلاً على أيدي عملاء لها. المفارقة هنا أن السيناتور غراهام معروف بأنه من أشد المنافحين عن أهمية العلاقات الأميركية – السعودية.
الأخطر بالنسبة للسعودية، ولمحمد بن سلمان شخصيا، الرسالة إلى ترامب، والتي وقعها، يوم الأربعاء الماضي، اثنان وعشرون عضواً في مجلس الشيوخ، من الحزبين، تطالبه بإجراء تحقيق حول الدور السعودي في اختفاء خاشقجي، لتحديد ما إذا كان ينبغي فرض عقوبات متعلقة بحقوق الإنسان على المملكة. وطالب هؤلاء الأعضاء ترامب بتفعيل بندٍ في قانون ماجنتسكي للمساءلة العالمية بشأن حقوق الإنسان، يلزمه بتحديد ما إذا كان شخص أو دولة أجنبيان مسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. المفاجأة الأكبر هنا أن موقعي الرسالة طالبوا ترامب بأن يشمل التحقيق "أرفع مسؤولين في الحكومة السعودية". وحسب السيناتور
باختصار، وبغض النظر عن مصير خاشقجي، إلا أن السعودية اليوم في وضعٍ لا تحسد عليه، دولياً، ولا حتى أميركياً، وهذا هو الأهم بالنسبة لابن سلمان، فعلى فرض أن المملكة ستنجو من عقوبات أميركية قاسية، بسبب دعم ترامب وتواطئه، إلا أن ذلك سيكون دافعاً أكبر له لابتزاز المملكة وإذلالها، مالياً وسياسياً، وعلى كل الصعد. بمعنى، أن ابن سلمان قد يكون على موعد مع ساعة الحقيقة، ومفادها أن رعونته وطيشه في الحكم قد تترتب عليهما نتائج كارثية عليه وعلى سطوته، بل وعلى المملكة التي يطمح للاستئثار بها.