11 أكتوبر 2024
جبهة التحرير في الجزائر.. انصهار السّلطة والحزب
برز الحزب الحاكم في الجزائر، جبهة التحرير، إلى الواجهة، مرّة أخرى، على خلفية قضية دعوة الكتل النيابية في الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري من رئيسه الاستقالة، أو التنّحي عن المنصب، ولكن بطريقة غريبة هذه المرة، إذ كان هدفه إقالة عنصر قيادي في مكتبه السياسي، وعضو حيوي في مقاربة الحزب الشأن السياسي، وخصوصا على بعد أشهر من موعد انتخابي مفصلي لمستقبل البلاد، رئاسيات أبريل/ نيسان 2019، إضافة إلى السيناريو الذي تم اختياره لإنهاء التعامل السياسي مع هذه القضية من خلال إجراءين: رفع التغطية السياسية، ثم اللجوء إلى غلق مدخل رئيس البرلمان بالأقفال، وهي ثالث مؤسسة من حيث الأهمية في البلاد.
قد يبدو الأمر غريبا لمن لا يعرف تاريخ الجزائر، ومحورية الدور الريادي الذي لعبه الحزب الحاكم في صيرورة العملية الثورية للانعتاق من ربقة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي. ولكن، ثمة أهمية لتشريح العلاقة التعاضدية بين هذا الحزب والسلطة في الجزائر. وتعرض المقالة هنا حجم الرابطة السياسية التي أصبحت مرادفة لتاريخ البلاد، منذ انطلاق الشرارة الأولى للحرب التحريرية الكبرى (1954 - 1962)، مع الإشارة إلى أنه عند وصف تلك الرابطة بذلك الوصف فإنما يكون الحديث عن وجهة نظر قياديي الحزب، وليس وجهة نظر جميع الجزائريين.
انتهت الحرب العالمية الثانية على ديكور سياسي انخدع به الجزائريون بعد نكوص فرنسا الاستعمارية عن وعودها بمنحهم الاستقلال، بل سعيها إلى النكاية بهم، بعد مشاركتهم في تحريرها من النازية في أحداث سطيف، قالمة وخرّاطة، والتي قتل فيها زهاء 45 ألف جزائري، وهو ما أدى بالجزائريين إلى الاعتقاد بأن الوسيلة الوحيدة للانعتاق من الاستعمار هو العمل المسلح (الأداة) وجبهة سياسية تجمع شتات سياسييهم، بمختلف توجهاتهم السياسية (الوسيلة)، وصولا إلى تجسيد هدف الاستقلال وبناء الدولة الجزائرية.
تحتاج الدّول حديثة الاستقلال إلى أدوات سياسية، وأخرى اقتصادية، تحقيقا لهدفين أساسيين: بناء الدولة وإطلاق النموذج الاقتصادي. وعندما تكون مواردها المالية قليلة، وتكاد تكون منعدمة، تلجأ تلك الدول، ومنها الجزائر، إلى جمع السلطة وأدواتها وتركيزهما في يد جماعة واحدة، قد تكون هي التي أشرفت على مشروع الاستقلال. ومن هنا، جاءت فكرة تنصيب جبهة التحرير حزبا للسلطة، منه تُستمد الشرعية التاريخية، وإليه تُسند السلطة، ونخبته هي المتحكّمة والمتنفّذة في شؤون البلاد كلها، معتمدة في ذلك على قوة الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الذي خاضت الجبهة تحت لوائه حرب التحرير الكبرى.
لم يكن للجزائر خيار آخر، من وجهة النظر السياسية، إلاّ التوجه إلى هذا التنصيب في الحكم، باعتباره خيارا استراتيجيا في السنوات الأولى للاستقلال، ومُبرمجا له أن ينتهي بمجرّد وصول هدفي بناء الدولة وتجسيد التنمية الاقتصادية الشاملة مرحلة متقدمة بعد 10 إلى 15 سنة سنوات (أي في حدود 1978، السنة التي توفّي فيها الرّئيس هواري بومدين). ولكن ما حدث هو العكس، أي انصهار الدولة والجبهة الحاكمة، ليشكلا جسما سلطويا واحدا ما زال مستمرا، بل يُبرمج له أن يستمر، وفق تصريحات أمينه العام الحالي، إلى قرن وزيادة.
وقد بدا ذلك منطقيا في فكر من كان يضع تلك الإستراتيجية ويصوغها، ودليل ذلك أن بومدين نفسه كان قد انتقل بالنظام السياسي الجزائري من طور الشرعية التاريخية إلى طور الشرعية الدستورية في 1976، حيث تمّ إقرار دستور جديد، وتسطير وثيقة أيديولوجية أُطلق عليها مسمّى الميثاق الوطني، تُبرز الدور السياسي للحزب الطلائعي، في محاولة منه إبراز إصرار النظام على الكشف على ذلك الانصهار المشار إليه، وهو ما ينم على أن النيّة كانت مقصودة للإبقاء على الحزب العتيد متحكّما في دواليب السلطة، من خلال متغيّرين: الولاء والانتماء العضوي (المادة 120)، وهما المتغيران اللذان أصبحا بمثابة الوعاء الذي يرتقي ويرقّى من خلاله داخل النخبة السياسية، بوجه خالص وكامل.
واستمرّ الأمر على تلك الشّاكلة، حتّى عندما دخلت الجزائر عهد التعدّدية السياسية غداة الأحداث الدامية التي شهدتها في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حيث بقي الحزب العتيد متقلدا الصدارة، بعد إيجاده للعبة استقطابية ديمقراطية - إسلاموية انتهت، بعد إلغاء تشريعيات 1991 إلى حرب أهلية دامية دامت عشر سنوات تقريبا. وللمفارقة، كانت السنوات الأولى لهذه الأزمة الأمنية المرحلة الوحيدة، منذ الاستقلال، التي عرف الحزب العتيد فيها استقلالية عن السلطة تحت قيادة المناضل القومي عبد الحميد مهري، رحمه الله، حيث قاد، رفقة أحزاب المعارضة، ما عرف بقطب المصالحة الوطنية في مواجهة للاستئصاليين الذي كان يمثلهم نخبة من الجيش وبقايا الفصيل القديم داخل الحزب القديم، والذي قاد عملية انقلابية سياسية عرفت بــ"الانقلاب العلمي"، مسجلا عودة الحزب العتيد إلى مكانته الانصهارية مع السلطة، ويبقى فيها مع فاصل زمني قصير في 2004 في فترة قيادة الوزير الأول السابق، علي بن فليس، قبل أن يُقال.
دخل الحزب العتيد مرحلة انصهارية جديدة أكثر اندفاعا في التحكّم والتنفّذ داخل دوائر الحكم في مرحلة قيادة عمار سعيداني ثم جمال ولد عباس، حيث أصبح الآمر والناهي في الساحة السياسية، فاسحا المجال، قليلا، لبعض الأحزاب، الدّائرة في فلك السّلطة، بالمشاركة، حينا، في تحالف رئاسي، وأحيانا أخرى، بالمشاركة في صياغة جبهةٍ وطنيةٍ لمناصرة عهدات الرئيس المختلفة (منذ 1999) متبوئا، في السنوات الأخيرة، وبصفةٍ دائمة، الصدارة في الانتخابات المحلية والتّشريعية، وإنْ من خلال خلفية عزوفٍ كبير من الجزائريين عن المشاركة في تلك المواعيد الانتخابية، ما ولّد، في الساحة السياسية، مفارقةً بين حزبٍ يسيطر على المشهد، ولكن مع غياب مصداقية المشروعية التي يمنحها الصندوق، بسبب ذلك العزوف الانتخابي المتكرّر، وفي جميع الانتخابات، وخصوصا في السنوات الأخيرة منذ 2014.
تعتمد إستراتيجية الحزب العتيد للاستحواذ على مداخل اللعبة السياسية ومخارجها، والاستمرار عقودا في ذلك، على متغيري الولاء والانتماء، مضافا إليها متغير الانصهار التّام مع جسم الدولة في الجزائر، إلى درجة أنه أصبح من المستحيل، من ناحية، تصوّر أين تبدأ حدود الدولة وأين تنتهي، وكذلك مكانة الحزب العتيد في ذلك، كما يصعب تصوّر تغيير ديمقراطي من دون التعرّض لتلك المتغيرات الثلاثة وإزالتها من المشهد السياسي، من ناحية أخرى، وهو ما يحاول القيام به بعض وجوه المعارضة غير الحزبية، على وجه الخصوص، ممّن يعرفون بمعارضي المجتمع المدني والذين يكتسبون شعبيةً كبيرةً، سيما مع انتشار وسائل الاتصال الاجتماعية، وإسهامها الكبير في صناعة الرأي العام، وجلب اهتمامه إلى أمّهات الإشكاليات السياسية للبلاد في السنوات الأخيرة.
لا يمكن الفكاك في الجزائر من الوضع الانصهاري بين حزب جبهة التحرير والسلطة إلا بوعي من المجتمع، كما أن التدرّج في التغيير لن يكون ممكنا إلا بتفكير ملي في تلك المتغيرات، وكيف تفكك لتصبح متاحة في أحزاب أخرى، وعبر قنواتٍ غير التي توفرها بصفة خالصة ضمن الحزب العتيد، أو من يدور في فلكه من الأحزاب المتحالفة معه، أو تلك المجهرية (الصغيرة) والتي لا وجود لها خارج إرادة السلطة التي تمكّنها من الاستمرار في الوجود السياسي من خلال كراسي في البرلمان، أو نسب صغيرة ضمن المجالس الولائية (على مستوى المحافظات) أو البلدية (المدن الصغرى وفي الإطار المحلي).
تقوم على صنع ذلك الوعي، كما سبق ذكره، تلك الوجوه في المجتمع المدني، وهي التي يوثّق فيها وفي الرسائل التي تعمل على إيصالها إلى المجتمع، والمركّزة على تدرّجية التغيير بالأدوات السلمية، بما يخدم ذلك التغيير الموازي لمصلحة جزائر قويّة في إطار اندماجي مغاربي، يوجد قوة إقليمية في غرب المتوسط، وفي المنطقة السّاحلية الصحراويّة.
يتضمّن التغيير الهادف فهم الرهانات وسياقات تلك العلاقة الانصهارية بين الحزب العتيد والسلطة، كما يجب أن يتضمن ذلك مسارات تفكيك تلك العلاقة بتلك المقاربة التي جيء على ذكرها، وهو ما سيعمل على الإحلال التدرّجي للتحوّل المرجو للنظام السياسي في الجزائر، وذلك كله على المديين القصير (رئاسيات 2019 وتشريعيات 2022) والمتوسط (في حدود العشر سنوات المقبلة في إطار تصوّر لجزائر (2030-2035). وإنّ غدا لناظره قريب.
قد يبدو الأمر غريبا لمن لا يعرف تاريخ الجزائر، ومحورية الدور الريادي الذي لعبه الحزب الحاكم في صيرورة العملية الثورية للانعتاق من ربقة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي. ولكن، ثمة أهمية لتشريح العلاقة التعاضدية بين هذا الحزب والسلطة في الجزائر. وتعرض المقالة هنا حجم الرابطة السياسية التي أصبحت مرادفة لتاريخ البلاد، منذ انطلاق الشرارة الأولى للحرب التحريرية الكبرى (1954 - 1962)، مع الإشارة إلى أنه عند وصف تلك الرابطة بذلك الوصف فإنما يكون الحديث عن وجهة نظر قياديي الحزب، وليس وجهة نظر جميع الجزائريين.
انتهت الحرب العالمية الثانية على ديكور سياسي انخدع به الجزائريون بعد نكوص فرنسا الاستعمارية عن وعودها بمنحهم الاستقلال، بل سعيها إلى النكاية بهم، بعد مشاركتهم في تحريرها من النازية في أحداث سطيف، قالمة وخرّاطة، والتي قتل فيها زهاء 45 ألف جزائري، وهو ما أدى بالجزائريين إلى الاعتقاد بأن الوسيلة الوحيدة للانعتاق من الاستعمار هو العمل المسلح (الأداة) وجبهة سياسية تجمع شتات سياسييهم، بمختلف توجهاتهم السياسية (الوسيلة)، وصولا إلى تجسيد هدف الاستقلال وبناء الدولة الجزائرية.
تحتاج الدّول حديثة الاستقلال إلى أدوات سياسية، وأخرى اقتصادية، تحقيقا لهدفين أساسيين: بناء الدولة وإطلاق النموذج الاقتصادي. وعندما تكون مواردها المالية قليلة، وتكاد تكون منعدمة، تلجأ تلك الدول، ومنها الجزائر، إلى جمع السلطة وأدواتها وتركيزهما في يد جماعة واحدة، قد تكون هي التي أشرفت على مشروع الاستقلال. ومن هنا، جاءت فكرة تنصيب جبهة التحرير حزبا للسلطة، منه تُستمد الشرعية التاريخية، وإليه تُسند السلطة، ونخبته هي المتحكّمة والمتنفّذة في شؤون البلاد كلها، معتمدة في ذلك على قوة الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الذي خاضت الجبهة تحت لوائه حرب التحرير الكبرى.
لم يكن للجزائر خيار آخر، من وجهة النظر السياسية، إلاّ التوجه إلى هذا التنصيب في الحكم، باعتباره خيارا استراتيجيا في السنوات الأولى للاستقلال، ومُبرمجا له أن ينتهي بمجرّد وصول هدفي بناء الدولة وتجسيد التنمية الاقتصادية الشاملة مرحلة متقدمة بعد 10 إلى 15 سنة سنوات (أي في حدود 1978، السنة التي توفّي فيها الرّئيس هواري بومدين). ولكن ما حدث هو العكس، أي انصهار الدولة والجبهة الحاكمة، ليشكلا جسما سلطويا واحدا ما زال مستمرا، بل يُبرمج له أن يستمر، وفق تصريحات أمينه العام الحالي، إلى قرن وزيادة.
وقد بدا ذلك منطقيا في فكر من كان يضع تلك الإستراتيجية ويصوغها، ودليل ذلك أن بومدين نفسه كان قد انتقل بالنظام السياسي الجزائري من طور الشرعية التاريخية إلى طور الشرعية الدستورية في 1976، حيث تمّ إقرار دستور جديد، وتسطير وثيقة أيديولوجية أُطلق عليها مسمّى الميثاق الوطني، تُبرز الدور السياسي للحزب الطلائعي، في محاولة منه إبراز إصرار النظام على الكشف على ذلك الانصهار المشار إليه، وهو ما ينم على أن النيّة كانت مقصودة للإبقاء على الحزب العتيد متحكّما في دواليب السلطة، من خلال متغيّرين: الولاء والانتماء العضوي (المادة 120)، وهما المتغيران اللذان أصبحا بمثابة الوعاء الذي يرتقي ويرقّى من خلاله داخل النخبة السياسية، بوجه خالص وكامل.
واستمرّ الأمر على تلك الشّاكلة، حتّى عندما دخلت الجزائر عهد التعدّدية السياسية غداة الأحداث الدامية التي شهدتها في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حيث بقي الحزب العتيد متقلدا الصدارة، بعد إيجاده للعبة استقطابية ديمقراطية - إسلاموية انتهت، بعد إلغاء تشريعيات 1991 إلى حرب أهلية دامية دامت عشر سنوات تقريبا. وللمفارقة، كانت السنوات الأولى لهذه الأزمة الأمنية المرحلة الوحيدة، منذ الاستقلال، التي عرف الحزب العتيد فيها استقلالية عن السلطة تحت قيادة المناضل القومي عبد الحميد مهري، رحمه الله، حيث قاد، رفقة أحزاب المعارضة، ما عرف بقطب المصالحة الوطنية في مواجهة للاستئصاليين الذي كان يمثلهم نخبة من الجيش وبقايا الفصيل القديم داخل الحزب القديم، والذي قاد عملية انقلابية سياسية عرفت بــ"الانقلاب العلمي"، مسجلا عودة الحزب العتيد إلى مكانته الانصهارية مع السلطة، ويبقى فيها مع فاصل زمني قصير في 2004 في فترة قيادة الوزير الأول السابق، علي بن فليس، قبل أن يُقال.
دخل الحزب العتيد مرحلة انصهارية جديدة أكثر اندفاعا في التحكّم والتنفّذ داخل دوائر الحكم في مرحلة قيادة عمار سعيداني ثم جمال ولد عباس، حيث أصبح الآمر والناهي في الساحة السياسية، فاسحا المجال، قليلا، لبعض الأحزاب، الدّائرة في فلك السّلطة، بالمشاركة، حينا، في تحالف رئاسي، وأحيانا أخرى، بالمشاركة في صياغة جبهةٍ وطنيةٍ لمناصرة عهدات الرئيس المختلفة (منذ 1999) متبوئا، في السنوات الأخيرة، وبصفةٍ دائمة، الصدارة في الانتخابات المحلية والتّشريعية، وإنْ من خلال خلفية عزوفٍ كبير من الجزائريين عن المشاركة في تلك المواعيد الانتخابية، ما ولّد، في الساحة السياسية، مفارقةً بين حزبٍ يسيطر على المشهد، ولكن مع غياب مصداقية المشروعية التي يمنحها الصندوق، بسبب ذلك العزوف الانتخابي المتكرّر، وفي جميع الانتخابات، وخصوصا في السنوات الأخيرة منذ 2014.
تعتمد إستراتيجية الحزب العتيد للاستحواذ على مداخل اللعبة السياسية ومخارجها، والاستمرار عقودا في ذلك، على متغيري الولاء والانتماء، مضافا إليها متغير الانصهار التّام مع جسم الدولة في الجزائر، إلى درجة أنه أصبح من المستحيل، من ناحية، تصوّر أين تبدأ حدود الدولة وأين تنتهي، وكذلك مكانة الحزب العتيد في ذلك، كما يصعب تصوّر تغيير ديمقراطي من دون التعرّض لتلك المتغيرات الثلاثة وإزالتها من المشهد السياسي، من ناحية أخرى، وهو ما يحاول القيام به بعض وجوه المعارضة غير الحزبية، على وجه الخصوص، ممّن يعرفون بمعارضي المجتمع المدني والذين يكتسبون شعبيةً كبيرةً، سيما مع انتشار وسائل الاتصال الاجتماعية، وإسهامها الكبير في صناعة الرأي العام، وجلب اهتمامه إلى أمّهات الإشكاليات السياسية للبلاد في السنوات الأخيرة.
لا يمكن الفكاك في الجزائر من الوضع الانصهاري بين حزب جبهة التحرير والسلطة إلا بوعي من المجتمع، كما أن التدرّج في التغيير لن يكون ممكنا إلا بتفكير ملي في تلك المتغيرات، وكيف تفكك لتصبح متاحة في أحزاب أخرى، وعبر قنواتٍ غير التي توفرها بصفة خالصة ضمن الحزب العتيد، أو من يدور في فلكه من الأحزاب المتحالفة معه، أو تلك المجهرية (الصغيرة) والتي لا وجود لها خارج إرادة السلطة التي تمكّنها من الاستمرار في الوجود السياسي من خلال كراسي في البرلمان، أو نسب صغيرة ضمن المجالس الولائية (على مستوى المحافظات) أو البلدية (المدن الصغرى وفي الإطار المحلي).
تقوم على صنع ذلك الوعي، كما سبق ذكره، تلك الوجوه في المجتمع المدني، وهي التي يوثّق فيها وفي الرسائل التي تعمل على إيصالها إلى المجتمع، والمركّزة على تدرّجية التغيير بالأدوات السلمية، بما يخدم ذلك التغيير الموازي لمصلحة جزائر قويّة في إطار اندماجي مغاربي، يوجد قوة إقليمية في غرب المتوسط، وفي المنطقة السّاحلية الصحراويّة.
يتضمّن التغيير الهادف فهم الرهانات وسياقات تلك العلاقة الانصهارية بين الحزب العتيد والسلطة، كما يجب أن يتضمن ذلك مسارات تفكيك تلك العلاقة بتلك المقاربة التي جيء على ذكرها، وهو ما سيعمل على الإحلال التدرّجي للتحوّل المرجو للنظام السياسي في الجزائر، وذلك كله على المديين القصير (رئاسيات 2019 وتشريعيات 2022) والمتوسط (في حدود العشر سنوات المقبلة في إطار تصوّر لجزائر (2030-2035). وإنّ غدا لناظره قريب.