11 أكتوبر 2024
عن رهانات اللعبة السياسية المقبلة في الجزائر
ما زال "الصندوق الأسود" في الجزائر يجود علينا بقراراتٍ لا ندري كيف نحلّلها أو نقرأها قراءة تتسّق مع مسارات ورهانات نظام سياسي سيعرف، في غضون الأشهر المقبلة، انتخاباتٍ مصيرية لمستقبل البلاد، ومن تلك القرارات استقالة (أو إقالة) ولد عباس، الأمين العام لحزب جبهة التحرير (الحاكم)، جمال ولد عباس، وهو المؤيّد الرئيس لولاية أخرى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
جاء القرار في وقت كان الجميع يراهن فيه على انتهاء فترة التفكير والمشاورة لدى الهيئة صاحبة القرار، وذلك بعد ترسيم الحزب الحاكم، بلسان أمينه العام المستقيل، ترشيح الرئيس الحالي لعهدة خامسة واستكمال جمع المناصرة بتكوين تحالفٍ رئاسيٍ لتأييد ذلك الخيار، مؤلفٍ من لفيف الأحزاب التي تؤيد دائما ما يرشح من قراراتٍ عن تلك الهيئة.
بالعودة إلى سياق تلك الاستقالة، تجدها محترمة سيناريوهات رُسمت لاستقالات أخرى سبقتها بدون مقدّمات وبدون علامات، عرفها الحزب الحاكم من قبل (استقالات أربعة أمناء عامّين لا يُعرف إلى الآن ما اكتنف قرارات إبعادهم من الساحة السياسية)، تشير إلى قرب اتخاذ قراراتٍ بشأنها تماما مثل كلّ الأزمات التي يفتعلها النظام في الجزائر لمعالجة/ إدارة أزماته، حيث إنّنا عشنا السيناريو نفسه قبل نحو سنتين عندما تم استبعاد الأمين العام السابق، عمار سعيداني، كما أننا عشنا، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أزمة مماثلة، لم يتم إماطة اللثام بعد عن حيثياتها، بمناسبة رفع الغطاء السياسي/ الإقالة لرئيس البرلمان، العضو البارز في الحزب الحاكم، أيضا، السعيد بوحجة.
ولكن، بالنسبة للقراءة المتأنية للوضع السياسي الجزائري، لا يمكن أن يكون هذا الحدث معزولا عن الحراك السياسي الذي يُهندس للانتخابات المقبلة، والتي يراهن الجميع على أن كلّ ما
يحدث، منذ شهر مايو/ أيّار الماضي، أي منذ حادثة إيقاف شحنة الكوكايين، وما تبعها من إقالات وتغيير لقيادات في الجيش، المؤسّسات الأمنية (الشّرطة والدرك الوطنيين) ثم البرلمان، والآن على مستوى الحزب الحاكم، وذلك كله لضبط إيقاع لعبةٍ سياسيةٍ، لا تريد السلطة أن تخرج حتى تفاصيلها عن ترتيبات تُحضّر لها بعناية، وهي الترتيبات التي تمنح القارئين للوضع السياسي فرصة التقاط قرائن، تدلّ على المسارات المقبلة، أو الرهانات التي سيكون على الجميع الانتباه لها إلى غاية أبريل/ نيسان المقبل، موعد تلك الرئاسيات.
وبالنّسبة للقرار الذي أدهش السّاحة السياسية الجزائرية بفُجائيته، فقد ذهبت معظم التّحاليل إلى توصيفه بالإقالة، الإبعاد أو التّغييب لأمين عام جبهة التحرير عن السّاحة السياسية، على شاكلة ما قام به، هو نفسه، برئيس البرلمان الشهر الماضي، لتتولّد عن الإقالتين حالتان عويصتان، من الناحية القانونية، فالرّجلان لم يقدّما استقالتيهما. وبالتّالي، فان الحزب الحاكم و البرلمان سيُسيّران، كلاهما، بدون شرعية قانونية والبلاد على مقربةٍ من رهان الرئاسيات، ما يدلّ على أنه ليس للسياسة العامة قواعد أساسية في التّسيير بسبب الغموض والصّمت اللذين يطبعان عمل النظام السياسي الجزائري ويلفّانه، واللذين يمنعان من فهم مدخلات الصّندوق الأسود ومخرجاته، أو الهيئة القرارية الجزائرية فيما تتّخذه من قراراتٍ، حتى المصيرية منها، من حيث الانعكاس الذي تشكّله على عمل النظام السياسي، أو السّير الطبيعي له.
ماذا يمكن أن يجر هذا القرار بالنسبة للّعبة السياسية برهاناتها المقبلة؟ هذا هو السؤال الذي تم طرحه على أكثر من مستوى، وكانت الإجابة أن ثمّة تفكيرا في تغيير وجوهٍ تتحرّج السلطة على مرافقتهم لها في المواعيد السياسية المقبلة، لأنها (تلك الوجوه ومنها أمين عام الحزب الحاكم) غرقت في متاهات تصريحات ومواقف سياسية، لاقت انتقادا كثيرا من الرّأي العام، وخصوصا على مستوى وسائل الاتصال الاجتماعي، وهو ما لا تريد السلطة له أن يستمرّ في إطار عملية ضبط إيقاع المسار السياسي المقبل، من دون عقبات، وذلك بسبب حساسية المشهد، وصعوبة الموقف، كما يراه ويعيشه الجميع في الجزائر.
لعلّ توازي تلك الاستقالة مع أخبارٍ رشحت بشأن الرّفع من حصّة الأموال المُخصّصة للتحويلات الاجتماعية في قانون المالية القادم (أموال تُخصّص لدعم السلع الأساسية وللبرامج الاجتماعية على غرار السكنات الاجتماعية)، وتصريح وزير المالية أنه ليس ثمة ارتباط بين ذلك الرّفع والمواعيد السياسية المقبلة، ما يدل على صحّة أن كل ما يقع في الجزائر ذو صلة مباشرة أو غير مباشرة بتلك الانتخابات الرئاسية التي لن تكون، بما رُسم لها، إلاّ استمرارية على شاكلة شعارٍ أكثر جمال ولد عباس من تكراره الحديث بشأنه، بل جعله عنوانا للمرحلة المقبلة، إلى درجة أن بعضهم فهم منه أنه إشارة إلى مرحلة انتقالية، ستُقرّر بدلا من الموعد الانتخابي المنتظر في ربيع 2019.
هناك اتّجاه آخر يفرض نفسه لفهم هذه الاستقالة المفاجئة، وهو أن الرّأي العام مُغيّب تماما من المشهد السياسي وعنه، حيث لا يُلقى له بال، ولا يُطلب منه الإدلاء بدلوه، على الرّغم من أنّه المعني بالمشهد السياسي، إضافة إلى أنّ الأحزاب، أيا كانت اتجاهاتها السياسية، موالاة أو معارضة، تبقى بعيدةً عن وعي الشعب، لأنها لا تهتم بردود فعله، سواء رضي أم لم يرض، لمعرفتها الشديدة أنه ليس من يقرّر مصير نتائج المواعيد الانتخابية. وهذا الفهم الذي يفرض نفسه بإلحاح، أن نظاما يقرّر، في أقل من شهرين، باستبعاد شخصيتين، من مؤسّسة تشريعية منتخبة، وجهاز حزبي حاكم، يبعث رسالة أنه المقرّر الوحيد، ويبقى كذلك من دون منازع، وخصوصا في المشهد الرئاسي غرسا، لوعي جمعي باطني لدى الجميع، طبقة سياسية ورأي عام، أن لا تغيير مرتقبا وأن ثمّة دائرة هي خط أحمر، لا ينبغي التفكير بالاقتراب منها، ولا التفكير بما في داخلها، ولا ما يكتنف من أجواء تحيط بقراراتٍ، تُتخّذ من حين إلى آخر، حتى المصيرية منها للبلاد والعباد.
لا يمكن إنهاء المقالة من دون التّفكير في مآل المشهد السياسي في الجزائر في مقبل الأيام،
على وقع ما تقدّم من محاولاتٍ لفهم تلك الاستقالة، وهو المآل الذي لا يخرج عن كلماتٍ تم تسطيرها في مقالات سابقة نشرها صاحب هذه السّطور في "العربي الجديد"، أي جمود في شكل السياسة العامة ومضمونها، دونما إرادة لتغيير أبجديات التسيير لإحداث التحوّل، وتسجيل إمكانية المراجعة لكل السياسات التي قال عنها أحد الخبراء (عبد الرحمان مبتول، اقتصادي)، في دراسة له، نشرها عام 2010، "لم يتحرّك الاقتصاد الجزائري، قيد أنملة، من 1963 إلى 2010".
لكن، وحتى مع سواد ألوان تلك القراءة، لا يمكن إغفال القدرات الكامنة لدى الجزائريين للوعي بتلك المُدخلات والمخرجات وصنع التغيير، من خلال الأدوات التي أتاحتها السّلطة نفسها على غرار الجمعيات، وإن شُدّدت شروط إنشائها، ووسائل الاتصال الاجتماعي والتي عرف الجميع قدر التأثير الذي تمارسه في المواعيد الانتخابية ومنها، وإنْ كموقفٍ سلبي، من حيث الموقف والتقييم السياسي، عبر العزوف الانتخابي، ما أضعف مشروعية وشرعية مؤسّسات كالبرلمان، مثلا.
يبقى المجتمع المدني الأمل الوحيد للجزائر، في سبيل إحداث ذلك التغيير، ولعل ما قام به إزاء ولد عباس، من حيث انتقاد مواقفه ونشرها في وسائل الاتصال الاجتماعي، ما دفع السلطة إلى التفكير في أن مسار ما تريد تقريره بشأن الرئاسيات المقبلة، لا يمكن إنجازه في ظل وجود شخصيةٍ نالت كل ذلك الكم من النقد لدى الرأي العام. .. لعلها بداية ومسير ألف ميل يبدأ بخطوة. وإنّ غداً لناظره لقريب.
جاء القرار في وقت كان الجميع يراهن فيه على انتهاء فترة التفكير والمشاورة لدى الهيئة صاحبة القرار، وذلك بعد ترسيم الحزب الحاكم، بلسان أمينه العام المستقيل، ترشيح الرئيس الحالي لعهدة خامسة واستكمال جمع المناصرة بتكوين تحالفٍ رئاسيٍ لتأييد ذلك الخيار، مؤلفٍ من لفيف الأحزاب التي تؤيد دائما ما يرشح من قراراتٍ عن تلك الهيئة.
بالعودة إلى سياق تلك الاستقالة، تجدها محترمة سيناريوهات رُسمت لاستقالات أخرى سبقتها بدون مقدّمات وبدون علامات، عرفها الحزب الحاكم من قبل (استقالات أربعة أمناء عامّين لا يُعرف إلى الآن ما اكتنف قرارات إبعادهم من الساحة السياسية)، تشير إلى قرب اتخاذ قراراتٍ بشأنها تماما مثل كلّ الأزمات التي يفتعلها النظام في الجزائر لمعالجة/ إدارة أزماته، حيث إنّنا عشنا السيناريو نفسه قبل نحو سنتين عندما تم استبعاد الأمين العام السابق، عمار سعيداني، كما أننا عشنا، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أزمة مماثلة، لم يتم إماطة اللثام بعد عن حيثياتها، بمناسبة رفع الغطاء السياسي/ الإقالة لرئيس البرلمان، العضو البارز في الحزب الحاكم، أيضا، السعيد بوحجة.
ولكن، بالنسبة للقراءة المتأنية للوضع السياسي الجزائري، لا يمكن أن يكون هذا الحدث معزولا عن الحراك السياسي الذي يُهندس للانتخابات المقبلة، والتي يراهن الجميع على أن كلّ ما
وبالنّسبة للقرار الذي أدهش السّاحة السياسية الجزائرية بفُجائيته، فقد ذهبت معظم التّحاليل إلى توصيفه بالإقالة، الإبعاد أو التّغييب لأمين عام جبهة التحرير عن السّاحة السياسية، على شاكلة ما قام به، هو نفسه، برئيس البرلمان الشهر الماضي، لتتولّد عن الإقالتين حالتان عويصتان، من الناحية القانونية، فالرّجلان لم يقدّما استقالتيهما. وبالتّالي، فان الحزب الحاكم و البرلمان سيُسيّران، كلاهما، بدون شرعية قانونية والبلاد على مقربةٍ من رهان الرئاسيات، ما يدلّ على أنه ليس للسياسة العامة قواعد أساسية في التّسيير بسبب الغموض والصّمت اللذين يطبعان عمل النظام السياسي الجزائري ويلفّانه، واللذين يمنعان من فهم مدخلات الصّندوق الأسود ومخرجاته، أو الهيئة القرارية الجزائرية فيما تتّخذه من قراراتٍ، حتى المصيرية منها، من حيث الانعكاس الذي تشكّله على عمل النظام السياسي، أو السّير الطبيعي له.
ماذا يمكن أن يجر هذا القرار بالنسبة للّعبة السياسية برهاناتها المقبلة؟ هذا هو السؤال الذي تم طرحه على أكثر من مستوى، وكانت الإجابة أن ثمّة تفكيرا في تغيير وجوهٍ تتحرّج السلطة على مرافقتهم لها في المواعيد السياسية المقبلة، لأنها (تلك الوجوه ومنها أمين عام الحزب الحاكم) غرقت في متاهات تصريحات ومواقف سياسية، لاقت انتقادا كثيرا من الرّأي العام، وخصوصا على مستوى وسائل الاتصال الاجتماعي، وهو ما لا تريد السلطة له أن يستمرّ في إطار عملية ضبط إيقاع المسار السياسي المقبل، من دون عقبات، وذلك بسبب حساسية المشهد، وصعوبة الموقف، كما يراه ويعيشه الجميع في الجزائر.
لعلّ توازي تلك الاستقالة مع أخبارٍ رشحت بشأن الرّفع من حصّة الأموال المُخصّصة للتحويلات الاجتماعية في قانون المالية القادم (أموال تُخصّص لدعم السلع الأساسية وللبرامج الاجتماعية على غرار السكنات الاجتماعية)، وتصريح وزير المالية أنه ليس ثمة ارتباط بين ذلك الرّفع والمواعيد السياسية المقبلة، ما يدل على صحّة أن كل ما يقع في الجزائر ذو صلة مباشرة أو غير مباشرة بتلك الانتخابات الرئاسية التي لن تكون، بما رُسم لها، إلاّ استمرارية على شاكلة شعارٍ أكثر جمال ولد عباس من تكراره الحديث بشأنه، بل جعله عنوانا للمرحلة المقبلة، إلى درجة أن بعضهم فهم منه أنه إشارة إلى مرحلة انتقالية، ستُقرّر بدلا من الموعد الانتخابي المنتظر في ربيع 2019.
هناك اتّجاه آخر يفرض نفسه لفهم هذه الاستقالة المفاجئة، وهو أن الرّأي العام مُغيّب تماما من المشهد السياسي وعنه، حيث لا يُلقى له بال، ولا يُطلب منه الإدلاء بدلوه، على الرّغم من أنّه المعني بالمشهد السياسي، إضافة إلى أنّ الأحزاب، أيا كانت اتجاهاتها السياسية، موالاة أو معارضة، تبقى بعيدةً عن وعي الشعب، لأنها لا تهتم بردود فعله، سواء رضي أم لم يرض، لمعرفتها الشديدة أنه ليس من يقرّر مصير نتائج المواعيد الانتخابية. وهذا الفهم الذي يفرض نفسه بإلحاح، أن نظاما يقرّر، في أقل من شهرين، باستبعاد شخصيتين، من مؤسّسة تشريعية منتخبة، وجهاز حزبي حاكم، يبعث رسالة أنه المقرّر الوحيد، ويبقى كذلك من دون منازع، وخصوصا في المشهد الرئاسي غرسا، لوعي جمعي باطني لدى الجميع، طبقة سياسية ورأي عام، أن لا تغيير مرتقبا وأن ثمّة دائرة هي خط أحمر، لا ينبغي التفكير بالاقتراب منها، ولا التفكير بما في داخلها، ولا ما يكتنف من أجواء تحيط بقراراتٍ، تُتخّذ من حين إلى آخر، حتى المصيرية منها للبلاد والعباد.
لا يمكن إنهاء المقالة من دون التّفكير في مآل المشهد السياسي في الجزائر في مقبل الأيام،
لكن، وحتى مع سواد ألوان تلك القراءة، لا يمكن إغفال القدرات الكامنة لدى الجزائريين للوعي بتلك المُدخلات والمخرجات وصنع التغيير، من خلال الأدوات التي أتاحتها السّلطة نفسها على غرار الجمعيات، وإن شُدّدت شروط إنشائها، ووسائل الاتصال الاجتماعي والتي عرف الجميع قدر التأثير الذي تمارسه في المواعيد الانتخابية ومنها، وإنْ كموقفٍ سلبي، من حيث الموقف والتقييم السياسي، عبر العزوف الانتخابي، ما أضعف مشروعية وشرعية مؤسّسات كالبرلمان، مثلا.
يبقى المجتمع المدني الأمل الوحيد للجزائر، في سبيل إحداث ذلك التغيير، ولعل ما قام به إزاء ولد عباس، من حيث انتقاد مواقفه ونشرها في وسائل الاتصال الاجتماعي، ما دفع السلطة إلى التفكير في أن مسار ما تريد تقريره بشأن الرئاسيات المقبلة، لا يمكن إنجازه في ظل وجود شخصيةٍ نالت كل ذلك الكم من النقد لدى الرأي العام. .. لعلها بداية ومسير ألف ميل يبدأ بخطوة. وإنّ غداً لناظره لقريب.