21 مايو 2022
شعبوية مودي وخيارات عباس
مثلت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الهند، في يناير/ كانون الثاني الماضي، مناخًا خصبًا لإعادة قراءة الموقف الهندي تجاه القضية الفلسطينية، في ضوء تسارع الزيارات بين الطرفين، وتوسع العلاقات في المجالات السياسية والتجارية والأمنية، وأدت كذلك بتعريفٍ لا يقل ضررًا لموقف الهند التاريخي من النضال ضد الاستعمار، مفاده بأن الهند غير مستعدة لتقييم علاقتها مع إسرائيل من منظور موقفها التاريخي تجاه القضية الفلسطينية، ويعني ذلك أن تحولات الهند الداخلية باتجاه تنامي اليمين الشعبوي أضحت مدخلًا لتحديد معالم سياستها الخارجية.
وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، قد صعد إلى الحكم في العام 2014، عن حزب الشعب الهندي القومي الهندوسي؛ المنبثق عن حزب بهارتيا جاناتا، وحمل معه شعارات محاربة الفساد، والدعوة إلى تحقيق انتعاش اقتصادي في الهند. وبخلاف الإدارات السابقة، قد يبدو مودي ضامنًا لتحقيق سياساتٍ تحقق تقدمًا هنديًا على الصعيد الاقتصادي؛ حيث صرح بأنه يسعى إلى المساهمة في إخراج الهند من الصعوبات التنموية التي تعاني منها، مثل الفقر وأزمة الأمن الغذائي والعجز المالي وضعف الاستثمار.
وعلى مدار أربعة أعوامٍ ماضية، بدا أن اقتصاد الهند لم يكن الشغل الشاغل لمودي، وهو الذي يرى في التهديدات الأمنية لمصالحه في شبه القارة الهندية حاجةً لفهم دوافع علاقته بإسرائيل. لذلك، أخذ جلّ اهتمامه ينصب على محاربة "الإرهاب". وعليه، أضحت الهند تتربع عرش
الدول المستوردة للأسلحة، حيث تستحوذ على 13% من إجمالي مبيعات الأسلحة في العالم، وبشكل يفوق واردات منافسيْها الإقليميين، الصين وباكستان، كما باتت تشكّل أكبر سوق أسلحة إسرائيلية، بنسبة تصل إلى 41% من إجمالي مبيعات إسرائيل من الأسلحة إلى العالم.
وبخلاف الإدارات الهندية السابقة، باتت إدارة مودي أقرب إلى التضحية بالنمو الاقتصادي للهند، فقد تراجع من 7.5% عام 2014 إلى 7.1 عام 2017، ومتراجعةً عن 8.2 عام 2016، فضلًا عن تضحيتها بموقفها الأخلاقي من نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال، وهي التي تملك تاريخًا نضاليًا ضد الاستعمار، في مقابل انتصار الأيديولوجيا على الحكم. ولا يمكن للسلوك السياسي الأيديولوجي الشعبوي اليميني لرئيس الوزراء الهندي أن ينجح من دون تقارب مع إسرائيل. هكذا يرى مودي عطشه لهذه الشراكة؛ وهو الذي يرى في نفسه يتمتع بأغلبية بصفته يمثل تطلعات الهنود من الفقراء، إلى جانب أنه لا يثق بالنخب السياسية الموجودة، ويعادي الصحافة المستقلة، ويخاطب الجمهور من خلال "تويتر"، كما أنه لا يثق بالقضاء، وينحاز بشكل مطلق لتفوق الحضارة الهندوسية في الهند والعداء للمسلمين. ليس هذا فحسب، لا تتماشى سياساته الاقتصادية مع تطلعات الطبقة الفقيرة، وهو الذي يعتمد على طبقة الأغنياء من الهنود لتحقيق الانفتاح والتقدم الاقتصادي.
وفي خضم ذلك، ليس لمودي مصالح مشتركة مع السلطة الفلسطينية، ولا مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وإذ تأتي زيارته البروتوكولية اليوم (10 /2/ 2018) إلى رام الله، للتأكيد أن القضية الفلسطينية حاضرة في أجندة السياسة الخارجية الهندية، إلا أن ذلك يعكس الدعم التاريخي المقدم من الهند للحق الفلسطيني. فزيارات عباس الثلاث إلى الهند لم تشفع له بالتقرّب من مودي الذي صرح، عند زيارة نتنياهو، تأييده "استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل الوصول إلى حل شامل ودائم في المنطقة"، من دون الإشارة المباشرة إلى حل الدولتين الذي تتبناه السلطة الفلسطينية وتدعمه الهند والمجتمع الدولي. وكان مودي قد قام بزيارة "تاريخية" إلى القدس في يوليو/ تموز 2017، وقال "إن إسرائيل صديقة حقيقية، وأشعر هنا كأني في بيتي". وكان ذلك من جهة مفتاحًا رئيسيًا لفهم النمو المضطرد في العلاقات التجارية والأمنية بين الطرفين، ومن جهة ثانية استخفافًا بالعرب الذين يصل التبادل التجاري بينهم وبين الهند إلى 120 مليار دولار؛ تشكل الإمارات والسعودية قرابة 90% منه، مقارنة بأربعة مليارات دولار مع إسرائيل.
أما الرئيس عباس المأزوم، والذي يعاني ضغوطًا إقليمية ودولية منذ إعلان الرئيس الأميركي،
دونالد ترامب، بشأن القدس، فلا زال مترددًا بشأن سحب الاعتراف بإسرائيل ومراجعة اتفاقيات أوسلو، وهو الذي كلف لجانا فنية لدرس التوصيات الصادرة عن المجلس المركزي الفلسطيني بشأن فك الارتباط مع الاحتلال الإسرائيلي. ومن جهة ثانية، لا زال متمسكًا بنهج المفاوضات والبحث عن راعٍ لعملية السلام والدبلوماسية، مسارا حتميا لمشروع حل الدولتين، وهو نفسه الذي صرح في مؤتمر "القدس عاصمة الشباب الإسلامي" في القاهرة، أخيرا، إن فلسطين حصدت "705 قرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة، و86 قرارا من مجلس الأمن الدولي، ولم ينفذ منها قرار واحد".
مع وصول مودي ونتنياهو وترامب وبوتين (يلتقيه عباس في سوتشي في 12 شباط / فبراير الحالي لمناقشة آلية وساطة جديدة لعملية السلام بدلًا من رباعية الشرق الأوسط)، ومع تنامي طموح الدول العربية لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، وهيمنة الرئيس محمود عباس على تحديد خيارات الفلسطينيين بمقاومة المحتل، بات الفلسطينيون أمام ضرورةٍ ملحةٍ لمواجهة الشعبوية، كما يواجهون الاحتلال ومشاريع السلطة الفلسطينية القائمة على التطبيع، ورفض النضال ضد المحتل. ولذلك، لا يتوقع من زيارة مودي رام الله تحقيق أي تقدمٍ من شأنه أن ينصف الفلسطينيين. والحاجة اليوم هي إلى استعادة النضال الشعبي الفلسطيني من منظور الحراك من أجل التغيير، فلم يعد الرهان، في الحالة الفلسطينية، قائمًا على المراوحة في الاستراتيجية نفسها التي أثبتت فشلها منذ اليوم الأول. الآن، يمكن للفلسطينيين أن يتخلوا عن مشروعهم بحل الدولتين، بفشل جميع الزيارات ومحاولات إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية من خلال المسار الدبلوماسي والمفاوضات، حتى لا يتعرّضوا لخيبة أمل جديدة، راهنوا على أوهامها سنواتٍ.
وكان رئيس الوزراء الهندي، ناريندا مودي، قد صعد إلى الحكم في العام 2014، عن حزب الشعب الهندي القومي الهندوسي؛ المنبثق عن حزب بهارتيا جاناتا، وحمل معه شعارات محاربة الفساد، والدعوة إلى تحقيق انتعاش اقتصادي في الهند. وبخلاف الإدارات السابقة، قد يبدو مودي ضامنًا لتحقيق سياساتٍ تحقق تقدمًا هنديًا على الصعيد الاقتصادي؛ حيث صرح بأنه يسعى إلى المساهمة في إخراج الهند من الصعوبات التنموية التي تعاني منها، مثل الفقر وأزمة الأمن الغذائي والعجز المالي وضعف الاستثمار.
وعلى مدار أربعة أعوامٍ ماضية، بدا أن اقتصاد الهند لم يكن الشغل الشاغل لمودي، وهو الذي يرى في التهديدات الأمنية لمصالحه في شبه القارة الهندية حاجةً لفهم دوافع علاقته بإسرائيل. لذلك، أخذ جلّ اهتمامه ينصب على محاربة "الإرهاب". وعليه، أضحت الهند تتربع عرش
وبخلاف الإدارات الهندية السابقة، باتت إدارة مودي أقرب إلى التضحية بالنمو الاقتصادي للهند، فقد تراجع من 7.5% عام 2014 إلى 7.1 عام 2017، ومتراجعةً عن 8.2 عام 2016، فضلًا عن تضحيتها بموقفها الأخلاقي من نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال، وهي التي تملك تاريخًا نضاليًا ضد الاستعمار، في مقابل انتصار الأيديولوجيا على الحكم. ولا يمكن للسلوك السياسي الأيديولوجي الشعبوي اليميني لرئيس الوزراء الهندي أن ينجح من دون تقارب مع إسرائيل. هكذا يرى مودي عطشه لهذه الشراكة؛ وهو الذي يرى في نفسه يتمتع بأغلبية بصفته يمثل تطلعات الهنود من الفقراء، إلى جانب أنه لا يثق بالنخب السياسية الموجودة، ويعادي الصحافة المستقلة، ويخاطب الجمهور من خلال "تويتر"، كما أنه لا يثق بالقضاء، وينحاز بشكل مطلق لتفوق الحضارة الهندوسية في الهند والعداء للمسلمين. ليس هذا فحسب، لا تتماشى سياساته الاقتصادية مع تطلعات الطبقة الفقيرة، وهو الذي يعتمد على طبقة الأغنياء من الهنود لتحقيق الانفتاح والتقدم الاقتصادي.
وفي خضم ذلك، ليس لمودي مصالح مشتركة مع السلطة الفلسطينية، ولا مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وإذ تأتي زيارته البروتوكولية اليوم (10 /2/ 2018) إلى رام الله، للتأكيد أن القضية الفلسطينية حاضرة في أجندة السياسة الخارجية الهندية، إلا أن ذلك يعكس الدعم التاريخي المقدم من الهند للحق الفلسطيني. فزيارات عباس الثلاث إلى الهند لم تشفع له بالتقرّب من مودي الذي صرح، عند زيارة نتنياهو، تأييده "استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل الوصول إلى حل شامل ودائم في المنطقة"، من دون الإشارة المباشرة إلى حل الدولتين الذي تتبناه السلطة الفلسطينية وتدعمه الهند والمجتمع الدولي. وكان مودي قد قام بزيارة "تاريخية" إلى القدس في يوليو/ تموز 2017، وقال "إن إسرائيل صديقة حقيقية، وأشعر هنا كأني في بيتي". وكان ذلك من جهة مفتاحًا رئيسيًا لفهم النمو المضطرد في العلاقات التجارية والأمنية بين الطرفين، ومن جهة ثانية استخفافًا بالعرب الذين يصل التبادل التجاري بينهم وبين الهند إلى 120 مليار دولار؛ تشكل الإمارات والسعودية قرابة 90% منه، مقارنة بأربعة مليارات دولار مع إسرائيل.
أما الرئيس عباس المأزوم، والذي يعاني ضغوطًا إقليمية ودولية منذ إعلان الرئيس الأميركي،
مع وصول مودي ونتنياهو وترامب وبوتين (يلتقيه عباس في سوتشي في 12 شباط / فبراير الحالي لمناقشة آلية وساطة جديدة لعملية السلام بدلًا من رباعية الشرق الأوسط)، ومع تنامي طموح الدول العربية لتطبيع العلاقة مع إسرائيل، وهيمنة الرئيس محمود عباس على تحديد خيارات الفلسطينيين بمقاومة المحتل، بات الفلسطينيون أمام ضرورةٍ ملحةٍ لمواجهة الشعبوية، كما يواجهون الاحتلال ومشاريع السلطة الفلسطينية القائمة على التطبيع، ورفض النضال ضد المحتل. ولذلك، لا يتوقع من زيارة مودي رام الله تحقيق أي تقدمٍ من شأنه أن ينصف الفلسطينيين. والحاجة اليوم هي إلى استعادة النضال الشعبي الفلسطيني من منظور الحراك من أجل التغيير، فلم يعد الرهان، في الحالة الفلسطينية، قائمًا على المراوحة في الاستراتيجية نفسها التي أثبتت فشلها منذ اليوم الأول. الآن، يمكن للفلسطينيين أن يتخلوا عن مشروعهم بحل الدولتين، بفشل جميع الزيارات ومحاولات إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية من خلال المسار الدبلوماسي والمفاوضات، حتى لا يتعرّضوا لخيبة أمل جديدة، راهنوا على أوهامها سنواتٍ.
مقالات أخرى
28 يناير 2022
14 مايو 2021
21 ديسمبر 2020