05 أكتوبر 2024
الخروج إلى العالم.. بوادر سلام كوري
جاءت زيارة زعيم كوريا الشمالية، كيم يونغ أون، بكين ( 24 ـ 27 مارس/ آذار) لتحمل دلالاتٍ رمزيةً على درجةٍ من الأهمية، فهذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها الزعيم أون إلى الصين، وهي بمنزلة أم رؤوم، أو أب روحي لبيونغ يانغ، وهي أول زيارة خارجية يقوم بها الزعيم الشاب ( 35 عاما) منذ توليه منصبه على رأس الشطر الشمالي لكوريا في سبتمبر/ أيلول 2010. وقد فسّر الزائر زيارته التي تمت في البداية بتكتّم شديد، وعبر قطار "غامض"، على أن الهدف منها هو تقديم التهنئة للزعيم الصيني، شي جين بينغ، بمناسبة تجديد ولايته لقيادة الصين، غير أنه من الواضح أن الزيارة التي قد تكون "تاريخية" بالفعل، قد أتت في ظروف تحولاتٍ في الموقف الكوري الشمالي من امتلاك أسلحة ومنشآت نووية، وفي العلاقة مع الشطر الجنوبي، وفي التمهيد لقمة مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. والدلالة الأكبر أن بيونغ يانغ عازمةٌ على الخروج من عزلتها، وأنها لن تواظب على أداء دورها التقليدي في أن تكون عبئا على جارتها الصين التي تزودها بأسباب الحياة، وأن 25 مليون كوري شمالي لن يكون في وسعهم النجاة من شبح المجاعة، بأن يأكلوا صواريخ مهما كانت هذه الأسلحة متطورة.
وخلافاً لما كان يبدو عليه كيم جونغ من سيماء التحدي والاستعراض والاستعداد لمنازلة نووية
مع الولايات المتحدة، فقد بدا في حضرة مضيفه، شي جين، على درجة ملحوظة من التواضع، وأقرب إلى هيئة ابن يلتمس النصح والإرشاد من مركز الأبوة الروحية. وأصحاب هذا المركز عازمون بدورهم على تنظيم خروج بيونغ يانغ إلى العالم، ابتداء من تنظيم قمة كورية، ثم قمة تجمع كيم يونغ بترامب، وكلمة السر في ذلك أن تصبح شبه الجزيرة الكورية خاليةً من أسلحة الدمار الشامل. وقد سارع المسؤولون الصينيون، عقب هذه الزيارة، إلى إبلاغ سيول بنتائج الزيارة، فيما تمضي الاستعدادات لعقد قمة كورية في 27 إبريل/ نيسان المقبل في منطقةٍ فاصلةٍ بين الكوريتين، وستكون هذه هي القمة الأولى التي تجمع كيم يونغ بنظيره الجنوبي مون جاي إن، فيما تعود آخر قمة بين الشطرين إلى العام 2007.
الظروف مهيأة لنجاح هذه القمة، بعد أن تم الاتفاق على استحداث خط هاتفي ساخن بين الزعيمين، وبعد أن لعبت سيول، مع عواصم أخرى منها طوكيو وبكين، دورا في نزع فتيل التوتر العالي بين بيونغ يانغ وواشنطن. ولا تقل القمة الكورية المرتقبة أهمية عن القمة مع ترامب. فالجرح الكوري، متمثلا بانشطار شبه الجزيرة إلى نصفين، والحروب الطاحنة التي جرت منذ أواخر أربعينات القرن الماضي بينهما، ثم بمشاركة أطراف أخرى، منها الصين والولايات المتحدة، هذا الجرح الذي ظل مفتوحا سبعة عقود متصلة، هو المرشح لأن يبرأ تدريجيا، إذا ما أحسن المسؤولون في سيول وواشنطن ملاقاة المرونة الكورية الشمالية بالرد عليها بمثلها، بتخفيف مظاهر التسلح والحد من الوجود الأميركي العسكري في الشطر الجنوبي. وتجد بكين مصلحةً لها في نزع السباق إلى التسلح في الكوريتين، ورؤية نهاية للوجود الأميركي، وسبق لبكين أن مارست ضغوطا على الجار الكوري الشمالي إلى درجةٍ أوقفت فيها التعاملات مع المصارف في كوريا الشمالية، وتوقفت الصين عن استيراد الفحم وبعض المعادن الثمينة من كوريا الشمالية. ووافقت في مجلس الأمن على عقوباتٍ ضد بيونغ يانغ، من دون أن يحمّل ذلك الأخيرة على التخلي عن صداقتها الجارة الكبيرة. وخلافا لموسكو التي بنت سياسةً تقوم على الاستثمار في الأزمة التي كانت متصاعدة بين واشنطن وبيونغ يانغ، فإن بكين تجد مصلحتها في إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية، وفي أن تتقدم بيونغ يانغ إلى التطبيع مع العالم، جريا على نهج صيني ــ أميركي سابق في الانفتاح المتبادل منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، والذي ابتدأ في دعوة فريق كرة تنس طاولة القومي الأميركي إلى بكين في العام 1969، وما تبع ذلك منعودة العلاقات بين بكين وواشنطن.
وقد أدت الألعاب الرياضية، مرة أخرى، دورا مشهودا في التقريب السياسي. وهذه المرة بين الكوريتين، حيث شاركت كوريا الشمالية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير/ شباط الماضي في كوريا الجنوبية، وقد نشطت الاتصالات بعدئذٍ بين الجانبين. ولم تعد هناك الآن حاجةٌ إلى مناسبات رياضية، أو ما شاكلها، فالعقوبات التى طاولت كوريا الشمالية، وجنوح هذا البلد إلى تنمية عسكرية دون سواها من جوانب من التنمية، والجهود التي بذلتها الصين واليابان على مدى العام الماضي 2017 خصوصا، وانزعاج بكين من جارتها الصغيرة، والطموح الصيني إلى خروج الجارة من العزلة، وإعادة تنشيط دورة الحياة فيها. وقد أسهم ذلك كله في الاستدارة الكورية الشمالية، بالإفادة ربما من تجربة الاتحاد السوفييتي الذي لم تنفعه تنمية قائمة على التسلح أولاً وعاشراً، ولم تنقذه من الانهيار (هل أفادت موسكو في عهود فلاديمير بوتين من تجربة نظامها السابق، مع العودة إلى تضخيم الجانب العسكري والمباهاة بتصدير الأسلحة دون غيرها!).
وكان لافتا، في معرض مراجعة كوريا الشمالية سياساتها، أن مسؤولين في بيونغ يانغ نفوا أخيرا تقديم أية مساعدة في مجال تصنيع الأسلحة الكيميائية إلى دمشق. وفي أوقات سابقة، قبل هذه المراجعة، كان يمكن لبيونغ يانغ المفاخرة في تقديم مثل هذا الدعم المفترض. علما أنه تم تدشين حديقة في وسط دمشق في أغسطس/ آب 2015 باسم الزعيم كيم جونغ أون، ولا يعقل أن يكون تخصيص هذه الحديقة لزعيم كوريا الشمالية بغير سببٍ فائق الأهمية.
وأيا كان الأمر، فإن بشائر سلام تلوح في الأفق الكوري، وحيث ترتدي القمة المنتظرة بين الشطرين أهمية بالغة تكاد توازي الأهمية مع قمة ترامب وكيم جونغ أون، فالسلام يبدأ على الأرض الكورية بين العائلات الممزقة بين الشطرين، والحرب الباردة والساخنة تتهيأ لوضع أوزارها، بعد سبعين عاما من العداء، والفوارق الهائلة بين الكوريتين (16مليارا كناتج محلي لكوريا الشمالية مقابل نحو 1,4 تريليون للشطر الجنوبي الذي يحتل المركز الحادي عشر في اقتصادات العالم) تنتظر تقليص الفجوات، في أجواء من السلام ينعم به شرق آسيا، وبما ينأى بشبه الجزيرة أن تظل ساحة للنفوذ الدولي، ويفتح الآفاق أمام الرهان على توحيد شبه الجزيرة مجدّداً.
ولعله أمر مثير للتأمل أن يأتي بدء خروج كوريا الشمالية من عزلتها متزامناً مع تعرّض الحليف الروسي لبيونغ يانغ، لعزلةٍ دبلوماسية لا نظير لها منذ زهاء ثلاثة عقود، وذلك على خلفية واقعة تسميم الجاسوس الروسي المزدوج، سيرغي سكريبال وابنته يوليا، في لندن في 4 مارس/ آذار الجاري.
وخلافاً لما كان يبدو عليه كيم جونغ من سيماء التحدي والاستعراض والاستعداد لمنازلة نووية
الظروف مهيأة لنجاح هذه القمة، بعد أن تم الاتفاق على استحداث خط هاتفي ساخن بين الزعيمين، وبعد أن لعبت سيول، مع عواصم أخرى منها طوكيو وبكين، دورا في نزع فتيل التوتر العالي بين بيونغ يانغ وواشنطن. ولا تقل القمة الكورية المرتقبة أهمية عن القمة مع ترامب. فالجرح الكوري، متمثلا بانشطار شبه الجزيرة إلى نصفين، والحروب الطاحنة التي جرت منذ أواخر أربعينات القرن الماضي بينهما، ثم بمشاركة أطراف أخرى، منها الصين والولايات المتحدة، هذا الجرح الذي ظل مفتوحا سبعة عقود متصلة، هو المرشح لأن يبرأ تدريجيا، إذا ما أحسن المسؤولون في سيول وواشنطن ملاقاة المرونة الكورية الشمالية بالرد عليها بمثلها، بتخفيف مظاهر التسلح والحد من الوجود الأميركي العسكري في الشطر الجنوبي. وتجد بكين مصلحةً لها في نزع السباق إلى التسلح في الكوريتين، ورؤية نهاية للوجود الأميركي، وسبق لبكين أن مارست ضغوطا على الجار الكوري الشمالي إلى درجةٍ أوقفت فيها التعاملات مع المصارف في كوريا الشمالية، وتوقفت الصين عن استيراد الفحم وبعض المعادن الثمينة من كوريا الشمالية. ووافقت في مجلس الأمن على عقوباتٍ ضد بيونغ يانغ، من دون أن يحمّل ذلك الأخيرة على التخلي عن صداقتها الجارة الكبيرة. وخلافا لموسكو التي بنت سياسةً تقوم على الاستثمار في الأزمة التي كانت متصاعدة بين واشنطن وبيونغ يانغ، فإن بكين تجد مصلحتها في إحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية، وفي أن تتقدم بيونغ يانغ إلى التطبيع مع العالم، جريا على نهج صيني ــ أميركي سابق في الانفتاح المتبادل منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، والذي ابتدأ في دعوة فريق كرة تنس طاولة القومي الأميركي إلى بكين في العام 1969، وما تبع ذلك منعودة العلاقات بين بكين وواشنطن.
وقد أدت الألعاب الرياضية، مرة أخرى، دورا مشهودا في التقريب السياسي. وهذه المرة بين الكوريتين، حيث شاركت كوريا الشمالية في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في فبراير/ شباط الماضي في كوريا الجنوبية، وقد نشطت الاتصالات بعدئذٍ بين الجانبين. ولم تعد هناك الآن حاجةٌ إلى مناسبات رياضية، أو ما شاكلها، فالعقوبات التى طاولت كوريا الشمالية، وجنوح هذا البلد إلى تنمية عسكرية دون سواها من جوانب من التنمية، والجهود التي بذلتها الصين واليابان على مدى العام الماضي 2017 خصوصا، وانزعاج بكين من جارتها الصغيرة، والطموح الصيني إلى خروج الجارة من العزلة، وإعادة تنشيط دورة الحياة فيها. وقد أسهم ذلك كله في الاستدارة الكورية الشمالية، بالإفادة ربما من تجربة الاتحاد السوفييتي الذي لم تنفعه تنمية قائمة على التسلح أولاً وعاشراً، ولم تنقذه من الانهيار (هل أفادت موسكو في عهود فلاديمير بوتين من تجربة نظامها السابق، مع العودة إلى تضخيم الجانب العسكري والمباهاة بتصدير الأسلحة دون غيرها!).
وكان لافتا، في معرض مراجعة كوريا الشمالية سياساتها، أن مسؤولين في بيونغ يانغ نفوا أخيرا تقديم أية مساعدة في مجال تصنيع الأسلحة الكيميائية إلى دمشق. وفي أوقات سابقة، قبل هذه المراجعة، كان يمكن لبيونغ يانغ المفاخرة في تقديم مثل هذا الدعم المفترض. علما أنه تم تدشين حديقة في وسط دمشق في أغسطس/ آب 2015 باسم الزعيم كيم جونغ أون، ولا يعقل أن يكون تخصيص هذه الحديقة لزعيم كوريا الشمالية بغير سببٍ فائق الأهمية.
وأيا كان الأمر، فإن بشائر سلام تلوح في الأفق الكوري، وحيث ترتدي القمة المنتظرة بين الشطرين أهمية بالغة تكاد توازي الأهمية مع قمة ترامب وكيم جونغ أون، فالسلام يبدأ على الأرض الكورية بين العائلات الممزقة بين الشطرين، والحرب الباردة والساخنة تتهيأ لوضع أوزارها، بعد سبعين عاما من العداء، والفوارق الهائلة بين الكوريتين (16مليارا كناتج محلي لكوريا الشمالية مقابل نحو 1,4 تريليون للشطر الجنوبي الذي يحتل المركز الحادي عشر في اقتصادات العالم) تنتظر تقليص الفجوات، في أجواء من السلام ينعم به شرق آسيا، وبما ينأى بشبه الجزيرة أن تظل ساحة للنفوذ الدولي، ويفتح الآفاق أمام الرهان على توحيد شبه الجزيرة مجدّداً.
ولعله أمر مثير للتأمل أن يأتي بدء خروج كوريا الشمالية من عزلتها متزامناً مع تعرّض الحليف الروسي لبيونغ يانغ، لعزلةٍ دبلوماسية لا نظير لها منذ زهاء ثلاثة عقود، وذلك على خلفية واقعة تسميم الجاسوس الروسي المزدوج، سيرغي سكريبال وابنته يوليا، في لندن في 4 مارس/ آذار الجاري.