28 مايو 2018
عن الأسرة اليمنية في زمن الحرب
هويدا اليوسفي
منذ دارت رحى الحرب العبثية في اليمن، تغير حال اليمنيين من سيئ إلى أسوأ؛ فقد وقعوا أسرى ثالوث الحرب والجوع والمرض؛ حرب أكلت الأخضر واليابس لم يشهدوا مثلها من قبل، بل هي حروب شُنت على الشعب اليمني، وأخرى أهلية بين اليمنيين أنفسهم يذوقون ويلاتها كل يوم، لم تسلم من نارها المدن والقرى المكتظة بالسكان، ومختلف الأسلحة، نجمت عنها أحقاد ومآس تحتاج مداواتها زمنا طويلا؛ لتوحيد قلوب اليمنيين، فقد استحل فيها اليمني دم أخيه وماله وأرضه وبيته من أجل السيطرة والحكم، وتركيع بقية أجزاء اليمن بعد انقلاب الحوثيين على حكم شرعي، فتح شهية دول عربية وإقليمية للسيطرة على الملف اليمني. كل يريد أن يجد موطئ قدم له في أرض اليمن الاستراتيجية، وينفذ أحلامه وطموحاته في السيطرة على ما تيسر له منها، فشنوا حربا إقليمية اتخذت من اليمن مسرحا لها، ومن اليمنيين وقودا لها، فملأت الصواريخ سماء اليمن، وحصدت أرواح اليمنيين الأبرياء بدون رحمة. صواريخ من السماء وصواريخ من الأرض، وبين الأرض والسماء لم يجد اليمني لنفسه ولا لأسرته ملجأ؛ فترك مصادر عيشه ومأواه؛ ليبحث عن مأوى آخر متنقلا من مكان إلى آخر؛ ليصبح نازحا غريبا شريدا، يبحث عن لقمةٍ يسد بها جوعه، وجوع أولاده. يعيش على ما يجود به التجار المحسنون، أو ما تيسر من معونات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة، اكتظت المستشفيات بآلاف الجرحى، ولم تستطع بعضها مواصلة العمل الذي أصبح فوق قدرتها الاستيعابية؛ فتوقفت؛ لتزداد معاناة المواطنين، وانتشرت أمراض معدية حصدت أرواحهم من ناحية أخرى.
أثرت الحرب على غالبية الشعب من جميع المستويات، أهمها المستوى الاقتصادي الذي أثر على المستويات الأخرى، النفسي والصحي والاجتماعي. أثرت على موظفي القطاعين، العام والخاص، ففي القطاع الخاص فقد عمال كثيرون وظائفهم؛ لعدم تمكّن الشركات والمؤسسات الخاصة من الإيفاء برواتبهم، فلجأت إلى الاستغناء عن كثير من كوادرهم، وأغلقت منظمات ومؤسسات أبوابها، ولجأت أخرى إلى تقليص النفقات. كما انقطعت رواتب الموظفين في القطاع العام منذ أكثر من عام، فأصبحت ملايين الأسر من ذوي الدخل المحدود تحت خط الفقر، لا يستطيعون توفير مصروفهم اليومي؛ ما اضطر كثيرين منهم إلى بيع مدخراتهم، ثم
ضرورياتهم؛ ليواجهوا متطلبات الحد الأدنى من الحياة. وهناك من لم يجد ما يبيعه، فاضطر إلى الخروج إلى الشوارع طلبا للرزق؛ فقد وقع على كاهل المواطن تدبير حياته بمفرده، في غياب تام للدولة بكل مؤسساتها الخدمية، ففي العاصمة صنعاء، يفتقد الناس أبسط الخدمات، من توفير الماء والإنارة والخدمات الصحية، فأصبح المواطن في المدينة يعتمد على نفسه في توفير أبسط احتياجاته.
وقع على المرأة والطفل العبء الأعظم، فهما الرقم الأكبر في ضحايا الحروب، وهما أيضا من يبذلان جهودا كبيرة لتوفير مصادر العيش من ماء ووقود، فالمرأة اليمنية العظيمة ظهرت قوتها النفسية في تحمّلها أشد أنواع المعاناة؛ فهي الأم التي فقدت أولادها في حربٍ لا ترحم، فكظمت حزنها وألمها؛ لتلحق ما تبقى من أسرتها حتى لا يموتون جوعا، فاضطرت للخروج إلى الشارع لبيع كل ما يقع تحت يديها من مبيعات مختلفة، وبعض النساء جعلن من بيوتهن معامل لإعداد مختلف الأطعمة أو المخبوزات المحلية، والمعجنات والحلويات، لتباع في البقالات والطرقات، فتارة تزجّ أولادها إلى الشوارع؛ لبيع ما يمكنها إعداده، وتارة تخرج بنفسها متشحة بسواد حزنها الذي لا نهاية له إلا بتوقف الحرب. ارتفاعٌ مضاعفٌ للأسعار على كل من الأطعمة والمياه والأدوية، وارتفاع كبير لسعر المشتقات النفطية؛ أدى إلى ازدحام الأطفال والنساء في الشوارع في طوابير طويلة؛ ليوفروا حاجتهم من مياه السبيل؛ لتعينهم على تسيير حياتهم مع ارتفاع سعر سيارة الماء إلى مبالغ خيالية. وإلى جانب الماء، تتحمل المرأة أيضا مسؤولية توفير الحطب للوقود؛ فقد علّمها الجوع، وارتفاع سعر الغاز كيف تسد جوع أبنائها، فأصبحت فتاة المدينة المنعّمة قرويةً تعرف أجود أنواع الحطب وأماكن وجوده.
تعددت أعمال المرأة بين إعداد المعجنات والحلويات أو تجهيز العرائس بمتطلباتهن من خياطة ونقش، فلم تعد تجدي إلا أمثال هذه الأعمال المنزلية التي يمكن أن توفر للأسرة دخلا يوميا يواجهون من خلاله متطلباتهم اليومية. ولتدفع بأولادها إلى المدارس؛ فهي ما زالت تؤمن بأن التعليم سبيل النجاح لهم، ارتفعت معاناة المرأة وأرهقت الأحمال كاهلها. وتقلص دور الرجل تقلصا ملحوظا، إذ أثرت الحرب عليه من ناحية، وأثر فقدان العمل عليه من ناحية أخرى، فتدهورت حالته الاقتصادية والنفسية، فانتشرت في صفوف بعض الرجال اضطرابات نفسية، نتيجة الخوف الشديد على أبنائهم، إما من القضاء تحت نيران الصواريخ والقذائف أو جوعا ومرضا؛ فمنهم من اضطر إلى إرسال عائلته إلى القرية؛ ومن أخذ يبحث عن عمل بشهاداته المتعددة؛ وهيهات أن يجد؛ فلم تعد الشهادات والمراتب العليا فرصا لإيجاد عمل، في وقت خرج فيه أستاذ الجامعة لتعليم الصفوف الابتدائية، أو حمل الأحجار على ظهره؛ ليوفر القوت اليومي الضروري لأولاده.
استطاع بعضهم التغلب على هذه الشدائد والمحن، وفقد آخرون توازنهم النفسي، لينزلقوا في هاوية المرض النفسي؛ الأمر الذي تسبب في مشكلات اجتماعية مضاعفة مثل انفصال الوالدين، واختفاء الأب ودوره المهم عن الأسرة، تاركا أولاده لمصيرهم المجهول. تفكك أسري إما بالفراق أو بالانفصال، ومآس اجتماعية أخرى تهدد المجتمع.
دارت طاحونة الحرب التي لا ترحم، فطحنت اليمنيين الأبرياء طحنا. ارتفعت الأصوات المطالبة بتوقفها، وناشدت منظمات حقوق الإنسان المحلية والأممية جميع الأطراف بإيقافها، والعودة إلى طاولة الحوار، ووصفت الحالة المعيشية في البلاد بالمأساوية، وبأنها كارثة العصر، في ظل تعنت الأطراف جميعها، وإظهار اللامبالاة إزاء معاناة اليمنيين، ودمائهم التي تراق عبثا. ترتفع الأصوات المنذرة بخطورة الوضع، فهل من مجيب، أو هل من عاقل يدرك فداحة المأساة؟.
أثرت الحرب على غالبية الشعب من جميع المستويات، أهمها المستوى الاقتصادي الذي أثر على المستويات الأخرى، النفسي والصحي والاجتماعي. أثرت على موظفي القطاعين، العام والخاص، ففي القطاع الخاص فقد عمال كثيرون وظائفهم؛ لعدم تمكّن الشركات والمؤسسات الخاصة من الإيفاء برواتبهم، فلجأت إلى الاستغناء عن كثير من كوادرهم، وأغلقت منظمات ومؤسسات أبوابها، ولجأت أخرى إلى تقليص النفقات. كما انقطعت رواتب الموظفين في القطاع العام منذ أكثر من عام، فأصبحت ملايين الأسر من ذوي الدخل المحدود تحت خط الفقر، لا يستطيعون توفير مصروفهم اليومي؛ ما اضطر كثيرين منهم إلى بيع مدخراتهم، ثم
وقع على المرأة والطفل العبء الأعظم، فهما الرقم الأكبر في ضحايا الحروب، وهما أيضا من يبذلان جهودا كبيرة لتوفير مصادر العيش من ماء ووقود، فالمرأة اليمنية العظيمة ظهرت قوتها النفسية في تحمّلها أشد أنواع المعاناة؛ فهي الأم التي فقدت أولادها في حربٍ لا ترحم، فكظمت حزنها وألمها؛ لتلحق ما تبقى من أسرتها حتى لا يموتون جوعا، فاضطرت للخروج إلى الشارع لبيع كل ما يقع تحت يديها من مبيعات مختلفة، وبعض النساء جعلن من بيوتهن معامل لإعداد مختلف الأطعمة أو المخبوزات المحلية، والمعجنات والحلويات، لتباع في البقالات والطرقات، فتارة تزجّ أولادها إلى الشوارع؛ لبيع ما يمكنها إعداده، وتارة تخرج بنفسها متشحة بسواد حزنها الذي لا نهاية له إلا بتوقف الحرب. ارتفاعٌ مضاعفٌ للأسعار على كل من الأطعمة والمياه والأدوية، وارتفاع كبير لسعر المشتقات النفطية؛ أدى إلى ازدحام الأطفال والنساء في الشوارع في طوابير طويلة؛ ليوفروا حاجتهم من مياه السبيل؛ لتعينهم على تسيير حياتهم مع ارتفاع سعر سيارة الماء إلى مبالغ خيالية. وإلى جانب الماء، تتحمل المرأة أيضا مسؤولية توفير الحطب للوقود؛ فقد علّمها الجوع، وارتفاع سعر الغاز كيف تسد جوع أبنائها، فأصبحت فتاة المدينة المنعّمة قرويةً تعرف أجود أنواع الحطب وأماكن وجوده.
تعددت أعمال المرأة بين إعداد المعجنات والحلويات أو تجهيز العرائس بمتطلباتهن من خياطة ونقش، فلم تعد تجدي إلا أمثال هذه الأعمال المنزلية التي يمكن أن توفر للأسرة دخلا يوميا يواجهون من خلاله متطلباتهم اليومية. ولتدفع بأولادها إلى المدارس؛ فهي ما زالت تؤمن بأن التعليم سبيل النجاح لهم، ارتفعت معاناة المرأة وأرهقت الأحمال كاهلها. وتقلص دور الرجل تقلصا ملحوظا، إذ أثرت الحرب عليه من ناحية، وأثر فقدان العمل عليه من ناحية أخرى، فتدهورت حالته الاقتصادية والنفسية، فانتشرت في صفوف بعض الرجال اضطرابات نفسية، نتيجة الخوف الشديد على أبنائهم، إما من القضاء تحت نيران الصواريخ والقذائف أو جوعا ومرضا؛ فمنهم من اضطر إلى إرسال عائلته إلى القرية؛ ومن أخذ يبحث عن عمل بشهاداته المتعددة؛ وهيهات أن يجد؛ فلم تعد الشهادات والمراتب العليا فرصا لإيجاد عمل، في وقت خرج فيه أستاذ الجامعة لتعليم الصفوف الابتدائية، أو حمل الأحجار على ظهره؛ ليوفر القوت اليومي الضروري لأولاده.
استطاع بعضهم التغلب على هذه الشدائد والمحن، وفقد آخرون توازنهم النفسي، لينزلقوا في هاوية المرض النفسي؛ الأمر الذي تسبب في مشكلات اجتماعية مضاعفة مثل انفصال الوالدين، واختفاء الأب ودوره المهم عن الأسرة، تاركا أولاده لمصيرهم المجهول. تفكك أسري إما بالفراق أو بالانفصال، ومآس اجتماعية أخرى تهدد المجتمع.
دارت طاحونة الحرب التي لا ترحم، فطحنت اليمنيين الأبرياء طحنا. ارتفعت الأصوات المطالبة بتوقفها، وناشدت منظمات حقوق الإنسان المحلية والأممية جميع الأطراف بإيقافها، والعودة إلى طاولة الحوار، ووصفت الحالة المعيشية في البلاد بالمأساوية، وبأنها كارثة العصر، في ظل تعنت الأطراف جميعها، وإظهار اللامبالاة إزاء معاناة اليمنيين، ودمائهم التي تراق عبثا. ترتفع الأصوات المنذرة بخطورة الوضع، فهل من مجيب، أو هل من عاقل يدرك فداحة المأساة؟.
دلالات