12 اغسطس 2018
الشباب التونسي والانتخابات البلدية.. الرهان والتحديات
يُعَدُ الشباب في تونس القوة الأساسية في المجتمع، إذ يصل عدد الشباب من الفئة العمرية من 15 إلى 29 سنة، ولم يتلقوا أي تعليم، وليس لديهم وظيفة، ولم يحصلوا على أي تدريب، إلى 33% من إجمالي الشباب التونسي، وهو من أعلى المعدلات في المنطقة، بينما تبلغ نسبة الشباب التونسي 30% تقريبا من إجمالي عدد سكان تونس، البالغ عددهم 12 مليون نسمة، غير أنّ الفرص المتاحة للشباب التونسي للتواصل والعمل والتأثير في المشهد السياسي الانتخابي لم يسبق لها مثيل، فالتحديات التي يواجهونها غير مسبوقة، بدءًا بالبطالة، لا سيما بالنسبة لحاملي شهادات جامعية (حوالي 250 ألفًا)، ووصولاً إلى أشكال متعددة من عدم المساواة، والتهميش، والانخراط في العنف، إذ أصبح الشباب التونسي الذي لا يتمتع بمستوى تعليمي متقدم، ويعاني من الفقر، أكثر استهدافًا من التنظيمات المتطرّفة والإرهابية، يشهد على ذلك تنامي ظاهرة "المقاتلين التونسيين" في بؤر التوتر والحروب الأهلية في بلدان الشرق الأوسط وليبيا.
وعلى الرغم من أنّ الشباب التونسي شارك مشاركة فعالة في ثورة الحرية والكرامة مع بداية سنة 2011، وكان فرس الرهان في معارك التغيير السياسية للنظام الديكتاتوري السابق، فإنّه واجه إشكالاتٍ متعدّدة، لعل أبرزها الإشكاليات السياسية، لا سيما أزمة المشاركة السياسية التي تتمثل في إحجام الشباب عن المشاركة السياسية في الانتخابات العامة، أو في أنشطة الأحزاب السياسية، أو التمثيل النيابي. وكانت إحدى مؤسسات سبر الآراء في تونس قد أوردت إحصائية مفزعة في منتصف سنة 2017 عن نسبة انخراط الشباب التونسي في الحياة السياسية التي لا تتجاوز 2.7%، وأنّ نسبة ترشحهم ضمن القوائم الانتخابية السابقة لا تتعدى 3%، ولا يضم مجلس نواب الشعب في تركيبته سوى ثلاثة نواب، تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة، و28 نائبا تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة، بينما تنحصر الأغلبية الساحقة، من حيث التركيبة العمرية لنواب البرلمان، بين 50 و60 سنة لما يزيد على ثلث المجلس النيابي (82 نائبا).
وقد كشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، في شهر إبريل/نيسان الجاري، عن مفاجأة تتعلق بنسبة المشاركة للشباب التونسي في القوائم المترشحة للانتخابات البلدية التي ستجري يوم 6 مايو/أيار المقبل، حيث يؤشر هذا الإقبال المكثّف للشباب بحصول تحولات سياسيّة في السنوات المقبلة. وتمثلت هذه المفاجأة في ارتفاع نسبة المشاركة إلى 75% لمن تقل أعمارهم عن 45 سنة، وإلى أكثر من 50% لمن تقل أعمارهم عن 35 سنة. ويعتقد المحللون أنّ هذا الحضور المكثف لدى الشباب في المجالس البلدية سيشكل خير دافع لحضورهم بكثافة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية في خريف سنة 2019، ما سيعبّد لهم الطريق لسيطرتهم التدريجية على المشهد السياسي، وإمساكهم بسلطة اتخاذ القرار، لكنهم لن يجدوا كثافة شبابية تصوت لهم، بل سيبقون تحت رحمة الناخب المتقدّم في السن.
يتعلق السؤال الذي يحير علماء الاجتماع بوجود تناقض بين أن يعترف الدستور التونسي بأنّ الشباب هم القوة الدافعة في بناء الأمة والعزوف الذي يمارسه الشباب في الحياة السياسية، والاستحقاقات الانتخابية منذ سنة 2011.
أسباب عزوف الشباب
أولاً: على نقيض موجة جيل الشباب من الستينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي التي شهدت وصول قيادات شابة كثيرة إلى المواقع العليا في تونس، شهدت الموجة الثانية، الممتدة من نهاية الثمانينيات وحتى اندلاع الثورة التونسية مع بداية عام 2011، عزوفًا حقيقيًا عن مشاركة الشباب التونسي في الحياة السياسية. ما يعود إلى التراجع الكبير الذي عرفته الحركة الطلابية التونسية ذات الطابع اليساري والقومي التي كانت مهيمنة في الجامعة التونسية، وكانت تنتج النخب الفكرية والسياسية والثقافية الشابة، فكانت مرحلة حكم الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، أسوأ مرحلةٍ عاشتها تونس على المستويين، السياسي والثقافي، إذ قادت السياسة الداخلية والخارجية التي اتبعها إلى تعميم التصحر الفكري والثقافي على صعيد فئات المجتمع التونسي، ولا سيما فئة الشباب منه، فقد تفاقمت الأزمات التي واجهت النظام السابق، ما قاد إلى إنتاج أزمة ثقة بين الشباب والنظام، وتبلور صورة سلبية عنه، أدت إلى عزوف الشباب عن الأحزاب السياسية القائمة التي كانت تدور في فلك السلطة باعتبارها أحزاب إدارة وشرفية، أو الاتجاه نحو تشكيل حركات سياسية جديدة، بعيدًا عن الأحزاب التقليدية.
ثانيًا: منذ قيام الثورة التونسية، وإجراء أول انتخابات ديمقراطية، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، بقي الوضع الاقتصادي في ظل الديمقراطية الناشئة التي ولدت بعد سقوط النظام السابق هشًا، لأنّ النمو الاقتصادي ليس مرتفعًا بالقدر الكافي لإحداث تغيير ملموس في مستوى البطالة، لا سيما بين الشباب التونسي الذي واجه مجموعة من التحديات، لعلّ البطالة تعد أخطر هذه التحديات الاقتصادية، وما تفرضه من تداعيات اجتماعية سلبية، حيث تزايدت معدلات الفقر في المحافظات الداخلية، وتدهور الخدمات الصحية، وسيادة الصراعات الاجتماعية، إذ نزل الشباب إلى الشوارع، للمطالبة بالشغل، فاندلعت صدامات جديدة بينهم وبين أفراد الشرطة، فقد تطور منسوب الاحتجاجات الاجتماعية من 4960 سنة 2015 إلى 9532 سنة 2016. وهذا دليل على عودة التوتر إلى العلاقة التي تجمع شقًا واسعًا من الشباب بمؤسسات الدولة، وهو ما أدّى إلى تواصل القطيعة بين الشباب، ولاسيما في الجهات المهمشة والدولة، فدفع قسما من الشباب إلى الهجرة غير النظامية، نتاج تزايد نسبة اليأس والإحباط لديهم، إضافة إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، والأداء الضعيف للحكومات المتعاقبة، وتفاقم عدد شبكات التهريب عبر البحر، ودور الشبكات الاجتماعية في نشر هذه الظاهرة.
ثالثًا: يعتبر عزوف الشباب التونسي نتيجة طبيعية لما جرى في الثورة التي كان الشباب محرّكها الرئيس، لكنه لم يجن منها سوى أزماتها، بينما الذي جنى ثمارها أحزاب الإسلام السياسي واليمين الليبرالي التي اتسم خطابها السياسي، في مختلف المحطات الانتخابية التي شهدتها تونس في خريفي 2011 و2014، بالشعبوية المليئة بالوعود الزائفة السابقة بشأن إيجاد مواطن شغل ومجانية النقل العمومي وغيرها. كما أنّ عزوف الشباب عن الشأن السياسي يعود أيضًا إلى أنّ الحزبين الحاكمين (النهضة ونداء تونس) اللذين هيمنا على السوق
الانتخابية، كرّسا نوعًا من الاستقطاب السياسي والأيديولوجي داخل المجتمع التونسي، بين مشروعي "الدولة الوطنية" لحزب نداء تونس و"الإسلام السياسي" لحركة النهضة، علمًا أنّ هذه المعيارية الأيديولوجية لا تعكس صراعًا فعليًا بين مشروعين مجتمعيين، فاليمينان الديني والليبرالي المهيمنان على صعيد الحياة السياسية في تونس استقطبا ناخبيهما في الاستحقاقات الانتخابية الماضية من خلال "الثقافة الانتقامية والعداء"، التي ارتكزت على اختلاق المعارك الوهمية في ثنائياتٍ عديدةٍ، مكّنت كل جهة سياسية من تكوين رصيد انتخابي، تسعى اليوم إلى إعادة إنتاجه من دون حاجة إلى أي مكون من ضمن الأغلبية الصامتة، بما في ذلك فئة الشباب التي تعد ارتدادا على منظوماتهما الانتخابية. بدليل أنّ الحزبين الحاكمين (النهضة ونداء تونس) تحالفا على صعيد ممارسة السلطة ضمن ما تسمّى الديمقراطية التوافقية التي تختلف عن الديمقراطية التمثيلية، وتقوم على نظام "المحاصصة الحزبية" الذي ثبت فشله في إدارة القضايا المجتمعية، وعجز أيضًا عن بلورة استراتيجية وطنية، تقدم أجوبة عقلانية وواقعية للتحديات التي تواجهها تونس في السنوات السبع الماضية، ولا سيما وضع استراتيجية لتأهيل الشباب في تونس، على أن تشمل هذه الاستراتيجية جميع التحديات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، واستجماع طاقات الشباب وتوحيدها نحو الأهداف العامة، وتوظيف هذه الطاقات بأفضل السبل نحو هذه الأهداف، بحسبان قضية الشباب جزءا من الحل، وليس جزءًا من المشكلة.
رابعًا: يكمن العزوف الانتخابي للشباب في تنامي ثقافة اليأس والإحباط والفشل التي حتّمها غياب الآليات في تعزيز الأمل في غد أفضل للطبقة الشبابية التي خذلتها الطبقة السياسية الحاكمة، وتحديدا الأحزاب المنتخبة تباعا في 2011 و2014، إلى مطالب الشباب وتطلعاتهم بعد ثورة الحرية والكرامة، حيث استفادت حركة النهضة من قاعدتها الاجتماعية الكلاسيكية التي تربطها صلات عقائدية بالحركة، بالإضافة إلى تزويدها بخطاب سياسي دعائي، يزعم الانفتاح على بقية الشرائح الاجتماعية. أما حزب نداء تونس فقد اشتغل على تفعيل الروابط بالقاعدة النشيطة المُبعثرة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، واستمالة جزء منها عبر استقدام قيادات من نظام بن علي، وتكليفهم بمهام حزبية أو حكومية. وتتمثل مصادر الإحباط في ظروف سوق العمل، ورداءة التعليم، بجانب الفوارق بين المحافظات التونسية الداخلية المهمشة تاريخيا والفقيرة، والمفتقدة للمشاريع التنموية، والمحافظات الساحلية، والتفرقة بين الجنسين، فبناء مستقبل جديد للشباب يحتاج جهودا ضخمة لجمع أصحاب المصلحة، من أجل تحسين واقع الشباب في تونس، والذي يجب أن يشمل المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع العام، وصانعي السياسات، ومستثمري القطاع الخاص، والمنظمات غير الهادفة للربح التي تهتم بقضايا الشباب، والحكومات المحلية، وفوق هذا كله، الشباب أنفسهم.
محطة الانتخابات البلدية
تشكل الانتخابات البلدية محطة مهمة للشباب في تونس، لكي يثبت فاعليته، لا سيما بالنسبة لعدد الشباب الذين لا يشاركون في الشأن العام. ويشمل ذلك أيضا العمل الجمعياتي والحزبي
والمواطني وارتياد دور الثقافة، ويقارب العدد المليون شاب، لا تعرف الدولة طرق أنشطتهم وإسهاماتهم في الحياة العامة. وإذا كان الشباب يرفض أن تستخدمه الأحزاب السياسية لغاياتها السياسية والانتخابية، فإنّ عليه أن يقرّر، في نهاية المطاف، هل هو فاعل أو مفعول به. فالمادة الثامنة من الدستور التونسي الذي صدر في سنة 2014 تنص على أن "الشباب قوة فاعلة في بناء الوطن، تحرص الدولة على توفير الظروف الكفيلة بتنمية قدراته، وتفعيل طاقاته، وتعمل على تحمله المسؤولية، وعلى توسيع إسهامه في التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والسياسية".
ومن المسؤوليات على الشباب التونسي الالتزام بروح المسؤولية عبر التحرّر من العزوف الانتخابي، واحترام القانون، والتحلي بقيم الاعتدال والوسطية، ورفض التطرّف والعنف، وتعزيز قيم الاعتماد على الذات، وتأهيل أنفسهم بالعلم، واكتساب المهارات والخبرات وتكنولوجيا العصر، حتى يشاركوا في هذا الاستحقاق الانتخابي المقبل، ما دام قانون الجماعات المحلية يسمح لأكبر عدد ممكن من الشباب، بما في ذلك المقاطع للانتخابات أو غير المشارك في السياسة بصفة عامة، من المشاركة في صنع القرار، لأن التشاركية خيار لا مفر منه، إذ لن تتمتع البلديات التي لا تشرك المجتمع المدني والمبادرات الوطنية المستقلة، بالمنح العمومية، ولن يكون لها الحق في القروض.
يبدأ تفعيل دور الشباب التونسي من الجنسين ليكون له دور فعال من امتلاك الشباب القدرة على المشاركة في الحكم المحلي والمساهمة في دفع عجلة التنمية محليا وجهويا، عبر المشاركة الفاعلة في المجالس البلدية، والتي سيتم انتخابها قريبا. كما أنّ للشباب دورا في المشاركة الحقيقية في صنع القرار السياسي المحلي، والحدِّ من الفساد المتفشي في البلديات منذ النظام السابق.
وعلى الرغم من أنّ الشباب التونسي شارك مشاركة فعالة في ثورة الحرية والكرامة مع بداية سنة 2011، وكان فرس الرهان في معارك التغيير السياسية للنظام الديكتاتوري السابق، فإنّه واجه إشكالاتٍ متعدّدة، لعل أبرزها الإشكاليات السياسية، لا سيما أزمة المشاركة السياسية التي تتمثل في إحجام الشباب عن المشاركة السياسية في الانتخابات العامة، أو في أنشطة الأحزاب السياسية، أو التمثيل النيابي. وكانت إحدى مؤسسات سبر الآراء في تونس قد أوردت إحصائية مفزعة في منتصف سنة 2017 عن نسبة انخراط الشباب التونسي في الحياة السياسية التي لا تتجاوز 2.7%، وأنّ نسبة ترشحهم ضمن القوائم الانتخابية السابقة لا تتعدى 3%، ولا يضم مجلس نواب الشعب في تركيبته سوى ثلاثة نواب، تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة، و28 نائبا تتراوح أعمارهم بين 30 و40 سنة، بينما تنحصر الأغلبية الساحقة، من حيث التركيبة العمرية لنواب البرلمان، بين 50 و60 سنة لما يزيد على ثلث المجلس النيابي (82 نائبا).
وقد كشفت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، في شهر إبريل/نيسان الجاري، عن مفاجأة تتعلق بنسبة المشاركة للشباب التونسي في القوائم المترشحة للانتخابات البلدية التي ستجري يوم 6 مايو/أيار المقبل، حيث يؤشر هذا الإقبال المكثّف للشباب بحصول تحولات سياسيّة في السنوات المقبلة. وتمثلت هذه المفاجأة في ارتفاع نسبة المشاركة إلى 75% لمن تقل أعمارهم عن 45 سنة، وإلى أكثر من 50% لمن تقل أعمارهم عن 35 سنة. ويعتقد المحللون أنّ هذا الحضور المكثف لدى الشباب في المجالس البلدية سيشكل خير دافع لحضورهم بكثافة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية في خريف سنة 2019، ما سيعبّد لهم الطريق لسيطرتهم التدريجية على المشهد السياسي، وإمساكهم بسلطة اتخاذ القرار، لكنهم لن يجدوا كثافة شبابية تصوت لهم، بل سيبقون تحت رحمة الناخب المتقدّم في السن.
يتعلق السؤال الذي يحير علماء الاجتماع بوجود تناقض بين أن يعترف الدستور التونسي بأنّ الشباب هم القوة الدافعة في بناء الأمة والعزوف الذي يمارسه الشباب في الحياة السياسية، والاستحقاقات الانتخابية منذ سنة 2011.
أسباب عزوف الشباب
أولاً: على نقيض موجة جيل الشباب من الستينيات وحتى الثمانينيات من القرن الماضي التي شهدت وصول قيادات شابة كثيرة إلى المواقع العليا في تونس، شهدت الموجة الثانية، الممتدة من نهاية الثمانينيات وحتى اندلاع الثورة التونسية مع بداية عام 2011، عزوفًا حقيقيًا عن مشاركة الشباب التونسي في الحياة السياسية. ما يعود إلى التراجع الكبير الذي عرفته الحركة الطلابية التونسية ذات الطابع اليساري والقومي التي كانت مهيمنة في الجامعة التونسية، وكانت تنتج النخب الفكرية والسياسية والثقافية الشابة، فكانت مرحلة حكم الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، أسوأ مرحلةٍ عاشتها تونس على المستويين، السياسي والثقافي، إذ قادت السياسة الداخلية والخارجية التي اتبعها إلى تعميم التصحر الفكري والثقافي على صعيد فئات المجتمع التونسي، ولا سيما فئة الشباب منه، فقد تفاقمت الأزمات التي واجهت النظام السابق، ما قاد إلى إنتاج أزمة ثقة بين الشباب والنظام، وتبلور صورة سلبية عنه، أدت إلى عزوف الشباب عن الأحزاب السياسية القائمة التي كانت تدور في فلك السلطة باعتبارها أحزاب إدارة وشرفية، أو الاتجاه نحو تشكيل حركات سياسية جديدة، بعيدًا عن الأحزاب التقليدية.
ثانيًا: منذ قيام الثورة التونسية، وإجراء أول انتخابات ديمقراطية، في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011، بقي الوضع الاقتصادي في ظل الديمقراطية الناشئة التي ولدت بعد سقوط النظام السابق هشًا، لأنّ النمو الاقتصادي ليس مرتفعًا بالقدر الكافي لإحداث تغيير ملموس في مستوى البطالة، لا سيما بين الشباب التونسي الذي واجه مجموعة من التحديات، لعلّ البطالة تعد أخطر هذه التحديات الاقتصادية، وما تفرضه من تداعيات اجتماعية سلبية، حيث تزايدت معدلات الفقر في المحافظات الداخلية، وتدهور الخدمات الصحية، وسيادة الصراعات الاجتماعية، إذ نزل الشباب إلى الشوارع، للمطالبة بالشغل، فاندلعت صدامات جديدة بينهم وبين أفراد الشرطة، فقد تطور منسوب الاحتجاجات الاجتماعية من 4960 سنة 2015 إلى 9532 سنة 2016. وهذا دليل على عودة التوتر إلى العلاقة التي تجمع شقًا واسعًا من الشباب بمؤسسات الدولة، وهو ما أدّى إلى تواصل القطيعة بين الشباب، ولاسيما في الجهات المهمشة والدولة، فدفع قسما من الشباب إلى الهجرة غير النظامية، نتاج تزايد نسبة اليأس والإحباط لديهم، إضافة إلى الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، والأداء الضعيف للحكومات المتعاقبة، وتفاقم عدد شبكات التهريب عبر البحر، ودور الشبكات الاجتماعية في نشر هذه الظاهرة.
ثالثًا: يعتبر عزوف الشباب التونسي نتيجة طبيعية لما جرى في الثورة التي كان الشباب محرّكها الرئيس، لكنه لم يجن منها سوى أزماتها، بينما الذي جنى ثمارها أحزاب الإسلام السياسي واليمين الليبرالي التي اتسم خطابها السياسي، في مختلف المحطات الانتخابية التي شهدتها تونس في خريفي 2011 و2014، بالشعبوية المليئة بالوعود الزائفة السابقة بشأن إيجاد مواطن شغل ومجانية النقل العمومي وغيرها. كما أنّ عزوف الشباب عن الشأن السياسي يعود أيضًا إلى أنّ الحزبين الحاكمين (النهضة ونداء تونس) اللذين هيمنا على السوق
رابعًا: يكمن العزوف الانتخابي للشباب في تنامي ثقافة اليأس والإحباط والفشل التي حتّمها غياب الآليات في تعزيز الأمل في غد أفضل للطبقة الشبابية التي خذلتها الطبقة السياسية الحاكمة، وتحديدا الأحزاب المنتخبة تباعا في 2011 و2014، إلى مطالب الشباب وتطلعاتهم بعد ثورة الحرية والكرامة، حيث استفادت حركة النهضة من قاعدتها الاجتماعية الكلاسيكية التي تربطها صلات عقائدية بالحركة، بالإضافة إلى تزويدها بخطاب سياسي دعائي، يزعم الانفتاح على بقية الشرائح الاجتماعية. أما حزب نداء تونس فقد اشتغل على تفعيل الروابط بالقاعدة النشيطة المُبعثرة لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، واستمالة جزء منها عبر استقدام قيادات من نظام بن علي، وتكليفهم بمهام حزبية أو حكومية. وتتمثل مصادر الإحباط في ظروف سوق العمل، ورداءة التعليم، بجانب الفوارق بين المحافظات التونسية الداخلية المهمشة تاريخيا والفقيرة، والمفتقدة للمشاريع التنموية، والمحافظات الساحلية، والتفرقة بين الجنسين، فبناء مستقبل جديد للشباب يحتاج جهودا ضخمة لجمع أصحاب المصلحة، من أجل تحسين واقع الشباب في تونس، والذي يجب أن يشمل المؤسسات التعليمية الحكومية والخاصة، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع العام، وصانعي السياسات، ومستثمري القطاع الخاص، والمنظمات غير الهادفة للربح التي تهتم بقضايا الشباب، والحكومات المحلية، وفوق هذا كله، الشباب أنفسهم.
محطة الانتخابات البلدية
تشكل الانتخابات البلدية محطة مهمة للشباب في تونس، لكي يثبت فاعليته، لا سيما بالنسبة لعدد الشباب الذين لا يشاركون في الشأن العام. ويشمل ذلك أيضا العمل الجمعياتي والحزبي
ومن المسؤوليات على الشباب التونسي الالتزام بروح المسؤولية عبر التحرّر من العزوف الانتخابي، واحترام القانون، والتحلي بقيم الاعتدال والوسطية، ورفض التطرّف والعنف، وتعزيز قيم الاعتماد على الذات، وتأهيل أنفسهم بالعلم، واكتساب المهارات والخبرات وتكنولوجيا العصر، حتى يشاركوا في هذا الاستحقاق الانتخابي المقبل، ما دام قانون الجماعات المحلية يسمح لأكبر عدد ممكن من الشباب، بما في ذلك المقاطع للانتخابات أو غير المشارك في السياسة بصفة عامة، من المشاركة في صنع القرار، لأن التشاركية خيار لا مفر منه، إذ لن تتمتع البلديات التي لا تشرك المجتمع المدني والمبادرات الوطنية المستقلة، بالمنح العمومية، ولن يكون لها الحق في القروض.
يبدأ تفعيل دور الشباب التونسي من الجنسين ليكون له دور فعال من امتلاك الشباب القدرة على المشاركة في الحكم المحلي والمساهمة في دفع عجلة التنمية محليا وجهويا، عبر المشاركة الفاعلة في المجالس البلدية، والتي سيتم انتخابها قريبا. كما أنّ للشباب دورا في المشاركة الحقيقية في صنع القرار السياسي المحلي، والحدِّ من الفساد المتفشي في البلديات منذ النظام السابق.