09 نوفمبر 2024
ترامب ومساحة التفاهم المُهملة مع الشركاء
في سياق دعوته إلى اتفاق نووي جديد بين إيران وست دول كبرى، دعا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في واشنطن الثلاثاء الماضي، إلى إشراك قوى سياسية في المنطقة، مثل روسيا وتركيا، في أية مباحثاتٍ جديدةٍ مفترضةٍ بشأن الملف النووي الإيراني. جاء ذلك في زيارة ماكرون الولايات المتحدة، وعقده لقاء قمةٍ مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تمحورت على أمورٍ عدة، من أبرزها الموضوع الإيراني، وذلك قبيل الموعد الذي حدّده ترامب، وهو 12 مايو/ أيار المقبل، للإعلان عن موقف أميركي نهائي من الاتفاق الذي وقع في يوليو/ تموز 2015، بمشاركة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا وإيران. وبما أن الاتفاق يضم سبعة أطراف، ولا يقتصر على الولايات المتحدة وإيران، فمن شأن التراجع الأميركي المنفرد عن القرار أن يثير أزمةً دوليةً، وبالذات مع الشركاء الأوروبيين. ومن المقرّر أن تكون المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، قد حلت أمس الجمعة، 27 إبريل/ نيسان الجاري، في واشنطن لاستكمال المباحثات الأوروبية الأميركية بشأن هذه المسألة. ومعلومٌ أن ألمانيا من أكثر الأطراف الأوروبية تمسّكاً بالاتفاق، وقد ساعدت، على مدى زمني طويل، في شقّ الطريق نحو التفاوض الغربي مع إيران. ويلمح ترامب إلى أن
شركاء أوروبيين يضعون مصالحهم التجارية (مع إيران) فوق اعتبارات الأمن الجماعي.. مع أنه الوحيد بين زعماء العالم الذي يقرن بين سياسات بلاده والاعتبارات المالية، وبصورة فجّة.
أما الرئيس الفرنسي فقد بدا قريباً من الموقف الأميركي، على الرغم من الاختلاف مع هذا الموقف في الشكل، فقد أبدى تفهمه التحفظ الشديد الذي ما انفكّ ترامب يظهره إزاء الاتفاق، إذ طالب باتفاق جديد أو إعادة صياغة للاتفاق مع وضع ملحقٍ يتعلق بتطوير إيران صواريخها الباليستية، ولتدخلاتها في الشرق الأوسط، مشدّداً على أن فرنسا تدرك ما تفعله إيران في المنطقة، وليست غافلةً عن هذا الأمر، وذكر مثالي اليمن وسورية، كما دعا إلى إشراك روسيا وتركيا في أية مباحثات جديدة بشأن الموقف من الاتفاق. وروسيا لا بد أن تكون طرفاً، كونها من الأطراف الموقعة على الاتفاق، حالها في ذلك كحال الصين، علما أنها تؤيد الاتفاق. أما طرح اسم تركيا، فلا يجانبه الصواب كون تركيا جارة لإيران، ولاعباً رئيساً في الشرق الأوسط، علاوة على عضويتها الباقية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، غير أن المهم، بعد ذلك، أن تركيا، على الرغم من أي خلافاتٍ مع إيران، تؤيد الاتفاق بغير لبس. وبالتالي، لا يخلو الموقف الفرنسي من تناقضات، ويحمل قدراً كبيراً من المجاملة ليس إلا .. للموقف الأميركي.
ولا تقتصر المشكلة في ما يحدث على ارتجالية الرئيس ترامب، والتزامه شبه الحرفي بفحوى حملاته الانتخابية بخصوص الاتفاق، بل في أنه لا يبذل جهدا كافيا للتفاهم مع الشركاء الأوروبيين، مثل بريطانيا وألمانيا. ولا يعير أهمية للاعتراض الصيني والروسي. وما فعله ماكرون في واشنطن بهذا الصدد هو محاولة التجسير بين الفرقاء الغربيين. ويُستبعد أن يثمر هذا الجهد الفرنسي الذي يمزج بين الحماسة والحذر، وذلك مع تمسّك كل من لندن وبرلين باتفاق فيينا، على الرغم من المواقف النقدية للعاصمتين من مجمل السلوك الإيراني.
والحال، وفي ضوء ما تقدم، فإن موقف الإدارة الأميركية لا يراعي البيئة الدولية أو قرارات مجلس الأمن، ولا يلقي بالاً لمقتضيات الشراكة الغربية. ومن المثير للدهشة أن ترامب يقفز عن مساحة الاتفاق الواسعة بينه وبين الشركاء الأوروبيين، إزاء السياسات الإيرانية في المنطقة، وحيال تطوير الصواريخ بعيدة المدى، مؤثراً الوقوف والحركة والمناورة في مساحةٍ ضيقةٍ تتمثل في الاختلاف بشأن الاتفاق النووي. ولعل هذه كانت الرسالة الضمنية لتصريحات ماكرون في زيارته لواشنطن، والذي حذّر من اشتعال حرب في الشرق الأوسط إذا استمر التصعيد في الملف النووي. والأجدى والأكثر تماساً مع الواقع والوقائع والتحديات الحسية هو اتخاذ مواقف مشتركة إزاء الاندفاع الإيراني لصياغة شرق أوسط جديد، وفق المعايير"البنّاءة" للحرس الثوري. وهو اندفاعٌ عسكري وعملياتي، وليس مجرد مواقف سياسية وإعلامية معلنة، والصواريخ سبق أن أطلقت على سورية وفي الخليج. وثمّة اتفاق غربي واسع على الاعتراف بمخاطر السياسة التوسعية الإيرانية. وبدلاً من تفعيل التفاهم بشأن هذه المسألة، ورفده بآليات تصاعدية، فإن الرئيس ترامب ما زال يؤثر الحديث أولاً وثانياً عن الاتفاق النووي.
من شأن بلورة موقفٍ غربي إزاء هذه المسألة وضع بلد كالصين أمام مسؤولياته، على الرغم من أن هذا البلد ليس منغمساً في حروب الشرق الأوسط، لكنه يؤيد كل ما يعتبره إضعافاً للنفوذ الأميركي في المنطقة، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير بلدانٍ، مثل سورية واليمن، ويكتفي بدعم لفظي لـ"الحلول السياسية" العامة وغير المحدّدة.
علاوة على أن من شأن هذا الأمر وضع الموقف الروسي على المحك، فموسكو تؤثر علاقاتها مع طهران على أية دولة أخرى في المنطقة. بل هناك تنام لواقع جديد يتمثل في الحلف
الإيراني الروسي، وهي مسألةٌ مسكوتٌ عنها في الأدبيات السياسية الغربية. وحيث يفضل الساسة الأوروبيون والأميركيون توجيه مناشداتٍ لموسكو التي تقف إلى جانب إيران في كل المحافل، مع استثناءاتٍ نادرة لذر الرماد في العيون. وتستقوي طهران على الدوام سياسيا ودبلوماسيا بالموقف الروسي، بل إنه الظهير الأول لها، وسط ما يشبه عزلتها الدولية.
ولا تحتاج الأطراف الغربية موافقة أحد كي تتخذ السياسات الفعالة الملائمة لوقف التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، والمرشح للتزايد إذا ما انصب التركيز الأميركي على المسألة الخلافية المتعلقة بالملف النووي الإيراني، إذ لن يؤدي الدخول في منطقة الانقسام هذه والإقامة فيها إلى تجميد الاتفاق النووي، ولن يُفضي أيضاً إلى مواجهة التمدّد الإيراني في المنطقة، فيما واقع الحال يُملي الفصل ولو مؤقتاً بين الأمرين، على الرغم من الطموح الفرنسي للتجسير بينهما، مع منح الأولوية المطلوبة للتعامل بحزم مع التدخلات الإيرانية المتمادية، بما يلزم من فرض عقوبات وإجراءات ملموسة أخرى.
أما الرئيس الفرنسي فقد بدا قريباً من الموقف الأميركي، على الرغم من الاختلاف مع هذا الموقف في الشكل، فقد أبدى تفهمه التحفظ الشديد الذي ما انفكّ ترامب يظهره إزاء الاتفاق، إذ طالب باتفاق جديد أو إعادة صياغة للاتفاق مع وضع ملحقٍ يتعلق بتطوير إيران صواريخها الباليستية، ولتدخلاتها في الشرق الأوسط، مشدّداً على أن فرنسا تدرك ما تفعله إيران في المنطقة، وليست غافلةً عن هذا الأمر، وذكر مثالي اليمن وسورية، كما دعا إلى إشراك روسيا وتركيا في أية مباحثات جديدة بشأن الموقف من الاتفاق. وروسيا لا بد أن تكون طرفاً، كونها من الأطراف الموقعة على الاتفاق، حالها في ذلك كحال الصين، علما أنها تؤيد الاتفاق. أما طرح اسم تركيا، فلا يجانبه الصواب كون تركيا جارة لإيران، ولاعباً رئيساً في الشرق الأوسط، علاوة على عضويتها الباقية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، غير أن المهم، بعد ذلك، أن تركيا، على الرغم من أي خلافاتٍ مع إيران، تؤيد الاتفاق بغير لبس. وبالتالي، لا يخلو الموقف الفرنسي من تناقضات، ويحمل قدراً كبيراً من المجاملة ليس إلا .. للموقف الأميركي.
ولا تقتصر المشكلة في ما يحدث على ارتجالية الرئيس ترامب، والتزامه شبه الحرفي بفحوى حملاته الانتخابية بخصوص الاتفاق، بل في أنه لا يبذل جهدا كافيا للتفاهم مع الشركاء الأوروبيين، مثل بريطانيا وألمانيا. ولا يعير أهمية للاعتراض الصيني والروسي. وما فعله ماكرون في واشنطن بهذا الصدد هو محاولة التجسير بين الفرقاء الغربيين. ويُستبعد أن يثمر هذا الجهد الفرنسي الذي يمزج بين الحماسة والحذر، وذلك مع تمسّك كل من لندن وبرلين باتفاق فيينا، على الرغم من المواقف النقدية للعاصمتين من مجمل السلوك الإيراني.
والحال، وفي ضوء ما تقدم، فإن موقف الإدارة الأميركية لا يراعي البيئة الدولية أو قرارات مجلس الأمن، ولا يلقي بالاً لمقتضيات الشراكة الغربية. ومن المثير للدهشة أن ترامب يقفز عن مساحة الاتفاق الواسعة بينه وبين الشركاء الأوروبيين، إزاء السياسات الإيرانية في المنطقة، وحيال تطوير الصواريخ بعيدة المدى، مؤثراً الوقوف والحركة والمناورة في مساحةٍ ضيقةٍ تتمثل في الاختلاف بشأن الاتفاق النووي. ولعل هذه كانت الرسالة الضمنية لتصريحات ماكرون في زيارته لواشنطن، والذي حذّر من اشتعال حرب في الشرق الأوسط إذا استمر التصعيد في الملف النووي. والأجدى والأكثر تماساً مع الواقع والوقائع والتحديات الحسية هو اتخاذ مواقف مشتركة إزاء الاندفاع الإيراني لصياغة شرق أوسط جديد، وفق المعايير"البنّاءة" للحرس الثوري. وهو اندفاعٌ عسكري وعملياتي، وليس مجرد مواقف سياسية وإعلامية معلنة، والصواريخ سبق أن أطلقت على سورية وفي الخليج. وثمّة اتفاق غربي واسع على الاعتراف بمخاطر السياسة التوسعية الإيرانية. وبدلاً من تفعيل التفاهم بشأن هذه المسألة، ورفده بآليات تصاعدية، فإن الرئيس ترامب ما زال يؤثر الحديث أولاً وثانياً عن الاتفاق النووي.
من شأن بلورة موقفٍ غربي إزاء هذه المسألة وضع بلد كالصين أمام مسؤولياته، على الرغم من أن هذا البلد ليس منغمساً في حروب الشرق الأوسط، لكنه يؤيد كل ما يعتبره إضعافاً للنفوذ الأميركي في المنطقة، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير بلدانٍ، مثل سورية واليمن، ويكتفي بدعم لفظي لـ"الحلول السياسية" العامة وغير المحدّدة.
علاوة على أن من شأن هذا الأمر وضع الموقف الروسي على المحك، فموسكو تؤثر علاقاتها مع طهران على أية دولة أخرى في المنطقة. بل هناك تنام لواقع جديد يتمثل في الحلف
ولا تحتاج الأطراف الغربية موافقة أحد كي تتخذ السياسات الفعالة الملائمة لوقف التوسع الإيراني في الشرق الأوسط، والمرشح للتزايد إذا ما انصب التركيز الأميركي على المسألة الخلافية المتعلقة بالملف النووي الإيراني، إذ لن يؤدي الدخول في منطقة الانقسام هذه والإقامة فيها إلى تجميد الاتفاق النووي، ولن يُفضي أيضاً إلى مواجهة التمدّد الإيراني في المنطقة، فيما واقع الحال يُملي الفصل ولو مؤقتاً بين الأمرين، على الرغم من الطموح الفرنسي للتجسير بينهما، مع منح الأولوية المطلوبة للتعامل بحزم مع التدخلات الإيرانية المتمادية، بما يلزم من فرض عقوبات وإجراءات ملموسة أخرى.