06 نوفمبر 2024
إعادة إنتاج خدعة الديمقراطية الإسرائيلية
يدفع "مشروع قانون التجاوز أو الاستقواء" الذي يسمح للكنيست الإسرائيلي بإعادة سنّ قوانين تُبطلها المحكمة العليا، في حال حصولها على أغلبية 61 نائبًا، مزيدًا من أوساط المعارضة والمحللين إلى توكيد أن الحديث يدور حول عملية مُحكمة لـ"تفكيك الديمقراطية الإسرائيلية من أساسها"، عن طريق تدمير جهاز القضاء وتطبيق القانون، كما كتبت مثلًا وزيرة العدل السابقة تسيبي ليفني. ومع أن الذريعة التي تُستخدم للدفاع عن مشروع القانون هذا هي السياسة المطلوب انتهاجها إزاء العرب وطالبي اللجوء الأجانب، فإن ثمّة غاية مُستترة منه هي ترسيخ البنية التحتيّة لمعادلةٍ فحواها أن "الديمقراطية معناها أن الأغلبية هي التي تقرّر"، حتى فيما يتعلق بعلاقات القوة السائدة بين ألوان الطيف السياسي داخل مجتمع اليهود. والأغلبية في دولة الاحتلال الآن هي للأحزاب اليمينية والحريدية المتزمتة.
وتشمل الذريعة المذكورة عدة مسوّغات، في مقدمها الأمن، والحفاظ على الطابع اليهوديّ للدولة، سواء في مواجهة الفلسطينيين، أو ارتباطًا بترحيل طالبي اللجوء من أفريقيا.
ويوحي معارضو مشروع القانون بأن المحكمة الإسرائيلية العليا باتت الحصن الأخير لحماية حقوق الإنسان، وبأن هذه المحكمة تؤدي، على أكمل وجه، مهمتها بشأن التحقق من أن قوانين الحكومة وأفعالها لا تعتدي على حقوق المواطنين. كما توحي بالدلالة عينها تصريحات أطلقها زعماء حزب البيت اليهودي الذي يلّح، أكثر من غيره، على سنّ مشروع القانون المذكور، مثل التصريح القائل إنه "يجب إرسال جرافة لهدم المحكمة العليا"، أو "الصهيونية لن تحني رأسها أمام منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان".
وداخل هذا كله، لا يغيب هدف تلميع صورة بنيامين نتنياهو التي تحوم حوله شبهات كثيرة بالفساد، كزعيم وضع الأمن في رأس سلم أولوياته، منذ تسلم مهمات منصبه قبل نحو عقد، ولا ينفكّ يؤكد ضرورة جعل "السلام" مستندًا إلى "الأمن". بل يُعاد التذكير بأن أول خطاب سياسي يتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين، وألقاه في جامعة بار إيلان عام 2009، عكس تحولًا مهمًا في سياسة إسرائيل، يتمثّل في العودة إلى المفاهيم التقليدية المعتمدة على الأمن مفتاحًا لتحقيق أي تسوية.
في واقع دولة الاحتلال، لا تقف المحكمة العليا في وجه إجراءات المؤسسة الأمنية. وهذا المسلك يلازمها على الأقل منذ مهرت بتوقيعها قرار إبعاد 415 مناضلًا من حركة حماس إلى مرج الزهور في لبنان في نهاية عام 1992، والذي اتخذه رئيس الحكومة السابق، يتسحاق رابين، عقب قتل جندي من "حرس الحدود"، من خلال الالتفاف على الإجراءات القانونية اللازمة. ففي ذلك الوقت، توفرت، كما تشير الوقائع، إمكانية لقيام المحكمة العليا التي قدمت لها طلبات التماس في هذا الخصوص، لمنع تنفيذ قرار الإبعاد. وانكبّ قضاة المحكمة ساعاتٍ على بحث الموضوع ومناقشته، ونشب خلاف بينهم، لكن وبعد مداولات طويلة، وبينما كان المناضلون يجلسون 14 ساعة في حافلات باص، وهم مكبّلون بالأصفاد ورؤوسهم مغطاة، صادقت المحكمة على قرار الإبعاد.
عن هذه القضية سيرد، في إحدى الدراسات الإسرائيلية اللاحقة، أنه إذا كان رابين رغب آنذاك (عشية مفاوضات أوسلو) في تقديم حكومته مُحبّةً للسلام، وتُمثّل المجتمع المدنيّ الصاعد في إسرائيل، فإن إبعاد أعضاء "حماس" يدحض هذه الصورة، فطرد الناس وإبعادهم عن وطنهم محظور بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، خصوصًا إذا كان هؤلاء الأشخاص غير متهمين بارتكاب أي جريمة. وهكذا عوضًا عن رابين المتطلع للسلام برز، في قضية الإبعاد، رابين الأمني الذي يلقي بكل ثقله في التجاذب الناشئ بين أذرع السلطة في إسرائيل، من أجل إملاء موقف المؤسسة الأمنية على جهاز القضاء، وليس العكس. كما أن حقيقة تأييد وزراء "ميرتس" (يسار صهيوني) في الحكومة قرار الإبعاد أثبتت مدى ضعف المجتمع المدني في إسرائيل، عندما يدور الحديث حول الأمن؛ الأمن الذي كان ويظلّ الغطاء لإعادة إنتاج الخدعة الإسرائيلية بشأن ديمقراطية دولة الاحتلال، وللتعمية على أنيابها المُفترسة إزاء غير اليهود.
وتشمل الذريعة المذكورة عدة مسوّغات، في مقدمها الأمن، والحفاظ على الطابع اليهوديّ للدولة، سواء في مواجهة الفلسطينيين، أو ارتباطًا بترحيل طالبي اللجوء من أفريقيا.
ويوحي معارضو مشروع القانون بأن المحكمة الإسرائيلية العليا باتت الحصن الأخير لحماية حقوق الإنسان، وبأن هذه المحكمة تؤدي، على أكمل وجه، مهمتها بشأن التحقق من أن قوانين الحكومة وأفعالها لا تعتدي على حقوق المواطنين. كما توحي بالدلالة عينها تصريحات أطلقها زعماء حزب البيت اليهودي الذي يلّح، أكثر من غيره، على سنّ مشروع القانون المذكور، مثل التصريح القائل إنه "يجب إرسال جرافة لهدم المحكمة العليا"، أو "الصهيونية لن تحني رأسها أمام منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان".
وداخل هذا كله، لا يغيب هدف تلميع صورة بنيامين نتنياهو التي تحوم حوله شبهات كثيرة بالفساد، كزعيم وضع الأمن في رأس سلم أولوياته، منذ تسلم مهمات منصبه قبل نحو عقد، ولا ينفكّ يؤكد ضرورة جعل "السلام" مستندًا إلى "الأمن". بل يُعاد التذكير بأن أول خطاب سياسي يتعلق بالعلاقة مع الفلسطينيين، وألقاه في جامعة بار إيلان عام 2009، عكس تحولًا مهمًا في سياسة إسرائيل، يتمثّل في العودة إلى المفاهيم التقليدية المعتمدة على الأمن مفتاحًا لتحقيق أي تسوية.
في واقع دولة الاحتلال، لا تقف المحكمة العليا في وجه إجراءات المؤسسة الأمنية. وهذا المسلك يلازمها على الأقل منذ مهرت بتوقيعها قرار إبعاد 415 مناضلًا من حركة حماس إلى مرج الزهور في لبنان في نهاية عام 1992، والذي اتخذه رئيس الحكومة السابق، يتسحاق رابين، عقب قتل جندي من "حرس الحدود"، من خلال الالتفاف على الإجراءات القانونية اللازمة. ففي ذلك الوقت، توفرت، كما تشير الوقائع، إمكانية لقيام المحكمة العليا التي قدمت لها طلبات التماس في هذا الخصوص، لمنع تنفيذ قرار الإبعاد. وانكبّ قضاة المحكمة ساعاتٍ على بحث الموضوع ومناقشته، ونشب خلاف بينهم، لكن وبعد مداولات طويلة، وبينما كان المناضلون يجلسون 14 ساعة في حافلات باص، وهم مكبّلون بالأصفاد ورؤوسهم مغطاة، صادقت المحكمة على قرار الإبعاد.
عن هذه القضية سيرد، في إحدى الدراسات الإسرائيلية اللاحقة، أنه إذا كان رابين رغب آنذاك (عشية مفاوضات أوسلو) في تقديم حكومته مُحبّةً للسلام، وتُمثّل المجتمع المدنيّ الصاعد في إسرائيل، فإن إبعاد أعضاء "حماس" يدحض هذه الصورة، فطرد الناس وإبعادهم عن وطنهم محظور بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، خصوصًا إذا كان هؤلاء الأشخاص غير متهمين بارتكاب أي جريمة. وهكذا عوضًا عن رابين المتطلع للسلام برز، في قضية الإبعاد، رابين الأمني الذي يلقي بكل ثقله في التجاذب الناشئ بين أذرع السلطة في إسرائيل، من أجل إملاء موقف المؤسسة الأمنية على جهاز القضاء، وليس العكس. كما أن حقيقة تأييد وزراء "ميرتس" (يسار صهيوني) في الحكومة قرار الإبعاد أثبتت مدى ضعف المجتمع المدني في إسرائيل، عندما يدور الحديث حول الأمن؛ الأمن الذي كان ويظلّ الغطاء لإعادة إنتاج الخدعة الإسرائيلية بشأن ديمقراطية دولة الاحتلال، وللتعمية على أنيابها المُفترسة إزاء غير اليهود.