17 أكتوبر 2024
في أصل حظوة الأسد في الغرب والعالم
لا يوافق أغلب قادة دول العالم بشار الأسد على سياسته الدموية في سورية، ولا يقر بشرعية القتل الجماعي والتعذيب حتى الموت التي يطبقها وحلفاؤه للحفاظ على مواقعهم ومكتسباتهم، كما أن أحدا منهم لا يجهل العواقب الوخيمة للتغاضي عن استخدام الاسلحة الكيميائية، أو حصارات التجويع، أو القصف العشوائي على المدنيين بالبراميل المتفجرة، الغبية مثل من يأمر بإلقائها. لكنهم سمحوا بها جميعا، لأنهم كانوا يكرهون، بشكل أكبر، فكرة أن ينتزع السلطة في سورية طرفٌ لا يثقون بتعاونه، ولا يعرفون إذا ما كان سيضع الدولة السورية وأجهزتها في المستقبل في خدمة أهدافهم الأمنية والاستراتيجية، كما فعل الأسد الذي لم تكن لديه، في التعامل مع الدول الأجنبية، أية مبادئ وطنية أو دينية أو إنسانية، سوى مبدأ الاحتفاظ بالسلطة، واحتكارها للأبد وتوريثها لأبنائه.
وإذا كانت سورية تعني، في نظر موسكو وطهران، مسرحا لاستعراض القوة، وحقل مناورات استراتيجية وتقنية، ومعبرا للجيوش الإمبرطورية، وفرصة لمواجهة رخيصة التكاليف مع خصومهما، تجري على أرض غير أرضهم، وعلى حساب شعبٍ ليس شعبهم، فهي بالنسبة للغربيين أجهزة أمنية وشراكة استراتيجية في مواجهة الإرهاب الذي تم التسويق له وصناعته بوصفه خطرا أو مصدر مخاطر لا يمكن تقديرها، منذ زوال البعبع السوفييتي، مشروعا لحرب عالمية غير نظامية، عابرة حدود الزمان والمكان، يبرّر الإنفاق المتزايد على القطاع العسكري. وهو القطاع الذي يكاد يتحول أيضا إلى القطب الأبرز والأهم في منظومة الإنتاج الرأسمالي المعولم، بما يؤمنه من الحماية والاتساق لجميع القطاعات الأخرى، وإدارة عملية العولمة، وانتزاع جزء من الريوع العالمية لصالح الدولة التي تملك احتكار القوة أو السيطرة على النصيب الأكبر منها. وقد قدم الأسد الأب، وبعده الابن، أوراق اعتماده للجانبين بالاستمرار في التزود بالسلاح من روسيا، واستقبال أسطولها البحري في قاعدة روسية في طرطوس، ومن خلال التعاون الاستراتيجي على الصعيد الأمني وأجهزة المخابرات مع الأجهزة الغربية.
وبضمان رضى المعسكرين، أصبح من الممكن للنظام أن يتجاهل وجود الشعب السوري، وأن ينظر إليه كسقط متاع، ويخرجه من حساباته السياسية والاقتصادية تماما، ويراهن على سياسة قاطع الطريق، لابتزاز الدول المجاورة سياسيا، والدول الخليجية الغنية بالنفط ماليا واقتصاديا.
(1)
اكتشف الأسد بالتجربة، ومن خلال صراعه مع إسرائيل والغرب، وتفاعله معهما في الوقت نفسه، القيمة الكبرى لاستخدام مسألة الأمن إطارا للتعاون، ومن أجل الحصول على الدعم والقبول الدوليين. وخلافا لكثيرين من الزعماء في البلاد الفقيرة والصغيرة الذين شاركوا في توفير خدمات الأمن، ومعلوماته للدول الكبرى الحليفة أو الوصية أو الحامية لهم، مقابل بعض العوائد الاقتصادية أو السياسية، عرف الأسد كيف يحول الأمن إلى مجال استثمار مربح يتجاوز في فوائده ما يمكن أن يقدّمه التعاون مع الغرب في تقديم المعلومات أو التسهيلات، أو تنفيذ مهام التعذيب والقتل التي لا يستطيعون هم القيام بها في ظل أنظمتهم القائمة على احترام القانون. وتحويل الأمن/ الإرهاب إلى مجال استثمار، والتحكم بلعبته وتقنياته إلى رأس مال، يستغله لفرض إرادته على الآخرين، خصوما وأصدقاء معا، يعني أيضا إتقان تجارة التهديد وزعزعة الاستقرار وبث الرعب وترويع المجتمعات والدول، وسحب أكبر العوائد، الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية منها.
هكذا بدل أن يتعاون مع الآخرين، للقضاء على التطرّف والإرهاب، تخصص نظام الأسد في تصنيع التطرف والإرهاب. وفي الوقت نفسه، إنتاج مضادّاته، ليجعل الآخرين يطلبون مساعدته، ويعتمدون عليه ويدينون له. وبالتالي، وهذا هو المهم، أن يقبلوا منه، في مقابل المساعدة في المعلومات أو الكف عن استهدافهم بالإرهاب، كل ما يفعله في الداخل السوري وفي الإقليم. وهذا ما حصل عليه بالفعل. فلم يحاسب الأسد على أي جريمةٍ ارتكبها، لا بحق الشعب السوري، ولا بحق الشعوب المجاورة في لبنان وفلسطين والأردن والعراق. لقد نجح الأسد، أو نظامه بالأحرى، في أن يخلق سوقا خاصة به، لتصنيع الإرهاب وتوريده ومكافحته، وتحويله إلى بضاعة تمكّنه من أن ينتزع موقع الشريك الذي لا يستغنى عنه في الحرب على الإرهاب، بل أحد أبرز معلميها. والواقع أن الاقتصاد السياسي للإرهاب، تصنيعا وتوزيعا ومكافحةً، أصبح العمود الفقري والحامل الرئيسي لنظام الأسد، والقطاع القائد والأكثر مردودا سياسيا وأيدولوجيا وعسكريا فيه.
لم يكن استثمار الغرب الأهم والأكبر في نظام الأسد اقتصاديا أو سياسيا أو تقنيا أو علميا، فليس لهذا النظام قيمة في جميع هذه المجالات. لذلك لم تستفد سورية أبدا من مثل هذه الاستثمارات. ما كان يهم الغرب، وما وجد أن من الممكن لسورية الأسد أن تقدمه، وتكون طليعة فيه، هو قطاع الأمن بما يعنيه من مشاركة أجهزة الدولة السورية في مكافحة الإرهاب والتطرّف في الداخل والخارج، ومساعدتها على تطبيق الخطط الدولية المتعلقة به. وقد اقتنع الأسد الأب والابن بدرورهما و"رسالتهما" العالمية، وجعلا من سورية مختبرا لتطوير تقنيات صنع التطرّف والإرهاب، ومكافحته بشتى الوسائل المخابراتية والعنيفة، بما في ذلك إيجاد مجموعات إرهابية وإبادتها لكسب الصدقية في هذه الحرب، وواجهة لعرض بضاعتهم على الدول الأجنبية في الوقت نفسه.
وكما استخدموا شعار المقاومة لإسرائيل ذريعة لتجريد الشعب من حقوقه السياسية والمدنية، وحرمانه من أي مشاركة في تقرير مصيره ومصير بلده، استخدموا الحرب على الإرهاب وسيلة لتخدير النظام الدولي، وتحييده، ونيل صمته وسكوته عن الجرائم الداخلية والخارجية التي لم يكفّ النظام عن ارتكابها، للحفاظ على وجوده وتوسيع دائرة سيطرته ونفوذه وممتلكاته. هكذا تحول قطاع الأمن/ القمع إلى محور بناء العلاقات السورية الدولية. وكانت مذبحة حماة إحدى "الرسائل" الدموية التي أرسلها الأسد الأب إلى الغرب، المسكون بالخوف من عمليات التفجير الإرهابية الإسلامية، أوراق اعتماد في الحرب الدولية المعلنة على الإرهاب. وفي هذا السياق، كان الخلط بين التطرّف والإسلام من جهة، والمطابقة بين المعارضة السياسية وأي انتقاد لطريقة حكمه والإسلام أحد تقنيات هندسة العنف والإرهاب وشرعنتهما، حتى أصبح من المفروغ منه، في نظر النظام وأتباعه وأنصاره، أن جميع تظاهرات النقد والمساءلة والاحتجاج، مهما كانت أفكارها والقائمون عليها، حركات إرهابية متطرّفة لا نقاش في ضرورة القضاء عليها وسحقها بكل الوسائل.
(2)
باختصار، كان القضاء على التطرّف الإسلامي، ومن ورائه الإسلام "الحاضن" للتطرّف، هو العرض الرئيسي المغري الذي قدمه النظام السوري للغرب، ونجح من خلاله في أن يموضع نفسه في مركز مهم داخل استراتيجيته الدولية لمكافحة التطرّف والحفاظ على الأمن، وأن يحظى لقاء ذلك بثقة الغرب وتأييده، ويضمن لنفسه معاملةً خاصةً تجنّبه أي مساءلةٍ دوليةٍ سياسيةٍ أو قانونيةٍ أو أخلاقيةٍ عما يقوم به، وما يمارسه من انتهاكاتٍ غير مسبوقة للقانون وحقوق الناس. وبشراكته هذه مع الغرب ضد الارهاب، حظي الأسد بالمعاملة الخاصة التي جعلته مطلق اليدين في استخدام العنف في قمع مظاهر الاعتراض، أو الانتقاد السياسي في الداخل، حتى البسيط منها. بل لقد أصبح يبالغ متعمدا في الإفراط في العنف واستخدام أبشع الوسائل للتنكيل بالمعارضين وسجنهم المؤبد، وفي انتهاك كل القيم والأعراف والتقاليد المرعية عالميا، ليقنع الغرب بفائدة الرهان عليه عدوا موثوقا في الحرب على التطرّف الإسلامي والإسلام السياسي، مستعدا لتنفيذ جميع المهام الصعبة التي تتردد النظم السياسية التابعة لشعبٍ في استخدامها. وبقسوته في سحق الإسلاميين مهما كانوا، وإخضاع مجتمع المسلمين بالقوة والشوكة واجباره على احترامه، جيّر لحسابه جميع مشاعر الخوف من الإسلام والعداء للمسلمين الذي راكمتها في الغرب عقود طويلة من الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط، قبل الاستقلالات وبعدها.
ومما زاد من أهمية الأسد ونظامه في اقتصاد "الامن العالمي" ما سودته أجهزة مخابراته من إمساك قوي بمفاتيح أسرار قوى متطرفة وإرهابية عديدة صنعها بنفسه، أو نجح في اختراقها في منطقة الإرهاب الدولي الرئيسية، وذلك بالتوازي مع تفاقم مخاوف المجتمعات الغربية من اعتداءات المجموعات المتطرّفة الإسلامية، وخوف حكوماتها من عمليات زعزعة الاستقرار بعد تعرّض عواصمها لبعض التفجيرات التي لا يستبعد أبدا أن يكون قسمٌ منها من صنع الأجهزة الأمنية للدول المستثمرة في الإرهاب.
وأكثر فأكثر، تبدو الأنظمة الفاشية والتسلطية التي تجعل القمع في مركز نشاطها ومحور استثماراتها نموذجا مثاليا للنظم التي يجدر التحالف معها لمواجهة الإرهاب فحسب، وإنما أهم من ذلك لضبط حركة الشعوب، والوقوف في وجه تزايد حركات الهجرة والنزوح، بموازاة تطور الأزمة العالمية، وخوف الغربيين من تقويضها نظمهم الاجتماعية والسياسية، بعد أن تحولت قارتهم إلى جزيرة نعيم وسلام في محيطٍ هائجٍ تتقاذفه أمواج الفقر والبؤس وتفكك المجتمعات من كل جانب. وقد لاقى نموذج النظام السياسي المبنى على أولوية الأمن، قبل الدولة والقانون والاقتصاد والشعب، كما طوّره الأسد في إطار الدفاع عن سلطته ونيل حظوة عند الغرب المهدد، والذي جمع لأول مرة، وفي ظل دولةٍ لها مكانتها في النظام العالمي للدول، بين صنع الإرهاب ومكافحته، لاقى هوى عند كثيرين من قادة الدول الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تطمين الرأي العام، بعد تفجيرات برجي مركز التجارة في نيويورك في سبتمبر/ أيلول 2001، ووجدوا في النظام السوري المستعد لكل المهام ضالتهم المنشودة لتجاوز القيود المفروضة عليهم في بلدانهم، لمواجهة التطرّف الإسلامي خارج إطار القانون.
لذلك، عندما ينظر الغرب في اتجاه الأسد، لا يرى ما يفعله بشعبه من ويلات، وإنما يرى فيه بالعكس حليفا قويا، وفارسا صليبيا يعمل على ردع الإسلام، ووضع حد لصعوده الخطير وعنفه الجامح، وينظر إلى عنف الأسد وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها على شعبه عنفا "معقولا" إن لم ير فيه عنفا مفهوما ومشروعا ضد التطلعات الطغيانية والظلامية للاسلام الخارج من رقاده بثياب القرون الوسطى وأفكارها. يظهر الأسد في نظر الغرب، كما لم يخفه بطريرك موسكو كيرييل، كما لو كان أحد الملوك الصليبيين المتأخرين الذين يستحقون الدعم والتقدير والتشجيع، بدل الإدانة والانتقاد والمساءلة. بعد أن ارتقى بمقامه ودوره من المشاركة في الحرب ضد "الإرهاب الإسلامي"، من خلال التعاون الاستخباراتي، إلى المواجهة المسلحة والحرب الشاملة ضد "الإسلام القرسطوي" المتطرّف والمعادي للسلام العالمي، في سورية والمشرق، لم يعد ممكنا انتقاد الأسد، ولا من باب أولى محاسبته. ينبغي بالعكس تكريمه، وربما تحول في نظر بعض الطوائف في المستقبل إلى قدّيس، يحمل راية الانتقام من الإسلام والرد المستحق عليه. هذا يفسر استمرار الأسد في عمليات القتل المنهجي، وحرب الإبادة والتطهير الطائفي الرسمي والعلني، وبتعاون روسيا والغرب، من دون أن يتعرّض لأي نقد، كما يفسر السكوت على الغزو العسكري الرسمي لسورية من النظام التيوقراطي الإيراني، المدان فكريا وسياسيا وعسكريا في الغرب.
(3)
على أرضية الكفاح ضد حركات التطرّف الإسلامي، ومن وراء ذلك ضد الإسلام المشكوك بنيات أصحابه أكثر فأكثر، نشأ بين النظام السوري والغرب تفاهم خفي وعميق، ليس سياسيا وأمنيا فحسب، وإنما عاطفي أيضا، يشبه ما قام بين إسرائيل والغرب، وساهم حتى الآن في تبرير أعمالها وحروبها، وغض النظر عن بنية نظامها العنصري، وانتهاكاتها قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها جميعا، وصمت العالم عنها. وقد زادت أهمية هذا التفاهم مع الوقت، ومع تنامي روح المواجهة بين الإسلام والغرب، خلال العقود الخمسة الماضية، وأخذ النظام يظهر أكثر فأكثر، وكأنه قاعدة متقدمة للهجوم على الإسلام قوة جيوسياسية صاعدة، ومحارب عنيد وجريء لا يتعب، في احتواء مخاطر التطرّف الإسلامي، ولجم نزوعاته، بل مواجهته في العالم كله. وربما ساعد التكوين الأقلوي للنظام في تعزيز هذا الشعور الإيجابي تجاهها. لكن تكاد تكتشف أنظمة عربية عديدة اليوم فائدة التماهي مع هذا الدور، وهي تحاول أن تحل محل نظام الأسد في لبسه، وفي وراثة موقعه، فيما يشبه المشاركة في حربٍ صليبيةٍ مستحدثةٍ، ومتجددة على الإسلام.
ما يريده الغرب الذي اتحد مع الشرق الروسي والصيني والايراني في الحرب على الإرهاب، كل لمصالح مختلفة ولاستخدامات متباينة، في ما وراء السعي إلى الحفاظ على الأسد أو على حكم عائلته، هو المحافظة على الدور الذي رسمه الأسد لسورية، والمهمة التي أوكلها لها النظام الدولي، بوصفها مركزا مهما من مراكز رصد تطورات الإسلام السياسي ومواجهته، في المنطقة، وتجنيدها في الحرب العالمية على الإرهاب، والاستفادة من خبرتها في الحرب الدعائية والإعلامية أيضا ضد الإسلام المؤرّق والمهدّد، بمقدار ما هو ضعيف ومتخبط ومنقسم ومأزوم، وبالتالي الحفاظ على الدولة السورية باعتبارها جزءا من جهاز الأمن العالمي، أو على شروط إعادة إنتاجها جهاز أمن عامل، كما كانت في عهد بشار، ووضعها من جديد في خدمة أهدافه. وهذا ما يفسر التنصيب الدولي لبشار وريثا لأبيه، والاحتفاء به ورعايته الكبيرة من الدول الغربية جميعا، حتى بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري الكبرى التي عكست الانحراف الخطير في سلوك دولة جهاز الأمن، أو الدولة التي انحلت في أجهزة الأمن، وصارت تفكر بمنطقها وتخضع لحسابات رجالها، وتعيش على توزيع خدماتها الأمنية على النظم والدول والعالم. وهو ما يفسر أيضا تمسّك الغرب، على الرغم من الفظائع غير المسبوقة لنظام الأسد ضد شعبه، بنظام الأسد والحيلولة دون سقوطه، وصرف النظر عن تدخل إيران الخمينية العسكري الواسع، ثم روسيا ضد الشعب السوري، والإصرار أخيرا على أن يبقى الأسد جزءا من الحل في سورية المستقبل أو التهديد بتقسيمها.
لكن لا ينبغي أن نخطئ. ليس الأمن، لا في الداخل ولا في الخارج، هو الذي يشغل النظام السوري. إنه البضاعة التي يسوّق بها النظام نفسه، ويريد أن يستمد منها شرعيته في النظام الدولي وفي الداخل. ما يحرّكه ويشكل غاية جهده هو تأبيد السيطرة والتسلط على البلاد التي استعمرها، والمحافظة على الإمارة التي انتزعها بالقوة. وجوهر جهده لتحقيق ذلك هو، بالعكس تماما مما يعلنه، نشر الخوف والرعب وزعزعة الاستقرار على مستوى المجتمع، وفي ميدان العلاقات الدولية. يعمل النظام السوري كمشعل الحرائق الذي يشعل الحريق، ويصرخ: النجدة، ويقدم نفسه المتطوع الأول لإطفائه. ولذلك كانت وظيفة أجهزة الأمن زعزعة أمن المواطن واستقراره ومنعه من الشعور بالأمان أو الثقة أو الاطمئنان، وتعريضه لترويعٍ مستمر، يجبره على الاستسلام والتسليم بكامل حقوقه وأرزاقه. وهذا هو الحال أيضا مع نكتة مكافحة الأسد للإرهاب. إنه لا يشارك في مكافحته، إلا لتدفيع المجتمع الدولي ثمن التوسع في انتاجه. كأي جسم دخيل، لا أمل للنظام الأسدي الذي ليس نظاما، ولا سياسيا بأي معنى، ولكن عصابة منظمة بالمعنى الحرفي للكلمة تعمل على مستوى المنطقة، وتحت غطاء دولة رسمية وشرعية، في البقاء والنمو وسلب حقوق الناس وموارد الدولة ومراكمتها في جيوب رجاله، عبر المصارف العالمية، إلا ببث الفوضى والرعب والخراب وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والدولي معا. دولة الأسد أبعد ما تكون عن دولة الأمن. إنها دولة الرعب، أي الإرهاب الداخلي والخارجي. هذا هو رأسمالها الحقيقي، ومصدر نموها وتمكّنها وازدهارها وموتها أيضا.
وإذا كانت سورية تعني، في نظر موسكو وطهران، مسرحا لاستعراض القوة، وحقل مناورات استراتيجية وتقنية، ومعبرا للجيوش الإمبرطورية، وفرصة لمواجهة رخيصة التكاليف مع خصومهما، تجري على أرض غير أرضهم، وعلى حساب شعبٍ ليس شعبهم، فهي بالنسبة للغربيين أجهزة أمنية وشراكة استراتيجية في مواجهة الإرهاب الذي تم التسويق له وصناعته بوصفه خطرا أو مصدر مخاطر لا يمكن تقديرها، منذ زوال البعبع السوفييتي، مشروعا لحرب عالمية غير نظامية، عابرة حدود الزمان والمكان، يبرّر الإنفاق المتزايد على القطاع العسكري. وهو القطاع الذي يكاد يتحول أيضا إلى القطب الأبرز والأهم في منظومة الإنتاج الرأسمالي المعولم، بما يؤمنه من الحماية والاتساق لجميع القطاعات الأخرى، وإدارة عملية العولمة، وانتزاع جزء من الريوع العالمية لصالح الدولة التي تملك احتكار القوة أو السيطرة على النصيب الأكبر منها. وقد قدم الأسد الأب، وبعده الابن، أوراق اعتماده للجانبين بالاستمرار في التزود بالسلاح من روسيا، واستقبال أسطولها البحري في قاعدة روسية في طرطوس، ومن خلال التعاون الاستراتيجي على الصعيد الأمني وأجهزة المخابرات مع الأجهزة الغربية.
(1)
اكتشف الأسد بالتجربة، ومن خلال صراعه مع إسرائيل والغرب، وتفاعله معهما في الوقت نفسه، القيمة الكبرى لاستخدام مسألة الأمن إطارا للتعاون، ومن أجل الحصول على الدعم والقبول الدوليين. وخلافا لكثيرين من الزعماء في البلاد الفقيرة والصغيرة الذين شاركوا في توفير خدمات الأمن، ومعلوماته للدول الكبرى الحليفة أو الوصية أو الحامية لهم، مقابل بعض العوائد الاقتصادية أو السياسية، عرف الأسد كيف يحول الأمن إلى مجال استثمار مربح يتجاوز في فوائده ما يمكن أن يقدّمه التعاون مع الغرب في تقديم المعلومات أو التسهيلات، أو تنفيذ مهام التعذيب والقتل التي لا يستطيعون هم القيام بها في ظل أنظمتهم القائمة على احترام القانون. وتحويل الأمن/ الإرهاب إلى مجال استثمار، والتحكم بلعبته وتقنياته إلى رأس مال، يستغله لفرض إرادته على الآخرين، خصوما وأصدقاء معا، يعني أيضا إتقان تجارة التهديد وزعزعة الاستقرار وبث الرعب وترويع المجتمعات والدول، وسحب أكبر العوائد، الاقتصادية والسياسية والجيوسياسية منها.
هكذا بدل أن يتعاون مع الآخرين، للقضاء على التطرّف والإرهاب، تخصص نظام الأسد في تصنيع التطرف والإرهاب. وفي الوقت نفسه، إنتاج مضادّاته، ليجعل الآخرين يطلبون مساعدته، ويعتمدون عليه ويدينون له. وبالتالي، وهذا هو المهم، أن يقبلوا منه، في مقابل المساعدة في المعلومات أو الكف عن استهدافهم بالإرهاب، كل ما يفعله في الداخل السوري وفي الإقليم. وهذا ما حصل عليه بالفعل. فلم يحاسب الأسد على أي جريمةٍ ارتكبها، لا بحق الشعب السوري، ولا بحق الشعوب المجاورة في لبنان وفلسطين والأردن والعراق. لقد نجح الأسد، أو نظامه بالأحرى، في أن يخلق سوقا خاصة به، لتصنيع الإرهاب وتوريده ومكافحته، وتحويله إلى بضاعة تمكّنه من أن ينتزع موقع الشريك الذي لا يستغنى عنه في الحرب على الإرهاب، بل أحد أبرز معلميها. والواقع أن الاقتصاد السياسي للإرهاب، تصنيعا وتوزيعا ومكافحةً، أصبح العمود الفقري والحامل الرئيسي لنظام الأسد، والقطاع القائد والأكثر مردودا سياسيا وأيدولوجيا وعسكريا فيه.
لم يكن استثمار الغرب الأهم والأكبر في نظام الأسد اقتصاديا أو سياسيا أو تقنيا أو علميا، فليس لهذا النظام قيمة في جميع هذه المجالات. لذلك لم تستفد سورية أبدا من مثل هذه الاستثمارات. ما كان يهم الغرب، وما وجد أن من الممكن لسورية الأسد أن تقدمه، وتكون طليعة فيه، هو قطاع الأمن بما يعنيه من مشاركة أجهزة الدولة السورية في مكافحة الإرهاب والتطرّف في الداخل والخارج، ومساعدتها على تطبيق الخطط الدولية المتعلقة به. وقد اقتنع الأسد الأب والابن بدرورهما و"رسالتهما" العالمية، وجعلا من سورية مختبرا لتطوير تقنيات صنع التطرّف والإرهاب، ومكافحته بشتى الوسائل المخابراتية والعنيفة، بما في ذلك إيجاد مجموعات إرهابية وإبادتها لكسب الصدقية في هذه الحرب، وواجهة لعرض بضاعتهم على الدول الأجنبية في الوقت نفسه.
وكما استخدموا شعار المقاومة لإسرائيل ذريعة لتجريد الشعب من حقوقه السياسية والمدنية، وحرمانه من أي مشاركة في تقرير مصيره ومصير بلده، استخدموا الحرب على الإرهاب وسيلة لتخدير النظام الدولي، وتحييده، ونيل صمته وسكوته عن الجرائم الداخلية والخارجية التي لم يكفّ النظام عن ارتكابها، للحفاظ على وجوده وتوسيع دائرة سيطرته ونفوذه وممتلكاته. هكذا تحول قطاع الأمن/ القمع إلى محور بناء العلاقات السورية الدولية. وكانت مذبحة حماة إحدى "الرسائل" الدموية التي أرسلها الأسد الأب إلى الغرب، المسكون بالخوف من عمليات التفجير الإرهابية الإسلامية، أوراق اعتماد في الحرب الدولية المعلنة على الإرهاب. وفي هذا السياق، كان الخلط بين التطرّف والإسلام من جهة، والمطابقة بين المعارضة السياسية وأي انتقاد لطريقة حكمه والإسلام أحد تقنيات هندسة العنف والإرهاب وشرعنتهما، حتى أصبح من المفروغ منه، في نظر النظام وأتباعه وأنصاره، أن جميع تظاهرات النقد والمساءلة والاحتجاج، مهما كانت أفكارها والقائمون عليها، حركات إرهابية متطرّفة لا نقاش في ضرورة القضاء عليها وسحقها بكل الوسائل.
(2)
باختصار، كان القضاء على التطرّف الإسلامي، ومن ورائه الإسلام "الحاضن" للتطرّف، هو العرض الرئيسي المغري الذي قدمه النظام السوري للغرب، ونجح من خلاله في أن يموضع نفسه في مركز مهم داخل استراتيجيته الدولية لمكافحة التطرّف والحفاظ على الأمن، وأن يحظى لقاء ذلك بثقة الغرب وتأييده، ويضمن لنفسه معاملةً خاصةً تجنّبه أي مساءلةٍ دوليةٍ سياسيةٍ أو قانونيةٍ أو أخلاقيةٍ عما يقوم به، وما يمارسه من انتهاكاتٍ غير مسبوقة للقانون وحقوق الناس. وبشراكته هذه مع الغرب ضد الارهاب، حظي الأسد بالمعاملة الخاصة التي جعلته مطلق اليدين في استخدام العنف في قمع مظاهر الاعتراض، أو الانتقاد السياسي في الداخل، حتى البسيط منها. بل لقد أصبح يبالغ متعمدا في الإفراط في العنف واستخدام أبشع الوسائل للتنكيل بالمعارضين وسجنهم المؤبد، وفي انتهاك كل القيم والأعراف والتقاليد المرعية عالميا، ليقنع الغرب بفائدة الرهان عليه عدوا موثوقا في الحرب على التطرّف الإسلامي والإسلام السياسي، مستعدا لتنفيذ جميع المهام الصعبة التي تتردد النظم السياسية التابعة لشعبٍ في استخدامها. وبقسوته في سحق الإسلاميين مهما كانوا، وإخضاع مجتمع المسلمين بالقوة والشوكة واجباره على احترامه، جيّر لحسابه جميع مشاعر الخوف من الإسلام والعداء للمسلمين الذي راكمتها في الغرب عقود طويلة من الصراع على الهيمنة على الشرق الأوسط، قبل الاستقلالات وبعدها.
ومما زاد من أهمية الأسد ونظامه في اقتصاد "الامن العالمي" ما سودته أجهزة مخابراته من إمساك قوي بمفاتيح أسرار قوى متطرفة وإرهابية عديدة صنعها بنفسه، أو نجح في اختراقها في منطقة الإرهاب الدولي الرئيسية، وذلك بالتوازي مع تفاقم مخاوف المجتمعات الغربية من اعتداءات المجموعات المتطرّفة الإسلامية، وخوف حكوماتها من عمليات زعزعة الاستقرار بعد تعرّض عواصمها لبعض التفجيرات التي لا يستبعد أبدا أن يكون قسمٌ منها من صنع الأجهزة الأمنية للدول المستثمرة في الإرهاب.
وأكثر فأكثر، تبدو الأنظمة الفاشية والتسلطية التي تجعل القمع في مركز نشاطها ومحور استثماراتها نموذجا مثاليا للنظم التي يجدر التحالف معها لمواجهة الإرهاب فحسب، وإنما أهم من ذلك لضبط حركة الشعوب، والوقوف في وجه تزايد حركات الهجرة والنزوح، بموازاة تطور الأزمة العالمية، وخوف الغربيين من تقويضها نظمهم الاجتماعية والسياسية، بعد أن تحولت قارتهم إلى جزيرة نعيم وسلام في محيطٍ هائجٍ تتقاذفه أمواج الفقر والبؤس وتفكك المجتمعات من كل جانب. وقد لاقى نموذج النظام السياسي المبنى على أولوية الأمن، قبل الدولة والقانون والاقتصاد والشعب، كما طوّره الأسد في إطار الدفاع عن سلطته ونيل حظوة عند الغرب المهدد، والذي جمع لأول مرة، وفي ظل دولةٍ لها مكانتها في النظام العالمي للدول، بين صنع الإرهاب ومكافحته، لاقى هوى عند كثيرين من قادة الدول الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن تطمين الرأي العام، بعد تفجيرات برجي مركز التجارة في نيويورك في سبتمبر/ أيلول 2001، ووجدوا في النظام السوري المستعد لكل المهام ضالتهم المنشودة لتجاوز القيود المفروضة عليهم في بلدانهم، لمواجهة التطرّف الإسلامي خارج إطار القانون.
لذلك، عندما ينظر الغرب في اتجاه الأسد، لا يرى ما يفعله بشعبه من ويلات، وإنما يرى فيه بالعكس حليفا قويا، وفارسا صليبيا يعمل على ردع الإسلام، ووضع حد لصعوده الخطير وعنفه الجامح، وينظر إلى عنف الأسد وحرب الإبادة الجماعية التي يشنها على شعبه عنفا "معقولا" إن لم ير فيه عنفا مفهوما ومشروعا ضد التطلعات الطغيانية والظلامية للاسلام الخارج من رقاده بثياب القرون الوسطى وأفكارها. يظهر الأسد في نظر الغرب، كما لم يخفه بطريرك موسكو كيرييل، كما لو كان أحد الملوك الصليبيين المتأخرين الذين يستحقون الدعم والتقدير والتشجيع، بدل الإدانة والانتقاد والمساءلة. بعد أن ارتقى بمقامه ودوره من المشاركة في الحرب ضد "الإرهاب الإسلامي"، من خلال التعاون الاستخباراتي، إلى المواجهة المسلحة والحرب الشاملة ضد "الإسلام القرسطوي" المتطرّف والمعادي للسلام العالمي، في سورية والمشرق، لم يعد ممكنا انتقاد الأسد، ولا من باب أولى محاسبته. ينبغي بالعكس تكريمه، وربما تحول في نظر بعض الطوائف في المستقبل إلى قدّيس، يحمل راية الانتقام من الإسلام والرد المستحق عليه. هذا يفسر استمرار الأسد في عمليات القتل المنهجي، وحرب الإبادة والتطهير الطائفي الرسمي والعلني، وبتعاون روسيا والغرب، من دون أن يتعرّض لأي نقد، كما يفسر السكوت على الغزو العسكري الرسمي لسورية من النظام التيوقراطي الإيراني، المدان فكريا وسياسيا وعسكريا في الغرب.
(3)
على أرضية الكفاح ضد حركات التطرّف الإسلامي، ومن وراء ذلك ضد الإسلام المشكوك بنيات أصحابه أكثر فأكثر، نشأ بين النظام السوري والغرب تفاهم خفي وعميق، ليس سياسيا وأمنيا فحسب، وإنما عاطفي أيضا، يشبه ما قام بين إسرائيل والغرب، وساهم حتى الآن في تبرير أعمالها وحروبها، وغض النظر عن بنية نظامها العنصري، وانتهاكاتها قرارات الأمم المتحدة ومواثيقها جميعا، وصمت العالم عنها. وقد زادت أهمية هذا التفاهم مع الوقت، ومع تنامي روح المواجهة بين الإسلام والغرب، خلال العقود الخمسة الماضية، وأخذ النظام يظهر أكثر فأكثر، وكأنه قاعدة متقدمة للهجوم على الإسلام قوة جيوسياسية صاعدة، ومحارب عنيد وجريء لا يتعب، في احتواء مخاطر التطرّف الإسلامي، ولجم نزوعاته، بل مواجهته في العالم كله. وربما ساعد التكوين الأقلوي للنظام في تعزيز هذا الشعور الإيجابي تجاهها. لكن تكاد تكتشف أنظمة عربية عديدة اليوم فائدة التماهي مع هذا الدور، وهي تحاول أن تحل محل نظام الأسد في لبسه، وفي وراثة موقعه، فيما يشبه المشاركة في حربٍ صليبيةٍ مستحدثةٍ، ومتجددة على الإسلام.
ما يريده الغرب الذي اتحد مع الشرق الروسي والصيني والايراني في الحرب على الإرهاب، كل لمصالح مختلفة ولاستخدامات متباينة، في ما وراء السعي إلى الحفاظ على الأسد أو على حكم عائلته، هو المحافظة على الدور الذي رسمه الأسد لسورية، والمهمة التي أوكلها لها النظام الدولي، بوصفها مركزا مهما من مراكز رصد تطورات الإسلام السياسي ومواجهته، في المنطقة، وتجنيدها في الحرب العالمية على الإرهاب، والاستفادة من خبرتها في الحرب الدعائية والإعلامية أيضا ضد الإسلام المؤرّق والمهدّد، بمقدار ما هو ضعيف ومتخبط ومنقسم ومأزوم، وبالتالي الحفاظ على الدولة السورية باعتبارها جزءا من جهاز الأمن العالمي، أو على شروط إعادة إنتاجها جهاز أمن عامل، كما كانت في عهد بشار، ووضعها من جديد في خدمة أهدافه. وهذا ما يفسر التنصيب الدولي لبشار وريثا لأبيه، والاحتفاء به ورعايته الكبيرة من الدول الغربية جميعا، حتى بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري الكبرى التي عكست الانحراف الخطير في سلوك دولة جهاز الأمن، أو الدولة التي انحلت في أجهزة الأمن، وصارت تفكر بمنطقها وتخضع لحسابات رجالها، وتعيش على توزيع خدماتها الأمنية على النظم والدول والعالم. وهو ما يفسر أيضا تمسّك الغرب، على الرغم من الفظائع غير المسبوقة لنظام الأسد ضد شعبه، بنظام الأسد والحيلولة دون سقوطه، وصرف النظر عن تدخل إيران الخمينية العسكري الواسع، ثم روسيا ضد الشعب السوري، والإصرار أخيرا على أن يبقى الأسد جزءا من الحل في سورية المستقبل أو التهديد بتقسيمها.
لكن لا ينبغي أن نخطئ. ليس الأمن، لا في الداخل ولا في الخارج، هو الذي يشغل النظام السوري. إنه البضاعة التي يسوّق بها النظام نفسه، ويريد أن يستمد منها شرعيته في النظام الدولي وفي الداخل. ما يحرّكه ويشكل غاية جهده هو تأبيد السيطرة والتسلط على البلاد التي استعمرها، والمحافظة على الإمارة التي انتزعها بالقوة. وجوهر جهده لتحقيق ذلك هو، بالعكس تماما مما يعلنه، نشر الخوف والرعب وزعزعة الاستقرار على مستوى المجتمع، وفي ميدان العلاقات الدولية. يعمل النظام السوري كمشعل الحرائق الذي يشعل الحريق، ويصرخ: النجدة، ويقدم نفسه المتطوع الأول لإطفائه. ولذلك كانت وظيفة أجهزة الأمن زعزعة أمن المواطن واستقراره ومنعه من الشعور بالأمان أو الثقة أو الاطمئنان، وتعريضه لترويعٍ مستمر، يجبره على الاستسلام والتسليم بكامل حقوقه وأرزاقه. وهذا هو الحال أيضا مع نكتة مكافحة الأسد للإرهاب. إنه لا يشارك في مكافحته، إلا لتدفيع المجتمع الدولي ثمن التوسع في انتاجه. كأي جسم دخيل، لا أمل للنظام الأسدي الذي ليس نظاما، ولا سياسيا بأي معنى، ولكن عصابة منظمة بالمعنى الحرفي للكلمة تعمل على مستوى المنطقة، وتحت غطاء دولة رسمية وشرعية، في البقاء والنمو وسلب حقوق الناس وموارد الدولة ومراكمتها في جيوب رجاله، عبر المصارف العالمية، إلا ببث الفوضى والرعب والخراب وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والدولي معا. دولة الأسد أبعد ما تكون عن دولة الأمن. إنها دولة الرعب، أي الإرهاب الداخلي والخارجي. هذا هو رأسمالها الحقيقي، ومصدر نموها وتمكّنها وازدهارها وموتها أيضا.