17 أكتوبر 2024
سورية تتلقى الضربات وإيران تحصد الغنائم
بعد أسبوعٍ عاصفٍ في السماء السورية، عاد الهدوء إلى العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، وربما قريبا يجري التوصل إلى توافق بينهما، وسقطت أوهام كثيرين ممن اعتقدوا أن الحرب بين الدولتين قادمة لا محالة. ولا يخفى أنه من دون تشجيع إسرائيل، وغض نظرها، ما كانت طهران قادرةً على التمدّد في سورية، ومراكمة السلاح والقواعد العسكرية فيها، سبع سنين متواصلة، فتل أبيب تعرف أنه من دون طهران ما كان من الممكن لعملية التدمير المنظم لسورية، دولةً وشعبا، أن تستمر أو تحصل.
محور الصراع الذي تفجر اليوم بين طهران وتل أبيب يدور حول قطف ثمار هذه الحرب التي شنت بالتعاون ضمنا بين طهران وروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة على سورية، وحوّلتها إلى فريسةٍ، تتنازعها ضواري المنطقة والعالم.
وعلى الرغم من عنتريات نتنياهو الاستهلاكية، ليس لإسرائيل مصلحة في شن الحرب على إيران ونزع سلاحها، باستثناء السلاح النووي الذي تريد الاحتفاظ باحتكاره في الإقليم. فهي بحاجة إلى طهران، للإبقاء على الحرب القومية والطائفية بين العرب والفرس، والسنة والشيعة، وتسعيرها، وتحييد عموم المنطقة عقودا طويلة مقبلة. لكن مصلحتها الأساسية تكمن في منع طهران من أن تستفيد من انهيار سورية لفتح جبهة حرب مناوشاتٍ وتسللٍ على حدود الجولان، تستخدمها، كما كان الأمر في جنوب لبنان قبل حرب 2006، للضغط على إسرائيل والغرب من جهة، ولتبرير سياساتها التوسعية في المشرق العربي واحتلالها سورية، والإبقاء على أسطورة "عقيدة المقاومة" التي تستند إليها في بناء شرعية نظامها، أعني عقيدة مقاومة الصهيونية والغرب، حية وفاعلة ثانيا، وللتغطية أخيرا على فشل سياستها الاجتماعية والاقتصادية، وتنامي التوترات في الداخل الإيراني نفسه ثالثا.
ولأن أحدا لا يريد التصعيد ولا الحرب، وإنما حصة أكبر من الفريسة السورية، وهذا ما أكد
عليه الطرفان بتصريحاتٍ علنية، جاءت الضربة الإسرائيلية ردا على صواريخ طهران على الجولان، كما وصفها محللون عسكريون إسرائيليون، متزنة، لا قوية ولا ضعيفة. ولترك باب التفاوض مفتوحا، قللت طهران أيضا من أهمية الضربة الإسرائيلية، واعتبرت أنها ليست معنية بها، وإنما كان هدفها سورية. ولذلك بدل أن ترد عليها عسكريا، أصدرت بيانا يدين انتهاك سيادة دمشق وحرمة أراضيها وحقها في الرد.
وفي السياق ذاته، قرّرت روسيا إيقاف صفقة تسليم صواريخ إس 300 لدمشق، كما نقلت صحيفة إزفيستيا الروسية عن فلاديمير كوجين، مساعد الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال إن "لدى الجيش السوري بالفعل كل ما يحتاجه".
إذا كانت طهران تريد من احتلالها سورية ضمّها إلى الهلال الشيعي، والوصول بحدود إمبراطوريتها الموهومة حتى شاطئ المتوسط، والتموضع، إذا أمكن، على حدود إسرائيل، لتبرير جميع مشاريعها السياسية والجيوسياسية والطائفية، فإن ما تسعى إليه إسرائيل، في هذه المواجهة العسكرية السياسية معا، هو أن تمنع طهران من تحقيق هدفها الثاني، وعدم السماح لها باستخدام العمليات العسكرية، ولو المحدودة، لتعكير صفو الأمن الإسرائيلي. لكن إسرائيل لا تمانع في أن تبقى طهران في سورية، وتشغل كل ميادين النشاط فيها، بل إنها تشجع عليه. وكل ما يهمها تأمين شريط حدودي على مدى 40 كلم من حدودها، خال من الوجود الإيراني، بالإضافة إلى القضاء على مخازن الأسلحة الاستراتيجية الإيرانية التي تهدد أمنها. أي تطبيق ما ضمن لها الأمن والاستقرار، بعد توقيع التفاهم في جنوب لبنان في 2006، والذي قضى على عمليات حزب الله تماما في شمال فلسطين المحتلة، ودفع مقاتلي هذا الحزب إلى المشاركة في احتلال سورية بعد سنوات قليلة من "البطالة الجهادية".
السؤال: هل ستقبل طهران التراجع عن طموحاتها المعلنة بجعل جنوب سورية بديلا لجنوب لبنان، والتخلي عن فذلكة المقاومة التي تشكل موردها الوحيد لنيل الشرعية لمشروعها التوسعي والإمبراطوري والاستبدادي معا لدى الرأي العام العربي والإيراني؟ في اعتقادي نعم. ليس لطهران أي مصلحةٍ في أن تصعد وتدفع إلى الحرب. هي تقول علنا إنها تحتل سورية لتمنع عن نفسها الحرب وليس العكس. سوف تفاوض طهران على ما يمكن أن تبتلعه من الفريسة السورية، وهو أكبر بكثير مما يعتقد كثيرون، اقتصاديا واستراتيجيا واجتماعيا. هكذا تكون نغمة "المقاومة" قد حققت أهدافها، وحولت سورية إلى منطقة نفوذ إيرانية، بينما ستؤدي الحرب مع إسرائيل إلى إخراجها منها.
لكن، مهما كان الحال، سواء قبلت طهران تقاسم النفوذ من مستوى أدنى في سورية مع إسرائيل والدول الأخرى، بمفاوضات علنية أو سرية لا فرق، فقد جاء موقف النأي بالنفس الهزيل الذي اتخذته في المواجهة الأخيرة مع تل أبيب، وتحميلها المسؤولية فيها لحلفائها السوريين، لتكشف حقيقة سياسات المقاومة التي تدّعيها وغاياتها الحقيقية. وقد كانت الحصيلة الفعلية لهذه السياسات التي تتاجر بالمقاومة لتحقيق غايات مناقضة لها تماما:
• تدمير سورية التي تشكل قاعدة العمل الوطني العربي لمواجهة إسرائيل في أي نظام قادم لا يراهن على بقائه عن طريق ضمان أمن إسرائيل.
• تسميم علاقات الدول والشعوب في المنطقة بإشعال الحروب الأهلية الطائفية والقومية، في سورية ولبنان والعراق واليمن، وتمزيق نسيج شعوبها الوطني، لتمكين طهران من اختراقها وسوق شبابها في مليشيات مرتزقة بالآلاف على معارك استعادة عظمتها الإمبراطورية الدارسة.
• تقويض نظام الدولة والقانون في المشرق، لصالح إطلاق قوى المليشيات والجيوش الخاصة التي لا تخضع سوى لإرادة أمرائها وتأويلاتهم الدينية أو ولاءاتهم القبلية.
• تقديم الذريعة للدول الكبرى للتدخل في المنطقة، واستباحة سيادة بلدانها وتوسيع حضورها العسكري والأمني، كما لو أن الأمر تحول إلى عودة حكم الوصاية الأجنبية في عمومها.
• دفع نظم عربية عديدة خائفة على نفسها من الاجتياح الإيراني إلى الارتماء على إسرائيل، ومد جسور التحالف السري معها، والإجهاز على تفاهم الحد الأدنى الذي كان قائما بين دولها للحفاظ على مقاطعة إسرائيل، وعدم التفريط بالحقوق الفلسطينية.
• بدل أن تساهم سياسة "المقاومة" الطائفية التي نظمتها طهران وحلفاؤها في تحرير القدس، سرعت في عملية إلحاقها باسرائيل، وعطلت أي مساع إقليمية لمواجهة سياسة ترامب العدوانية.
• وكانت الحصيلة النهائية لكل ما ذكر نصرا مجانيا مدوّيا لإسرائيل، على المستوى
الجيوسياسي والسياسي والمعنوي، لم تعرفه منذ إنشائها في 1948، ولم تكن تحلم به في أي احتمال.
هكذا أصبح بإمكان تل أبيب أن تطمح إلى لعب دور رئيسي في رسم مستقبل النظام الإقليمي الجديد، على حساب تفكّك المنطقة، وتدهور العلاقات الإقليمية بين دولها، وتنامي مشاعر العداء في ما بين شعوبها ومجتمعاتها. وهي التي تطمح إلى أن تحتل الموقع الذي خسرته طهران، بسبب سوء اختياراتها، قوة إقليمية شريكة الدول الكبرى في تقرير مصير المشرق ومصير بلدانه. ومنذ الآن، أصبحت تل أبيب الدولة الوحيدة التي تنسق مع القوتين الكبريين، روسيا وأميركا، وتضع شروطها في عملية ترتيب أوضاع سورية الجديدة النازفة، وتقاسم مناطق النفوذ فيها.
في المقابل، لم يبق لطهران التي حولت إسرائيل من بلد معزول وأجنبي في المنطقة إلى واحدة من الدول القليلة المقرّرة، مع أميركا وروسيا، لمستقبلها، من دور تحفظ لنفسها فيه بعض المكانة الإقليمية سوى تكملة سياسة إسرائيل، ومدّها بعوامل القوة والشرعية، من خلال النشاط الوحيد الذي أظهرت البراعة فيه، والذي ينسجم مع تفكير نخبتها السياسية الطائفية العقيمة القائمة: تسعير الخلافات والنزاعات القومية والدينية والسياسية داخل مجتمعات المنطقة، وفي ما بين شعوبها، وإشعال الحروب الداخلية وتمويلها، على حساب تحرّر الشعب الإيراني، واحترام حقوقه وازدهاره.
محور الصراع الذي تفجر اليوم بين طهران وتل أبيب يدور حول قطف ثمار هذه الحرب التي شنت بالتعاون ضمنا بين طهران وروسيا وإسرائيل والولايات المتحدة على سورية، وحوّلتها إلى فريسةٍ، تتنازعها ضواري المنطقة والعالم.
وعلى الرغم من عنتريات نتنياهو الاستهلاكية، ليس لإسرائيل مصلحة في شن الحرب على إيران ونزع سلاحها، باستثناء السلاح النووي الذي تريد الاحتفاظ باحتكاره في الإقليم. فهي بحاجة إلى طهران، للإبقاء على الحرب القومية والطائفية بين العرب والفرس، والسنة والشيعة، وتسعيرها، وتحييد عموم المنطقة عقودا طويلة مقبلة. لكن مصلحتها الأساسية تكمن في منع طهران من أن تستفيد من انهيار سورية لفتح جبهة حرب مناوشاتٍ وتسللٍ على حدود الجولان، تستخدمها، كما كان الأمر في جنوب لبنان قبل حرب 2006، للضغط على إسرائيل والغرب من جهة، ولتبرير سياساتها التوسعية في المشرق العربي واحتلالها سورية، والإبقاء على أسطورة "عقيدة المقاومة" التي تستند إليها في بناء شرعية نظامها، أعني عقيدة مقاومة الصهيونية والغرب، حية وفاعلة ثانيا، وللتغطية أخيرا على فشل سياستها الاجتماعية والاقتصادية، وتنامي التوترات في الداخل الإيراني نفسه ثالثا.
ولأن أحدا لا يريد التصعيد ولا الحرب، وإنما حصة أكبر من الفريسة السورية، وهذا ما أكد
وفي السياق ذاته، قرّرت روسيا إيقاف صفقة تسليم صواريخ إس 300 لدمشق، كما نقلت صحيفة إزفيستيا الروسية عن فلاديمير كوجين، مساعد الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال إن "لدى الجيش السوري بالفعل كل ما يحتاجه".
إذا كانت طهران تريد من احتلالها سورية ضمّها إلى الهلال الشيعي، والوصول بحدود إمبراطوريتها الموهومة حتى شاطئ المتوسط، والتموضع، إذا أمكن، على حدود إسرائيل، لتبرير جميع مشاريعها السياسية والجيوسياسية والطائفية، فإن ما تسعى إليه إسرائيل، في هذه المواجهة العسكرية السياسية معا، هو أن تمنع طهران من تحقيق هدفها الثاني، وعدم السماح لها باستخدام العمليات العسكرية، ولو المحدودة، لتعكير صفو الأمن الإسرائيلي. لكن إسرائيل لا تمانع في أن تبقى طهران في سورية، وتشغل كل ميادين النشاط فيها، بل إنها تشجع عليه. وكل ما يهمها تأمين شريط حدودي على مدى 40 كلم من حدودها، خال من الوجود الإيراني، بالإضافة إلى القضاء على مخازن الأسلحة الاستراتيجية الإيرانية التي تهدد أمنها. أي تطبيق ما ضمن لها الأمن والاستقرار، بعد توقيع التفاهم في جنوب لبنان في 2006، والذي قضى على عمليات حزب الله تماما في شمال فلسطين المحتلة، ودفع مقاتلي هذا الحزب إلى المشاركة في احتلال سورية بعد سنوات قليلة من "البطالة الجهادية".
السؤال: هل ستقبل طهران التراجع عن طموحاتها المعلنة بجعل جنوب سورية بديلا لجنوب لبنان، والتخلي عن فذلكة المقاومة التي تشكل موردها الوحيد لنيل الشرعية لمشروعها التوسعي والإمبراطوري والاستبدادي معا لدى الرأي العام العربي والإيراني؟ في اعتقادي نعم. ليس لطهران أي مصلحةٍ في أن تصعد وتدفع إلى الحرب. هي تقول علنا إنها تحتل سورية لتمنع عن نفسها الحرب وليس العكس. سوف تفاوض طهران على ما يمكن أن تبتلعه من الفريسة السورية، وهو أكبر بكثير مما يعتقد كثيرون، اقتصاديا واستراتيجيا واجتماعيا. هكذا تكون نغمة "المقاومة" قد حققت أهدافها، وحولت سورية إلى منطقة نفوذ إيرانية، بينما ستؤدي الحرب مع إسرائيل إلى إخراجها منها.
لكن، مهما كان الحال، سواء قبلت طهران تقاسم النفوذ من مستوى أدنى في سورية مع إسرائيل والدول الأخرى، بمفاوضات علنية أو سرية لا فرق، فقد جاء موقف النأي بالنفس الهزيل الذي اتخذته في المواجهة الأخيرة مع تل أبيب، وتحميلها المسؤولية فيها لحلفائها السوريين، لتكشف حقيقة سياسات المقاومة التي تدّعيها وغاياتها الحقيقية. وقد كانت الحصيلة الفعلية لهذه السياسات التي تتاجر بالمقاومة لتحقيق غايات مناقضة لها تماما:
• تدمير سورية التي تشكل قاعدة العمل الوطني العربي لمواجهة إسرائيل في أي نظام قادم لا يراهن على بقائه عن طريق ضمان أمن إسرائيل.
• تسميم علاقات الدول والشعوب في المنطقة بإشعال الحروب الأهلية الطائفية والقومية، في سورية ولبنان والعراق واليمن، وتمزيق نسيج شعوبها الوطني، لتمكين طهران من اختراقها وسوق شبابها في مليشيات مرتزقة بالآلاف على معارك استعادة عظمتها الإمبراطورية الدارسة.
• تقويض نظام الدولة والقانون في المشرق، لصالح إطلاق قوى المليشيات والجيوش الخاصة التي لا تخضع سوى لإرادة أمرائها وتأويلاتهم الدينية أو ولاءاتهم القبلية.
• تقديم الذريعة للدول الكبرى للتدخل في المنطقة، واستباحة سيادة بلدانها وتوسيع حضورها العسكري والأمني، كما لو أن الأمر تحول إلى عودة حكم الوصاية الأجنبية في عمومها.
• دفع نظم عربية عديدة خائفة على نفسها من الاجتياح الإيراني إلى الارتماء على إسرائيل، ومد جسور التحالف السري معها، والإجهاز على تفاهم الحد الأدنى الذي كان قائما بين دولها للحفاظ على مقاطعة إسرائيل، وعدم التفريط بالحقوق الفلسطينية.
• بدل أن تساهم سياسة "المقاومة" الطائفية التي نظمتها طهران وحلفاؤها في تحرير القدس، سرعت في عملية إلحاقها باسرائيل، وعطلت أي مساع إقليمية لمواجهة سياسة ترامب العدوانية.
• وكانت الحصيلة النهائية لكل ما ذكر نصرا مجانيا مدوّيا لإسرائيل، على المستوى
هكذا أصبح بإمكان تل أبيب أن تطمح إلى لعب دور رئيسي في رسم مستقبل النظام الإقليمي الجديد، على حساب تفكّك المنطقة، وتدهور العلاقات الإقليمية بين دولها، وتنامي مشاعر العداء في ما بين شعوبها ومجتمعاتها. وهي التي تطمح إلى أن تحتل الموقع الذي خسرته طهران، بسبب سوء اختياراتها، قوة إقليمية شريكة الدول الكبرى في تقرير مصير المشرق ومصير بلدانه. ومنذ الآن، أصبحت تل أبيب الدولة الوحيدة التي تنسق مع القوتين الكبريين، روسيا وأميركا، وتضع شروطها في عملية ترتيب أوضاع سورية الجديدة النازفة، وتقاسم مناطق النفوذ فيها.
في المقابل، لم يبق لطهران التي حولت إسرائيل من بلد معزول وأجنبي في المنطقة إلى واحدة من الدول القليلة المقرّرة، مع أميركا وروسيا، لمستقبلها، من دور تحفظ لنفسها فيه بعض المكانة الإقليمية سوى تكملة سياسة إسرائيل، ومدّها بعوامل القوة والشرعية، من خلال النشاط الوحيد الذي أظهرت البراعة فيه، والذي ينسجم مع تفكير نخبتها السياسية الطائفية العقيمة القائمة: تسعير الخلافات والنزاعات القومية والدينية والسياسية داخل مجتمعات المنطقة، وفي ما بين شعوبها، وإشعال الحروب الداخلية وتمويلها، على حساب تحرّر الشعب الإيراني، واحترام حقوقه وازدهاره.