08 نوفمبر 2024
إيران والمنطقة في عين العاصفة
لا تنتظر إسرائيل مهلة الثاني عشر من شهر مايو/ أيار الجاري، والتي سيقرر فيها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ما إذا كانت بلاده ستبقى في الاتفاق النووي مع إيران أم ستنسحب منه. وعلى الرغم من أن كل المؤشرات ترجح أن إدارة ترامب ستنسحب من الاتفاق، إن لم تقبل إيران إعادة التفاوض عليه، وإجراء تعديلات جوهرية فيه، إلا أن الدولة العبرية تريد أن تضمن أن لا مفاجآت ستقع هنا، خصوصا مع الضغوط الأوروبية على الولايات المتحدة لاحترام الاتفاق، على أن يترافق ذلك مع معالجة جوانب القصور التي يراها ترامب فيه. ويرفض ترامب عدم نص الاتفاق، عام 2015، على حظر برنامج إيران للصواريخ الباليستية، كما يرفض تحديد جداول زمنية لرفع الحظر عن أنشطتها النووية، فضلا عن امتعاضه من سكوت الاتفاق عن ما يسميها أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط ودعمها الإرهاب. وحسب المطلعين على تفكير ترامب، فإنه ينوي، فعلا، الانسحاب من الاتفاق النووي إن لم تنفذ الشروط التي يطلبها، في حين تصر إيران على رفضها الذي قد يفتح الآفاق على كل الاحتمالات، بما في ذلك عدوان عسكري، إسرائيلي أو أميركي، وربما مشترك، عليها، بشكلٍ قد يفجر المنطقة كلها، ويطلق فيها حروبا مباشرة وبالوكالة في ساحات متعددة. وما يزيد في تعقيد المسألة أن إيران لا تواجه حلفا أميركيا - إسرائيليا فحسب، بل ثمة محور تتزعمه السعودية، ومعها كل من الإمارات والبحرين، يقرعون طبول الحرب مع تل أبيب والدائرة الضيقة المحيطة بترامب، في الوقت الذي تتورّط فيه إيران في سياساتٍ خاطئة وعدوانية في العراق وسورية، وكذلك اليمن ولبنان، وهو ما أفقدها كثيرا من العمق الشعبي العربي الذي كان سيقف إلى جانبها في التصدّي لأي عدوان عليها، حتى ولو شارك عرب فيه باسم العروبة و"الإسلام السنِّيِ".
يلحظ من يتابع التطورات في المنطقة أن التصعيد مع إيران مبرمج ومدروس ومنسق، ويعد بعناية فائقة، وعلى جبهات مختلفة، بما في ذلك القصف الإسرائيلي المتكرّر على قواعد
بالنسبة لترامب ونتنياهو، لا تهم هنا تأكيدات المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين في حكومتيهما بأن الاتفاق النووي مع إيران نجح فعلا في كبح برنامجها النووي التسليحي. كل ما يهمهما هو البحث عن أي ذريعةٍ لفسخ الاتفاق معها، وفرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ شالَّةٍ مجدّدا عليها، وربما شن عدوان عسكري عليها. وما يؤكد الخلافات في الولايات المتحدة بشأن مزاعم خداع إيران النووية أن البيت الأبيض اضطر إلى تصحيح بيانٍ أصدره بعد ساعاتٍ من خطاب نتنياهو، تراجع فيه عن ادعاء أن إيران "تملك" برنامج أسلحة نووية. جاء في البيان الأول: "هذه الحقائق تتفق مع ما تعرفه الولايات المتحدة منذ فترة طويلة وهو أن إيران تملك برنامج أسلحة نووية قويا وسريا، وأنها حاولت ولكن فشلت في إخفائه عن العالم وعن شعبها". أما البيان
باختصار، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تصعيد جديد، بذريعة انتهاك إيران التزاماتها في الاتفاق النووي، الأمر الذي تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأوروبا، بل والمؤسستان العسكرية والاستخباراتية الأميركيتان عدم صحته. ولم يتردد مسؤولون أميركيون كثيرون، حاليون وسابقون، في تكذيب مزاعم نتنياهو، وكلها سابقة على الاتفاق النووي لعام 2015. الأكثر كارثية أن تساهم بعض الدول العربية في دفع المنطقة نحو صراع عسكري مفتوح، سنكون، نحن العرب، فيه ملعبا مفتوحا، كما إيران لسفك الدماء وإحداث الخراب. هذا ما جنته علينا سياسات إيران الطائفية المقيتة في المنطقة، وهذا ما جرّته علينا سياسات دول عربية لم تعرف كيف تتصدّى للعبث الإيراني، فكان أن تحالفت مع الذئبين، الأميركي والإسرائيلي، وكأنهما لن يفترسا إلا شاة واحدة سائبة!