02 نوفمبر 2024
النسخة الجديدة لمقتدى الصدر
يمثّل الزعيم العراقي، مقتدى الصدر، نموذجاً لسياسيين جدد ذوي نزعة تجريبية، وحيث يمكن تعلّم السياسة من خلال ممارستها، أو بعد ذلك، وليس قبله.
هذا هو الانطباع الذي يثيره إعلان الرجل عن تحالفه، في البرلمان المنتخب أخيراً، مع "ائتلاف الفتح"، بزعامة هادي العامري، من أجل تشكيل ما سُميت الكتلة الأكبر. علماً أن الصدر قد تقدّم بكتلته "سائرون" إلى الانتخابات النيابية على أساس الابتعاد عن المليشيات المسلحة والاستقطاب الطائفي، والتبعية لإيران. فإذا به يتحالف مع من خاض الانتخابات على أساس افتراقه عنهم، وشق طريق وطني وفاقي مستقل. وقد جاءت هذه الانعطافة، بعد زيارة وفد إيراني بغداد برئاسة قاسم سليماني، كانت مهمته شبه العلنية قيام حكومة جديدة تستأنف ما سبق، من استتباع لإيران. والمقصود بالكتلة الأكبر تجميع الكتل الطائفية في كتلة واحدة، بما يمنع تجديد الشراكة الوطنية، وبما يعزّز ترجمة التمثيل الطائفي إلى تمثيل سياسي، وهو مفهوم الأغلبية الذي طالما تحدّث عنه نوري المالكي، أبرز رجالات طهران في عاصمة الرشيد.
وسوف يؤدي هذا التحالف الجديد مع ممثلي المليشيات، إذا ما سار على طريقه المرسوم، إلى مصادرة النتيجة السياسية المتمثلة بصعود تكتل "سائرون"، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة. ومن المثير للانتباه أن هذا التطور الجديد جاء بعد أيامٍ من إحراق مركز انتخابي يضم صناديق الاقتراع، وبحيث يحمل نشوء هذا التحالف المستغرب، بوادر "إحراق" العملية الانتخابية برمتها، وتحويل آمال الناخبين إلى رماد.
أبرز الحلفاء الانتخابيين للصدر، وهو الحزب الشيوعي العراقي، وصف، على لسان سكرتيره العام رائد فهمي، هذا التطور بأنه "متسرّع". ويُذكر أن تحالف "سائرون" يضم حزب
الاستقامة الذي يدعمه الصدر والحزب الشيوعي والتجمع الجمهوري وحركة الشباب للتغيير وحزب الدولة العادلة وحزب الائتلاف والإصلاح.
وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، انتقد، أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، ما وُصف بأنه تحالف رئيس الحكومة، حيدر العبادي، وائتلاف "الفتح"، واصفاً الاتفاق بـ"البغيض والطائفي المقيت". وقال الصدر حينها: "أعزّي شعبي المجاهد الصابر لما آلت إليه الاتفاقات السياسية البغيضة من تخندقاتٍ طائفيةٍ مقيتةٍ، لتمهد عودة الفاسدين مرة أخرى، وقد عرض علينا الالتحاق، ورفضنا ذلك رفضاً قاطعاً". وأردف: "العجب كل العجب مما سار عليه الأخ العبادي الذي كنا نظن به أنه أول دعاة الوطنية والإصلاح... فعظم الله أجر الدعاة، وعظم الله أجر كل نابذ للطائفية والتحزب". علماً أن الصدر كان أعلن، عشية الانتخابات، في 12 مايو/ أيار الماضي وإثرها، أنه لن يتحالف مع تكتل الفتح بزعامة هادي العامري، ولا دولة القانون برئاسة نوري المالكي. وإثر إعلان نتائج الانتخابات، التقى الصدر بسفراء عرب وأجانب، لم يكن بينهم السفير الايراني في بغداد، إيرج مسجدي.
يعتبر هذا التحالف بين الصدر والعامري بمنزلة انقلابٍ على نتائج الانتخابات، تم على يد من صنع الفوز في هذه المنافسة الحامية الوطيس، وهو الصدر الذي حاول التخفيف من أثر خطوته هذه، قائلاً إن التحالف مع الوطنية (إياد علاوي، 21 مقعداً) وتيار الحكمة (عمار الحكيم، 19 مقعداً) سوف يستمر. وفي حال توطد هذا التحالف، فإنه سيبدّد صورة الصدر رجل دين شيعي، ذي نزوع وطني عابر للطوائف، ونزوع عربي يطمح إلى أن تستعيد بلاد الرافدين هويتها العربية.
وعلى المستوى الداخلي، يمثل هذا التطور نكسة للقوى المدنية، وحتى قوى التكنوقراط. ومن شأنه سلب رئيس الحكومة، حيدر العبادي، موقعه الحالي، وفتح الطريق أمام زعيم مليشيا بدر، هادي العامري، لترؤس الحكومة، بما قد يعيد علاقات العراق العربية إلى الوراء، ويعزز الإطباق الإيراني على هذا البلد.
وقد عُرف الصدر بتقلب مواقفه في السنوات العشر الماضية، وبضعف خبرته السياسية، ومراوحته بين الاعتزال والمشاركة من بُعد في الحياة العامة، لكنه عُرف، في الوقت نفسه، بنزعته النقدية للحكم وحملاته على الفساد، وتأييده المسيرات الاحتجاجية، ورغبته بالانتقال في العلاقات مع إيران، من حالة التبعية إلى إقامة علاقات جيدة بين دولتين جارتين، لا تتدخل إحداهما في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى، وذلك وفق ميلٍ إلى تبني برامج آنية، وبغير رؤيةٍ متماسكةٍ ومستقرة.
على المستوى الإقليمي، يمثل هذا التوجه مكسباً سياسياً خالصاً لإيران، وينطوي على رد
هجومي على محاولات احتوائها، إقليمياً ودولياً، وبحيث تكسب مزيداً من النقاط في مقابل خسائرها في اليمن، وبدء تقليص وجودها في سورية. وبينما تراجع الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في سنغافورة في قمته الثنائية مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فإن التيار الأكثر تشدّداً والأقوى نفوذاً في طهران يتقدم مجدّداً في العراق، لتكريس إلحاق هذا البلد استراتيجياً به، وجعل هذا الإلحاق "حقيقة" دائمة.. ولا ريب أن هذا التطور، إذا ما سار قُدُماً، سيثير بهجة الكرملين التي تقوم استراتيجيتها على تطويق النفوذ الأميركي في كل مكان، باستثناء تل أبيب بالطبع، حتى لو اقترن ذلك بتطويق آمال الناخبين العراقيين وطرحها جانباً، ذلك أن موسكو ليست من "السذاجة" بحيث تراهن على إرادة الشعوب وخياراتها!.
ومع كل ما تقدّم، لنا أن نترقب مفاجآت أخرى من الصدر وتياره وحزبه (الاستقامة)، فقد كان هذا ديدن الرجل على امتداد مسيرته المتعرّجة، وبحيث لا يتوانى حتى في الانقلاب على نفسه. ومبعث الاهتمام به كونه يقود الكتلة الفائزة الأكبر في البرلمان (54 مقعداً من جملة 329 مقعداً). كان الله في عون حلفائه من التيار المدني، وفي عون ناخبيه، وكل من يعلّق الآمال على تبدّل الأحوال.
هذا هو الانطباع الذي يثيره إعلان الرجل عن تحالفه، في البرلمان المنتخب أخيراً، مع "ائتلاف الفتح"، بزعامة هادي العامري، من أجل تشكيل ما سُميت الكتلة الأكبر. علماً أن الصدر قد تقدّم بكتلته "سائرون" إلى الانتخابات النيابية على أساس الابتعاد عن المليشيات المسلحة والاستقطاب الطائفي، والتبعية لإيران. فإذا به يتحالف مع من خاض الانتخابات على أساس افتراقه عنهم، وشق طريق وطني وفاقي مستقل. وقد جاءت هذه الانعطافة، بعد زيارة وفد إيراني بغداد برئاسة قاسم سليماني، كانت مهمته شبه العلنية قيام حكومة جديدة تستأنف ما سبق، من استتباع لإيران. والمقصود بالكتلة الأكبر تجميع الكتل الطائفية في كتلة واحدة، بما يمنع تجديد الشراكة الوطنية، وبما يعزّز ترجمة التمثيل الطائفي إلى تمثيل سياسي، وهو مفهوم الأغلبية الذي طالما تحدّث عنه نوري المالكي، أبرز رجالات طهران في عاصمة الرشيد.
وسوف يؤدي هذا التحالف الجديد مع ممثلي المليشيات، إذا ما سار على طريقه المرسوم، إلى مصادرة النتيجة السياسية المتمثلة بصعود تكتل "سائرون"، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات الأخيرة. ومن المثير للانتباه أن هذا التطور الجديد جاء بعد أيامٍ من إحراق مركز انتخابي يضم صناديق الاقتراع، وبحيث يحمل نشوء هذا التحالف المستغرب، بوادر "إحراق" العملية الانتخابية برمتها، وتحويل آمال الناخبين إلى رماد.
أبرز الحلفاء الانتخابيين للصدر، وهو الحزب الشيوعي العراقي، وصف، على لسان سكرتيره العام رائد فهمي، هذا التطور بأنه "متسرّع". ويُذكر أن تحالف "سائرون" يضم حزب
وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، انتقد، أواسط يناير/ كانون الثاني الماضي، ما وُصف بأنه تحالف رئيس الحكومة، حيدر العبادي، وائتلاف "الفتح"، واصفاً الاتفاق بـ"البغيض والطائفي المقيت". وقال الصدر حينها: "أعزّي شعبي المجاهد الصابر لما آلت إليه الاتفاقات السياسية البغيضة من تخندقاتٍ طائفيةٍ مقيتةٍ، لتمهد عودة الفاسدين مرة أخرى، وقد عرض علينا الالتحاق، ورفضنا ذلك رفضاً قاطعاً". وأردف: "العجب كل العجب مما سار عليه الأخ العبادي الذي كنا نظن به أنه أول دعاة الوطنية والإصلاح... فعظم الله أجر الدعاة، وعظم الله أجر كل نابذ للطائفية والتحزب". علماً أن الصدر كان أعلن، عشية الانتخابات، في 12 مايو/ أيار الماضي وإثرها، أنه لن يتحالف مع تكتل الفتح بزعامة هادي العامري، ولا دولة القانون برئاسة نوري المالكي. وإثر إعلان نتائج الانتخابات، التقى الصدر بسفراء عرب وأجانب، لم يكن بينهم السفير الايراني في بغداد، إيرج مسجدي.
يعتبر هذا التحالف بين الصدر والعامري بمنزلة انقلابٍ على نتائج الانتخابات، تم على يد من صنع الفوز في هذه المنافسة الحامية الوطيس، وهو الصدر الذي حاول التخفيف من أثر خطوته هذه، قائلاً إن التحالف مع الوطنية (إياد علاوي، 21 مقعداً) وتيار الحكمة (عمار الحكيم، 19 مقعداً) سوف يستمر. وفي حال توطد هذا التحالف، فإنه سيبدّد صورة الصدر رجل دين شيعي، ذي نزوع وطني عابر للطوائف، ونزوع عربي يطمح إلى أن تستعيد بلاد الرافدين هويتها العربية.
وعلى المستوى الداخلي، يمثل هذا التطور نكسة للقوى المدنية، وحتى قوى التكنوقراط. ومن شأنه سلب رئيس الحكومة، حيدر العبادي، موقعه الحالي، وفتح الطريق أمام زعيم مليشيا بدر، هادي العامري، لترؤس الحكومة، بما قد يعيد علاقات العراق العربية إلى الوراء، ويعزز الإطباق الإيراني على هذا البلد.
وقد عُرف الصدر بتقلب مواقفه في السنوات العشر الماضية، وبضعف خبرته السياسية، ومراوحته بين الاعتزال والمشاركة من بُعد في الحياة العامة، لكنه عُرف، في الوقت نفسه، بنزعته النقدية للحكم وحملاته على الفساد، وتأييده المسيرات الاحتجاجية، ورغبته بالانتقال في العلاقات مع إيران، من حالة التبعية إلى إقامة علاقات جيدة بين دولتين جارتين، لا تتدخل إحداهما في الشؤون الداخلية للدولة الأخرى، وذلك وفق ميلٍ إلى تبني برامج آنية، وبغير رؤيةٍ متماسكةٍ ومستقرة.
على المستوى الإقليمي، يمثل هذا التوجه مكسباً سياسياً خالصاً لإيران، وينطوي على رد
ومع كل ما تقدّم، لنا أن نترقب مفاجآت أخرى من الصدر وتياره وحزبه (الاستقامة)، فقد كان هذا ديدن الرجل على امتداد مسيرته المتعرّجة، وبحيث لا يتوانى حتى في الانقلاب على نفسه. ومبعث الاهتمام به كونه يقود الكتلة الفائزة الأكبر في البرلمان (54 مقعداً من جملة 329 مقعداً). كان الله في عون حلفائه من التيار المدني، وفي عون ناخبيه، وكل من يعلّق الآمال على تبدّل الأحوال.