11 ابريل 2024
تركيا إلى جبال قنديل مجدّداً
تزامناً مع الحملات الدعائية للانتخابات التركيّة، توجّه الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، إلى ناخبيه في ولاية نيغدة التركيّة، معلناً نيّة حكومته القضاء على حزب العمال الكردستاني، جزءا من الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية (الحاكم)، الأمر الذي لفت عناية المجتمع التركي إلى أهمية هذا الخطاب وتوقيته، حيث يسعى الفريق الحاكم إلى توجيه أنظار الناخبين نحو الحرب التي تخوضها تركيا في هذه الأثناء، ضد حزب العمال الكردستاني في أبرز معاقله في كردستان العراق، إذ أن النغمة التي يريد أردوغان لها أن تطفو على سطح الخطابات جاءت عبر كلمات أبرز أقطاب الحزب ومسؤولي الدولة، ككلمة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، في ولاية أوشاق أمام حشد من مناصري الحزب الحاكم، والذي أشار إلى تقدّم القوات التركيّة نحو جبال قنديل. وكرّر الخطاب نفسه وزير الخارجيّة، مولود جاويش أوغلو، على مسامع مناصري الحزب في ولاية أنطاليا، الأمر الذي يفسّر النهج الحكومي اللاحق في حال فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القريبة المقبلة.
خرجت تركيا من معركة عفرين منتصرة، ومحتلّة ثالث الكانتونات التي حازتها وحدات حماية الشعب وشيّدت فيها حكمها سبع سنوات من عمر الأزمة السوريّة، ما منح حكومة "العدالة والتنميّة" وجمهور هذا الحزب من القوميين الأتراك جرعة من الثقة الزائدة، تكاد تتحوّل إلى فائض ثقةٍ مثيرٍ للقلق، ذلك أن تصريحات أردوغان إن نجاح حكومته في الباب وجرابلس وعزاز وعفرين سيكلّل بمزيد من النجاح في ما يخصّ "تجفيف مستنقع الإرهاب"، في سنجار وقنديل العراقيتين. تأتي هذه الثقة مصحوبةً بإنجازات عسكريّة، أفصح عنها رئيس الأركان التركي، خلوصي آكار، بشأن نجاح سلاح الجوّ التركي بتدمير 26 هدفاً عائداً لحزب العمال الكردستاني. ولكن، وفي إزاء ذلك، تنشر الآلة الإعلاميّة لحزب العمال الكردستاني مقاطع فيديو حديثة، توثّق لحظات قتل جنود أتراك على يد مقاتلي الحزب (الكريلا) داخل نطاق ما يسميّها الحزب "مناطق الدفاع الذاتي" أو "مناطق ميديا" في كردستان العراق.
سبق للحكومات التركية المتعاقبة منذ التسعينات (1995 – 1996- 1997) وحتى (2005 -2007)، وحتى وقت سابق من بدء ما سمّيت عملية السلام الكرديّة – التركيّة، أن ساقت حملاتٍ هدفت إلى اقتلاع الحزب واجتثاثه، إلّا أنها باءت بالفشل نتيجة وعورة المنطقة الجبليّة وشراسة مقاتلي الكريلا، والذين يمثّلون صفوة المقاتلين الأكراد عبر تاريخ الصراع الكردي التركي، بالإضافة إلى اتّباع تكتيكات حرب الأنصار التي يصعب على آلة الحرب التقليدية الوقوف في وجهها بسهولة. ولعل معركة الزاب 2008 التي تحتل حيّزاً في وجدان مناصري "العمال الكردستاني"، والتي تحوّلت إلى مأثرته الحيّة، وتوصف بالملحمة المعاصرة في أدبيات الحزب، ماثلة للعيان، ومذكّرة بشراسة الحرب وصعوبتها. وقد جاءت
العملية العسكريّة التركيّة الكبرى تلك في حوض مناطق الزاب العراقيّة، والتي أطلقت تركيا عليها اسم "كونيش" (الشمس)، بدعم الولايات المتحدة إبّان احتلالها العراق. وعلى الرغم من تكرار الحكومة التركيّة أن الحرب لن تتوقف قبل اجتثاث "العمال الكردستاني"، إلّا أن المعركة توقفت بعد أن مني الجيش التركي بخسائر فادحة، أدّت إلى تراجعه، ودفعته إلى التفكير مليّاً بحلول بديلة، تكون أقلّ كلفةً من الحرب والالتحام المباشر بمقاتلي الحزب.
تحظى فكرة الحرب على "العمال الكردستاني" بتأييد طبقة واسعة من مناصري حزب العدالة والتنمية، يضاف إليهم جمهور حزب الحركة القومية، بزعامة دولت بهجلي. ولعلّ مختبر عفرين وفكرة الحرب الوقائية خارج الحدود التركيّة، مكّنت أردوغان من تجاوز كوابيس الهزيمة العسكرية، أو الانجرار نحو مستنقع الحرب المديدة، إذ تعتبر حرب عفرين، وفق منطق الحكومة التركية، مقدّمة جيدة للخوض في معركة جديدة وحاسمة هذه المرّة. لكن، في ضوء الوقائع، لن تكون الحملة العسكريّة كما كانت في عفرين بقياس الفروق بين الحالتين، حيث البيئة الجبلية الوعرة، وانعدام البؤر السكانيّة المؤثرة على سير المعارك، واعتبار "العمال الكردستاني" هذه المعركة معركة فناءٍ أو بقاء، وكذلك صعوبة تمسّك القوات التركيّة بالأرض التي قد تتحوّل إلى أهداف ثابتة في مرمى نيران الخصم، عدا عن الأكلاف الماديّة المترتبة على عمليّة ضخمة كهذه، في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية التركية. تضاف إلى ذلك إمكانية خوض حزب العمال الكردستاني معارك إشغال في الداخل التركي، ما يزيد من حدّة الصراع وانفلاته من كل عقال، الأمر الذي قد يزيد من حدّة الاستقطاب الكردي التركي، وقد يكبّد الأطراف السياسيّة بدلالاتهم القوميّة، كحزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطية ذي الهوى القومي الكردي، مزيدا من الخسائر السياسيّة، تتمثل بتراجع شعبيتيهما الانتخابيّتين.
لأسباب مرتبطة بالانتخابات التركية، قد تتحوّل الحملة العسكرية التركية هذه إلى مجرّد حدث دعائي، يقتصر على شن حرب جويّة، تستهدف مقار "العمال الكردستاني" وأهدافه، بغية إضعافه، ودفعه إلى التراجع والانكفاء إلى الجبال مجدّداً، وإظهار الحزب الحاكم بمظهر القادر على صون مصالح الطبقة القومية التركيّة المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، الطبقة التي تمّ استقطابها بُعيد حرب عفرين إلى داخل الحزب، والتي يبدو أن "العدالة والتنمية" قد استبدلها بطيفٍ واسع من الأكراد المناوئين للحرب، والذين كان يعرّفهم الحزب ب "الأكراد المعتدلين". لكن وفي مطلق الأحوال: الحرب، وإن لم تخضها تركيا في شكلها البري المعتاد حتى اللحظة، إلّا أن ناقوس الحرب قُرع في أنقرة، والصوت قد سُمع في جبال قنديل، في ظل اشتداد الحملات الانتخابية التركيّة.
خرجت تركيا من معركة عفرين منتصرة، ومحتلّة ثالث الكانتونات التي حازتها وحدات حماية الشعب وشيّدت فيها حكمها سبع سنوات من عمر الأزمة السوريّة، ما منح حكومة "العدالة والتنميّة" وجمهور هذا الحزب من القوميين الأتراك جرعة من الثقة الزائدة، تكاد تتحوّل إلى فائض ثقةٍ مثيرٍ للقلق، ذلك أن تصريحات أردوغان إن نجاح حكومته في الباب وجرابلس وعزاز وعفرين سيكلّل بمزيد من النجاح في ما يخصّ "تجفيف مستنقع الإرهاب"، في سنجار وقنديل العراقيتين. تأتي هذه الثقة مصحوبةً بإنجازات عسكريّة، أفصح عنها رئيس الأركان التركي، خلوصي آكار، بشأن نجاح سلاح الجوّ التركي بتدمير 26 هدفاً عائداً لحزب العمال الكردستاني. ولكن، وفي إزاء ذلك، تنشر الآلة الإعلاميّة لحزب العمال الكردستاني مقاطع فيديو حديثة، توثّق لحظات قتل جنود أتراك على يد مقاتلي الحزب (الكريلا) داخل نطاق ما يسميّها الحزب "مناطق الدفاع الذاتي" أو "مناطق ميديا" في كردستان العراق.
سبق للحكومات التركية المتعاقبة منذ التسعينات (1995 – 1996- 1997) وحتى (2005 -2007)، وحتى وقت سابق من بدء ما سمّيت عملية السلام الكرديّة – التركيّة، أن ساقت حملاتٍ هدفت إلى اقتلاع الحزب واجتثاثه، إلّا أنها باءت بالفشل نتيجة وعورة المنطقة الجبليّة وشراسة مقاتلي الكريلا، والذين يمثّلون صفوة المقاتلين الأكراد عبر تاريخ الصراع الكردي التركي، بالإضافة إلى اتّباع تكتيكات حرب الأنصار التي يصعب على آلة الحرب التقليدية الوقوف في وجهها بسهولة. ولعل معركة الزاب 2008 التي تحتل حيّزاً في وجدان مناصري "العمال الكردستاني"، والتي تحوّلت إلى مأثرته الحيّة، وتوصف بالملحمة المعاصرة في أدبيات الحزب، ماثلة للعيان، ومذكّرة بشراسة الحرب وصعوبتها. وقد جاءت
تحظى فكرة الحرب على "العمال الكردستاني" بتأييد طبقة واسعة من مناصري حزب العدالة والتنمية، يضاف إليهم جمهور حزب الحركة القومية، بزعامة دولت بهجلي. ولعلّ مختبر عفرين وفكرة الحرب الوقائية خارج الحدود التركيّة، مكّنت أردوغان من تجاوز كوابيس الهزيمة العسكرية، أو الانجرار نحو مستنقع الحرب المديدة، إذ تعتبر حرب عفرين، وفق منطق الحكومة التركية، مقدّمة جيدة للخوض في معركة جديدة وحاسمة هذه المرّة. لكن، في ضوء الوقائع، لن تكون الحملة العسكريّة كما كانت في عفرين بقياس الفروق بين الحالتين، حيث البيئة الجبلية الوعرة، وانعدام البؤر السكانيّة المؤثرة على سير المعارك، واعتبار "العمال الكردستاني" هذه المعركة معركة فناءٍ أو بقاء، وكذلك صعوبة تمسّك القوات التركيّة بالأرض التي قد تتحوّل إلى أهداف ثابتة في مرمى نيران الخصم، عدا عن الأكلاف الماديّة المترتبة على عمليّة ضخمة كهذه، في ظل تراجع الأوضاع الاقتصادية التركية. تضاف إلى ذلك إمكانية خوض حزب العمال الكردستاني معارك إشغال في الداخل التركي، ما يزيد من حدّة الصراع وانفلاته من كل عقال، الأمر الذي قد يزيد من حدّة الاستقطاب الكردي التركي، وقد يكبّد الأطراف السياسيّة بدلالاتهم القوميّة، كحزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطية ذي الهوى القومي الكردي، مزيدا من الخسائر السياسيّة، تتمثل بتراجع شعبيتيهما الانتخابيّتين.
لأسباب مرتبطة بالانتخابات التركية، قد تتحوّل الحملة العسكرية التركية هذه إلى مجرّد حدث دعائي، يقتصر على شن حرب جويّة، تستهدف مقار "العمال الكردستاني" وأهدافه، بغية إضعافه، ودفعه إلى التراجع والانكفاء إلى الجبال مجدّداً، وإظهار الحزب الحاكم بمظهر القادر على صون مصالح الطبقة القومية التركيّة المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، الطبقة التي تمّ استقطابها بُعيد حرب عفرين إلى داخل الحزب، والتي يبدو أن "العدالة والتنمية" قد استبدلها بطيفٍ واسع من الأكراد المناوئين للحرب، والذين كان يعرّفهم الحزب ب "الأكراد المعتدلين". لكن وفي مطلق الأحوال: الحرب، وإن لم تخضها تركيا في شكلها البري المعتاد حتى اللحظة، إلّا أن ناقوس الحرب قُرع في أنقرة، والصوت قد سُمع في جبال قنديل، في ظل اشتداد الحملات الانتخابية التركيّة.
مقالات أخرى
19 فبراير 2023
10 ابريل 2022
17 فبراير 2022