13 نوفمبر 2024
الشيوعيون آخر من يعلم
يذكّر حراك الشيوعيين العراقيين أخيراً في مواجهة الإعلان عن اتفاق تحالف "سائرون" الذي يضم الحزب الشيوعي والتيار الصدري مع قائمة "الفتح" التي يتزعمها هادي العامري، رجل إيران القوي في العراق، والتي تمثل مليشيات الحشد الشعبي التي كان مقتدى الصدر نفسه أطلق على بعضها صفة "المليشيات الوقحة" رافضاً التعامل معها، يذكّرُ هذا الحراك بحكاية الزوج المخدوع الذي سمع من جاره خبر خيانة زوجته، وانتظر أسابيع كي يتأكد من صحة الخبر من أصدقائه، وانتظر شهوراً كي يوثق الواقعة من مقرّبين له، حتى تيقن أن الزوجة الفاضلة دأبت على خيانته سنين، وهاله أن يكون آخر من يكتشف ذلك، فما كان منه سوى أن يصفع وجهه بيده، وقد أدرك أنه لم يعد يملك القدرة على رد البلاء الذي لحق به.
جاء حراك القاعدة الشيوعية العريضة بعد خمسة عشر عاماً على ارتكاب قيادتهم الخطيئة الأولى، بدخولها في "مجلس الحكم" الذي شكله الأميركيون بعد الغزو، وقبول الأمين العام، حميد مجيد موسى، التمثيل على أساس طائفي، وانضوائه تحت لواء "العملية السياسية". وفي حينها حصل نوعٌ من النقد، إلا أن ذلك لم يصل إلى حد القيام بحراك فاعل ومنظم. وفي الانتخابات أخيراً، تحالف الحزب مع التيار الصدري، وعلى الرغم من أن الخطوة تعرّضت للنقد والمساءلة، باعتبار أنه ليس ثمّة ضمانات توفر الحد الأدنى من الثقة في أن هذا التحالف سوف يقود إلى تغيير جذري، يتفق مع توجهات الحزب، إلا أن مقادير من الأمل ظلت تطوف في الرؤوس، بانتظار خطوات ما بعد الانتخابات التي قد تحقق بعض ما راهنت عليه القيادة، لكن الأمور سارت على غير ما كان يأمله هؤلاء الذين فوجئوا بإعلان الاتفاق بين مقتدى الصدر وهادي العامري، والذي تم بمشيئة إيرانية، وبإشراف مباشر من قاسم سليماني مسؤول الملف العراقي في القيادة الإيرانية، بهدف تشكيل ما سميت "الكتلة الأكبر" في البرلمان، وهو أمر لم يعلم به الشيوعيون إلا بعد إعلانه.
هنا تفجر الحراك لدى القاعدة العريضة للحزب، نتيجة الصدمة التي تلقتها، وانتقل ذلك إلى مواقع التواصل، حيث عبرت كوادر عديدة على صفحاتهم الخاصة عن خيبة أملهم في التحالف الجديد، وغضبهم واحتجاجهم على هذه الخطوة التي عدّوها خروجاً على مشروع التغيير
والإصلاح الذي يتبناه الحزب، وتنازلاً غير مبرّر أمام المجموعات الحاكمة التي تمثل توجهات طائفية، تناقض تطلعات الحزب، ولا تعبر عن أساسيات مشروعه العابر للطوائف.
وإذ وجد "المكتب السياسي" نفسه، هذه المرة، محاطاً بموجة الحراك الصارخ، فإنه اضطر لتبرير موقفه على أنه تم بهدف "منع تعريض البلد إلى مخاطر جدية تحرق الأخضر واليابس"، ومتهماً "بعضهم الذي لا يتورع عن اللجوء إلى الأساليب والوسائل التي تضع الوطن على كف عفريت، من دون اكتراث بالنتائج، في سعيه إلى منع توفير الظروف المناسبة لانتقال سلمي للسلطة، وللحيلولة دون تنفيذ المشروع الوطني الإصلاحي".
ولم تقنع هذه التبريرات المتهافتة الكوادر المعترضة، حيث رأى فيها أحدهم "تبريراتٍ لا تليق بنا، ولا بتضحيات شبابنا"، كما اتهم آخر المكتب السياسي بتجاوز صلاحياته، معتبراً موقف الحزب لا يمثله كعضو قيادي فيه، فيما قدم ثالث اعتذاره "لكل من صوّت لتحالف سائرون، بسبب قناعته في التحالف من خلالي.. (وقد) خابت آمالي الكبار".
أما الكاتبة سلوى زكو التي قضت نصف عمرها في صفوف الحزب، فقد نبهت إلى: "أن البقاء ضمن تحالف "سائرون" لم يعد يليق بالحزب، وأن انتظار تحقق الشكوك في ظل شواهد لا تقبل الدحض لا يعني سوى تأجيل حسم الموقف، وقد يأتي الحسم بعد فوات الأوان".
وفي محاولة لاحتواء الحراك الماثل تبنّى اجتماع موسع لقيادات الحزب في عموم القطر موقفاً يحمل قدراً من التسوية التي تحفظ للمكتب السياسي هيبته وسلطته في الوقت الذي يُطمئن "الحراكيين" إلى أن الحزب لن يشارك في أي تشكيل حكومي لا يعتمد المطالب الأساسية، وإلا "سيجد نفسه مضطراً إلى النظر في جميع الخيارات السلمية الأخرى المتاحة، بما فيها الانتقال إلى المعارضة".
وفي الخلاصة، يبدو الحزب، في لحظته الحاضرة، متوكئاً على مجموعة أوهام متراكمة، فيما يبدو مستقبله محكوماً بخساراتٍ متلاحقة، إن لم يبادر إلى تغيير موقفه، أما "الحراكيون" فحالهم حال الزوج المخدوع الذي لم يعد يملك من أمره شيئاً.
جاء حراك القاعدة الشيوعية العريضة بعد خمسة عشر عاماً على ارتكاب قيادتهم الخطيئة الأولى، بدخولها في "مجلس الحكم" الذي شكله الأميركيون بعد الغزو، وقبول الأمين العام، حميد مجيد موسى، التمثيل على أساس طائفي، وانضوائه تحت لواء "العملية السياسية". وفي حينها حصل نوعٌ من النقد، إلا أن ذلك لم يصل إلى حد القيام بحراك فاعل ومنظم. وفي الانتخابات أخيراً، تحالف الحزب مع التيار الصدري، وعلى الرغم من أن الخطوة تعرّضت للنقد والمساءلة، باعتبار أنه ليس ثمّة ضمانات توفر الحد الأدنى من الثقة في أن هذا التحالف سوف يقود إلى تغيير جذري، يتفق مع توجهات الحزب، إلا أن مقادير من الأمل ظلت تطوف في الرؤوس، بانتظار خطوات ما بعد الانتخابات التي قد تحقق بعض ما راهنت عليه القيادة، لكن الأمور سارت على غير ما كان يأمله هؤلاء الذين فوجئوا بإعلان الاتفاق بين مقتدى الصدر وهادي العامري، والذي تم بمشيئة إيرانية، وبإشراف مباشر من قاسم سليماني مسؤول الملف العراقي في القيادة الإيرانية، بهدف تشكيل ما سميت "الكتلة الأكبر" في البرلمان، وهو أمر لم يعلم به الشيوعيون إلا بعد إعلانه.
هنا تفجر الحراك لدى القاعدة العريضة للحزب، نتيجة الصدمة التي تلقتها، وانتقل ذلك إلى مواقع التواصل، حيث عبرت كوادر عديدة على صفحاتهم الخاصة عن خيبة أملهم في التحالف الجديد، وغضبهم واحتجاجهم على هذه الخطوة التي عدّوها خروجاً على مشروع التغيير
وإذ وجد "المكتب السياسي" نفسه، هذه المرة، محاطاً بموجة الحراك الصارخ، فإنه اضطر لتبرير موقفه على أنه تم بهدف "منع تعريض البلد إلى مخاطر جدية تحرق الأخضر واليابس"، ومتهماً "بعضهم الذي لا يتورع عن اللجوء إلى الأساليب والوسائل التي تضع الوطن على كف عفريت، من دون اكتراث بالنتائج، في سعيه إلى منع توفير الظروف المناسبة لانتقال سلمي للسلطة، وللحيلولة دون تنفيذ المشروع الوطني الإصلاحي".
ولم تقنع هذه التبريرات المتهافتة الكوادر المعترضة، حيث رأى فيها أحدهم "تبريراتٍ لا تليق بنا، ولا بتضحيات شبابنا"، كما اتهم آخر المكتب السياسي بتجاوز صلاحياته، معتبراً موقف الحزب لا يمثله كعضو قيادي فيه، فيما قدم ثالث اعتذاره "لكل من صوّت لتحالف سائرون، بسبب قناعته في التحالف من خلالي.. (وقد) خابت آمالي الكبار".
أما الكاتبة سلوى زكو التي قضت نصف عمرها في صفوف الحزب، فقد نبهت إلى: "أن البقاء ضمن تحالف "سائرون" لم يعد يليق بالحزب، وأن انتظار تحقق الشكوك في ظل شواهد لا تقبل الدحض لا يعني سوى تأجيل حسم الموقف، وقد يأتي الحسم بعد فوات الأوان".
وفي محاولة لاحتواء الحراك الماثل تبنّى اجتماع موسع لقيادات الحزب في عموم القطر موقفاً يحمل قدراً من التسوية التي تحفظ للمكتب السياسي هيبته وسلطته في الوقت الذي يُطمئن "الحراكيين" إلى أن الحزب لن يشارك في أي تشكيل حكومي لا يعتمد المطالب الأساسية، وإلا "سيجد نفسه مضطراً إلى النظر في جميع الخيارات السلمية الأخرى المتاحة، بما فيها الانتقال إلى المعارضة".
وفي الخلاصة، يبدو الحزب، في لحظته الحاضرة، متوكئاً على مجموعة أوهام متراكمة، فيما يبدو مستقبله محكوماً بخساراتٍ متلاحقة، إن لم يبادر إلى تغيير موقفه، أما "الحراكيون" فحالهم حال الزوج المخدوع الذي لم يعد يملك من أمره شيئاً.