16 أكتوبر 2024
قمع الانتفاضة للاستمرار في تهديم العراق
أيام قليلة فصلت بين اشتعال انتفاضة البصرة وتصريح رئيس وزراء العراق، حيدر العبادي، عن استخدام الشعب العراقي السيئ للكهرباء "بوضعهم المكيفات في الحمّامات"، وهو التصريح الذي حظي بتعليقات ساخرة، سواء في الشارع العراقي أو على صفحات التواصل الاجتماعي الكثيرة، وشهدت هذه الصفحات فيديوهات ساخرة، منها فيديو سمّي حمام الفقراء يُبين، وضع الطبقات الفقيرة وحرمانها من الخدمات الأساسية الممنوعة عن كل المواطنين، وطاول الاستهزاء شخص العبادي بعشرات التعليقات على صفحته الشخصية، ليس فقط بسبب هذه الجملة السوريالية في عز حرارة طقس العراق، وتذمّر الناس من قطع الكهرباء الممنهج، والمستمر منذ خمسة عشر عاما، بل تعدّت إلى فترة حكمه وكفاءته، وما قدم هو وحكومته وبرلمانه.
هل أشعلت هذه الجملة غضب العراقيين في البصرة وغيرها من مدن جنوب العراق، وكانت القشة التي قصمت ظهر العبادي، ودقت ساعة العملية السياسية وأحزابها وبرلمانها؟ وهل سيسمح العبادي بالتظاهرات، أم أنه سيقمعها، كما فعل سلفه نوري المالكي في المناطق الغربية؟ كل ما حدث من انتفاضة في الثامن من يوليو/تموز الماضي، وما يزال جاريا في جنوب العراق، يدلّ على حنق وغضب عارم ضد حكومة الاحتلال، أشعله تعليق العبادي الذي تلقاه العراقيون، ليس فقط إهانة لهم، وإنما قولا قد رفع الغشاوة عنها بالكامل. وجاءت بعد مقاطعة
فهل حكومة العبادي عاجزة عن تحقيق مطالب المنتفضين؟ هل هو الفساد وحده الذي يمنعها من توفير الخدمات؟ أم أن مهام حكومات العملية السياسية تقتصر فقط على تنفيذ أجندات معينة؟ أي رئيس وزراء يأتي من العملية السياسية المفصلة من المحتل الأميركي، وبرعاية إيرانية، لن يتوانى عن قمع أي تظاهرة وحركة احتجاج تهدد وجود حكومته، وبرلمانها. كما أن أي رئيس وزراء وحكومة، لم يأت لتقديم خدماتٍ، مهما كانت ضرورية أو لبناء وتطوير أيٍّ من المجالات العامة. بل شاهد العراقيون خمسة عشر عاما كيف حرصت الحكومات المتعاقبة على تدمير العراق، دولة وشعبا. وحينما ثارت المدن الغربية، مطالبةً بالخدمات، ورفع الحيف عن أبنائها ومدنها بكل سلمية، جاءهم الرد من نوري المالكي "أنهوا قبل أن تنهوا"، لتقوم الطائرات فيما بعد بحصدهم وقتلهم.
ولم تتردّد حكومة العبادي في قتل المتظاهرين السلميين، ومحاصرتهم وردعهم بكل الطرق، برشّ غازات ومياه ساخنة عليهم.
بعد فشل اجتماعه المصغر مع بعض الوزراء المتهمين بالفساد وإهمال وزاراتهم ومؤسساتها، عمدا مع سبق الإصرار، مثل وزارتي الصحة والتعليم، في إيجاد حلول لمطالب المنتفضين. وبدل أن يستمع رئيس الوزراء إلى الاحتجاجات التي انتقلت إلى معظم مدن الجنوب، قتلت القوات الحكومية أكثر من 15 مدنيا، واعتقلت مئاتٍ، وأصابت أكثر من خمسمائة شخص، بينما ادّعى، وعبر مؤتمرات صحفية، أنه مع المتظاهرين، وأنهم سلميون، في غالبيتهم، ليعود فيما بعد ويتكلم عن المندسّين والبعثيين والتدخل الخارجي. ليس ذلك فحسب، بل إن العبادي، وللتخلص من اتهامه بإهمال قطاع الكهرباء، قدم وزير الكهرباء بنفسه كبش فداء، متهما إياه بالتقصير، من دون أن يقدم حلا في بلدٍ سبق له أن حل مشكلة الكهرباء في بضعة شهور بعد عدوان 1991، وبأيدٍ وطنية. كما قام العبادي بعمليات ترقيعية كاذبة، مثل تعيين العاطلين عن العمل في مدينة البصرة، مدّعيا توفير عشرة آلاف وظيفة. وبعدما ملأ العاطلون استمارات التعيين، وقدّموا مستمسكاتهم، وجد الناس هذه الاستمارات في حاويات القمامة. ومن محاولات كسب الوقت، وتسويف التظاهرات والمطالب الشعبية، أنه عمد إلى شق صف المحافظات التي أرادت أن تتوحد مع بعضها، لتمارس ضغطا على الحكومة ورئيسها، واستفرد بدعم بعض المحافظات دون غيرها.
كل المفردات التي ترتبط بعجز معين يصعب تجاوزه في تحقيق الخدمات الأساسية، أو بمعالجة وإيقاف تدهور مختلف القطاعات، أو بمكافحة الفساد، هي أمور يمكن معالجتها، وإيجاد حلول لها، لكن تنفيذ مخططات الاحتلال الأميركي - الإيراني، الموكلة للحكومات المتعاقبة في بغداد، والهادفة إلى تدمير العراق، وتدمير نسيجه الاجتماعي، وتغيير طرق عيشه مجتمعه، وعلاقاته، كما وصفه الكتاب الأميركيون، مايكل أوترمان وريتشارد هيل وبول ويلسون، في كتاب "محو العراق"، لا يمكن إلا تنفيذها والخضوع لها بندا بندا، لأن من جاءَ بكل هذه الأحزاب، ونصّبها، هي إدارة الاحتلال الأميركي، بالتوافق مع عمائم إيران.
تنفّذ حكومة العبادي، كما الحكومات السابقة، وبالحرف، قرارات الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر، الجائرة التي يعيش نتائجها اليوم العراقيون من الشمال إلى الجنوب، منها قضية قطع
قرارات بول بريمر التي سنّها والقاضية بـ"عدم إبقاء حرث أو زرع في بلاد الرافدين" هي نهج مفروض على العملية السياسية بكل حكوماتها، بهدف إنقاص عدد الشعب العراقي بالتهجير المنظّم والمنهجي، لكي لا يبقى منه إلا بضعه ملايين، يتم التعامل معه فيما بعد، كمحمية ومستعمرة، تصادر كل ثرواته بالقوة وبالنار، بحجج وخدع مختلفة. وقد دمرت الولايات المتحدة، في عام 1991، البنى التحتية في العراق، لكنها صممت على تدميره بالكامل، مجتمعا ودولة، في غزوها الهمجي عام 2003، وهي مستمرة في خططها الجهنمية عبر العمليةالسياسية التي فصّلتها بعناية، بعد أن عجزت عن احتلاله بفرقها العسكرية التي هربت مذعورةً من ضربات المقاومة العراقية. هذه أدوات الاحتلال وعمليته السياسية الإجرامية، حيث يتبجّح ساستها وعمائمها بمطالبة المحتجين والمنتفضين بالتصرّفات الحضارية والسلمية، للحصول على مطالبهم، فهل تنفيذ قرارات بريمر وإنهاء وجود العراق وشعبه، حكومة بعد حكومة، أعمال حضارية وسلمية؟
من لا يتوانى عن استخدام كل الوسائل لتدمير العراق وتهجير شعبه وقمع انتفاضته، وقتل أبنائه وحبسهم، يقاوم بكل الطرق التي تشرعها الأديان والقوانين البشرية التي سلكتها الشعوب لاستعادة أوطانها. انتفاضة العراق مستمرة في كل مدن الجنوب، والانتفاضة ستلد انتفاضة، على الرغم من أنف المحتل، حتى الوصول إلى تحرير العراق، وإعادته إلى أهله، وإعادة أهله إليه.
دلالات
مقالات أخرى
27 سبتمبر 2024
02 سبتمبر 2024
16 اغسطس 2024