03 يوليو 2019
سموم تل أبيب في مطابخ القاهرة
ما من مسؤول رسمي أعلن إلى الآن شيئاً عن تفاصيل ما يدور، منذ أسابيع، بل شهور، بين قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وضباط أمن مصريين في القاهرة، إنْ في شأن ما تسمى التهدئة مع إسرائيل، أو في شأن المصالحة مع حركة فتح. وما من وسيلة إعلام استطاعت أن تكشف تماماً مبلغ نضج الطبخة السياسية التي يُراد للشعب الفلسطيني أن يزدردها، مكرهاً، تحت ضغط ثالوث الحرب والحصار والانقسام، أياً ما كانت مكوّناتها، وبصرف النظر عن هوية مبتكريها، وأسماء المكلفين بطبخها.
لكن الروائح المنبعثة من مطابخ المخابرات المصرية لا تبشر أهل غزّة بما قد يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف، قدر ما تُنذرهم، ومعهم كل الفلسطينيين، بأن ما سيأكلون، إن أكلوا، ليس غير لحم قضيتهم الوطنية، مطبوخاً بمخدّرات، أو حتى سموم مميتة، روّجتها واشنطن وتل أبيب، ومعهما طباخون إقليميون، بوصفها مشهّياتٍ زكيّة، قد يسيل عند الحديث عنها لعاب ذوي الأمعاء الخاوية، كما قد تثير لديهم أحلام يقظةٍ، بمستقبل وشيك، يبنون فيه ناطحات سحاب، تنافس مثيلاتها في سنغافورة أو هونغ كونغ.
وإنْ يكن ثمّة حاجة هنا لتفسير المجاز اللغوي بحقائق الواقع، فإن مساحةً كهذه ستضيق بالأمثلة الفاضحة التي يجري تداولها في الأروقة السياسية حيناً، وتسرّبها الصحافة العبرية أحياناً؛ يتوافد كبار مسؤولي "حماس"، إلى القاهرة، ليسمعوا منها شروط تل أبيب للهدنة، وليطرحوا مطالبهم في مقابلها، ثم حين يغادرون إلى قطاع غزة، للتشاور مع قيادتهم، حول ما لا يستطيعون قبوله، يتعرّضون لمعاملة مسيئة من ضباط وجنود مصريين على معبر رفح، بينما تغضّ إسرائيل النظر عن مرورهم، من دون أن تكفّ عن تصعيد عسكري، ضد مواقع المقاومة، لتواصل تذكيرهم ببدائل بنيامين نتنياهو إذا واصلوا التّملص مما عرضه عليهم رجال عبد الفتاح السيسي.
وفي جواب السؤال عن عقدة المنشار التي تعترض طريق الهدنة، يصعب على عاقلٍ أن يُصدِّقَ، للأسف، كلام قادة "حماس" القادمين تواً من ذُلِّ معبر رفح، أو الذاهبين غداً إليه، وهم يشيدون بالجهود التي يبذلها الأشقاء المصريون من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني، في حين يبدو الأصدق إِنباءً عمّا يحدث هناك اليوم قول المتنبي في موضع آخر، منذ ما يزيد على ألف سنة؛ "ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى عدواً له ما من صداقته بد"، فالقاهرة تسعى، على ما تشي الروائح، أو قل التسريبات، إلى انتزاع قبول فلسطيني بشروط وضعتها تل ابيب، وتضمّنت منع مسيرات العودة، وحظر الطائرات الورقية، فضلاً عن وقف إطلاق الصواريخ، ثم بلغ الصلف فيها مبلغه، بمطلب الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، من دون مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهو ما يقال إنه أعاق المحادثات مع المخابرات المصرية، وفي سبيل تليين موقف "حماس" إزاءه، تعرّض قادتها لضغوط الإساءات الشخصية، كما تعرّض قطاع غزة لمئات الغارات الجوية.
وليس ذلك كله، وفق ما تقول التسريبات أيضاً، إلا أحد وجهي الجهود التي يبذلها الأشقاء المصريون من أجل مساعدة حلفائهم الإسرائيليين،لا مساعدة الفلسطينيين، أما وجهها الآخر، فيمثله استخدام "إبريق زيت" المصالحة بين حركتي فتح وحماس، لتحقيق هدف نزع سلاح المقاومة، وطبعاً تحت مبرّرات إنقاذ غزة من الحصار، وإنهاء الانقسام السياسي، وإنجاز الوحدة الوطنية.
أمن إسرائيل في هذه اللعبة الجهنمية هو بيت القصيد، لا قضية فلسطين، وإيكال تنفيذها لجهاز المخابرات المصري، بدلاً من مؤسستي الرئاسة والخارجية، أو بالنيابة عنهما، لا يعكس فقط تفاقم الاستهانة بحقوق الشعب الفلسطيني، في زمن ما تسمى صفقة القرن، وإنما يثير الأسى كذلك على اضمحلال مكانة مصر في عهد السيسي، إلى حدّ باتت معه الدولة الضاربة جذورها في عمق التاريخ أشبه بشركة مقاولات أمنية.
لكن الروائح المنبعثة من مطابخ المخابرات المصرية لا تبشر أهل غزّة بما قد يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف، قدر ما تُنذرهم، ومعهم كل الفلسطينيين، بأن ما سيأكلون، إن أكلوا، ليس غير لحم قضيتهم الوطنية، مطبوخاً بمخدّرات، أو حتى سموم مميتة، روّجتها واشنطن وتل أبيب، ومعهما طباخون إقليميون، بوصفها مشهّياتٍ زكيّة، قد يسيل عند الحديث عنها لعاب ذوي الأمعاء الخاوية، كما قد تثير لديهم أحلام يقظةٍ، بمستقبل وشيك، يبنون فيه ناطحات سحاب، تنافس مثيلاتها في سنغافورة أو هونغ كونغ.
وإنْ يكن ثمّة حاجة هنا لتفسير المجاز اللغوي بحقائق الواقع، فإن مساحةً كهذه ستضيق بالأمثلة الفاضحة التي يجري تداولها في الأروقة السياسية حيناً، وتسرّبها الصحافة العبرية أحياناً؛ يتوافد كبار مسؤولي "حماس"، إلى القاهرة، ليسمعوا منها شروط تل أبيب للهدنة، وليطرحوا مطالبهم في مقابلها، ثم حين يغادرون إلى قطاع غزة، للتشاور مع قيادتهم، حول ما لا يستطيعون قبوله، يتعرّضون لمعاملة مسيئة من ضباط وجنود مصريين على معبر رفح، بينما تغضّ إسرائيل النظر عن مرورهم، من دون أن تكفّ عن تصعيد عسكري، ضد مواقع المقاومة، لتواصل تذكيرهم ببدائل بنيامين نتنياهو إذا واصلوا التّملص مما عرضه عليهم رجال عبد الفتاح السيسي.
وفي جواب السؤال عن عقدة المنشار التي تعترض طريق الهدنة، يصعب على عاقلٍ أن يُصدِّقَ، للأسف، كلام قادة "حماس" القادمين تواً من ذُلِّ معبر رفح، أو الذاهبين غداً إليه، وهم يشيدون بالجهود التي يبذلها الأشقاء المصريون من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني، في حين يبدو الأصدق إِنباءً عمّا يحدث هناك اليوم قول المتنبي في موضع آخر، منذ ما يزيد على ألف سنة؛ "ومن نكد الدنيا على الحرّ أن يرى عدواً له ما من صداقته بد"، فالقاهرة تسعى، على ما تشي الروائح، أو قل التسريبات، إلى انتزاع قبول فلسطيني بشروط وضعتها تل ابيب، وتضمّنت منع مسيرات العودة، وحظر الطائرات الورقية، فضلاً عن وقف إطلاق الصواريخ، ثم بلغ الصلف فيها مبلغه، بمطلب الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، من دون مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وهو ما يقال إنه أعاق المحادثات مع المخابرات المصرية، وفي سبيل تليين موقف "حماس" إزاءه، تعرّض قادتها لضغوط الإساءات الشخصية، كما تعرّض قطاع غزة لمئات الغارات الجوية.
وليس ذلك كله، وفق ما تقول التسريبات أيضاً، إلا أحد وجهي الجهود التي يبذلها الأشقاء المصريون من أجل مساعدة حلفائهم الإسرائيليين،لا مساعدة الفلسطينيين، أما وجهها الآخر، فيمثله استخدام "إبريق زيت" المصالحة بين حركتي فتح وحماس، لتحقيق هدف نزع سلاح المقاومة، وطبعاً تحت مبرّرات إنقاذ غزة من الحصار، وإنهاء الانقسام السياسي، وإنجاز الوحدة الوطنية.
أمن إسرائيل في هذه اللعبة الجهنمية هو بيت القصيد، لا قضية فلسطين، وإيكال تنفيذها لجهاز المخابرات المصري، بدلاً من مؤسستي الرئاسة والخارجية، أو بالنيابة عنهما، لا يعكس فقط تفاقم الاستهانة بحقوق الشعب الفلسطيني، في زمن ما تسمى صفقة القرن، وإنما يثير الأسى كذلك على اضمحلال مكانة مصر في عهد السيسي، إلى حدّ باتت معه الدولة الضاربة جذورها في عمق التاريخ أشبه بشركة مقاولات أمنية.