10 ابريل 2019
للمشهد الإثيوبي أكثر من صورة
هناك، إلى جانب التفاؤل برئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، وجولاته الإقليمية الزاهية والمحفوفة بعناق السلام والمحبة، صورة داخلية أخرى تعاني فيها إثيوبيا من صراع أمني حاد في أجزاء عديدة من البلاد، ومن تفلتات في عدد من السجون لمعتقلين سياسيين وغيرهم، وأزمة إنسانية متفجّرة بسبب حالات النزوح من النزاعات المجتمعية في بعض المناطق.
غابت الصورة الداخلية، بسبب الإعلام المتحرّك مع رئيس الوزراء، حتى شارف على صنع آبي أحمد آخر غير الذي وضع فيه الإثيوبيون أملهم في الخلاص. وبسبب تعتيم الصورة الداخلية، جاء فاجعاً حادث اغتيال مدير مشروع سد النهضة، سيغمنيو بيكيلي، الذي أسند إليه رئيس
الوزراء الأسبق، مليس زيناوي، هذا المنصب عام 2011. وجاء الحادث بعد شهرين من اغتيال ديب كمارا مالك مصنع دانجوت للأسمنت، والمورد الأكبر للأسمنت الخاص بتشييد السد مع اثنين من مساعديه، بعدما استُدرجوا خارج أديس أبابا في مايو/ أيار الماضي، وبعد شهر من محاولة اغتيال آبي أحمد، الذي نجا في 23 يونيو/ حزيران من تفجير قنبلة يدوية ألقيت على المنصة التي كان يلقي منها خطاباً أمام حشد من أنصاره في قلب أديس أبابا.
باغتيال سيميغنيو بيكيلي، فقدت إثيوبيا أحد رموزها الوطنيين، ونسف هذا الاغتيال ما حقّقه آبي أحمد من نجاحات على المستوى السياسي، الداخلي ومع الجارة إريتريا. وربما كان الشعب ينتظر ما سوف تُسفر عنه الزيارات الإقليمية المكوكية التي قام بها آبي أحمد، حتى يقول كلمته في أدائه، وهو رئيس الوزراء الشاب النشط. ولكن فجيعة الشعب الإثيوبي في رحيل سيميغنيو بيكيلي الذي وُجد مقتولًا في سيارته وسط العاصمة أديس أبابا كانت كبيرة. ساهمت الحادثة في إخراج كتلة الغضب من صدور الشعب بأن حمَّلوا آبي أحمد مسؤولية وقوع حادث الاغتيال، لوجود ثغراتٍ في تأمين مسؤول بحجم بيكيلي، وعدم تعيين حراسة خاصة له، كما انتقدوا تجاهل آبي حالة الحزن التي تعيشها البلاد بالسفر إلى الولايات المتحدة في زيارةٍ غير رسمية، في وقت تقديم واجب العزاء لأسرة القتيل الرمز.
كشف هذا الاغتيال عما يعنيه مشروع سد النهضة للشعب الإثيوبي الذي يُنتظر أن يكون المشروع الأكبر من نوعه لإنتاج الطاقة في القارة السمراء، وطموح إثيوبيا في إنتاج نحو 6400 ميغاواط من الكهرباء، تكفي الاستهلاك المحلي، ويصدر ما تبقى إلى دول الجوار، مثل السودان وكينيا وجيبوتي. وعلى الرغم من أنّ الإثيوبيين تمزّقهم النزاعات السياسية والعرقية، إلّا أنّهم توحّدوا في مشاعر الحزن على سيميغنيو بيكيلي، كما وحّدهم مشروع السد بما يمثّله من طموحات وطنية. ولهذا، وجدوا الفرصة سانحة للتعبير صراحةً عن انتقادهم حالات الإبطاء في المشروع، وهو ما كانوا بانتظار مدير المشروع أن يطلعهم عليه قبل اغتياله بساعات. ومع أنّه تم إنجاز حوالي 63% من السد، إلّا أنّ هناك غضبا متزايدا من التأخير، ما دفع بيكيلي إلى الحضور إلى العاصمة أديس أبابا، من أجل عقد مؤتمر صحافي لعامة الشعب، يوضح فيه ملابسات بطء العمل بالمشروع، وسط قلق كثيرين، ووجود مخاوف من الفساد.
أرجع معارضون إثيوبيون التأجيل المتكرّر لمراحل مشروع السد إلى تحرّكات آبي أحمد وزياراته الإمارات ومصر بأنّه ربما يكون قد تمّ دفعه دفعاً إلى إهمال السدّ، لإرضاء جهات إقليمية معيّنة. وتم ربط ذلك مع عدم حديثه عن تطورات السد، وتوقفه عن دعوة الإثيوبيين إلى مواصلة دعم المشروع بالتبرعات والاستثمار كما كان يفعل مليس زيناوي وهايلي مريم ديسالين، ثم تصريحه في الأسبوع الأخير من يوليو/ تموز الماضي إنّه بالوتيرة الحالية لبناء السد فإنّه قد لا ينجز قبل عشر سنوات، الأمر الذي أثار كثيراً من امتعاض الإثيوبيين الذين يعتبرون السدّ مخرجهم من الفقر إلى التنمية. قارن مراقبون المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء، آبي أحمد، مع مقتل (اغتيال؟) زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، جون قرنق، فغير استحقاقات السلام التي حصل عليها الأخير لشعب جنوب السودان بتوقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005، كان قد بدأ مشروعاً تنموياً ضخماً منذ العام 1980، وهو ثمرة رسالة دكتوراة أعدها في الاقتصاد الزراعي من جامعة أيوا في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت عن أثر قناة جونقلي على المواطنين المحليين وقضية التنمية الاجتماعية الاقتصادية في السودان. توقف المشروع في 1983 بسبب الحرب، ثم بعثه جون قرنق من جديد، وبمقتله (اغتياله؟) عام 2005 توقف العمل في المشروع. ومثل الشعب الإثيوبي، أصاب شعب جنوب السودان إحباط كبير بتوقف مشروع قناة جونقلي، فبعد أن تعبوا من الحرب، بدأوا استعادة الأمل، والعمل على ترقّب عودة انتعاش الحياة. كما كان يعبر أيضاً عن ترقبات جديدة في هذا المشروع المائي الذي سيوفر أربعة مليارات متر مكعب من المياه لكل من السودان ومصر، والتي تضيع في المستنقعات بسبب التبخّر. كما سيوفر الأراضي الخصبة للزراعة بشق القناة، وانتعاش النشاطات الاقتصادية والتجمعات السكنية حول المنطقة. أما ذلك كله فليس قبل الفراغ من الدراسات، وإيجاد الحلول التي يمكن أن تحفظ التوازن البيئي، وتأثير القناة الإيجابي، ومعالجة السلبي منها.
غابت الصورة الداخلية، بسبب الإعلام المتحرّك مع رئيس الوزراء، حتى شارف على صنع آبي أحمد آخر غير الذي وضع فيه الإثيوبيون أملهم في الخلاص. وبسبب تعتيم الصورة الداخلية، جاء فاجعاً حادث اغتيال مدير مشروع سد النهضة، سيغمنيو بيكيلي، الذي أسند إليه رئيس
باغتيال سيميغنيو بيكيلي، فقدت إثيوبيا أحد رموزها الوطنيين، ونسف هذا الاغتيال ما حقّقه آبي أحمد من نجاحات على المستوى السياسي، الداخلي ومع الجارة إريتريا. وربما كان الشعب ينتظر ما سوف تُسفر عنه الزيارات الإقليمية المكوكية التي قام بها آبي أحمد، حتى يقول كلمته في أدائه، وهو رئيس الوزراء الشاب النشط. ولكن فجيعة الشعب الإثيوبي في رحيل سيميغنيو بيكيلي الذي وُجد مقتولًا في سيارته وسط العاصمة أديس أبابا كانت كبيرة. ساهمت الحادثة في إخراج كتلة الغضب من صدور الشعب بأن حمَّلوا آبي أحمد مسؤولية وقوع حادث الاغتيال، لوجود ثغراتٍ في تأمين مسؤول بحجم بيكيلي، وعدم تعيين حراسة خاصة له، كما انتقدوا تجاهل آبي حالة الحزن التي تعيشها البلاد بالسفر إلى الولايات المتحدة في زيارةٍ غير رسمية، في وقت تقديم واجب العزاء لأسرة القتيل الرمز.
كشف هذا الاغتيال عما يعنيه مشروع سد النهضة للشعب الإثيوبي الذي يُنتظر أن يكون المشروع الأكبر من نوعه لإنتاج الطاقة في القارة السمراء، وطموح إثيوبيا في إنتاج نحو 6400 ميغاواط من الكهرباء، تكفي الاستهلاك المحلي، ويصدر ما تبقى إلى دول الجوار، مثل السودان وكينيا وجيبوتي. وعلى الرغم من أنّ الإثيوبيين تمزّقهم النزاعات السياسية والعرقية، إلّا أنّهم توحّدوا في مشاعر الحزن على سيميغنيو بيكيلي، كما وحّدهم مشروع السد بما يمثّله من طموحات وطنية. ولهذا، وجدوا الفرصة سانحة للتعبير صراحةً عن انتقادهم حالات الإبطاء في المشروع، وهو ما كانوا بانتظار مدير المشروع أن يطلعهم عليه قبل اغتياله بساعات. ومع أنّه تم إنجاز حوالي 63% من السد، إلّا أنّ هناك غضبا متزايدا من التأخير، ما دفع بيكيلي إلى الحضور إلى العاصمة أديس أبابا، من أجل عقد مؤتمر صحافي لعامة الشعب، يوضح فيه ملابسات بطء العمل بالمشروع، وسط قلق كثيرين، ووجود مخاوف من الفساد.
أرجع معارضون إثيوبيون التأجيل المتكرّر لمراحل مشروع السد إلى تحرّكات آبي أحمد وزياراته الإمارات ومصر بأنّه ربما يكون قد تمّ دفعه دفعاً إلى إهمال السدّ، لإرضاء جهات إقليمية معيّنة. وتم ربط ذلك مع عدم حديثه عن تطورات السد، وتوقفه عن دعوة الإثيوبيين إلى مواصلة دعم المشروع بالتبرعات والاستثمار كما كان يفعل مليس زيناوي وهايلي مريم ديسالين، ثم تصريحه في الأسبوع الأخير من يوليو/ تموز الماضي إنّه بالوتيرة الحالية لبناء السد فإنّه قد لا ينجز قبل عشر سنوات، الأمر الذي أثار كثيراً من امتعاض الإثيوبيين الذين يعتبرون السدّ مخرجهم من الفقر إلى التنمية. قارن مراقبون المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس الوزراء، آبي أحمد، مع مقتل (اغتيال؟) زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، جون قرنق، فغير استحقاقات السلام التي حصل عليها الأخير لشعب جنوب السودان بتوقيع اتفاقية نيفاشا عام 2005، كان قد بدأ مشروعاً تنموياً ضخماً منذ العام 1980، وهو ثمرة رسالة دكتوراة أعدها في الاقتصاد الزراعي من جامعة أيوا في الولايات المتحدة الأميركية، وكانت عن أثر قناة جونقلي على المواطنين المحليين وقضية التنمية الاجتماعية الاقتصادية في السودان. توقف المشروع في 1983 بسبب الحرب، ثم بعثه جون قرنق من جديد، وبمقتله (اغتياله؟) عام 2005 توقف العمل في المشروع. ومثل الشعب الإثيوبي، أصاب شعب جنوب السودان إحباط كبير بتوقف مشروع قناة جونقلي، فبعد أن تعبوا من الحرب، بدأوا استعادة الأمل، والعمل على ترقّب عودة انتعاش الحياة. كما كان يعبر أيضاً عن ترقبات جديدة في هذا المشروع المائي الذي سيوفر أربعة مليارات متر مكعب من المياه لكل من السودان ومصر، والتي تضيع في المستنقعات بسبب التبخّر. كما سيوفر الأراضي الخصبة للزراعة بشق القناة، وانتعاش النشاطات الاقتصادية والتجمعات السكنية حول المنطقة. أما ذلك كله فليس قبل الفراغ من الدراسات، وإيجاد الحلول التي يمكن أن تحفظ التوازن البيئي، وتأثير القناة الإيجابي، ومعالجة السلبي منها.
هذان مثالان يعكسان جدلية المشاريع التنموية الناهضة من ركام الحروب والصراعات داخل البلدان الأفريقية، والاجتهاد في تسليحها بالمشاعر الوطنية، وإثقالها بحمولات سياسية، ما يعرّضها لحسابات جـيوبوليتيكية عن مدى تأثيرها على غيرها. وهنا تدرك دول الإقليم، المفترض أن تكون شريكةً، بشكلٍ ما، في هذه المشاريع، خطورتها عليها فتحاربها، حتى تفشل، أو يقضي رموزها.
ليست أزمة أفريقيا مع التنمية، وإنّما مع شعوبٍ ضد التنمية، فإذا كانت تداعيات حرب جنوب السودان السياسية والأمنية تتصف بقدر كبير من المرارة، وتميل بسخونتها إلى احتلال مواقع الصدارة في واجهة الأحداث، حتى بعد تحقيق السلام وانفصال الجنوب برغبة بنيه، فإنّ صراعات إثيوبيا العرقية والسياسية تطفو إلى العالم بحوادث من هذه الشاكلة. وإذا سارت على هذا النحو، فستعيد النزاعات سيرتها الأولى، كما ستدمّر الاقتصاد الناشئ. ما ارتبط بمرحلة ما بعد الصراعات في البلدين من تداعياتٍ اقتصاديةٍ تنمويةٍ يطرح نفسه الآن واحدا من أثمان السلام المستحقّة، فالحاجة الملحّة ليست للزيارات الودية الإقليمية، وإنما لقراءة الأوضاع الداخلية، وكيفية تحويل الاستياء العام والظلم الاجتماعي في بلدانٍ لا تُقتسم فيها غير الأزمات.