15 سبتمبر 2023
الأردن.. الحيرة بين وعود الرزّاز وإرث الملقي
لم يكتمل حوار وزراء من الحكومة الأردنية، صباح السبت الماضي (15 /9/ 2018)، مع ممثلي المجتمع المحلي في محافظة الطفيلة (190 كيلومتراً جنوب عمّان)؛ فالجمهور قرأ المشهد كأنه مقدمة لفرض قانون الضريبة الجديد، الذي أطاح، في نسخته الأولى، حكومة هاني الملقي مطلع يونيو/ حزيران الماضي. ومساء السبت أيضاً، لم يتأخر مجلس النقباء في إعلان بيانه عن مشروع القانون الجديد الذي تقترب حكومة عمر الرزّاز من إرساله إلى مجلس النواب، وبدا أن الحوار متأخر مع الناس حوله، خصوصا بعد العجز عن اتخاذ سياسات مقنعة في تجنب هذا القانون، أو توفير النفقات، أو اجتراح خيارات سياسية خارجية، تعوّض نقص الدعم العربي.
تتعاظم اليوم حاجة الحكومة للشعب، لكي تقنعه بقراراتها، وتتعاظم الفجوة واغتراب الشعب عنها، وتتضاعف الخيبة الحكومية مع تلويح الإدارة الأميركية بتقليص دعمها الأردن، والذي كانت وعدت به. ثم في ظل هذا المشهد المعقد، تستبق نقابة المعلمين اجتماع مجلس النقباء، وتصدّر بياناً رافضاً مشروع القانون يوم الجمعة الماضي، في محاولةٍ مبكّرة منها لاستباق موقف مجلس النقباء، وهي الأوسع تأثيراً في المجتمع؛ نظراً لحجمها العريض وقوة تأثيرها.
لاحقاً، وفي جلسة أخرى يوم الأحد الماضي، وفي عمق الجنوب في محافظة معان، لم تكتمل جلسة حوارية لوزراء من الحكومة، فكلما أصرّت الحكومة على الحوار يصرّ الناس على رفضه؛ ذلك أن الحكومات اعتادت أن تغيب ولا تحاور، وإنْ حاورت فإنها تسعى إلى الحوار في حال كانت وراءه جباية وضرائب، أما حوارات الإصلاح السياسي فتتحول مخرجاتها إلى ملفات ميّتة في الأدراج، وهذا ما حدث مع لجنة الحوار الوطني عام 2011.
في المقابل، تجتهد الحكومة بمحاولة فتح قنوات الحوار، مع النخب والقادة المجتمعيين، ورئيسها يُشرف مباشرة على جهود الحوار وتنسيق عملية تسويق القانون، وقد ألقى محاضرة في الجامعة الأردنية، قبل أسبوعين، بيّنَ فيها أولوية القانون وضرورته وشرح أسبابه، لحضورٍ كان جُلّه من الرسميين، وفاته أن التأثير في حراك المجتمع ليس للجمهور الذي حضره، بل لطلاب الجامعات.
عملياً، تحاول الحكومة إقناع الشرائح التي تحاورها بأنها شرائح غير مستهدفة بمشروع
القانون، وهذا صحيح، فالموظف العام الذي دخله، هو وزوجته أقل من 18 ألف دينار، غير خاضع للعبء الضريبي في مشروع القانون الذي يمكن تبسيطه بأنه يستهدف الطبقة الوسطى، بشكل أساسي، ولم يطاول الأغنياء بما يكفي، أو يناسب مبدأ تصاعدية الضريبة، كما أنه لم يطاول البنوك الرابحة من جيوب الناس.
لا يرى الأردنيون مشروع القانون الجديد مختلفاً عن سابقه الذي قدمته حكومة هاني الملقي، وهو يمنح الإعفاء الضريبي الفردي على أول تسعة آلاف دينار بدلاً من ألف ومائتي دينار، كما أن إعفاء الأسر خُفِضَ من أربعة وعشرين ألفاً إلى ثمانية عشر ألفاً، أي أنه أخضع شريحة جديدة بمبلغ ستة آلاف من الدخل لم تكن تدفع ضريبة سابقاً. وألغى مشروع القانون إعفاء التدريس في المدارس والصحة والقروض السكنية الذي كان أربعة آلاف دينار فأصبح الإعفاء صفراً، أي أنه لا يوجد إعفاء للعائلة لتدريس أولادها. كما أصبح المواطن يدفع 1% ضريبة جديدة، تسمى ضريبة تكافل اجتماعي، وهو ما ينظر إليه إبداعاً جبائياً واختراعاً جديداً لم يكن معروفاً سابقاً، وهذا يعني أن المواطن أخضع من دخله المعفى سابقاً عشرة آلاف دينار لم يكن يدفع عليها ضريبة، وزاد عليه 1% ضريبة تكافل اجتماعي، و3% نسبة زيادة عن العشرة آلاف الأولى. بينما حافظ مشروع القانون على قطاع البنوك ولم يمسّها، على الرغم من الربح والفوائد التراكمية الكبيرة، فبقيت ضريبة البنوك كما كانت سابقا (35%)، فيما قطاع الاتصالات الذي يربح عشرات الملايين زادت نسبة الضريبة بـ2%، أي أنها ارتفعت من 24% إلى 26%.
هذا هو ملخص مشروع القانون الذي لا يراه الناس الذين هبّوا ضد صيغته الأولى إلا نسخاً محسّناً عن نسخة حكومة هاني الملقي، والناس الذين تمنّوا أن يكون مجيء عمر الرزّاز بداية أمل جديد وجدوه يدعو الشعب، في محاضرته في الجامعة الأردنية، إلى عدم التعويل عليه كثيراً، وعدم تعليق الآمال الطوال، وذلك بدعوته الناس إلى خفض التوقعات التي بنوها وأملوها منه، مع تأكيده أنه لا يستسلم بسهولة. ولذلك، يرى الشارع أن مشروع القانون الذي يمكن إرساله في ملحق لمجلس النواب، قبيل انتهاء الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، مؤسف وغير ضروري، ولا داعي له في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الدولة.
السؤال: بما أن أغلب مواطني الأرياف وصغار الموظفين لن يتأثروا بمشروع القانون، لماذا الرفض له، وكل هذا الاحتقان الشعبي؟ وهل النقابات تلوّح بورقة التظاهر مدعومة بالعزف على عواطف الناس؟ لم تنجح الحكومة في تسويق مشروعها، عبر وجوهها، العاملة في حقل الإعلام، ولا عبر نخبها الحاكمة التي لا تملك رصيداً شعبياً. وليس هذا بسببها، بل نتيجة تنامي فجوة الثقة بالحكومات في السنوات الأخيرة، وهي الحكومات التي قادت البلاد إلى نسبة عالية من الدين العام اليوم، وهو ما جعل البلد تخضع لإملاءات صندوق النقد الدولي. ولا يبرّر هذا كله العودة إلى الشارع، بل يدعو الحكومة إلى المضي باتخاذ قرارات تكافح الفساد، وتجلب كل الفاسدين، وتوفر في النفقات، وتستنهض الناس لهبةٍ وطنيةٍ لمكافحة الفقر والبطالة التي هي بازدياد.
يملك عمر الرزّاز رصيدا جيدا من ثقة الناس واحترامهم، ولديه حدس سياسي جيد، وقدرة على التعامل مع الجمهور، لكن هذه الصفات والثقة هي اليوم على المحكّ، نتيجة عوامل الإحباط
والعجز عن التغيير. ولعل الرزّاز يدرك أن المجتمع الذي قيل إنه يتقبل كل شيء، وإن الربيع العربي أفلَ، والجمهور لن يعود إلى الشارع، واستهانت به حكومة الملقي، هو نفسُه الشعب الذي ينتظر منه اليوم تحقيق التغيير المطلوب، وأساسها في الأردن مكافحة الفساد، وخفض نسبة البطالة في مجتمعٍ باع كل ما يملك لأجل تعليم أبنائه.
لكن حجم التفاؤل والمطالب من الرزّاز اليوم بات يعيد حضور هاني الملقي إلى النقاش العام، فإذا كان الرزّاز جاء بالنسخة نفسها، أو كانت معدلة عن قانون الملقي، فلماذا أخرج الملقي، وهبّ الناس ضده، وهذا هو السؤال الذي طرحه القيادي الإسلامي وأمين عام حزب الشراكة والإنقاذ، سالم الفلاحات، الذي دعا إلى عودة الملقي إلى دار رئاسة الحكومة، إذ من حقه على الشعب إنصافه، كما كتب الفلاحات في منشور له، جاء فيه أن الملقي "قرّر من قبل إعفاء البندورة والخيار من الضريبة.. وقرر رفع الضريبة على البنوك التي تنفسّت اليوم الصعداء ونجت من العاصفة الهوجاء، لأن بناياتها عالية وقواعدها راسخة وأيديها طويلة..". وفي هذا الموقف، يشير الفلاحات إلى أن نسخة مشروع قانون الرزّاز تجنّبت المسّ بالبنوك التي أثرت بشكل كبير في دفع احتجاجات الدوار الرابع في رمضان الماضي، والتي قضت بوجوب رحيل حكومة الملقي الذي انتقد مراراً التوسع في سياسات الإقراض البنكي التي أغرقت الناس بالفوائد والقروض، وجعل كل موظف مرتهنا لها، وهو أمر لم يرق لملاك البنوك وأصحابها، فدعموا الاحتجاجات ضد الملقي.
تتعاظم اليوم حاجة الحكومة للشعب، لكي تقنعه بقراراتها، وتتعاظم الفجوة واغتراب الشعب عنها، وتتضاعف الخيبة الحكومية مع تلويح الإدارة الأميركية بتقليص دعمها الأردن، والذي كانت وعدت به. ثم في ظل هذا المشهد المعقد، تستبق نقابة المعلمين اجتماع مجلس النقباء، وتصدّر بياناً رافضاً مشروع القانون يوم الجمعة الماضي، في محاولةٍ مبكّرة منها لاستباق موقف مجلس النقباء، وهي الأوسع تأثيراً في المجتمع؛ نظراً لحجمها العريض وقوة تأثيرها.
لاحقاً، وفي جلسة أخرى يوم الأحد الماضي، وفي عمق الجنوب في محافظة معان، لم تكتمل جلسة حوارية لوزراء من الحكومة، فكلما أصرّت الحكومة على الحوار يصرّ الناس على رفضه؛ ذلك أن الحكومات اعتادت أن تغيب ولا تحاور، وإنْ حاورت فإنها تسعى إلى الحوار في حال كانت وراءه جباية وضرائب، أما حوارات الإصلاح السياسي فتتحول مخرجاتها إلى ملفات ميّتة في الأدراج، وهذا ما حدث مع لجنة الحوار الوطني عام 2011.
في المقابل، تجتهد الحكومة بمحاولة فتح قنوات الحوار، مع النخب والقادة المجتمعيين، ورئيسها يُشرف مباشرة على جهود الحوار وتنسيق عملية تسويق القانون، وقد ألقى محاضرة في الجامعة الأردنية، قبل أسبوعين، بيّنَ فيها أولوية القانون وضرورته وشرح أسبابه، لحضورٍ كان جُلّه من الرسميين، وفاته أن التأثير في حراك المجتمع ليس للجمهور الذي حضره، بل لطلاب الجامعات.
عملياً، تحاول الحكومة إقناع الشرائح التي تحاورها بأنها شرائح غير مستهدفة بمشروع
لا يرى الأردنيون مشروع القانون الجديد مختلفاً عن سابقه الذي قدمته حكومة هاني الملقي، وهو يمنح الإعفاء الضريبي الفردي على أول تسعة آلاف دينار بدلاً من ألف ومائتي دينار، كما أن إعفاء الأسر خُفِضَ من أربعة وعشرين ألفاً إلى ثمانية عشر ألفاً، أي أنه أخضع شريحة جديدة بمبلغ ستة آلاف من الدخل لم تكن تدفع ضريبة سابقاً. وألغى مشروع القانون إعفاء التدريس في المدارس والصحة والقروض السكنية الذي كان أربعة آلاف دينار فأصبح الإعفاء صفراً، أي أنه لا يوجد إعفاء للعائلة لتدريس أولادها. كما أصبح المواطن يدفع 1% ضريبة جديدة، تسمى ضريبة تكافل اجتماعي، وهو ما ينظر إليه إبداعاً جبائياً واختراعاً جديداً لم يكن معروفاً سابقاً، وهذا يعني أن المواطن أخضع من دخله المعفى سابقاً عشرة آلاف دينار لم يكن يدفع عليها ضريبة، وزاد عليه 1% ضريبة تكافل اجتماعي، و3% نسبة زيادة عن العشرة آلاف الأولى. بينما حافظ مشروع القانون على قطاع البنوك ولم يمسّها، على الرغم من الربح والفوائد التراكمية الكبيرة، فبقيت ضريبة البنوك كما كانت سابقا (35%)، فيما قطاع الاتصالات الذي يربح عشرات الملايين زادت نسبة الضريبة بـ2%، أي أنها ارتفعت من 24% إلى 26%.
هذا هو ملخص مشروع القانون الذي لا يراه الناس الذين هبّوا ضد صيغته الأولى إلا نسخاً محسّناً عن نسخة حكومة هاني الملقي، والناس الذين تمنّوا أن يكون مجيء عمر الرزّاز بداية أمل جديد وجدوه يدعو الشعب، في محاضرته في الجامعة الأردنية، إلى عدم التعويل عليه كثيراً، وعدم تعليق الآمال الطوال، وذلك بدعوته الناس إلى خفض التوقعات التي بنوها وأملوها منه، مع تأكيده أنه لا يستسلم بسهولة. ولذلك، يرى الشارع أن مشروع القانون الذي يمكن إرساله في ملحق لمجلس النواب، قبيل انتهاء الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، مؤسف وغير ضروري، ولا داعي له في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الدولة.
السؤال: بما أن أغلب مواطني الأرياف وصغار الموظفين لن يتأثروا بمشروع القانون، لماذا الرفض له، وكل هذا الاحتقان الشعبي؟ وهل النقابات تلوّح بورقة التظاهر مدعومة بالعزف على عواطف الناس؟ لم تنجح الحكومة في تسويق مشروعها، عبر وجوهها، العاملة في حقل الإعلام، ولا عبر نخبها الحاكمة التي لا تملك رصيداً شعبياً. وليس هذا بسببها، بل نتيجة تنامي فجوة الثقة بالحكومات في السنوات الأخيرة، وهي الحكومات التي قادت البلاد إلى نسبة عالية من الدين العام اليوم، وهو ما جعل البلد تخضع لإملاءات صندوق النقد الدولي. ولا يبرّر هذا كله العودة إلى الشارع، بل يدعو الحكومة إلى المضي باتخاذ قرارات تكافح الفساد، وتجلب كل الفاسدين، وتوفر في النفقات، وتستنهض الناس لهبةٍ وطنيةٍ لمكافحة الفقر والبطالة التي هي بازدياد.
يملك عمر الرزّاز رصيدا جيدا من ثقة الناس واحترامهم، ولديه حدس سياسي جيد، وقدرة على التعامل مع الجمهور، لكن هذه الصفات والثقة هي اليوم على المحكّ، نتيجة عوامل الإحباط
لكن حجم التفاؤل والمطالب من الرزّاز اليوم بات يعيد حضور هاني الملقي إلى النقاش العام، فإذا كان الرزّاز جاء بالنسخة نفسها، أو كانت معدلة عن قانون الملقي، فلماذا أخرج الملقي، وهبّ الناس ضده، وهذا هو السؤال الذي طرحه القيادي الإسلامي وأمين عام حزب الشراكة والإنقاذ، سالم الفلاحات، الذي دعا إلى عودة الملقي إلى دار رئاسة الحكومة، إذ من حقه على الشعب إنصافه، كما كتب الفلاحات في منشور له، جاء فيه أن الملقي "قرّر من قبل إعفاء البندورة والخيار من الضريبة.. وقرر رفع الضريبة على البنوك التي تنفسّت اليوم الصعداء ونجت من العاصفة الهوجاء، لأن بناياتها عالية وقواعدها راسخة وأيديها طويلة..". وفي هذا الموقف، يشير الفلاحات إلى أن نسخة مشروع قانون الرزّاز تجنّبت المسّ بالبنوك التي أثرت بشكل كبير في دفع احتجاجات الدوار الرابع في رمضان الماضي، والتي قضت بوجوب رحيل حكومة الملقي الذي انتقد مراراً التوسع في سياسات الإقراض البنكي التي أغرقت الناس بالفوائد والقروض، وجعل كل موظف مرتهنا لها، وهو أمر لم يرق لملاك البنوك وأصحابها، فدعموا الاحتجاجات ضد الملقي.