04 ديسمبر 2018
فتح والمشروع الوطني الفلسطيني
جمال حاج علي (فلسطين)
في الذكرى الرابعة والخمسين للثورة الفلسطينية المعاصرة، وذكرى انطلاقة حركة فتح، لا بدّ من السؤال عن المشروع التحرري الذي انطلقت به الثورة: أين وصل بعد أكثر من نصف قرن؟ وما هي العقبات التي يتعرّض لها هذا المشروع؟ وما هي الخطوات التي قطعها خلال العقود الماضية؟ وهل من إنجازات حقيقية تمّ تثبيتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
كلّ هذه الأسئلة وغيرها هي أسئلة مشروعة من كل مواطن فلسطيني أو ثائر ومناضل، أو حتى مناصر ومحبّ لهذه القضية العادلة.
لقد انطلق النضال الفلسطيني، منذ اللحظة الأولى وأمام عينيه أمر واحد، وهو تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، وانطلقت قوافل المقاومة الواحدة تلو الأخرى ومن فترة زمنيّة إثر أخرى، وسقط في هذا الطريق الصعب الشائك آلاف الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء لفلسطين وترابها، آملين النصر وتحقيق الحلم الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
لم يكن يعلم من قاد هذا العمل، أو من سار في طريق الحريّة، أنّ المؤامرة على فلسطين كانت وما زالت أكبر بكثير من حجم الشعب الفلسطيني، وأنّ دولاً كبيرة تقف خلف هذا الاحتلال، داعمةً له بكل أشكال العون. وفي المقابل، لم يكن يوازي هذا الجهد الماكر جهدٌ عربي أو إسلاميّ، سوى الجعجعة والتمثيل وبعض الفتات من المال العربيّ، ليكون لهم عذر أمام شعوبهم التواقة لفلسطين.
لا ينكر أيّ مراقب أنّ العمل الفلسطيني في تلك الأجواء المسمومة كان صعباً إلى درجة الدخول في بعض الأوقات في مواجهات مع تلك الأنظمة، أو القبول والتأثر بالمواقف العربية المرتهنة للدول العظمى ومواقفها. ومن هنا، كان اجتهاد القيادة الفلسطينية الدخول في حالة تفاوض مع الاحتلال، والتخلي عن بنود مهمة من الميثاق الوطني الفلسطيني، أملاً بالوصول إلى حالة يتم فيها تحرير الأراضي المحتلة عام 1967م من خلال المفاوضات، وقاد ذلك كله إلى إنشاء السلطة الفلسطينية كواجهة سياسية وإدارية، على حساب منظمة التحرير التي ضعف دورها وتضاءل، إلى درجة تقليل دور الأطر الشورية، كالمجلس الوطني الفلسطيني الذي أصبح ينوب عنه المجلس المركزي، وأخيراً حلّ المجلس التشريعي المنتخب والمعطل منذ أكثر من عشر سنوات.
أما من جهة الاحتلال، فهو اليوم في أفضل حالته، فقد وضع نصب عينيه السيطرة على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية، وحددّ خطواته المستقبلية بعدم التنازل عن شرقي القدس أو القبول بإعادة أي فلسطيني خرج من أرضه عام 1948، وبذلك يلغي أمرين مهمين من القضايا التي تمّ تأجيلها للمفاوضات النهائية، القدس وحق العودة، وهو الآن على غير عجلةٍ من أمره، فهو لا يريد أي مفاوضاتٍ تعيق مشروعه التوسعي، وبذلك يكون قد قضى على اتفاقية أوسلو التي لم يبق منها سوى الشق الأمني، وشكل السلطة التي تحمل تبعات شعب يقع تحت الاحتلال.
والحالة هذه، فإنّ السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح من وراء ذلك، ومن ورائهم الشعب الفلسطيني وقضيته، قد وقعوا في حالة انتظار للمجهول، حيث المراهنة على وسيط نزيه قادر على إجبار الاحتلال للوقوف عن حالة الهجوم وتغيير الوقائع على الأرض، خاسرة، وأميركا بقيادة الرئيس ترامب، ومن قبله تتبنى وجهة نظر الاحتلال وتنازلت عن دورها وسيطا، وهذه الإدارة وغيرها ملتزمة ببرنامج لم تغيره منذ خمسين عاماً، ولن تغيره على المدى القريب حتى لو تغيرت الرئاسة والإدارة الأميركية بشكل عام.
أمّا الحديث عن الوحدة وإنهاء الانقسام، فهي ضرورة ملحة غير قابلة للتحقيق، لعدّة أسباب أهمها؛ اختلاف البرنامج السياسي ما بين منظمة التحرير وحركة فتح من جهة وما بين حماس التي تدير قطاع غزة من جهة أخرى، إذ من غير الممكن أن تُقدم حركة فتح على مصالحة تضطر فيها للتعايش مع شكل المقاومة الموجود في غزة، لأنّ ذلك يختلف مع برنامج المقاومة السلمي من جهة، ومن جهة أخرى، فهي غير واثقة من قدرتها على السيطرة على غزة بوضعها الحالي، ومن هنا فإنّ الانقسام وازدياد أشكاله أقرب من المصالحة.
في النهاية، المشروع الوطني الفلسطيني التحرري هو الآن في وضع الجمود، فالبرنامج الوحيد الذي تتبناه منظمة التحرير مبني على اتفاقية أوسلو التي لم يعد الاحتلال يعمل فيها، كما أنّ المقاومة السلمية التي تتبناها فتح والسلطة محدودة مقتصرة على بعض نقاط التماس، وتكون على شكل احتجاجي، يعتمد على الاعتصام بصورة أساسية، سواء في الخان الأحمر أو في نعلين وبعض النقاط الشبيهة، كما أنّ شكل السلطة الحالي المقيّد بما يسمح به الاحتلال من كهرباء وماء ودخول الأموال واسترداد الضرائب يجعلها أسيرة لفاتورة الرواتب وبعض التسهيلات. ولذلك، من الصعب أن يتغير هذا الشكل في الفترة القريبة المقبلة، بل مرشح لزيادة من التعقيد، مع زيادة في الانشغال بالمناكفات الداخلية.
لقد انطلق النضال الفلسطيني، منذ اللحظة الأولى وأمام عينيه أمر واحد، وهو تحرير كامل التراب الفلسطيني من البحر إلى النهر، وانطلقت قوافل المقاومة الواحدة تلو الأخرى ومن فترة زمنيّة إثر أخرى، وسقط في هذا الطريق الصعب الشائك آلاف الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم فداء لفلسطين وترابها، آملين النصر وتحقيق الحلم الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
لم يكن يعلم من قاد هذا العمل، أو من سار في طريق الحريّة، أنّ المؤامرة على فلسطين كانت وما زالت أكبر بكثير من حجم الشعب الفلسطيني، وأنّ دولاً كبيرة تقف خلف هذا الاحتلال، داعمةً له بكل أشكال العون. وفي المقابل، لم يكن يوازي هذا الجهد الماكر جهدٌ عربي أو إسلاميّ، سوى الجعجعة والتمثيل وبعض الفتات من المال العربيّ، ليكون لهم عذر أمام شعوبهم التواقة لفلسطين.
لا ينكر أيّ مراقب أنّ العمل الفلسطيني في تلك الأجواء المسمومة كان صعباً إلى درجة الدخول في بعض الأوقات في مواجهات مع تلك الأنظمة، أو القبول والتأثر بالمواقف العربية المرتهنة للدول العظمى ومواقفها. ومن هنا، كان اجتهاد القيادة الفلسطينية الدخول في حالة تفاوض مع الاحتلال، والتخلي عن بنود مهمة من الميثاق الوطني الفلسطيني، أملاً بالوصول إلى حالة يتم فيها تحرير الأراضي المحتلة عام 1967م من خلال المفاوضات، وقاد ذلك كله إلى إنشاء السلطة الفلسطينية كواجهة سياسية وإدارية، على حساب منظمة التحرير التي ضعف دورها وتضاءل، إلى درجة تقليل دور الأطر الشورية، كالمجلس الوطني الفلسطيني الذي أصبح ينوب عنه المجلس المركزي، وأخيراً حلّ المجلس التشريعي المنتخب والمعطل منذ أكثر من عشر سنوات.
أما من جهة الاحتلال، فهو اليوم في أفضل حالته، فقد وضع نصب عينيه السيطرة على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية، وحددّ خطواته المستقبلية بعدم التنازل عن شرقي القدس أو القبول بإعادة أي فلسطيني خرج من أرضه عام 1948، وبذلك يلغي أمرين مهمين من القضايا التي تمّ تأجيلها للمفاوضات النهائية، القدس وحق العودة، وهو الآن على غير عجلةٍ من أمره، فهو لا يريد أي مفاوضاتٍ تعيق مشروعه التوسعي، وبذلك يكون قد قضى على اتفاقية أوسلو التي لم يبق منها سوى الشق الأمني، وشكل السلطة التي تحمل تبعات شعب يقع تحت الاحتلال.
والحالة هذه، فإنّ السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح من وراء ذلك، ومن ورائهم الشعب الفلسطيني وقضيته، قد وقعوا في حالة انتظار للمجهول، حيث المراهنة على وسيط نزيه قادر على إجبار الاحتلال للوقوف عن حالة الهجوم وتغيير الوقائع على الأرض، خاسرة، وأميركا بقيادة الرئيس ترامب، ومن قبله تتبنى وجهة نظر الاحتلال وتنازلت عن دورها وسيطا، وهذه الإدارة وغيرها ملتزمة ببرنامج لم تغيره منذ خمسين عاماً، ولن تغيره على المدى القريب حتى لو تغيرت الرئاسة والإدارة الأميركية بشكل عام.
أمّا الحديث عن الوحدة وإنهاء الانقسام، فهي ضرورة ملحة غير قابلة للتحقيق، لعدّة أسباب أهمها؛ اختلاف البرنامج السياسي ما بين منظمة التحرير وحركة فتح من جهة وما بين حماس التي تدير قطاع غزة من جهة أخرى، إذ من غير الممكن أن تُقدم حركة فتح على مصالحة تضطر فيها للتعايش مع شكل المقاومة الموجود في غزة، لأنّ ذلك يختلف مع برنامج المقاومة السلمي من جهة، ومن جهة أخرى، فهي غير واثقة من قدرتها على السيطرة على غزة بوضعها الحالي، ومن هنا فإنّ الانقسام وازدياد أشكاله أقرب من المصالحة.
في النهاية، المشروع الوطني الفلسطيني التحرري هو الآن في وضع الجمود، فالبرنامج الوحيد الذي تتبناه منظمة التحرير مبني على اتفاقية أوسلو التي لم يعد الاحتلال يعمل فيها، كما أنّ المقاومة السلمية التي تتبناها فتح والسلطة محدودة مقتصرة على بعض نقاط التماس، وتكون على شكل احتجاجي، يعتمد على الاعتصام بصورة أساسية، سواء في الخان الأحمر أو في نعلين وبعض النقاط الشبيهة، كما أنّ شكل السلطة الحالي المقيّد بما يسمح به الاحتلال من كهرباء وماء ودخول الأموال واسترداد الضرائب يجعلها أسيرة لفاتورة الرواتب وبعض التسهيلات. ولذلك، من الصعب أن يتغير هذا الشكل في الفترة القريبة المقبلة، بل مرشح لزيادة من التعقيد، مع زيادة في الانشغال بالمناكفات الداخلية.
مقالات أخرى
16 نوفمبر 2018
07 نوفمبر 2018
27 يوليو 2018