09 نوفمبر 2024
"نظرية المؤامرة".. نكتة؟
دائماً ما يعتبر كثر في الشرق الأوسط أن "كل ما يجري هو مؤامرة". إذا تنفست مؤامرة. إذا أبديت رأيك مؤامرة. إذا قلت "لا" مؤامرة. إذا اعتبرت أن هناك أمراً خاطئاً يجري واعترضت عليه مؤامرة. إذا قلت إنك تريد إسقاط الأنظمة مؤامرة. إذا قلت إنك تريد العيش بحرية وكرامة، بعيداً عن الديكتاتوريات والقمع، مؤامرة. إذا قمت بنقد ديني مؤامرة. إذا وجدت علكة مرمية على الطريق مؤامرة. تظاهرات العراق مؤامرة. احتجاجات مصر مؤامرة. الاعتراض على النظام اللبناني مؤامرة. لا شيء في أذهان أسياد هذا الشرق وأتباعهم سوى مؤامرة. لا يريدون حرية سوى لهم، يرفضون اعتناق الناس الحرية. يريدون تعميم منطق "كمّ الأفواه"، عوضاً عن "منع السكوت". أسكت لأن حديثك مؤامرة. اخضع لأنك لست أكبر من النظام.
تقول في لبنان: أين المال العام والإصلاحات ومحاربة الهدر والفساد، فيُقال لك مؤامرة بحق العهد وسيده ولبنان. إذن، اخرس أيها المتحدث، كي لا تتورّط في مؤامرة وتُسجن. في العراق لا يرى كثر سكان العشوائيات المعدومة، ولا يريدون الاقتناع بأن حق هؤلاء في العيش بكرامة وإنسانية أكبر من الولايات المتحدة وإيران والحشد الشعبي وبروتوكولات حكماء صهيون. كله مؤامرة، يا رفاق. في المقابل، المؤامرة هي في سطوة إيران والولايات المتحدة على العراق. المؤامرة هي في وجود هذه الأنظمة المدمّرة للشعوب وتقدّمها. المؤامرة هي في تسويق نظريات المؤامرة. ما هذه المؤامرات التي يسرق منها أبناء الأنظمة وآباؤها الشعب وحريته ويكدّسون أموالهم في حساباتٍ تمتد من سويسرا إلى جزر الكاريبي؟ ما هذه المؤامرة التي يُمنع فيها الناس من الحصول على أبسط حقوقهم البديهية من طبابة وتعليم وغذاء وحريات؟
المؤامرة، يا سادة، هي أنتم بالذات، القابعون على كراسيكم باسم الشعب، وتعملون على تدجينه وجعله عبداً مأموراً لكم. المؤامرة هي التصرّف بأموال الشعب وثروات البلاد ونهبها وتقسيمها حصصاً لكم. المؤامرة هي في إفساح المجال لأنفسكم لتعطوا أمراً بقتل الناس وسجنهم. المؤامرة هي أنكم تركتم بلادكم مستباحة شرقاً وغرباً كي ترقصوا على عروشٍ مصنوعة من الجماجم. لا يُعقل أنه، في مثل هذا الزمن من تاريخ البشرية، هناك من يريد استعباد الناس باسم الأيديولوجيات الدينية والسياسية، مطيحاً حقّ حصولهم على الحياة الحقيقية، تحديداً تحت شعار "في المستقبل سيكون كل شيء لكم"، بينما رأينا المستقبل في ماضينا القريب والبعيد، من المعتقلات والزنازين، إلى الهجرة والتهجير واللجوء، إلى الموت على قارعة الطريق، لأن القانون لم يوجد ليحمينا، بل ليحمي طغاةً أو مشاريع طغاة.
من المستحيل الاعتقاد أنه، في مثل هذا الزمن، هناك من يشكّك بربّ أسرةٍ خرج سعياً وراء حاجته وحاجة أولاده، ليُقتل في شوارع بغداد. من المعيب أن الموت لاحق كل من قال "أريد حرية، ولدي رأي مغاير لكم". من المؤلم أن ترى أحزاباً ومليشيات وفرقاً عسكرية مخصّصة فقط لقمعك، لا لحمايتك كمواطن في بلد عربي. إنه البؤس إن تفشى. إنها العبودية، ولا شيء غيرها. وكل من يدافع عن العبودية هو عبدٌ، بصورةٍ أو بأخرى. من المؤسف أن القاعدة الأساسية في معظم البلاد العربية هي "اسكت كي لا تُقتل أو تُعتقل أو تُحاكم". لا أرى الحكمة في وجود فمٍ ينطق وعقلٍ يفكر، فقط لمنع الإنسان من الكلام والتفكير، وإلا كان يجب أن تحرمنا الطبيعة من ذلك. في العراق شعبٌ خرج لينال حقه. في لبنان شعبٌ يستحق الحصول على حقه. في سورية شعبٌ يستحق أن يعيش بكرامة. في مصر شعبٌ يستحق أن يقول لا. في الدول الخليجية قاطبة شعبٌ يستحق أن يرفض ما يُفرض عليه. لا شيء أهم من الإنسان، ونظريات المؤامرة مرضٌ سياسيٌّ مزمن، عليها أن تسقط كي لا يسقط إنساننا في هذا الشرق.
المؤامرة، يا سادة، هي أنتم بالذات، القابعون على كراسيكم باسم الشعب، وتعملون على تدجينه وجعله عبداً مأموراً لكم. المؤامرة هي التصرّف بأموال الشعب وثروات البلاد ونهبها وتقسيمها حصصاً لكم. المؤامرة هي في إفساح المجال لأنفسكم لتعطوا أمراً بقتل الناس وسجنهم. المؤامرة هي أنكم تركتم بلادكم مستباحة شرقاً وغرباً كي ترقصوا على عروشٍ مصنوعة من الجماجم. لا يُعقل أنه، في مثل هذا الزمن من تاريخ البشرية، هناك من يريد استعباد الناس باسم الأيديولوجيات الدينية والسياسية، مطيحاً حقّ حصولهم على الحياة الحقيقية، تحديداً تحت شعار "في المستقبل سيكون كل شيء لكم"، بينما رأينا المستقبل في ماضينا القريب والبعيد، من المعتقلات والزنازين، إلى الهجرة والتهجير واللجوء، إلى الموت على قارعة الطريق، لأن القانون لم يوجد ليحمينا، بل ليحمي طغاةً أو مشاريع طغاة.
من المستحيل الاعتقاد أنه، في مثل هذا الزمن، هناك من يشكّك بربّ أسرةٍ خرج سعياً وراء حاجته وحاجة أولاده، ليُقتل في شوارع بغداد. من المعيب أن الموت لاحق كل من قال "أريد حرية، ولدي رأي مغاير لكم". من المؤلم أن ترى أحزاباً ومليشيات وفرقاً عسكرية مخصّصة فقط لقمعك، لا لحمايتك كمواطن في بلد عربي. إنه البؤس إن تفشى. إنها العبودية، ولا شيء غيرها. وكل من يدافع عن العبودية هو عبدٌ، بصورةٍ أو بأخرى. من المؤسف أن القاعدة الأساسية في معظم البلاد العربية هي "اسكت كي لا تُقتل أو تُعتقل أو تُحاكم". لا أرى الحكمة في وجود فمٍ ينطق وعقلٍ يفكر، فقط لمنع الإنسان من الكلام والتفكير، وإلا كان يجب أن تحرمنا الطبيعة من ذلك. في العراق شعبٌ خرج لينال حقه. في لبنان شعبٌ يستحق الحصول على حقه. في سورية شعبٌ يستحق أن يعيش بكرامة. في مصر شعبٌ يستحق أن يقول لا. في الدول الخليجية قاطبة شعبٌ يستحق أن يرفض ما يُفرض عليه. لا شيء أهم من الإنسان، ونظريات المؤامرة مرضٌ سياسيٌّ مزمن، عليها أن تسقط كي لا يسقط إنساننا في هذا الشرق.