24 أكتوبر 2024
الصومال.. هل يتخبّط مجدّداً؟
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
يتعقد المشهد السياسي والأمني في الصومال يوماً بعد آخر، بسبب المناكفات والتناحر والتصريحات المثيرة للاستغراب التي يتبادلها السياسيون والحكومة. وستنعكس أصداء هذه الموجة من السخط والتدهور السياسي سلباً على الاستقرار السياسي والأمني، وعلى إمكانية تنظيم انتخابات رئاسية عام 2020، وهو ما أثار مخاوف سياسيين ومرشحين محتملين، أي أن تتجه البلاد نحو مأزقٍ سياسيٍّ يضع حداً للتقدّم السياسي والأمني الذي أحرزه الصومال أخيرا. تتحدّد نقاط الاشتباك بين الحكومة الصومالية من جهة والمعارضة السياسية ورؤساء ولايات فيدرالية من جهة ثانية، في أكثر من ملف أمني وسياسي واقتصادي، وهو ما سيعقد المشهد السياسي الساخن برمته، في غياب توافق سياسي وتنازلاتٍ من أطراف الصراع، إلى درجة أن الرئيسين السابقين، شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود، شكلا تكتلاً سياسياً لتحذير الحكومة من تداعيات تأجيل الانتخابات، أو تمديد فترتها الرئاسية، وهو سيمثل قفزاً على القوانين واللوائح الدستورية، ويدفع البلاد نحو معضلاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ جديدة، بسبب مغامرة سياسية طائشة تنطبق عليهم مقولة نابليون بونابرت "الغباء في السياسة ليس عائقاً".
ويعكس هذا الحال فشلاً سياسياً في الصومال، ومن ذلك أن الحكومة الفيدرالية لم تحسم بعد مسألة كسمايو وانتخاباتها (أغسطس/ آب 2019)، وذلك بعد أن أعيد أحمد مدوبي رئيساً لولاية ثالثة، وهو ما رفضته حكومة مقديشو، وتسعى إلى فرض نموذج انتخابي جديد، على الرغم من أن الحكومة الفيدرالية لا تسيطر على مدينة كسمايو، التجارية والعاصمة المؤقتة لولاية جوبالاند، فضلاً عن حصار جوي فرضته سلطات الطيران المدنية على أهاليها، لإخضاع سلطة مدوبي وقطع الطريق أمام نواب وسياسيين معارضين كانوا ينوون المشاركة في حفل تنصيب الرجل في كسمايو، ونجمت حالات إنسانية صعبة عن هذا الحظر، ما اضطر حكومة مقديشو على رفعه أخيرا.
في ضوء هذه الأزمة، تغيب الحكمة السياسية، فبعض السياسيين المعارضين يصطادون هفوات
الحكومة في المياه العكرة، بينما هذه تعطي مجاناً أرصدة ومكاسب للمعارضة، وهو سيمثل فشلاً لنهجها السياسي القائم على القوة الصلبة في دحر معارضتها السياسية. وما حدث في بيدوا (عاصمة إقليم جنوب غرب الصومال) كان شاهداً على خيار الحكومة اللجوء إلى القوة العسكرية في حسم الانتخابات لصالحها، حيث ما زال القيادي السابق في حركة الشباب، مختار روبو، تحت الإقامة الجبرية، بعد اعتقاله وقتل عشرات في مظاهرات شعبية رفضاً لاعتقاله، الأمر الذي أدّى إلى سجال سياسي بين الصومال والأمم المتحدة، بعد أن طردت مقديشو مبعوثها، في سابقةٍ هي الأولى من نوعها، وهو ما جعل سياسة الحكومة الفيدرالية تسير نحو أقبيةٍ سوداء تجرّها إلى خيبات فشلٍ سياسيةٍ وأمنية، ما لم تضع حلولاً جذرية لخلافاتها مع رؤساء الأقاليم الفيدرالية، وخصوصا في جوبالاند وبونتلاند، بالإضافة إلى وجود صراعاتٍ إقليميةٍ تحيط بها في ظرف صعب، فيما يحتاج الصومال توافقا سياسيا وإجماعا محليا لمواجهة أطماع كينية توسعية في مياهه الإقليمية.
يعتقد المحللون أن الانتخابات الرئاسية التي تنظمها حكومة مقديشو تخلف وراءها المشكلات والفوضى السياسية، فانتخابات بيدوا نتج عنها احتقان شعبي، ما زالت ردود أفعاله قائمة، كما أن محاولتها تنظيم انتخابات في إقليم جوبالاند جاءت بنتائج عكسية، وما زال الطيش السياسي سيد الموقف بين سلطة مدوبي والحكومة الفيدرالية. أما الانتخابات المقبلة في جلمدغ فالسجال محموم، والأطراف المشاركة فيها متخوّفة من نزاعات سياسية جديدة تُضاف إلى المشكلات العالقة أمام الحكومة الفيدرالية، وهذا بسبب نيات الحكومة الصومالية فرض أجنداتها على كل الأقاليم الفيدرالية، وهو خيار يعده متابعون مستحيلاً، بسبب اختلاف التوجهات السياسية وخلفيات السياسيين القبلية والمناطقية، وهو ما سيؤدي إلى ارتدادات عكسية هنا وهناك.
لافتٌ أن المعارضة السياسية في البلاد تزداد كالفطر، وتتمسّك بحجج مقنعة يراها مؤيدو الحكومة
واهية، بينما تعول الرئاسة الحالية على الشارع الصومالي الذي يعاني من تداعيات قبضةٍ أمنيةٍ ضيقت الخناق، وقطعت الشوارع الرئيسة بالسواتر الإسمنتية، فضلاً عن بطالةٍ قفزت فوق 70%، هذا إلى جانب تحذيراتٍ دوليةٍ وأممية من حدوث أزمة مجاعة إنسانية خلال عام، وتستدعي جمع مبالغ ضخمة لتفادي تكرار مجاعة 2011 التي حصدت أرواح ما لا يقل عن 250 ألف صومالي بسبب الجوع.
توشك فترة الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، على الانتهاء، وتنتاب السياسيين والمراقبين مخاوف من عدم إمكانية تنظيم انتخابات رئاسية عام 2020، أو مطلع عام 2021، ما يرجّح فرضية أن السلطة الحالية تسعى إلى تمديد فترتها عامين على الأقل، على الرغم من صدور قانون الانتخابات، وأقصى حد للتمديد يكون في ظرف نصف عام على الأكثر لأسباب فنية. وما عدا ذلك نوع من اغتصاب إرادة الشعب الصومالي، ويفتح المجال لصراعات سياسية وقبلية في بلد القبلية فيه لاعب في رسم خرائطه ومعالمه السياسية، والتعدّدية الحزبية حبر على أوراق جامدة، ولم تفعّل أجنداتها ومضامينها بعد لا من الحكومة الصومالية ولا من المعارضة السياسية، أي أن النواب لا ينتمون لأحزاب، ما يفيد بأن رجال القبائل سيكون لهم دور كبير مستقبلاً في اختيار أعضاء البرلمان، بعيداً عن انتخاباتٍ نيابيةٍ يختارها الشعب، ويصبح الشارع الفيصل فيها.
ليس اللجوء إلى العسكر وتجييش الذباب الإلكتروني للنّيل من منتقدي الحكومة الفيدرالية ومعارضيها خياراً مربحاً في بلد مثل الصومال، جرّب ويلات الحرب والنزاعات العشائرية، وأن النظام المركزي المرن والمعتدل سيجمع شتات الصوماليين في الداخل والخارج، ويبقى للدولة الصومالية قوتها ووحدتها أمام دعوات الانفصال والعودة إلى حرب طاحنة.
في ضوء هذه الأزمة، تغيب الحكمة السياسية، فبعض السياسيين المعارضين يصطادون هفوات
يعتقد المحللون أن الانتخابات الرئاسية التي تنظمها حكومة مقديشو تخلف وراءها المشكلات والفوضى السياسية، فانتخابات بيدوا نتج عنها احتقان شعبي، ما زالت ردود أفعاله قائمة، كما أن محاولتها تنظيم انتخابات في إقليم جوبالاند جاءت بنتائج عكسية، وما زال الطيش السياسي سيد الموقف بين سلطة مدوبي والحكومة الفيدرالية. أما الانتخابات المقبلة في جلمدغ فالسجال محموم، والأطراف المشاركة فيها متخوّفة من نزاعات سياسية جديدة تُضاف إلى المشكلات العالقة أمام الحكومة الفيدرالية، وهذا بسبب نيات الحكومة الصومالية فرض أجنداتها على كل الأقاليم الفيدرالية، وهو خيار يعده متابعون مستحيلاً، بسبب اختلاف التوجهات السياسية وخلفيات السياسيين القبلية والمناطقية، وهو ما سيؤدي إلى ارتدادات عكسية هنا وهناك.
لافتٌ أن المعارضة السياسية في البلاد تزداد كالفطر، وتتمسّك بحجج مقنعة يراها مؤيدو الحكومة
توشك فترة الرئيس الصومالي، محمد عبدالله فرماجو، على الانتهاء، وتنتاب السياسيين والمراقبين مخاوف من عدم إمكانية تنظيم انتخابات رئاسية عام 2020، أو مطلع عام 2021، ما يرجّح فرضية أن السلطة الحالية تسعى إلى تمديد فترتها عامين على الأقل، على الرغم من صدور قانون الانتخابات، وأقصى حد للتمديد يكون في ظرف نصف عام على الأكثر لأسباب فنية. وما عدا ذلك نوع من اغتصاب إرادة الشعب الصومالي، ويفتح المجال لصراعات سياسية وقبلية في بلد القبلية فيه لاعب في رسم خرائطه ومعالمه السياسية، والتعدّدية الحزبية حبر على أوراق جامدة، ولم تفعّل أجنداتها ومضامينها بعد لا من الحكومة الصومالية ولا من المعارضة السياسية، أي أن النواب لا ينتمون لأحزاب، ما يفيد بأن رجال القبائل سيكون لهم دور كبير مستقبلاً في اختيار أعضاء البرلمان، بعيداً عن انتخاباتٍ نيابيةٍ يختارها الشعب، ويصبح الشارع الفيصل فيها.
ليس اللجوء إلى العسكر وتجييش الذباب الإلكتروني للنّيل من منتقدي الحكومة الفيدرالية ومعارضيها خياراً مربحاً في بلد مثل الصومال، جرّب ويلات الحرب والنزاعات العشائرية، وأن النظام المركزي المرن والمعتدل سيجمع شتات الصوماليين في الداخل والخارج، ويبقى للدولة الصومالية قوتها ووحدتها أمام دعوات الانفصال والعودة إلى حرب طاحنة.
دلالات
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون
مقالات أخرى
03 سبتمبر 2024
18 اغسطس 2024
27 يوليو 2024