09 نوفمبر 2024
لبنان يتسوّل
لافتةٌ فكرة تحوّل لبنان إلى بلد يستجدي المساعدات الغذائية والطبية من العالم، وجديدها هبوط طائرة مصرية محمّلة بهذا النوع من المساعدات في مطار بيروت، يوم الخميس الماضي. الأمر الذي لم تشهد البلاد مثيلاً له منذ أيام الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990) والاعتداءات الإسرائيلية، وهو مؤشّر على الخطر المحيط بشبكة الأمان الاجتماعية للبنانيين. لافتةٌ فكرة التسوّل التي يمتهنها القادة اللبنانيون، فلا تسمعهم سوى حين يطالبون الدول المقتدرة بنجدتهم، فترى مسؤولين يناشدون العالم ببكائياتٍ غير مقنعة، في وقتٍ سرقوا أو غطوا على سرقة الأموال العامة، وساهموا أو شاركوا في تمتين بنية الفساد، ومنعوا أو امتنعوا عن محاسبة الفاسدين، والذين كرّسوا منطق الهدر.
من أين لهؤلاء الجرأة على التسوّل من العالم من دون المساس بحساباتهم وأموالهم التي نهبوها من اللبنانيين؟ من أين لهؤلاء هذه الوقاحة في ممارسة فعل الاستجداء، وكأن مفهوم الكرامة منعدمٌ لديهم؟ يُفهم أن طلب المساعدة يحصل في زمن الحروب أو الكوارث الطبيعية، وهذا أمر لا يجب الشعور بالخجل بشأنه، ولكن أن يحصل التسوّل في زمن السلم المفترض، فيما الحلول يجب أن تبدأ من محاسبة كل من ساهم بسرقة الشعب اللبناني، والحجز على أمواله وممتلكاته، هو العار بعينه.
ألم يفكّر جمهور المتسولين من رؤساء ووزراء ونواب، بالامتناع عن تلقّي رواتبهم تضامناً مع اللبنانيين في المأزق المالي الذي تمرّ به البلاد؟ ألم يفكّر هؤلاء لحظة بفرض القانون على المصارف الممتنعة عن تأمين السيولة للمواطنين، خصوصاً الذين يتلقون رواتبهم عبرها؟ كيف يمكن لمسؤول لبناني إقناع نفسه بأن الأمور على خير ما يرام، وأن العالم "سيهبّ لنجدتنا كالعادة"؟ ألم يدرك هؤلاء أن الذهنية اللبنانية المبنية على منطق الخدمات التجارية والمصرفية فقط أثبتت فشلها منذ استقلال البلاد عام 1943، وأنه بات لزاماً التحوّل إلى اقتصادٍ منتج، مبنيٍ على الزراعة والصناعة والتقنيات؟ طبعاً لم يدركوا ذلك ولن يدركوا، فعدم الاكتراث جزءٌ من ثقافةٍ زعاماتيةٍ لبنانوية، تناسلت على مرّ العقود الماضية، وأفضت إلى تحوّل كل من يدخل النظام اللبناني الحالي إلى شخص معنوي غير مبالٍ أو مكترث، وفي أحسن الأحوال، ممثلٍ لدولةٍ يواليها داخل لبنان.
لنذهب أبعد قليلاً.. سعى الزعماء اللبنانيون إلى الحصول على الأموال التي أقرّها مؤتمر "سيدر" الفرنسي في أبريل/ نيسان 2018، لكنهم اصطدموا بالشروط ذاتها الموضوعة يوم إعلان المؤتمر: القيام بالإصلاحات اللازمة. هل تعتقدون أن المنظومة الحاكمة قادرة على القيام بالإصلاحات؟ طبعاً لا، لأن الذهنية لم تتغيّر أساساً، بل يظنّ أركان النظام اللبناني أن في وسعهم التهويل على الغرب والعرب، للحصول على المساعدات المالية التي لن يستفيد منها اللبنانيون كالعادة. لا تزال مؤتمرات باريس 1و2 و3 ماثلة في الأذهان.
عادةً حين تقع الواقعة، تظهر حقيقة الإنسان وقدرته على تجاوز المحنة، فألمانيا واليابان، مثلاً، تشكّلان نموذجاً لبلدان ومجتمعات دُمّرت، سواء بسبب حكامها أو بسبب اعتداءات خارجية، لكنها حدّدت أولوياتها وعادت إلى النهوض في بضعة أعوام. اليوم طوكيو وبرلين باتتا عملاقين اقتصاديين واجتماعيين لا مثيل لهما. في المقابل، لا يزال لبنان عالقاً في ملف الكهرباء منذ أكثر 30 عاماً. لا يمكن تصديق أن بلداً صغيراً لم يجد حلاً لمشكلة الطاقة فيه. ولا يمكن التصديق أن طرقات هذا البلد تتحوّل إلى بحيرات عائمة مع هطول الأمطار، يغرق فها البشر والآليات بسبب سوء التنظيم المدني. لا أحد يفهم كيف أن هذا البلد غير قادرٍ على معالجة ملف النفايات المتراكمة بطريقة صحيحة، سوى عبر استخدام الأساليب البدائية، كالحرق والطمر العشوائي. وإذا أردت اللجوء إلى القضاء أو القوى الأمنية، تجد أن معظمها معيّنٌ من سياسيين وأحزاب، فإلى من تشكو؟ لن يسمع أحد منهم شكواك، فهم مشغولون بالتسوّل باسمك.
ألم يفكّر جمهور المتسولين من رؤساء ووزراء ونواب، بالامتناع عن تلقّي رواتبهم تضامناً مع اللبنانيين في المأزق المالي الذي تمرّ به البلاد؟ ألم يفكّر هؤلاء لحظة بفرض القانون على المصارف الممتنعة عن تأمين السيولة للمواطنين، خصوصاً الذين يتلقون رواتبهم عبرها؟ كيف يمكن لمسؤول لبناني إقناع نفسه بأن الأمور على خير ما يرام، وأن العالم "سيهبّ لنجدتنا كالعادة"؟ ألم يدرك هؤلاء أن الذهنية اللبنانية المبنية على منطق الخدمات التجارية والمصرفية فقط أثبتت فشلها منذ استقلال البلاد عام 1943، وأنه بات لزاماً التحوّل إلى اقتصادٍ منتج، مبنيٍ على الزراعة والصناعة والتقنيات؟ طبعاً لم يدركوا ذلك ولن يدركوا، فعدم الاكتراث جزءٌ من ثقافةٍ زعاماتيةٍ لبنانوية، تناسلت على مرّ العقود الماضية، وأفضت إلى تحوّل كل من يدخل النظام اللبناني الحالي إلى شخص معنوي غير مبالٍ أو مكترث، وفي أحسن الأحوال، ممثلٍ لدولةٍ يواليها داخل لبنان.
لنذهب أبعد قليلاً.. سعى الزعماء اللبنانيون إلى الحصول على الأموال التي أقرّها مؤتمر "سيدر" الفرنسي في أبريل/ نيسان 2018، لكنهم اصطدموا بالشروط ذاتها الموضوعة يوم إعلان المؤتمر: القيام بالإصلاحات اللازمة. هل تعتقدون أن المنظومة الحاكمة قادرة على القيام بالإصلاحات؟ طبعاً لا، لأن الذهنية لم تتغيّر أساساً، بل يظنّ أركان النظام اللبناني أن في وسعهم التهويل على الغرب والعرب، للحصول على المساعدات المالية التي لن يستفيد منها اللبنانيون كالعادة. لا تزال مؤتمرات باريس 1و2 و3 ماثلة في الأذهان.
عادةً حين تقع الواقعة، تظهر حقيقة الإنسان وقدرته على تجاوز المحنة، فألمانيا واليابان، مثلاً، تشكّلان نموذجاً لبلدان ومجتمعات دُمّرت، سواء بسبب حكامها أو بسبب اعتداءات خارجية، لكنها حدّدت أولوياتها وعادت إلى النهوض في بضعة أعوام. اليوم طوكيو وبرلين باتتا عملاقين اقتصاديين واجتماعيين لا مثيل لهما. في المقابل، لا يزال لبنان عالقاً في ملف الكهرباء منذ أكثر 30 عاماً. لا يمكن تصديق أن بلداً صغيراً لم يجد حلاً لمشكلة الطاقة فيه. ولا يمكن التصديق أن طرقات هذا البلد تتحوّل إلى بحيرات عائمة مع هطول الأمطار، يغرق فها البشر والآليات بسبب سوء التنظيم المدني. لا أحد يفهم كيف أن هذا البلد غير قادرٍ على معالجة ملف النفايات المتراكمة بطريقة صحيحة، سوى عبر استخدام الأساليب البدائية، كالحرق والطمر العشوائي. وإذا أردت اللجوء إلى القضاء أو القوى الأمنية، تجد أن معظمها معيّنٌ من سياسيين وأحزاب، فإلى من تشكو؟ لن يسمع أحد منهم شكواك، فهم مشغولون بالتسوّل باسمك.