05 نوفمبر 2024
في ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة
كما كان متوقعاً، أعلن الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، ترشّحه رسميّاً لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية، التي ستجرى في 18 إبريل/ نيسان المقبل. ولا غرابة في ذلك، إذ عودتنا الأنظمة العربية على تنظيم مسرحيات انتخابية متشابهة في معظم البلدان العربية التي عادة ما تمرّر التمديد للرئيس القائد، عبر انتخاباتٍ صورية، بعيدة كل البعد عن التقاليد والممارسات الديمقراطية، في حين أن واقع الحال بيّن مراراً، أن تلك المسرحيات الهزلية، ليست أكثر من عملية لتبرير استمرار نظام الحكم، وتأبيد عملية القبض على السلطة، وأن نتيجة الانتخابات محسومةٌ بغض النظر عن أصوات الناخبين وإرادتهم. وربما ستتعدّى نتيجتها في الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقبلة نسبة الـ 83,49% التي حصل عليها بوتفليقة في أول انتخاباتٍ ترشح لها في عام 1999، وهي نسبة لا تبتعد كثيراً عن نسبة الـ 99% الشهيرة التي عادة ما يحصل عليها معظم رؤساء الأنظمة العربية.
جرت عملية ترشيح الرئيس الجزائري في أجواء هزلية هذه المرّة، إذ أخرجتها بعض الأحزاب والشخصيات في الكواليس، كي يبدو الأمر وكأن الرئيس قبل الترشح على مضض، ونزولاً عند رغبة الشعب الجزائري وممثليه، في حين أن تركيبة النظام الجزائري تشي بأن مراكز القوى النافدة هي من تولّت عملية الترشيح، والمجسّدة في كل من قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، ورئيس الاستخبارات، الجنرال بشير طرطاق الذي عُيّن بعد إقالة الجنرال محمد مدين (توفيق)، وقائد الحرس الجمهوري، الجنرال علي بن علي، إضافة إلى الشقيق الأصغر للرئيس، سعيد بوتفليقة الذي يعدّ بمثابة رجل الظل القوي في النظام الجزائري، مع أنه يشغل منصب مستشار الرئيس بمرتبة وزير، فيما يتحدث جزائريون كثيرون إنه الرئيس الفعلي للبلاد.
ولعل وصف شخصيات جزائرية ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة بالمهزلة لا يعبر تماماً عن
الحالة، لأن الأمر أكثر من مهزلة، نظراً لأن الرئيس مريض جداً، ولا يقوى على المشي أو الحركة إلا على كرسي متحرّك، وذلك بعد أن أقعده المرض على الكرسي منذ عام 2012، إبّان ولايته الثالثة، لكن تحالف مراكز القوى المهيمن داخل النظام قرّر التمسّك بالسلطة عبر الرئيس المقعد على الكرسي المتحرّك. وإن كانت الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر، قد قوبلت بمعارضة داخلية، إذ اعتبرت الأحزاب التي أعلنت مقاطعتها الانتخابات أن لا طائل ولا جدوى من إجرائها، بوصفها مجرد مهزلة، يُراد بها إيجاد تخريجةٍ لاستمرار النظام الحاكم، مع انعدام مقومات وسبل إجرائها وفق القواعد الديمقراطية، وفي ظل غياب الشفافية، إلا أن الأهم هو اللامبالاة الشعبية التي عبر عنها جزائريون كثيرون، من خلال عدم الاكتراث بالمرشحين للانتخابات، وسبق لهم وأن عبروا عن ذلك بالامتناع عن التصويت في الاستحقاقات الانتخابية التي جرت خلال السنوات السابقة. ولكن يبدو أن تحالف مراكز القوى المهيمن على النظام الجزائري قد حصل على موافقة قوى دولية على ترشيح بوتفليقة، وخصوصاً من ساسة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، ولا يخفي ذلك الاستنكار الدولي الإعلامي على ترشيح رئيس لم يتحرّك من كرسيه، ولم يُسمع صوته، إلا نادراً، منذ عام 2012.
وعلى الرغم من ترشح عدد من الجزائريين للانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن ذلك لا ينم عن وجود حياة حزبية حقيقية، ولا عن وجود معارضة حقيقية أيضاً، إذ إن حال الجزائر لا يختلف كثيراً عن حال معظم البلدان العربية التي عملت الأنظمة الحاكمة على تمييع أحزاب وقوى المعارضة فيها، ومصادرة الفضاء العام، لذلك فإن أغلب الشخصيات التي تترشّح في الانتخابات الرئاسية ليست شخصيات وازنة سياسياً واجتماعياً، أو على الأقل لا تشكّل خطراً على ترشيح الرئيس، وإن صدف إن وُجد أحدهم، فإن الأجهزة الاستخباراتية تقوم بمهمة ثنيه عن الترشّح، وهذا يفسّر ما تعرّض له الجنرال علي غديري الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في مواجهة بوتفليقة، فواجه مضايقاتٍ وضغوطاً عديدة، على الرغم من أنه يعدّ من الشخصيات العسكرية التي لم تخرج من عباءة النظام الجزائري الحالي.
ومن المستغرب أن يصرّ المتنفذون في النظام الجزائري على ترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية
خامسة، على الرغم من كل الانتقادات والاستنكار الواسع، وعلى الرغم من أن مرضه منعه من إكمال القسم الرئاسي عام 2014. فهل يتعلق الأمر بعدم تمكّنهم المتكرّر من التوافق على مرشحٍ آخر، يضمن لهم استمرار النظام الحاكم، ويصون استمرار هيمنتهم عليه؟ وهل يمكنهم تمرير تبريراتهم بوعودٍ حالمةٍ بالتنعم بالديمقراطية، وبإنجازاتٍ تصون الاستقرار وتقويه؟
والوقع أن غالبية الجزائريين لم تعد تثق بالوعود التي تطلقها السلطات الجزائرية، كونها باتت تدرك أن التذرّع بالاستقرار أصبح معادلاً للرغبة في تأبيد نظام الحكم ورئيسه، وأن مسألة الرمزية التاريخية التي أوصلت بوتفليقة إلى الحكم منذ نحو عشرين عاماً لم تعد كافية لتبرير الأزمات العديدة التي تعصف بالجزائر، ولا لتبرير تردّي أوضاعهم المعيشية، وأن ذلك كله لم يعد يعني سوى التمسّك الشرس بمفاصل السلطة، والمزيد من الجمود والانكفاء على الماضي. والغريب أن يتحدّث الرئيس بوتفليقة عن أن "ما تمّ إنجازه خلال العقدين الماضيين لا يمكن أي جاحدٍ إنكاره"، في حين أن المواطن الجزائري يتساءل أين هي الإنجازات العظيمة، قبل الكرسي المتحرّك وبعده، هل تكمن فقط في الاستمرار في البقاء على كرسي الرئاسة فترة خامسة على التوالي، على الرغم من الكرسي المتحرّك، ومن الأمراض المزمنة التي أصابته؟
جرت عملية ترشيح الرئيس الجزائري في أجواء هزلية هذه المرّة، إذ أخرجتها بعض الأحزاب والشخصيات في الكواليس، كي يبدو الأمر وكأن الرئيس قبل الترشح على مضض، ونزولاً عند رغبة الشعب الجزائري وممثليه، في حين أن تركيبة النظام الجزائري تشي بأن مراكز القوى النافدة هي من تولّت عملية الترشيح، والمجسّدة في كل من قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، ورئيس الاستخبارات، الجنرال بشير طرطاق الذي عُيّن بعد إقالة الجنرال محمد مدين (توفيق)، وقائد الحرس الجمهوري، الجنرال علي بن علي، إضافة إلى الشقيق الأصغر للرئيس، سعيد بوتفليقة الذي يعدّ بمثابة رجل الظل القوي في النظام الجزائري، مع أنه يشغل منصب مستشار الرئيس بمرتبة وزير، فيما يتحدث جزائريون كثيرون إنه الرئيس الفعلي للبلاد.
ولعل وصف شخصيات جزائرية ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة بالمهزلة لا يعبر تماماً عن
وعلى الرغم من ترشح عدد من الجزائريين للانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن ذلك لا ينم عن وجود حياة حزبية حقيقية، ولا عن وجود معارضة حقيقية أيضاً، إذ إن حال الجزائر لا يختلف كثيراً عن حال معظم البلدان العربية التي عملت الأنظمة الحاكمة على تمييع أحزاب وقوى المعارضة فيها، ومصادرة الفضاء العام، لذلك فإن أغلب الشخصيات التي تترشّح في الانتخابات الرئاسية ليست شخصيات وازنة سياسياً واجتماعياً، أو على الأقل لا تشكّل خطراً على ترشيح الرئيس، وإن صدف إن وُجد أحدهم، فإن الأجهزة الاستخباراتية تقوم بمهمة ثنيه عن الترشّح، وهذا يفسّر ما تعرّض له الجنرال علي غديري الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية في مواجهة بوتفليقة، فواجه مضايقاتٍ وضغوطاً عديدة، على الرغم من أنه يعدّ من الشخصيات العسكرية التي لم تخرج من عباءة النظام الجزائري الحالي.
ومن المستغرب أن يصرّ المتنفذون في النظام الجزائري على ترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية
والوقع أن غالبية الجزائريين لم تعد تثق بالوعود التي تطلقها السلطات الجزائرية، كونها باتت تدرك أن التذرّع بالاستقرار أصبح معادلاً للرغبة في تأبيد نظام الحكم ورئيسه، وأن مسألة الرمزية التاريخية التي أوصلت بوتفليقة إلى الحكم منذ نحو عشرين عاماً لم تعد كافية لتبرير الأزمات العديدة التي تعصف بالجزائر، ولا لتبرير تردّي أوضاعهم المعيشية، وأن ذلك كله لم يعد يعني سوى التمسّك الشرس بمفاصل السلطة، والمزيد من الجمود والانكفاء على الماضي. والغريب أن يتحدّث الرئيس بوتفليقة عن أن "ما تمّ إنجازه خلال العقدين الماضيين لا يمكن أي جاحدٍ إنكاره"، في حين أن المواطن الجزائري يتساءل أين هي الإنجازات العظيمة، قبل الكرسي المتحرّك وبعده، هل تكمن فقط في الاستمرار في البقاء على كرسي الرئاسة فترة خامسة على التوالي، على الرغم من الكرسي المتحرّك، ومن الأمراض المزمنة التي أصابته؟