09 نوفمبر 2024
هل تكون قمة لإدارة الظهر للواقع؟
الاستعدادات جارية، وإن لم تكن على قدم وساق، لعقد قمة عربية جديدة تحتضنها تونس قبل انقضاء مارس/ آذار الجاري، على أن يتم كالمعتاد التمهيد لها باجتماع لوزراء الخارجية، وهؤلاء يعدّون في العادة البيان الختامي للقمة، بعد استبعاد نقاط الاختلاف، تاركين للقادة وضع اللمسات الأخيرة على البيان الختامي المتضمن للقرارات. ولعل أول ما يتبادر إلى الذهن حيال هذا الاستحقاق أن الظروف غير مناسبة لعقد هذا اللقاء، بما يجعل عقده معانداً لهذه الظروف غير المواتية، ومجرد امتثال لروتين الانعقاد الدوري (السنوي).
بين الظروف غير الملائمة، يبرز الوضع في الجزائر، حيث يجيش الشارع هناك مطالباً بالتغيير. والجزائر أحد أكبر البلدان العربية، ومن الأعضاء الناشطين في جامعة الدول العربية وهيئاتها. وسيكون محرجاً أن تتمثل الجزائر بوفد رسمي، فيما الشارع يغلي بنداءات التغيير، وأن يبقى مقعد هذا البلد خالياً أمر محرج، لأنه يدل على فراغ سياسي كبير هناك. وينسحب ذلك على السودان، على الرغم من الهدوء النسبي للاحتجاحات فيه، فقد جهرت سائر القوى الاجتماعية والسياسية بالدعوة إلى التغيير، وقد لجأ النظام هناك إلى سياسة شراء الوقت، أسوة بالنظام الجزائري. وسوف يسوء السودانيين رؤية من يشكّكون بتمثيل شعبهم في القمة، وكأن شيئاً لم يحدث في بلادهم.
وتمتد مشكلة التمثيل إلى سورية؛ فعلى الرغم من هدوء المواجهات نسبياً، إلا أن البلد ما زال يعيش على وقع الكارثة الاجتماعية والإنسانية، مع استمرار الاستعصاء السياسي، وذلك في ظل رفض كل من النظام وإيران وروسيا الحل السياسي، وهو ما يدركه شطر كبير من الدول العربية التي تتريث في إعادة التبادل الدبلوماسي مع دمشق، بما يبقي المقعد السوري فارغاً إلى إشعار آخر. وما زال الوضع في ليبيا أقرب إلى الرمال الساخنة المتحرّكة، فهناك سلطة معترف بها دولياً في طرابلس، وسلطة أخرى تحتكم إلى التجييش، وتلقى بعض الاعتراف بها عربياً ودولياً. تُضاف إلى ذلك الأزمة الخليجية التي لم توضع بعد على سكة الحل، والتي يشهد استمرارها على ضعف النظام العربي، ومنه مجلس التعاون الخليجي، في استيعاب أزماته ومعالجتها.
ليست هذه هي الأمثلة الوحيدة على الوضع الرجراج الذي تشهده بعض مكونات الجغرافيا
السياسية، لكنها الأمثلة الأبرز التي لا تخطئها العين المجرّدة. وفي العادة، فإن القمم العربية لا تخاطب الشعوب بشيءٍ، حول أوضاعها الداخلية، غير أنها، بحكم طبيعتها وتكوينها، تقف إلى جانب الاستمرارية لا التغيير، وإن كان هناك استثناء نادر، إذ وقفت القمة العربية في العام 2012 مع شعب سورية.
ومن المفارقات أن تونس التي تستحق لقب عاصمة الربيع العربي، لكون موجة الربيع انطلقت منها، هي التي تستضيف القمة، بما يجعل احترام ارادة الشعوب وخياراتها احتراماً للبلد المضيف وخياراته. وتشاء الأقدار أن يشهد بلد مجاور لتونس، هو الجزائر، محطة جديدة من هذه الموجة في الآونة ذاتها التي تنعقد فيها القمة. وأياً كانت قرارات القمة، فسوف تبدو باهتةً مقارنة بالحراكات الشعبية في غير بلد، وخصوصاً بعدما اجتهد مجتهدون، وتفيهق متفيهقون، على مدار السنوات القليلة الماضية، أن الربيع العربي خريف، وأنه ربيع عبري، وأنه قد مات، وبعدما تبين أن بعض سدنة اليسار والتقدميين يخشون على سلطاتهم الرمزية المزعومة التي هدّدتها حركة الشارع، بمثل ما تخشى الأنظمة على كراسي الحكم.
وإلى ما تقدم، يبرز تطور منتظر، سوف يفرض نفسه على القمة الثلاثين في تونس، ويتصل بصفقة الرئيس الأميركي ترامب (صفقة القرن)، فواشنطن، صاحبة الصفقة، تنشط، منذ نحو عام مضى، في فتح ثغراتٍ في الموقف العربي، وتسعى إلى تقديم رشىً اقتصادية، ولتصوير أن تصفية القضية الفلسطينية وطي صفحتها يخدم مسألة التركيز على الخطر الإيراني، ويجذب دولة الاحتلال، كي تلقي بثقلها في مواجهة هذا الخطر. وهناك من يصغي لمثل هذه التخريجات
المسمومة، غير أن القمة لن تخرج بسوى إعاة التأكيد على قرارات القمم السابقة: حل الدولتين، إحداهما دولة فلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، غير أن هذا الحل اللفظي السهل لن يعالج تعقيدات الواقع، أو يغطي عليها، فالولايات المتحدة لم تعد تتحدّث عن حل الدولتين، حتى أنها أخذت تحجب صفة الاحتلال عن الأمر الواقع القائم في الضفة الغربية والجولان. وأن تكتفي القمة بموقفٍ عام ومكرّر، من دون تسمية خطة ترامب، وبغير رفض جوهر هذه الخطة، سيفاقم حالة الشكوك لدى الرأي العام العربي إزاء السياسات الفعلية التي لا يجهر بها عادة محفل القمة. علماً أن القمم لا تتوفر على أية آلية لمتابعة تنفيذ القرارات، بما يجعل من هذه المناسبة، في هذا الظرف بالذات، فرصة للخطابة، وللتدليل على ما أصاب النظام العربي ومؤسساته الجامعة من عجز وترهل، ومن تباعد عن المطامح الواقعية للرأي العام العربي.
يستذكر المرء، في هذه المناسبة، أن القمة العربية التي كانت مقرّرة في بغداد عام 2011 قد جرى تأجيلها إلى العام اللاحق، تحت "ضغط" موجة الربيع العربي التي كانت تشهد إحدى ذرواتها آنذاك. وقد بدت تلك الخطوة آنذاك، من حيث الشكل والمظهر، تنم عن "احترام" إرادة الشارع العربي، بانتظار ما سوف تسفر عنه هذه الموجة، ولئن كانت الموجة الجديدة أقل زخماً مما كان عليه الأمر قبل ثماني سنوات، إلا أن أحداً لا يماري بعودة الروح إلى الشارع العربي، ممثلة بالانتفاض على الحكم العسكري في كل من السودان والجزائر. وقد كان من الأكرم لو أن القادة العرب رفعوا الحرج عن أنفسهم بتأجيل قمة تونس، إذ أقل ما يقال إن الشعوب في واد والقمة في واد آخر.
بين الظروف غير الملائمة، يبرز الوضع في الجزائر، حيث يجيش الشارع هناك مطالباً بالتغيير. والجزائر أحد أكبر البلدان العربية، ومن الأعضاء الناشطين في جامعة الدول العربية وهيئاتها. وسيكون محرجاً أن تتمثل الجزائر بوفد رسمي، فيما الشارع يغلي بنداءات التغيير، وأن يبقى مقعد هذا البلد خالياً أمر محرج، لأنه يدل على فراغ سياسي كبير هناك. وينسحب ذلك على السودان، على الرغم من الهدوء النسبي للاحتجاحات فيه، فقد جهرت سائر القوى الاجتماعية والسياسية بالدعوة إلى التغيير، وقد لجأ النظام هناك إلى سياسة شراء الوقت، أسوة بالنظام الجزائري. وسوف يسوء السودانيين رؤية من يشكّكون بتمثيل شعبهم في القمة، وكأن شيئاً لم يحدث في بلادهم.
وتمتد مشكلة التمثيل إلى سورية؛ فعلى الرغم من هدوء المواجهات نسبياً، إلا أن البلد ما زال يعيش على وقع الكارثة الاجتماعية والإنسانية، مع استمرار الاستعصاء السياسي، وذلك في ظل رفض كل من النظام وإيران وروسيا الحل السياسي، وهو ما يدركه شطر كبير من الدول العربية التي تتريث في إعادة التبادل الدبلوماسي مع دمشق، بما يبقي المقعد السوري فارغاً إلى إشعار آخر. وما زال الوضع في ليبيا أقرب إلى الرمال الساخنة المتحرّكة، فهناك سلطة معترف بها دولياً في طرابلس، وسلطة أخرى تحتكم إلى التجييش، وتلقى بعض الاعتراف بها عربياً ودولياً. تُضاف إلى ذلك الأزمة الخليجية التي لم توضع بعد على سكة الحل، والتي يشهد استمرارها على ضعف النظام العربي، ومنه مجلس التعاون الخليجي، في استيعاب أزماته ومعالجتها.
ليست هذه هي الأمثلة الوحيدة على الوضع الرجراج الذي تشهده بعض مكونات الجغرافيا
ومن المفارقات أن تونس التي تستحق لقب عاصمة الربيع العربي، لكون موجة الربيع انطلقت منها، هي التي تستضيف القمة، بما يجعل احترام ارادة الشعوب وخياراتها احتراماً للبلد المضيف وخياراته. وتشاء الأقدار أن يشهد بلد مجاور لتونس، هو الجزائر، محطة جديدة من هذه الموجة في الآونة ذاتها التي تنعقد فيها القمة. وأياً كانت قرارات القمة، فسوف تبدو باهتةً مقارنة بالحراكات الشعبية في غير بلد، وخصوصاً بعدما اجتهد مجتهدون، وتفيهق متفيهقون، على مدار السنوات القليلة الماضية، أن الربيع العربي خريف، وأنه ربيع عبري، وأنه قد مات، وبعدما تبين أن بعض سدنة اليسار والتقدميين يخشون على سلطاتهم الرمزية المزعومة التي هدّدتها حركة الشارع، بمثل ما تخشى الأنظمة على كراسي الحكم.
وإلى ما تقدم، يبرز تطور منتظر، سوف يفرض نفسه على القمة الثلاثين في تونس، ويتصل بصفقة الرئيس الأميركي ترامب (صفقة القرن)، فواشنطن، صاحبة الصفقة، تنشط، منذ نحو عام مضى، في فتح ثغراتٍ في الموقف العربي، وتسعى إلى تقديم رشىً اقتصادية، ولتصوير أن تصفية القضية الفلسطينية وطي صفحتها يخدم مسألة التركيز على الخطر الإيراني، ويجذب دولة الاحتلال، كي تلقي بثقلها في مواجهة هذا الخطر. وهناك من يصغي لمثل هذه التخريجات
يستذكر المرء، في هذه المناسبة، أن القمة العربية التي كانت مقرّرة في بغداد عام 2011 قد جرى تأجيلها إلى العام اللاحق، تحت "ضغط" موجة الربيع العربي التي كانت تشهد إحدى ذرواتها آنذاك. وقد بدت تلك الخطوة آنذاك، من حيث الشكل والمظهر، تنم عن "احترام" إرادة الشارع العربي، بانتظار ما سوف تسفر عنه هذه الموجة، ولئن كانت الموجة الجديدة أقل زخماً مما كان عليه الأمر قبل ثماني سنوات، إلا أن أحداً لا يماري بعودة الروح إلى الشارع العربي، ممثلة بالانتفاض على الحكم العسكري في كل من السودان والجزائر. وقد كان من الأكرم لو أن القادة العرب رفعوا الحرج عن أنفسهم بتأجيل قمة تونس، إذ أقل ما يقال إن الشعوب في واد والقمة في واد آخر.