05 نوفمبر 2024
الحرب بدأت وأمر العمليات مؤجل
تغيب عن أذهان أغلب المراقبين المشغولين بالإجابة على سؤال الحرب، المطروح بإلحاح شديد، حقيقة أن الحرب الأميركية على إيران كانت قد بدأت قبل نحو عام، عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وأخذت بفرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ وتجاريةٍ ومصرفيةٍ صارمة، بلغت ذروتها قبل نحو أسبوعين، لدى فرض سلسلة أخرى من القيود على كامل الصادرات النفطية، ثم أتبعتها بحظر المتاجرة بقطاعي المعادن والبتروكيميائيات. هذه ليست كل ما تستخدمه واشنطن من أسلحةٍ فتاكة، ووسائل فعالة، وتكتيكاتٍ ناجعة، وأدواتٍ غير مسبوقة في الحرب الدائرة على قدم وساق ضد الجمهورية الإسلامية؛ إذ إلى جانب استراتيجية الضغوط القصوى، والخنق الاقتصادي الشامل، وقطع الشرايين، وتجفيف الموارد، هناك الحرب النفسية والاستخبارية والسيبرانية والدبلوماسية على مدار الساعة، وسياسة العصا بدون جزرة، فضلاً عن اعتبار إيران الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، إلى جانب تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية.
غير أن ما استحوذ على كامل الاهتمامات، واستأثر بمعظم التعليقات، كان رفع أميركا درجة استعدادها لإطلاق عملية عسكرية محتملة، وذلك حين أرسلت حاملة طائرات وقطعاً بحرية وقاذفات قنابل، ونصبت بطاريات الباتريوت والتوماهوك، ثم أعلنت عن زيادة التأهب العسكري في المنطقة، وسحبت بعض دبلوماسييها من العراق، الأمر الذي جعل كثيرين يتناسون حقيقة أن الحرب مشتعلة بضراوة، من دون دماء، ومنذ عام وأزيد، وأن ما تبقى هو أمر عملياتٍ لكتابة المشهد الأخير من حرب الخليج الثالثة.
ومع أن هناك بعض الشكوك إزاء صدور أمر العمليات هذا، في المدى القريب، نظراً لخطر اشتعال النار في أكثر بقاع الأرض قابلية للاحتراق، وجسامة التبعات المترتبة على حريقٍ كهذا، إلا أن هناك شكوكاً مقابلة إزاء قدرة إيران على التعايش مع مضاعفات حربٍ قائمةٍ بالفعل، حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأقل، أي عقد رهان على متغير خارج نطاق السيطرة، تحت ضغوطٍ مؤلمةٍ ومتفاقمة، تهلك الزرع والضرع، وتضرب تحت الخاصرة، وتمنع عوائد الصادرات النفطية وغير النفطية، ناهيك بتقويض سعر العملة الوطنية.
في إطار هذه اللعبة الجارية بانضباطٍ شديد، وتقيّد إيراني تام بقواعد الحذر والتحوط، من المرجح ألا تستعجل أميركا إصدار أمر العمليات العسكرية المؤجل، وليس هناك ما يدعوها إلى الاستعجال، طالما أن حربها القائمة بوتيرةٍ منخفضةٍ تؤتي أكلها، وتفي بالغرض، من دون أن تضطر الدولة العظمى إلى إطلاق رصاصة واحدة، أو القيام بأي مجازفة، إلا أنه من غير المرجح، في المقابل، أن تستكين إيران أمام استمرار حرب شاملة، حتى وإن كانت من غير سفك دماء، وأن تصبر على آلامها المبرحة، حتى لا نقول موتها التدريجي البطيء.
على هذه الخلفية، تدّعي أميركا أنها لا تريد الحرب مع إيران، وأنها تأمل اتصال جواد ظريف، مثلاً، بالبيت الأبيض على رقم هاتفٍ أودعته إدارة ترامب لدى سويسرا، وتتجاهل، في الوقت نفسه، أن سياق الأزمة تصعيدي، وأنه يقترب من نقطة اللاعودة، فوق أن واشنطن لم تعط إيماءة إيجابية صغيرة، أو تقرن عرضها التفاوضي بليونةٍ ما حيال شروطها الاثني عشر التعجيزية، ما يعني، في واقع الأمر، أن صقور الإدارة يدفعون بإيران دفعاً، بل ويستدرجونها، إلى تقديم الذريعة الملائمة لإصدار أمر العمليات.
مثل هذا الاستنتاج القائل إن الحرب بدأت، وإن أمر العمليات العسكرية مؤجل إلى أن تأزف لحظةٌ مؤاتية، وتنضج ذريعة وجيهة وقوية، وغير مختلف عليها في الولايات المتحدة، كاستهداف قطعةٍ بحريةٍ أو قاعدة عسكرية، نقول إن هذا الاستنتاج سيظل خلافياً إلى أن يحقق الخداع الاستراتيجي غايته، ويتم بناء القوة واستكمال المسرح الذي يعد له رئيس أميركي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. من بين جملة التعريفات المتعلقة بمفهوم الحرب، يتبدى أن أفضل تعريف لهذا المفهوم الملتبس ما لخّصه أبو النظرية الاستراتيجية في العصر الحديث، الجنرال والمؤرخ البروسي كارل فون كلاوسفيتز، حين قال إن "الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى"، وهو قولٌ أحسب أنه ينطبق بدرجة تامة على أداء إدارة ترامب ومعالجتها المديدة لأزمتها الإيرانية المستعصية.
ومع أن هناك بعض الشكوك إزاء صدور أمر العمليات هذا، في المدى القريب، نظراً لخطر اشتعال النار في أكثر بقاع الأرض قابلية للاحتراق، وجسامة التبعات المترتبة على حريقٍ كهذا، إلا أن هناك شكوكاً مقابلة إزاء قدرة إيران على التعايش مع مضاعفات حربٍ قائمةٍ بالفعل، حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأقل، أي عقد رهان على متغير خارج نطاق السيطرة، تحت ضغوطٍ مؤلمةٍ ومتفاقمة، تهلك الزرع والضرع، وتضرب تحت الخاصرة، وتمنع عوائد الصادرات النفطية وغير النفطية، ناهيك بتقويض سعر العملة الوطنية.
في إطار هذه اللعبة الجارية بانضباطٍ شديد، وتقيّد إيراني تام بقواعد الحذر والتحوط، من المرجح ألا تستعجل أميركا إصدار أمر العمليات العسكرية المؤجل، وليس هناك ما يدعوها إلى الاستعجال، طالما أن حربها القائمة بوتيرةٍ منخفضةٍ تؤتي أكلها، وتفي بالغرض، من دون أن تضطر الدولة العظمى إلى إطلاق رصاصة واحدة، أو القيام بأي مجازفة، إلا أنه من غير المرجح، في المقابل، أن تستكين إيران أمام استمرار حرب شاملة، حتى وإن كانت من غير سفك دماء، وأن تصبر على آلامها المبرحة، حتى لا نقول موتها التدريجي البطيء.
على هذه الخلفية، تدّعي أميركا أنها لا تريد الحرب مع إيران، وأنها تأمل اتصال جواد ظريف، مثلاً، بالبيت الأبيض على رقم هاتفٍ أودعته إدارة ترامب لدى سويسرا، وتتجاهل، في الوقت نفسه، أن سياق الأزمة تصعيدي، وأنه يقترب من نقطة اللاعودة، فوق أن واشنطن لم تعط إيماءة إيجابية صغيرة، أو تقرن عرضها التفاوضي بليونةٍ ما حيال شروطها الاثني عشر التعجيزية، ما يعني، في واقع الأمر، أن صقور الإدارة يدفعون بإيران دفعاً، بل ويستدرجونها، إلى تقديم الذريعة الملائمة لإصدار أمر العمليات.
مثل هذا الاستنتاج القائل إن الحرب بدأت، وإن أمر العمليات العسكرية مؤجل إلى أن تأزف لحظةٌ مؤاتية، وتنضج ذريعة وجيهة وقوية، وغير مختلف عليها في الولايات المتحدة، كاستهداف قطعةٍ بحريةٍ أو قاعدة عسكرية، نقول إن هذا الاستنتاج سيظل خلافياً إلى أن يحقق الخداع الاستراتيجي غايته، ويتم بناء القوة واستكمال المسرح الذي يعد له رئيس أميركي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته. من بين جملة التعريفات المتعلقة بمفهوم الحرب، يتبدى أن أفضل تعريف لهذا المفهوم الملتبس ما لخّصه أبو النظرية الاستراتيجية في العصر الحديث، الجنرال والمؤرخ البروسي كارل فون كلاوسفيتز، حين قال إن "الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى"، وهو قولٌ أحسب أنه ينطبق بدرجة تامة على أداء إدارة ترامب ومعالجتها المديدة لأزمتها الإيرانية المستعصية.
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024