21 يوليو 2024
عن حفتر.. ودور فرنسي ملتبس
مع مرور شهر على محاولة زحف قوات الضابط العجوز خليفة حفتر على طرابلس التي "توقع تحريرها خلال 48 ساعة" في كلمته إلى الوحدات العسكرية فجر الجمعة 5 أبريل/ نيسان الماضي، يبدو المشهد الليبي ممزقا، تردت الأوضاع المعيشية في المدينة المنكوبة إلى الفوضى، وقد ذكر مهجرون قادمون منها إلى تونس أن الأهالي يعيشون وضعا دراماتيكيا يسيطر عليه الخوف من تسارع الأحداث، في ظل تحركات خليفة حفتر للحصول على الدعم المصري، بوصف القاهرة الساحة الخلفية لتحرك قواته باتجاه العاصمة، مستثمرا الفيتو الروسي لمنع المشروع السياسي الأممي لحل الأزمة الليبية. وفي خلفية هذا الانعطاف الخطير، ذكر محللون فرنسيون أن زحف حفتر على طرابلس يحظى بضوء أخضر من فرنسا "فلولا وجود تلك الموافقة لما استطاع تحريك قواته في اتجاه طرابلس"، وهو ما لم يتجاسر على فعله من قبل.
بهذا المعنى، يبدو هجوم حفتر على العاصمة الليبية، الأكثر سكانا، امتدادا للمناكفات الإيطالية الفرنسية التي تطورت، أخيرا، إلى تراشق دبلوماسي وإعلامي بين كبار المسؤولين، فقد انتقد رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاجاني، في تصريح له بشان الوضع في طرابلس الدور الذي لعبته فرنسا وبريطانيا في هذا المجال، وقال، على خلفية مزاعم وزير الداخلية الإيطالي، ماثيو سالفيني، إن المصالح الاقتصادية لبلد أجنبي يمكن أن تكون وراء العملية العسكرية التي شنت ضد العاصمة الليبية، وقال تاجاني لشبكة الأخبار الإيطالية، سكاي تي في 24، "قلنا دائما إن لدى فرنسا وإيطاليا مصالح منفصلة في ليبيا، إلى درجة أن ساركوزي كان أحد المؤيدين الأقوياء لإطاحة معمر القذافي إلى جانب الأميركيين والبريطانيين". وأضاف "فرنسا ارتكبت خطأ تاريخيا دراماتيكيا على أمل وجود أقوى في ليبيا، ولكن في نهاية المطاف لا يوجد شيء سوى الفوضى، ودفعنا الثمن من خلال تدفقات الهجرة المستمرة".
في إطار تصفية حسابات فرنسية إيطالية على الأراضي الليبية بأدواتٍ محلية، يقودها حفتر،
يمكن الإشارة إلى عنصر تاريخي، يتمثل في إقدام قوات الاحتلال الإيطالي، بقيادة الجنرال غرازياني، على شنق قائد المقاومة المسلحة شيخ المجاهدين، عمر المختار، في المنطقة الشرقية (سلوق ليبيا 1931) ما جعل الإيطاليين غير محبوبين في ليبيا. وفي المقابل استفاد الفرنسيون من الصورة الإيجابية التي ترسخت عنهم لدى أهالي الشرق، على اعتبار أنهم الذين حالوا دون دخول دبابات معمر القذافي إلى مدينة بنغازي إبّان ثورة 17 فبراير في 2011. أكثر من ذلك، رجّح محللون "أن حفتر سعى إلى إحكام قبضته على حقول الهلال النفطي منذ يونيو/ حزيران الماضي، مع تشجيع فرنسي لنقل مؤسسة النفط الوطنية إلى بنغازي، كي يستحوذ على عوائد النفط، ويخنق حكومة الوفاق التي يقودها فائز السراج ماليا ويشل أعمالها".
منطقيا، والكلام هنا، لصحيفة لوموند الفرنسية، لا يمكن للضابط الساعي إلى حكم ليبيا بأسرها، "أن يقدم على سلسلة الخطوات العسكرية والمبادرات السياسية التي قام بها، وخصوصا السيطرة على الهلال النفطي، مصدر الثروة الليبية الأهم في ليبيا، من دون ضوء أخضر ودعم من فرنسا، وهذا ما جعل الأطراف الأخرى تعترض على خطة حفتر، وتفرض عليه العدول عن تغيير وضع مؤسسة النفط الوطنية، وخصوصا بعد تداعيات انقسام مصرف ليبيا المركزي إلى مصرفين في طرابلس والبيضاء".
وقد ذكرت مجلة "شؤون ليبية" التي يصدرها في تونس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا، في عددها في مارس/ آذار الماضي، أن خلف هذه التجاذبات صراعا ضاريا بين روما وباريس، محوره ثروة ليبيا النفطية، وطرفاه المجموعتان اللدودتان، إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، ووصل هذا الصراع إلى ذروته، مع توجيه وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيت ترانتا، اتهامات لفرنسا بأنها المتسببة في الأوضاع الراهنة التي وصلت إليها ليبيا، بفعل تدخلها العسكري في العام 2011 و"وضع مصالحها فوق مصالح ليبيا وأوروبا"، بحسب ما كتبت ترانتا. ويعزو مراقبون فرنسيون بعدما توالت التصريحات المماثلة من مسؤولين إيطاليين، تدهور العلاقات الثنائية إلى مستوى لم تبلغه منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي رصد لدورها فيما آلت إليه الأوضاع في ليبيا، لم تخف باريس ارتياحها لسيطرة قوات حفتر على مثلث المدن الرئيسية في الجنوب الليبي، سبها ومرزوق وأوباري، وبرّرت وزارة الخارجية الفرنسية ذلك التأييد بأن ضربات حفتر استهدفت جماعات إرهابية تحصنت في جنوب ليبيا، بعد اندحارها من مدينة سرت. ويقول أنصار حفتر إنه لم يبق أمام الجيش بعد السيطرة على الجنوب سوى الشريط الساحلي الممتد من مصراتة إلى الزاوية بطول 270 كيلومترا.
وعلى خلفية هذا الدور الفرنسي الملتبس في دعم حفتر، يفيد محللون محايدون بأن باريس
ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ تدل مؤشرات عدة على أنها تدعم الرئيس التشادي، إدريس ديبي، ضد المعارضة المسلحة، وتسعى إلى وضع الأخيرة بين المطرقة والسندان، كي تستتب لها السيطرة على جنوب ليبيا وشمال تشاد، إذ لا تخفى على هؤلاء المحللين الأطماع الفرنسية القديمة إزاء منطقة "فزان العائمة على بحيرة من نفط". وقد نفذت فرنسا غارات لطائرات الميراج 2000 آتية من قاعدة نجامينا ضد قوافل المعارضة التشادية، في إطار العملية الواسعة التي أطلقت عليها باريس اسم "عملية برخان". وتعترض قبائل التبو الليبية - التشادية المستقرة في منطقة فزان على دور حفتر في الجنوب الليبي، وتتهمه بزعزعة التوازنات القائمة هناك منذ ثماني سنوات.
رجلا فرنسا، حفتر وديبي، يقيمان علاقات متينة، فقد زار المشير نجامينا مرات، وأعلن الرجلان أنهما يخوضان حربا مشتركة ضد الجماعات المسلحة وعصابات التهريب العابر للحدود.. ولكن التقارير الاستراتيجية الواردة من باريس تؤكد حرص فرنسا على بقاء الرئيس التشادي في سدة الحكم، وهو هدفٌ لا يتحقق من دون الاعتماد على خليفة حفتر في المساعدة على "تطهير" الجنوب الليبي من فصائل المعارضة التشادية المسلحة، والمنتشرة على طول الحدود بين البلدين بطول 4389 كيلومترا. ويعتبر هذا العمل مكملا لدور الجيش الفرنسي المتمركز في محيط العاصمة التشادية نجامينا.
وبالعودة إلى ما نقله مهجرون من طرابلس وصلوا إلى تونس، فإن سكان المنطقة الغربية،
وخصوصا طرابلس، يبدون مخاوف شديدة من تمدّد قوات حفتر غربا، وصولا إلى طرابلس، ومن تراجع الحريات أسوة بالمنطقة الشرقية التي يحكمها رجال الضابط المذكور. "فبعد ما احتجبت الصحف، وتعثرت المحطات الإذاعية، وهاجرت القنوات التلفزيونية المحلية إلى إسطنبول. شملت حملات الدهم إغلاق مقهى في بنغازي، بدعوى أنه كان سيحتضن "حفلة ماجنة مختلطة بين الذكور والإناث"، وهو ما نفاه بشدة أصحاب المقهى الذين تم اعتقالهم لدى قفل المحل. ويُعزى هذا التشدد إلى تحالف حفتر مع التيار المدخلي الذي ظهر في ليبيا خلال العقد الأخير من حكم القذافي، ومن مبادئه تحريم الانتخابات والديمقراطية وطاعة ولي الأمر طاعة مطلقة. ويمكن اعتبار قول خليفة حفتر، في أكثر من حديث صحافي، إن "ليبيا غير ناضجة للديمقراطية"، القاسم المشترك مع حلفائه المداخلة. ولكن يبدو أن ما يهم الدور الملتبس لفرنسا هو السعي إلى تهيئة "المشير" لدور متقدّم.
بهذا المعنى، يبدو هجوم حفتر على العاصمة الليبية، الأكثر سكانا، امتدادا للمناكفات الإيطالية الفرنسية التي تطورت، أخيرا، إلى تراشق دبلوماسي وإعلامي بين كبار المسؤولين، فقد انتقد رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاجاني، في تصريح له بشان الوضع في طرابلس الدور الذي لعبته فرنسا وبريطانيا في هذا المجال، وقال، على خلفية مزاعم وزير الداخلية الإيطالي، ماثيو سالفيني، إن المصالح الاقتصادية لبلد أجنبي يمكن أن تكون وراء العملية العسكرية التي شنت ضد العاصمة الليبية، وقال تاجاني لشبكة الأخبار الإيطالية، سكاي تي في 24، "قلنا دائما إن لدى فرنسا وإيطاليا مصالح منفصلة في ليبيا، إلى درجة أن ساركوزي كان أحد المؤيدين الأقوياء لإطاحة معمر القذافي إلى جانب الأميركيين والبريطانيين". وأضاف "فرنسا ارتكبت خطأ تاريخيا دراماتيكيا على أمل وجود أقوى في ليبيا، ولكن في نهاية المطاف لا يوجد شيء سوى الفوضى، ودفعنا الثمن من خلال تدفقات الهجرة المستمرة".
في إطار تصفية حسابات فرنسية إيطالية على الأراضي الليبية بأدواتٍ محلية، يقودها حفتر،
منطقيا، والكلام هنا، لصحيفة لوموند الفرنسية، لا يمكن للضابط الساعي إلى حكم ليبيا بأسرها، "أن يقدم على سلسلة الخطوات العسكرية والمبادرات السياسية التي قام بها، وخصوصا السيطرة على الهلال النفطي، مصدر الثروة الليبية الأهم في ليبيا، من دون ضوء أخضر ودعم من فرنسا، وهذا ما جعل الأطراف الأخرى تعترض على خطة حفتر، وتفرض عليه العدول عن تغيير وضع مؤسسة النفط الوطنية، وخصوصا بعد تداعيات انقسام مصرف ليبيا المركزي إلى مصرفين في طرابلس والبيضاء".
وقد ذكرت مجلة "شؤون ليبية" التي يصدرها في تونس المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا، في عددها في مارس/ آذار الماضي، أن خلف هذه التجاذبات صراعا ضاريا بين روما وباريس، محوره ثروة ليبيا النفطية، وطرفاه المجموعتان اللدودتان، إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية، ووصل هذا الصراع إلى ذروته، مع توجيه وزيرة الدفاع الإيطالية، إليزابيت ترانتا، اتهامات لفرنسا بأنها المتسببة في الأوضاع الراهنة التي وصلت إليها ليبيا، بفعل تدخلها العسكري في العام 2011 و"وضع مصالحها فوق مصالح ليبيا وأوروبا"، بحسب ما كتبت ترانتا. ويعزو مراقبون فرنسيون بعدما توالت التصريحات المماثلة من مسؤولين إيطاليين، تدهور العلاقات الثنائية إلى مستوى لم تبلغه منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي رصد لدورها فيما آلت إليه الأوضاع في ليبيا، لم تخف باريس ارتياحها لسيطرة قوات حفتر على مثلث المدن الرئيسية في الجنوب الليبي، سبها ومرزوق وأوباري، وبرّرت وزارة الخارجية الفرنسية ذلك التأييد بأن ضربات حفتر استهدفت جماعات إرهابية تحصنت في جنوب ليبيا، بعد اندحارها من مدينة سرت. ويقول أنصار حفتر إنه لم يبق أمام الجيش بعد السيطرة على الجنوب سوى الشريط الساحلي الممتد من مصراتة إلى الزاوية بطول 270 كيلومترا.
وعلى خلفية هذا الدور الفرنسي الملتبس في دعم حفتر، يفيد محللون محايدون بأن باريس
رجلا فرنسا، حفتر وديبي، يقيمان علاقات متينة، فقد زار المشير نجامينا مرات، وأعلن الرجلان أنهما يخوضان حربا مشتركة ضد الجماعات المسلحة وعصابات التهريب العابر للحدود.. ولكن التقارير الاستراتيجية الواردة من باريس تؤكد حرص فرنسا على بقاء الرئيس التشادي في سدة الحكم، وهو هدفٌ لا يتحقق من دون الاعتماد على خليفة حفتر في المساعدة على "تطهير" الجنوب الليبي من فصائل المعارضة التشادية المسلحة، والمنتشرة على طول الحدود بين البلدين بطول 4389 كيلومترا. ويعتبر هذا العمل مكملا لدور الجيش الفرنسي المتمركز في محيط العاصمة التشادية نجامينا.
وبالعودة إلى ما نقله مهجرون من طرابلس وصلوا إلى تونس، فإن سكان المنطقة الغربية،
دلالات
مقالات أخرى
25 اغسطس 2023
02 اغسطس 2023
14 يوليو 2023