15 نوفمبر 2022
تركيا.. "العدالة والتنمية" ومراجعة الأخطاء
زادت الهزيمة التي مُني بها، في تركيا، حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في الانتخابات المحلية أخيراً المخاوفَ والانتقادات في أوساط القاعدة الشعبية للحزب، فقد مهدت الإخفاقات التي استجدت أخيراً الطريقَ أمام هذه القاعدة الشعبية ليعلو صوتها بالنقد، وليُطرح للمرة الأولى وبقوة، السؤال الأهم: هل في مقدور "العدالة والتنمية" تجديد نفسه، وأن يلبي مطالب الناخبين وأنصاره؟ هل ينوي الشروع بالإصلاحات المطلوبة، وهل هو جاهز لاستيعاب هذه الانتقادات؟
هناك من بات ينتقد ما تُسمّى "بطانة الرئيس"، وكيف أسهمت هذه في إخفاقات الحزب، إلا أن هناك من يلتمس الأعذار لقادة الحزب الحاكم، ويقول إن الرئيس أردوغان "تم تضليله". وتتضمن أطروحة "التضليل" الحديث عن خياراتٍ كارثية اُتخِذت في انتخابات بلدية إسطنبول. بل يتعدّى ذلك إلى انتقاد سلوك مسؤولي حزب العدالة والتنمية، والذي سبب "القطيعة بين الحزب والقاعدة الشعبية التقليدية، ويتم أيضاً انتقاد ضعف علاقة المسؤولين الجدد مع الناس، وعدم قراءة عواطف الشارع كما كان من قبل، كما اتساع الفروق الطبقية بين الناخبين للحزب". من بين المشكلات التي باتت أكثر ذكراً، آثار الثراء السريع التي باتت تتبدّى على كثيرين من مسؤولي الحزب، في الوقت الذي تعاني القاعدة الشعبية من مصاعب العيش على المستويين، الاقتصادي والاجتماعي.
ومن بين الملاحظات التي يتم تداولها بين مسؤولين في الحزب عدم قدرة أجهزته على استيعاب ردود الأفعال للقاعدة الشعبية بشأن الفساد ومشكلة التوظيف الحزبي والإرهاق النفسي، بسبب خطاب المواجهة التخويني الشرس، والمعاناة الاقتصادية، والخطاب الاستقطابي المجتمعي، ويتبنى هذه الطروحات بعض الحزبيين الذين ابتعدوا عن قصر الرئاسة، وعن واجهة الحزب. ويزعم بعض هؤلاء، على الرغم من انتقاداتهم، إن أردوغان تم تضليله وإساءة توجيهه، ويحملون مسؤولية الإخفاق إلى كوادر قصر الرئاسة، والقريبين من الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث يعتبر المنتقدون هؤلاء إن الكوادر الحزبية والسياسية المحيطة بأردوغان آثرت المال والجاه على حساب المصالح الوطنية العليا.
معروفٌ أنه تم اتخاذ بعض الخطوات داخل حزب العدالة والتنمية باتجاه التغيير، حيث أبدى أردوغان ملاحظاته إبّان الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي حول المشكلات
الداخلية للحزب، والذي بات يعاني مما يُعرف بـ "تعب المعادن"، حسب رأيه وشرع بإجراء تعديلات في الهيكلية الحزبية، وفي مؤسسة رئاسة الوزراء، وفي تغيير رئاسة بلديات اسطنبول وأنقرة وبورصة، وذلك قبل الانتخابات المحلية أخيراً.
لقد بذل حزب العدالة والتنمية بعد تلك التبديلات جهوداً مكثفة من أجل الفوز في الانتخابات، ولكن ما أثبتته الوقائع اللاحقة والخسارة في رئاسة بعض البلديات، وخصوصاً الخسارة المزدوجة في بلدية اسطنبول الكبرى، أن إجراءات الإصلاحات المحدودة في بنية الحزب والمؤسسات الحكومية والمحلية لم تكن كافيةً ليحقق ما ابتغاه الرئيس أردوغان من نتائج في الانتخابات المحلية، فقد أثبتت تلك النتائج أن إصلاحات أكبر وأعمق كان يجب أن تتخذها إدارة الحزب، وعلى المستويات كافة. ومن الانتقادات التي يتم توجيهها توزيرُ صهر أردوغان، والذي تعتبره أوساط مؤيدة للحزب من قبيل المحسوبية السياسية، وأن هذا الوزير ليس ذا كفاءةٍ لمنصبه، كما يتم توجيه الانتقادات إلى وزير الداخلية، سليمان صويلو، وآخرين من وزراء الحكومة.
بماذا يفكر الناخب لحزب العدالة والتنمية؟ يتصور جزءٌ من أنصار الحزب إن إلغاء الانتخابات التي فاز فيها المرشح لحزب المعارضة، أكرم إمام أوغلو، كان قراراً غير عادل. كما بات الملل من وتيرة عمل الحزب عنصراً آخر، يعيق تحفيز المشاعر وتحريك الطاقات لتدني الآمال في إصلاحات عميقة وجذرية، ولا بد منها.
لقد بات في الوسع متابعة الانتقادات الحزبية الداخلية من خلال أربع فئات من الناخبين، فالذين يميلون إلى الانشقاق من الحزب، أو الذين تخلوا عن التصويت لحزب العدالة والتنمية، يشيرون إلى أنه كانت هناك دوماً مشكلات وإساءات في الحكم، منذ فترة تأسيس الجمهورية التركية، وأن ما يعيشه الحزب الآن هو امتداد لهذه المشكلات، وأن حزب العدالة والتنمية ورث هذه
المتاعب، وبالتالي لا يمكن له تجديد نفسه أو إصلاح حاله. ويعتقد هؤلاء إنه لا يمكن معالجة المشكلات، أو إنقاذ البلد إلا بمغادرة الحزب السلطة. بالأحرى، أن التغيير المنشود عند هؤلاء يعتمد على تخلّي الحزب عن السلطة. والمجموعة الثانية هي المتشائمة، والتي لا ترى أن هناك إمكانيات حقيقية للإصلاح وترى في نفسها عدم القدرة على أن تكون من المطالبين النشطين والفاعلين بالإصلاح، وتعتبر نفسها أقرب إلى موقف المراقب السلبي. المجموعة الثالثة هي من المحازبين المتفائلين، والذين يمكن توصيفهم بأنهم متأصّلون ومتجذّرون في الانتماء إلى الحزب، وهم يريدون تغييراً حقيقياً. ولا يحبّذون التعبير عن الشكاوى والانتقادات بشأن سياسات الحزب وممارساته. وهم حريصون على التغيير الداخلي في الحزب، ومؤمنون بأن البقاء في السلطة يستدعي التغيير الداخلي. الفئة الرابعة من أنصار حزب العدالة والتنمية تريد احتراماً لانتقادات المؤيدين من القاعدة الشعبية للحزب. وتمدّد الإحساس بأن الروابط بين الشعب والحزب تضعف يوماً بعد يوم، ويقوى الخطاب الانتقادي لهذه الشريحة من القاعدة الشعبية للحزب. ويفكّر هؤلاء بأنهم لا يجدون آذاناً صاغية في أعلى مراتب الحزب، وأن صوت المسؤولين رفيعي المستوى يعلو على أصواتهم، وأن الذين يحسّون أنهم لا يجدون آذاناً صاغية، يميلون إلى عدم الاستماع لصوت مَن في الأعلى.
وفي النتيجة، يريد الكل التخلص من هذه السياسات الاستقطابية التي تؤدي إلى استنزاف الحزب. ولذلك يتم تبني خطاب بن علي يلدريم الهادئ في الحزب، وأسلوب أكرم إمام أوغلو البعيد عن المشاكسة والعراك في المجتمع التركي بشكل عام.
ولقد انجر النقاش والسباق في أثناء الحملات الانتخابية للأحزاب إلى مزالق عاطفية شابها كثير من الانقسام الحزبي. وترى معظم الاستطلاعات في تركيا أن ممارسة السياسة عبر العواطف لا تجلب النتائج المطلوبة، فقد انقسم مصوّتو حزب العدالة والتنمية بين من يقول إنه سوف يصوّت لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، ومن يقول إنه سوف يلتزم بالتصويت لحزب العدالة والتنمية. ولكن هناك أيضاً شريحة أخرى في المجتمع التركي باتت متردّدة، ملولة، متعبة وغير مبالية. وفي الحقيقة جعل السباق الانتخابي مشكلات الحياة اليومية في السنوات الأخيرة أكثر إلحاحاً بعد إعادة الانتخابات، وأدى إلى ازدياد هذا الملل والتعب.
ومن بين الملاحظات التي يتم تداولها بين مسؤولين في الحزب عدم قدرة أجهزته على استيعاب ردود الأفعال للقاعدة الشعبية بشأن الفساد ومشكلة التوظيف الحزبي والإرهاق النفسي، بسبب خطاب المواجهة التخويني الشرس، والمعاناة الاقتصادية، والخطاب الاستقطابي المجتمعي، ويتبنى هذه الطروحات بعض الحزبيين الذين ابتعدوا عن قصر الرئاسة، وعن واجهة الحزب. ويزعم بعض هؤلاء، على الرغم من انتقاداتهم، إن أردوغان تم تضليله وإساءة توجيهه، ويحملون مسؤولية الإخفاق إلى كوادر قصر الرئاسة، والقريبين من الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث يعتبر المنتقدون هؤلاء إن الكوادر الحزبية والسياسية المحيطة بأردوغان آثرت المال والجاه على حساب المصالح الوطنية العليا.
معروفٌ أنه تم اتخاذ بعض الخطوات داخل حزب العدالة والتنمية باتجاه التغيير، حيث أبدى أردوغان ملاحظاته إبّان الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي حول المشكلات
لقد بذل حزب العدالة والتنمية بعد تلك التبديلات جهوداً مكثفة من أجل الفوز في الانتخابات، ولكن ما أثبتته الوقائع اللاحقة والخسارة في رئاسة بعض البلديات، وخصوصاً الخسارة المزدوجة في بلدية اسطنبول الكبرى، أن إجراءات الإصلاحات المحدودة في بنية الحزب والمؤسسات الحكومية والمحلية لم تكن كافيةً ليحقق ما ابتغاه الرئيس أردوغان من نتائج في الانتخابات المحلية، فقد أثبتت تلك النتائج أن إصلاحات أكبر وأعمق كان يجب أن تتخذها إدارة الحزب، وعلى المستويات كافة. ومن الانتقادات التي يتم توجيهها توزيرُ صهر أردوغان، والذي تعتبره أوساط مؤيدة للحزب من قبيل المحسوبية السياسية، وأن هذا الوزير ليس ذا كفاءةٍ لمنصبه، كما يتم توجيه الانتقادات إلى وزير الداخلية، سليمان صويلو، وآخرين من وزراء الحكومة.
بماذا يفكر الناخب لحزب العدالة والتنمية؟ يتصور جزءٌ من أنصار الحزب إن إلغاء الانتخابات التي فاز فيها المرشح لحزب المعارضة، أكرم إمام أوغلو، كان قراراً غير عادل. كما بات الملل من وتيرة عمل الحزب عنصراً آخر، يعيق تحفيز المشاعر وتحريك الطاقات لتدني الآمال في إصلاحات عميقة وجذرية، ولا بد منها.
لقد بات في الوسع متابعة الانتقادات الحزبية الداخلية من خلال أربع فئات من الناخبين، فالذين يميلون إلى الانشقاق من الحزب، أو الذين تخلوا عن التصويت لحزب العدالة والتنمية، يشيرون إلى أنه كانت هناك دوماً مشكلات وإساءات في الحكم، منذ فترة تأسيس الجمهورية التركية، وأن ما يعيشه الحزب الآن هو امتداد لهذه المشكلات، وأن حزب العدالة والتنمية ورث هذه
وفي النتيجة، يريد الكل التخلص من هذه السياسات الاستقطابية التي تؤدي إلى استنزاف الحزب. ولذلك يتم تبني خطاب بن علي يلدريم الهادئ في الحزب، وأسلوب أكرم إمام أوغلو البعيد عن المشاكسة والعراك في المجتمع التركي بشكل عام.
ولقد انجر النقاش والسباق في أثناء الحملات الانتخابية للأحزاب إلى مزالق عاطفية شابها كثير من الانقسام الحزبي. وترى معظم الاستطلاعات في تركيا أن ممارسة السياسة عبر العواطف لا تجلب النتائج المطلوبة، فقد انقسم مصوّتو حزب العدالة والتنمية بين من يقول إنه سوف يصوّت لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، ومن يقول إنه سوف يلتزم بالتصويت لحزب العدالة والتنمية. ولكن هناك أيضاً شريحة أخرى في المجتمع التركي باتت متردّدة، ملولة، متعبة وغير مبالية. وفي الحقيقة جعل السباق الانتخابي مشكلات الحياة اليومية في السنوات الأخيرة أكثر إلحاحاً بعد إعادة الانتخابات، وأدى إلى ازدياد هذا الملل والتعب.
دلالات
مقالات أخرى
03 يناير 2021
23 ديسمبر 2020
14 يونيو 2020