15 نوفمبر 2022
في دلالات استقالة وزير الداخلية التركي
عاشت تركيا، ليلة يوم الأثنين الماضي، واحداً من أبرز الأحداث السياسية في تاريخها، بسبب استقالة وزير الداخلية، سليمان صويلو، الذي أعلن حظر التجول بشكل مفاجئ. أصاب فيروس كورونا ربما مئات الآلاف من المواطنين الأتراك والمقيمين، عندما تدفقوا إلى أماكن التسوق لتوفير حاجاتهم الأساسية، وكان هذا خطأ كبيراً، لأن وزارة الصحة كانت تبذل جهوداً حثيثة لعرقلة انتشار العدوى، وكي لا يتسبب شيء بمشكلات صحية في البلد. ولكن هذه الجهود الحثيثة تم القضاء عليها خلال ساعتين، بسبب قرار مباغت أعلنه وزير الداخلية التركي، ومهّد الطريق أمام استقالة الوزير نفسه، سليمان صويلو. ولكن ما ألقى ظلاله على موضوع الاستقالة تصريح الوزير لقناة تلفزيونية تركية قبيل الاستقالة بأن القرار تم اتخاذه بعلم من الرئيس التركي، أردوغان، وبأوامره.
وعقب هذه الأزمة، نشرت وسائل إعلام محلية أن أعضاء في المجلس الاستشاري العلمية لفيروس كورونا يستعدون للاستقالة، بسبب القرار المفاجئ الذي أحدث إشكالات كبيرة وأزمة داخل المجتمع التركي، ويضم المجلس الذي أنشأته وزارة الصحة في 10 يناير/ كانون الثاني الماضي، لتطوير تدابير لمكافحة وباء الفيروس في تركيا، علماء في الطب، أي أنه تشكل قبل أن تؤكد منظمة الصحة العالمية في منتصف مارس/ آذار الماضي أن وباء كورونا جائحة. ومهمة المجلس أن يضع مبادئ توجيهية للعلاج من الأطباء والتدابير اللازم أن يتبعها الجمهور. يرفع المجلس تقاريره إلى وزير الصحة، وتقوم الحكومة بتنفيذ التدابير. والعجيب في الأمر أن رئيس بلدية اسطنبول وأعضاء المجلس البلدي، وكذلك المتخصصين في المجلس العلمي، لم يكن لدى أي منهم علم مسبق بشأن قرار حظر التجول، وكان هذا مؤشراً كبيراً إلى أن القرارات أْخذت عشوائياً، ومن دون تخطيط أو تنسيق مسبق داخل دائرة الحكم في تركيا.
وقد قال الوزير صويلو، في مقابلة صحافية مع الصحافي التركي البارز، أحمد هاكان "اتخذنا
قرار حظر التجول يومين في عطلة نهاية الأسبوع. لأننا اعتقدنا أنه لن يضر بسلسلة الإنتاج والتوريد. وفي هذا الصدد، كان قراراً مهماً، ففي فترة بين ساعة ونصف إلى ساعتين، كان هناك تراكم للازدحام في بعض المناطق المحدودة. هذا صحيح. لم أتوقع ذلك. لدي خبرة. ومع ذلك، لا أعتقد أن هذا التراكم المحدود للغاية في تلك الساعة سيكون مشكلة كبيرة، فالقرار المتخذ من حيث التوقيت هو قرار وزارتنا. أقولها مرة أخرى: لقد تلقيت الانتقادات وقبلتها. كما قبلت الإهانات".
وعلى الرغم من هذه التصريحات، لم يتلق صويلو أي دعم، لا من الرئيس أردوغان ولا أنصار حزب العدالة والتنمية الذي ينتسب إليه، في هذه اللحظة. لم نسمع في السياسة التركية، منذ وقت طويل، أحداً يقول "أعترف بأنني ارتكبت خطأ". هل ما سمعناه، هذه المرة، كان نقداً صادقاً للذات أم شيئاً آخر؟ في نص استقالته، تحمل الوزير صويلو كل المسؤولية، واعتذر للرئيس، على عكس ما كان قد قاله في أثناء إعلان حظر التجول أنه بعلم مسبق للرئيس التركي. كان التعبير الذي استخدمه لافتاً: "سأكون وفياً حتى نهاية حياتي لأردوغان، اغفر لي يا سيادة الرئيس". ينبغي التذكير بأن سليمان صويلو كان الوزير الذي دعت المعارضة إلى استقالته دائماً، وفي كل مناسبة.
وبعد ساعة من الاستقالة، قيل في البيان الذي أصدرته دائرة الاتصالات للرئاسة، إن "تقديم استقالة الوزير هو تقديره الخاص، ولكن القرار النهائي يعود لرئيسنا"، مؤكداً أن الرئيس أردوغان لم يقبل استقالة صويلو. وفي هذه النقطة بالذات، كان لافتاً أن صويلو تلقى دعماً كبيراً من زعيم حزب الحركة القومية (حليف حزب العدالة والتنمية، وحسب بعضهم شريكه في الحكم) الذي يمثل المجموعات للدولة العميقة العريقة التي سيطرت على الدولة التركية، منذ منتصف الخمسينيات في القرن الماضي، بفضل دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتلزم الإشارة إلى أن مصدر القلق داخل الدولة أن الرئيس التركي لم يقبل قرارات عديدة للمجلس العلمي، وخصوصاً حظر التجول، ما تسبب في الانزعاج داخل المجلس وداخل حزب العدالة والتنمية، فأردوغان ما زال مصرّاً على موقفه الرافض حظر التجول لثلاثة أسباب: توقف الإنتاج مع ما لذلك من أثر سلبي على المؤشرات الاقتصادية، والثاني حظر شامل لا يمكن تحقيقه إلا
بفضل الجيش. وهذا يعني أن الجيش يقوم بدور نشط في البلاد مرة أخرى، وهذا من العوامل التي تجعل أردوغان يتردد في اتخاذ قرار كهذا. والثالث أن حالة إيقاف حركة الإنتاج، بعد فرض حظر التجول، تجعل الحكومة في حاجة إلى توفير المال للشعب التركي الذي سيبقى في المنازل، وهذا ما تفتقر إليه الحكومة التركية، بسبب النقص في الميزانية والأوضاع الاقتصادية الهشة.
من ناحية أخرى، من أهم التطورات داخل حزب العدالة والتنمية القوة المتزايدة لصهر الرئيس أردوغان، برات البيرق، والذي لا يحظى بدعم شعبي. لا يريد كل من فريق صويلو وقوى الدولة العميقة التي تدعمه أن يستلم الصهر مقاليد الحكم في البلاد بعد أردوغان. ولذلك كانت استقالة الوزير صويلو تحدّياً للرئيس الذي يريد تعيين صهره ليخلف مكانه بعده. وكان كل النقاش والصراع يدور حول هذه المسألة التي تعتبرها معظم القوى داخل الدولة مسألة موت أو حياة.
وللعلم، كان الوزير سليمان صويلو قد اتخذ قراراتٍ مثيرةً للجدل، بدءا من الممارسات المناقضة للدستور في أثناء حالة الطوارئ، والمتمثلة في إقالة رؤساء البلديات المنتخبة، وتعيين الأمناء بدلا منهم، واتهام قادة أحزاب المعارضة الديمقراطية بالتعاون مع المنظمات الإرهابية، ومنع التبرعات للإدارات المحلية خلال الآونة الأخيرة في غضون أزمة كورونا. ويمكن القول إن أردوغان لم يتخل عن صويلو الذي يتلقى دعما كبيرا من حليف أردوغان القوي، رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت باهتشلي، داخل الدولة العميقة، لأنه سيحتاج إليه في المستقبل. ومع ذلك، بدلاً من مواجهة الزلزال الذي سبّبته استقالة صويلو، فضّل أردوغان التعامل معه وإدارة الأزمة، وقد صار هذا الوزير "لا غنى عنه" في حزب العدالة والتنمية، ولكن كلاً منهما يعلم جيداً أن الجروح التي سببها هذا التحدّي لن تلتئم بسهولة.
وقد قال الوزير صويلو، في مقابلة صحافية مع الصحافي التركي البارز، أحمد هاكان "اتخذنا
وعلى الرغم من هذه التصريحات، لم يتلق صويلو أي دعم، لا من الرئيس أردوغان ولا أنصار حزب العدالة والتنمية الذي ينتسب إليه، في هذه اللحظة. لم نسمع في السياسة التركية، منذ وقت طويل، أحداً يقول "أعترف بأنني ارتكبت خطأ". هل ما سمعناه، هذه المرة، كان نقداً صادقاً للذات أم شيئاً آخر؟ في نص استقالته، تحمل الوزير صويلو كل المسؤولية، واعتذر للرئيس، على عكس ما كان قد قاله في أثناء إعلان حظر التجول أنه بعلم مسبق للرئيس التركي. كان التعبير الذي استخدمه لافتاً: "سأكون وفياً حتى نهاية حياتي لأردوغان، اغفر لي يا سيادة الرئيس". ينبغي التذكير بأن سليمان صويلو كان الوزير الذي دعت المعارضة إلى استقالته دائماً، وفي كل مناسبة.
وبعد ساعة من الاستقالة، قيل في البيان الذي أصدرته دائرة الاتصالات للرئاسة، إن "تقديم استقالة الوزير هو تقديره الخاص، ولكن القرار النهائي يعود لرئيسنا"، مؤكداً أن الرئيس أردوغان لم يقبل استقالة صويلو. وفي هذه النقطة بالذات، كان لافتاً أن صويلو تلقى دعماً كبيراً من زعيم حزب الحركة القومية (حليف حزب العدالة والتنمية، وحسب بعضهم شريكه في الحكم) الذي يمثل المجموعات للدولة العميقة العريقة التي سيطرت على الدولة التركية، منذ منتصف الخمسينيات في القرن الماضي، بفضل دعم حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتلزم الإشارة إلى أن مصدر القلق داخل الدولة أن الرئيس التركي لم يقبل قرارات عديدة للمجلس العلمي، وخصوصاً حظر التجول، ما تسبب في الانزعاج داخل المجلس وداخل حزب العدالة والتنمية، فأردوغان ما زال مصرّاً على موقفه الرافض حظر التجول لثلاثة أسباب: توقف الإنتاج مع ما لذلك من أثر سلبي على المؤشرات الاقتصادية، والثاني حظر شامل لا يمكن تحقيقه إلا
من ناحية أخرى، من أهم التطورات داخل حزب العدالة والتنمية القوة المتزايدة لصهر الرئيس أردوغان، برات البيرق، والذي لا يحظى بدعم شعبي. لا يريد كل من فريق صويلو وقوى الدولة العميقة التي تدعمه أن يستلم الصهر مقاليد الحكم في البلاد بعد أردوغان. ولذلك كانت استقالة الوزير صويلو تحدّياً للرئيس الذي يريد تعيين صهره ليخلف مكانه بعده. وكان كل النقاش والصراع يدور حول هذه المسألة التي تعتبرها معظم القوى داخل الدولة مسألة موت أو حياة.
وللعلم، كان الوزير سليمان صويلو قد اتخذ قراراتٍ مثيرةً للجدل، بدءا من الممارسات المناقضة للدستور في أثناء حالة الطوارئ، والمتمثلة في إقالة رؤساء البلديات المنتخبة، وتعيين الأمناء بدلا منهم، واتهام قادة أحزاب المعارضة الديمقراطية بالتعاون مع المنظمات الإرهابية، ومنع التبرعات للإدارات المحلية خلال الآونة الأخيرة في غضون أزمة كورونا. ويمكن القول إن أردوغان لم يتخل عن صويلو الذي يتلقى دعما كبيرا من حليف أردوغان القوي، رئيس حزب الحركة القومية التركي، دولت باهتشلي، داخل الدولة العميقة، لأنه سيحتاج إليه في المستقبل. ومع ذلك، بدلاً من مواجهة الزلزال الذي سبّبته استقالة صويلو، فضّل أردوغان التعامل معه وإدارة الأزمة، وقد صار هذا الوزير "لا غنى عنه" في حزب العدالة والتنمية، ولكن كلاً منهما يعلم جيداً أن الجروح التي سببها هذا التحدّي لن تلتئم بسهولة.
مقالات أخرى
03 يناير 2021
23 ديسمبر 2020
14 يونيو 2020