30 أكتوبر 2024
مصر السلطوية
وضعت ثورة 25 يناير في مصر المؤسسة العسكرية في موقف دقيق، لما انطوت عليه من فرص ومخاطر، فرص التخلص من خطر التوريث، وما يترتب عليه من نقل موقع الرئاسة إلى مدني، وتعديل ميزان القوى الذي مال لصالح المخابرات على حساب الجيش، في ضوء شعارات الثورة المناوئة للقمع وأدواته، ضد وزارة الداخلية التي تقود قوة يراوح عدد أفرادها بين 1.5 و1.7 مليون من ضباط الشرطة والقوات شبه العسكرية ورجال المخابرات والمباحث والمخبرين، ومخاطر تقويض النظام شبه العسكري الذي تأسس بعد إطاحة النظام الملكي بانقلاب عسكري يوم 23 يوليو/ تموز 1952، وإخراج الجيش من دائرة صنع القرار في إدارة الدولة، وخسارته مكتسباته المادية والمعنوية.
المؤسسة العسكرية والثورة
لم تكن المؤسسة العسكرية مع التغيير، لكنها كانت قد انخرطت في صراعٍ خفيّ مع الرئيس المخلوع حسني مبارك على خلفية قضية توريث الحكم لابنه جمال التي عمل عليها النظام سنين طويلة، فقد كانت "المؤسسة" متمسكةً ببقاء الرئاسة بيد العسكر. لذا ومع أن موقفها من الثورة كان سلبيا، إلا أنها لم تتدخل لصالح مبارك، واكتفت بإصدار بيانين، ظاهرهما حيادها إزاء المواجهات بين المواطنين وقوات وزارة الداخلية، والإعلان عن تحمّلها مسؤولية حفظ الأمن وحماية البلاد، أخفت ما تضمره من توجه إلى اقتناص الفرصة لتحقيق هدفيها الرئيسين: الاحتفاظ بموقع الرئاسة للعسكر والعودة إلى المركز الأول في ميزان القوى الداخلي.
حاول مبارك استدراك الموقف، فعين اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة، نائبا له، والفريق المتقاعد أحمد شفيق رئيسا للوزراء، تعبيرا عن تخليه عن التوريث، على أمل أن يقود ذلك إلى تحرك المخابرات والجيش لحماية النظام وقمع الثورة. غير أن القرار جاء في توقيتٍ غير مناسب، جاء بعد انفجار بركان الغضب الشعبي، واتساع نطاق التظاهرات وبلوغ المشاركة الشعبية ذروتها، خصوصا يوم 28/1/2011، والذي سمي "جمعة الغضب"، حيث تجاوز عدد المتظاهرين الثمانية ملايين متظاهر، ردا على العنف المفرط وعمليات القتل الممنهج.
تبنّت المؤسسة العسكرية سياسة النَفس الطويل في تعاطيها مع الثورة، مع العمل على إجهاضها خطوة خطوة؛ فسعت إلى تخفيف التوتر والغضب الذي صعده سقوط أكثر من ألف شهيد،
وضغطت باتجاه إقالة عدد من المسؤولين (أقيل وزير الداخلية حبيب العادلي وأمين التنظيم وعضو لجنة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي أحمد عز وآخرون)، لكن استمرار التظاهرات، وتزايد حدّتها، أقنعها بفشل محاولات التهدئة من دون كبش فداء كبير فدفعت مبارك يوم 11/2/2011 إلى التنحّي. أزاحت الرئيس لكي تتحكم بسقف التغيير، وتوفر لنفسها دورا يحميها، وتسليم السلطة لـ"المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، في مقابل حمايته من المحاسبة واحتفاظه بالأموال التي نهبها، ما أتاح للمؤسسة حكم مصر حكما مباشرا من فبراير/ شباط 2011 حتى يونيو/ حزيران 2012.
باشر "المجلس" بقيادة البلاد، وباتخاذ قرارات تعزّز موقعه في المشهد السياسي من جهة، وتحمي مصالحه الواسعة من جهة أخرى، فكان الإعلان الدستوري يوم 30/4/2011 الذي أصدره الفريق سامي عنان لتعديل صلاحيات "المجلس" وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، ووضع خريطة طريق معكوسة، تبدأ من الانتخابات البرلمانية، وتؤخر صياغة دستور جديد للبلاد، حتى يضرب المعارضة ببعضها، ويمزّق صفوفها، ويكرس الشقاق بينها. وقد نجح في ذلك، حيث برز الشقاق بين الإخوان المسلمين والسلفيين من جهة والليبراليين وشباب الثورة من جهة ثانية. ولعبت المؤسسة العسكرية على التباينات بين الحراك الثوري وجماعة الإخوان المسلمين بالتحالف مع "الجماعة" والتلويح لها بتقاسم السلطة معها، بحيث تعود الرئاسة للعسكر ويؤول البرلمان "للجماعة".
سهلت طموحات جماعة الإخوان المسلمين السياسية واندفاعهم الكبير للإمساك بالسلطة على "المجلس" توجيه ضربات للثورة من خلال التصعيد ضد اعتصامات ميدان التحرير (أحداث شارع محمد محمود) وإجراء انتخابات برلمانية، كي تحول دون إعطاء شباب الثورة فرصة المشاركة في الانتخابات، وإثارة صراعٍ بينهم وبين "الإخوان" الذين فازوا بالأغلبية في البرلمان، على خلفية ترك الميدان لتحقيق مكاسب انتخابية (اتُهم الإخوان بخيانة الثورة). وقد أضاف "الإخوان" سببا آخر للنفور والتمزق بالترشيح لانتخابات الرئاسة، في نقضٍ لتعهدهم السابق بعدم الترشح، وفوز محمد مرسي فيها.
لم تكن لشهوة السلطة عند "الإخوان" حدود، فبدأوا في التغلغل في أجهزة الدولة، وخصوصا الإعلام والقضاء، حيث بدأوا باستبدال المسؤولين، وتعيين الأنصار والموالين، في محاولةٍ واضحة "لأخونة" الدولة (أظهر شريط مصور لاجتماع مكتب شورى الجماعة أن السلطة يديرها مكتب الإرشاد، وأن الرئيس مرسي، كما قال هو في هذا الشريط، ليس سوى منفذ لتوجيهات المرشد) بتجاهل تام لدلالة نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث فاز مرسي بنسبة 51% من أصوات الناخبين؛ ما يعني أن 49% كانوا ضد انتخابه. وهذا كان يستدعي رأب الصدع، وإعطاء أولوية لإعادة التماسك والوحدة الوطنية، عبر كسب رضا الرافضين وتعاونهم لا تحدّي رغبتهم وتجاهل إرادتهم. في السياق، ارتكب مرسي غلطة الشاطر بإصدار الإعلان الدستوري يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، لتحصين قراراته من الطعن أمام القضاء الدستوري، وإجراء تعديل في تركيبة "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، عبر إحالة ضباط كبار إلى التقاعد، وتعيين آخرين في مواقعهم، اعتبرته المؤسسة العسكرية تجرؤا ومسّا بهيبتها وتجاوزا لخطوط حمر عمرها عقود، وسابقة للتدخل في شؤونها، والحد من نفوذها، فتحالفت مع "جبهة الإنقاذ" التي شكلتها أحزاب معارضة لمواجهة الإعلان الدستوري.
تفاعلت سياسات "الإخوان" الاستحواذية مصحوبةً بتوقف عجلة الإنتاج وتراجع مستوى
الخدمات (الكهرباء، والماء، والوقود)، وارتفاع نسبة البطالة والغلاء وانهيار سعر صرف العملة الوطنية: الجنيه، فأطلقت ردود فعل شعبية غاضبة، عبرت عنها إضرابات العمال والموظفين والاعتصامات المضادة للنظام؛ جسّدتها حركة "تمرّد" التي خاضت معركة إعادة النظر في شرعية حكم "الإخوان"، عبر جمع التواقيع والتظاهرات الضخمة (أضخمها يوم 30/6/2013) التي منحت المؤسسة العسكرية فرصة استثمار الموقف، وركوب المد الشعبي المعارض، والانقضاض على السلطة والانقلاب على أول رئيس مدني منتخب يوم 3/7/2013، شجّعها مناخٌ عربي مضاد لحكم "الإخوان" على التحرّك، والبدء بضرب الثورة وشبابها الذين تظاهروا احتجاجا على عودة القمع، بموجب قانون التظاهر الذي أصدره الرئيس الانتقالي المستشار عدلي منصور بتوجيه من "المجلس".
دخلت مصر في مرحلة انتقالية جديدة، وخطة خريطة طريق بديلة، تحت هيمنة المؤسسة العسكرية التي بدأت بإعادة تشكيل المشهد السياسي المصري، وبتغيير القوانين الناظمة لعمل الحكومة، بدءا من قانون التظاهر إلى قانون الإعلام والاستثمار إلى قانون الانتخابات النيابية، والذي صيغ بحيث يضبط تركيبة البرلمان، عبر تحديد نسبة 70% للقوائم الفردية و30% للقوائم الحزبية، بحيث تفرز الانتخابات برلمانا ضعيفا غير قادر على لعب دور تشريعي وازن، أو تشكيل معارضة جادة وقوية، ناهيك عن تحصين المؤسسة العسكرية دستوريا، عبر منحها حق تسمية وزير الدفاع، واستقلالية وضعها المالي، بإلغاء حق البرلمان في مناقشتها أو مساءلة المؤسسة عن أوجه صرفها.
المؤسسة العسكرية والسلطة
لم تخرج السلطة في مصر من تحت عباءة المؤسسة العسكرية منذ إطاحة النظام الملكي في انقلاب عسكري عام 1952، حيث غدا منصب رئيس الجمهورية لعسكري. بدأت العسكرة بتعيين اللواء محمد نجيب رئيساً للوزراء في 1952، ثم رئيساً للجمهورية في 1953، وتثبتت بتولي العقيد جمال عبد الناصر الرئاسة باستفتاء شعبي في 1956، خلفه أنور السادات بعد وفاته في 1970، فالرئيس المخلوع حسني مبارك الذي تولى الرئاسة بعد اغتيال السادات عام 1981. وقد تعدّدت صور الهيمنة العسكرية على مفاصل السلطة، عبر تعيين الضباط في مناصب وزراء ومحافظين ومدراء مناطق ونواح وسفراء ومدراء مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام (قدّر أنور عبد الملك عدد الضباط الذين تم تعيينهم في المراتب العليا في المؤسسات غير العسكرية بين العامين 1954 و1962 بما يقارب الـ1500 ضابط)، كما زج الجيش في تنفيذ مشاريع البنى التحتية أيام الرئيس عبد الناصر، ما منحه سمة عامل تغيير اجتماعي، وجعله مصدرا للنفوذ، من جهة، ومحط تأييد المواطنين وتحمّسهم.
تطور الوضع خلال فترة حكم حسني مبارك الذي سعى إلى استقطاب الضباط عبر التمتع بالنفوذ والمحسوبية، وبتعيينهم بعد التقاعد في مناصب رئيسة في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات المملوكة للدولة، ومنحهم رواتب إضافية، وفرصاً مربحة تُمكِّنهم من كسب دخل إضافي، وزيادة دخلهم (الضباط الذين يتقاعدون برتبة لواء، ويحصلون على مبلغ مقطوع، يصل إلى 40.000 جنيه مصري ومعاش تقاعدي شهري يصل إلى 3000 جنيه، يمكن أن يحصلوا في حال انصاعوا لتوجهات الرئاسة على رواتب شهرية من عملهم الجديد تراوح بين مائة ألف ومليون جنيه)، وذلك مقابل ولائهم للرئيس، والابتعاد عن الاهتمام بالسياسة؛ وقد نجح في استقطاب المستوى القيادي في الجيش إلى قلب نظام المحسوبية، ونزع الصبغة والدور السياسيين عنه في إطار سعيه (زوجته سوزان في الواقع) لتمهيد الطريق لتوريث الرئاسة لابنه جمال، ما فتح الباب لتغلغل الضباط في جهاز الدولة، وفي الاقتصاد السياسي في البلاد، إلى درجة أصبح معها وجودهم طاغيا في مجالس الإدارة لمجموعة كبيرة من المرافق العامة المملوكة للدولة، ومشاريع البنية الأساسية الرئيسة، وما يرتبط بها من أشغال وخدمات أو كرؤساء أو أعضاء في مجالس إدارة الشركات القابضة للطيران والمطارات، والنقل البحري والبري، وجميع هيئات الموانئ البحرية، والكهرباء والمياه والصرف الصحي، كما هيمنوا على قطاعي النفط والغاز الطبيعي التابعَين للقطاع العام، وعلى شركات الخدمات المتّصلة بها، وعلى مرافق أخرى، مثل الشركة المصرية للاتصالات (إيجيبت تيليكوم) التي هي الآن شركة
مساهمة، تحتكر خطوط الهاتف الثابتة، وتمتلك حصة متنامية في سوق الهواتف المحمولة، كما ينطبق ذلك أيضاً على الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. كما تمتع المتقاعدون العسكريون أيضاً بتمثيلٍ كبير في الوزارات والهيئات الحكومية التي تتعامل مع القطاعات المتعلّقة بالأراضي، مثل الإسكان، وإدارة العقارات، والأشغال العامة، والاستصلاح والتنمية الزراعية، والسياحة، فهم يهيمنون على الجهاز المركزي للتعمير التابع لوزارة الإسكان، والذي يتولّى بناء المساكن والطرق الدائرية في المدن والجسور. كما يضطلعون بدور قيادي في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التي يديرها لواء متقاعد في القوات المسلحة. ويرأس المتقاعدون العسكريون أيضاً الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، وهي الهيئة المسؤولة عن مشاريع الري والاستزراع العملاقة في "توشكي"، وفي شمال سيناء والعوينات الشرقية والوادي الجديد، والقطاعات ذات الصلة، مثل الصوامع والتخزين الزراعي. كما يتولّى عسكريون متقاعدون إدارة هيئة التنمية السياحية وهيئة الأوقاف التي تتولّى إدارة الأوقاف الإسلامية ومصادر دخلها بالتوازي مع وزارة الأوقاف (يزيد صايغ - فوق الدولة: جمهورية الضباط في مصر- مركز كارنيغي للشرق الأوسط: 1/8/2012). وهذا حوّل السلطة المصرية إلى إقطاع عسكري أو "جمهورية ضباط"، وفق تعبير يزيد صايغ.
المؤسسة العسكرية والدولة
تسلّم "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، الذي تشكل بموجب القانون رقم 4 لعام 1968، ويتألّف من 25 ضابطا (وزير الدفاع ومساعدوه الأساسيون، ورؤساء أركان فروع القوات المسلحة الرئيسة ورؤساء الاستخبارات العسكرية وقادة المناطق العسكرية الخمس)، من الرئيس المخلوع السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبدأ تحديد المصالح التي يعتزم الدفاع عنها بصراحةٍ متزايدة، فرسم خطوطا حمراء تنطوي على توجيه المسار نحو تغييراتٍ معينة، لا تشكل تهديدا له ولدوره، وأصرّ على احتكار سلطة تحديد خطوات المرحلة الانتقالية، وتسلسلها، وجدولها الزمني. وأصدر تحذيراتٍ غير مسبوقة في فظاظتها، بما في ذلك سعيه إلى فرض مواد في الدستور المصري المعمول عليه تمنحه وصاية عسكرية دائمة.
وفي 13 فبراير/ شباط 2011، بعد يومين من تنحية مبارك، أصدر "المجلس" الإعلان الدستوري الأول، تولى بموجبه السيطرة على الدولة رسمياً، وألغى دستور عام 1971، وأعلن عن تشكيل لجنة لتعديل الدستور. وبعد استفتاء جرى في منتصف مارس/ آذار على تعديلاتٍ مقترحة على الدستور، أصدر إعلاناً دستورياً آخر قنن بموجبه سلطاته التشريعية والتنفيذية، ووضع أساساً قانونياً لتعزيز دوره السياسي.
غير أن فوز جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية أثار هواجس ومخاوف "المجلس"، فأصدر في 18 يونيو/ حزيران، قبل أيام من تسليمه السلطة إلى الرئيس المنتخب، إعلاناً دستورياً آخر منح لنفسه بمقتضاه سلطة تشريعية، واستقلالا ذاتيا، وحق الاعتراض على الدستور الجديد.
وشكل إلغاء الرئيس المنتخب محمود مرسي يوم 5 أغسطس/ آب لهذا الإعلان، وإسناد
السلطتين التنفيذية والتشريعية، كاملة لنفسه، وإعفاؤه المشير وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي ورئيس أركان الجيش سامي عنان من منصبيهما، وإحالة ما يقرب من سبعين لواءً إلى التقاعد الإجباري، وتعيين مدير المخابرات العسكرية عبد الفتاح السيسي وزيراً للدفاع، شكل صدمة لـ"المجلس"، وللمؤسسة العسكرية برمتها، خصوصا أن قرار الإلغاء جاء بعد المكاسب التي حققها "المجلس" في دستور ديسمبر/ كانون الأول 2012، الذي استعجلت الجمعية التي هيمنت عليها جماعة الإخوان المسلمين إلى إقراره، بمحافظته على المصالح الاقتصادية الواسعة للجيش، وضمانه تعيين وزراء الدفاع المستقبليين من داخل سلك الضباط، وتمكّنه من تمرير مواد تسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
استغلت المؤسسة العسكرية حصول احتجاجات جماهيرية على حكم "الإخوان"، توجت بتظاهرات ضخمة يوم 30 يونيو/ حزيران 2013، فأصدرت تحذيراً تطالب فيه الرئيس بالاستجابة للدعوات الجماهيرية بإجراء انتخابات جديدة أو استفتاء على رئاسته. وعندما رفض، قام "الجيش"، ممثلا بوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، بعزله من السلطة يوم 3 يوليو/ تموز 2013، عاد به الجيش ليكون اللاعب المحوري في الدولة المصرية وانخراطه بعمق في الحياة السياسية.
المؤسسة العسكرية والتعديلات الدستورية
حصل عبد الفتاح السيسي على موافقة "المجلس" لخوض الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2014، أعلن قادة الجيش تأييدهم لترشّحه في بيان غير مسبوق اعتبره مصريون كثيرون يتمتعون بوعي سياسي مفاجئاً للغاية، فاستقال من وزارة الدفاع، وخاض الانتخابات، وفاز بمنصب رئيس الجمهورية.
لم تشعر المؤسسة العسكرية بأنها حققت أهدافها كاملة لمجرد نجاحها في إسقاط حكم "الإخوان"، وإيصال ضابط إلى سدة الرئاسة، فسعت إلى تعزيز دورها وتثبيته، وتوفير شروط استمراره عبر العمل على إجراء تعديلات دستورية على مواد في الدستور الذي شاركت في صياغته وإقراره.
وتكمن خطورة التعديلات في المواد المتعلقة بالصلاحيات الواسعة التي منحت لرئيس الجمهورية، منهية توازن السلطات واستقلال القضاء ومكرّسة الحكم الشمولي، وكذلك المواد المتعلقة بتقنين استقلالية المؤسسة العسكرية، وتمكينها من الهيمنة على مفاصل الحياة السياسية ككل، والتدخل في الشأن السياسي، بحجة حماية مدنية الدولة، ما يعطي الجيش حق القيام بانقلاب عسكري في أي وقت، يذكرنا ذلك بما كان عليه الوضع في تركيا مع مجلسها العسكري الذي قام بثلاثة انقلابات بذريعة حماية الدولة العلمانية، انقلاب كل عشر سنوات، وتمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، وإعطاء الحق للرئيس الحالي بالبقاء في السلطة إلى عام 2034.
واضحٌ أن المؤسسة العسكرية تعيد صياغة المشهد السياسي، عبر فرض قيودها وحدودها على الفضاء العام، كي تشرعن دورها وسيطرتها، وتثبتها بمواد دستورية بصورة صلبة ومباشرة، من دون رتوش أو شعارات سياسية أو رؤى عقائدية باستثناء راية فرض هيبة الدولة. فـ"النظام الذي تتبلور معالمه ليس مختلفاً في سلطويته بل في الكيفية التي ينوي تطبيق هذه السلطوية بها. إنه نظامٌ رئاسي، أمني الطابع، يسيطر عليه ضباط أمنيون وعسكريون، مناوئ للسياسة، مركزي، ومناوئ للأيديولوجيا". ووفق أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، ناثان براون، في مقالته "تصحيح الثورة التصحيحية"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط (4/3/2019)، إنها سلطوية صفيقة، وعارية حتى من ورقة التوت.
المؤسسة العسكرية والثورة
لم تكن المؤسسة العسكرية مع التغيير، لكنها كانت قد انخرطت في صراعٍ خفيّ مع الرئيس المخلوع حسني مبارك على خلفية قضية توريث الحكم لابنه جمال التي عمل عليها النظام سنين طويلة، فقد كانت "المؤسسة" متمسكةً ببقاء الرئاسة بيد العسكر. لذا ومع أن موقفها من الثورة كان سلبيا، إلا أنها لم تتدخل لصالح مبارك، واكتفت بإصدار بيانين، ظاهرهما حيادها إزاء المواجهات بين المواطنين وقوات وزارة الداخلية، والإعلان عن تحمّلها مسؤولية حفظ الأمن وحماية البلاد، أخفت ما تضمره من توجه إلى اقتناص الفرصة لتحقيق هدفيها الرئيسين: الاحتفاظ بموقع الرئاسة للعسكر والعودة إلى المركز الأول في ميزان القوى الداخلي.
حاول مبارك استدراك الموقف، فعين اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة، نائبا له، والفريق المتقاعد أحمد شفيق رئيسا للوزراء، تعبيرا عن تخليه عن التوريث، على أمل أن يقود ذلك إلى تحرك المخابرات والجيش لحماية النظام وقمع الثورة. غير أن القرار جاء في توقيتٍ غير مناسب، جاء بعد انفجار بركان الغضب الشعبي، واتساع نطاق التظاهرات وبلوغ المشاركة الشعبية ذروتها، خصوصا يوم 28/1/2011، والذي سمي "جمعة الغضب"، حيث تجاوز عدد المتظاهرين الثمانية ملايين متظاهر، ردا على العنف المفرط وعمليات القتل الممنهج.
تبنّت المؤسسة العسكرية سياسة النَفس الطويل في تعاطيها مع الثورة، مع العمل على إجهاضها خطوة خطوة؛ فسعت إلى تخفيف التوتر والغضب الذي صعده سقوط أكثر من ألف شهيد،
باشر "المجلس" بقيادة البلاد، وباتخاذ قرارات تعزّز موقعه في المشهد السياسي من جهة، وتحمي مصالحه الواسعة من جهة أخرى، فكان الإعلان الدستوري يوم 30/4/2011 الذي أصدره الفريق سامي عنان لتعديل صلاحيات "المجلس" وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، ووضع خريطة طريق معكوسة، تبدأ من الانتخابات البرلمانية، وتؤخر صياغة دستور جديد للبلاد، حتى يضرب المعارضة ببعضها، ويمزّق صفوفها، ويكرس الشقاق بينها. وقد نجح في ذلك، حيث برز الشقاق بين الإخوان المسلمين والسلفيين من جهة والليبراليين وشباب الثورة من جهة ثانية. ولعبت المؤسسة العسكرية على التباينات بين الحراك الثوري وجماعة الإخوان المسلمين بالتحالف مع "الجماعة" والتلويح لها بتقاسم السلطة معها، بحيث تعود الرئاسة للعسكر ويؤول البرلمان "للجماعة".
سهلت طموحات جماعة الإخوان المسلمين السياسية واندفاعهم الكبير للإمساك بالسلطة على "المجلس" توجيه ضربات للثورة من خلال التصعيد ضد اعتصامات ميدان التحرير (أحداث شارع محمد محمود) وإجراء انتخابات برلمانية، كي تحول دون إعطاء شباب الثورة فرصة المشاركة في الانتخابات، وإثارة صراعٍ بينهم وبين "الإخوان" الذين فازوا بالأغلبية في البرلمان، على خلفية ترك الميدان لتحقيق مكاسب انتخابية (اتُهم الإخوان بخيانة الثورة). وقد أضاف "الإخوان" سببا آخر للنفور والتمزق بالترشيح لانتخابات الرئاسة، في نقضٍ لتعهدهم السابق بعدم الترشح، وفوز محمد مرسي فيها.
لم تكن لشهوة السلطة عند "الإخوان" حدود، فبدأوا في التغلغل في أجهزة الدولة، وخصوصا الإعلام والقضاء، حيث بدأوا باستبدال المسؤولين، وتعيين الأنصار والموالين، في محاولةٍ واضحة "لأخونة" الدولة (أظهر شريط مصور لاجتماع مكتب شورى الجماعة أن السلطة يديرها مكتب الإرشاد، وأن الرئيس مرسي، كما قال هو في هذا الشريط، ليس سوى منفذ لتوجيهات المرشد) بتجاهل تام لدلالة نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث فاز مرسي بنسبة 51% من أصوات الناخبين؛ ما يعني أن 49% كانوا ضد انتخابه. وهذا كان يستدعي رأب الصدع، وإعطاء أولوية لإعادة التماسك والوحدة الوطنية، عبر كسب رضا الرافضين وتعاونهم لا تحدّي رغبتهم وتجاهل إرادتهم. في السياق، ارتكب مرسي غلطة الشاطر بإصدار الإعلان الدستوري يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، لتحصين قراراته من الطعن أمام القضاء الدستوري، وإجراء تعديل في تركيبة "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، عبر إحالة ضباط كبار إلى التقاعد، وتعيين آخرين في مواقعهم، اعتبرته المؤسسة العسكرية تجرؤا ومسّا بهيبتها وتجاوزا لخطوط حمر عمرها عقود، وسابقة للتدخل في شؤونها، والحد من نفوذها، فتحالفت مع "جبهة الإنقاذ" التي شكلتها أحزاب معارضة لمواجهة الإعلان الدستوري.
تفاعلت سياسات "الإخوان" الاستحواذية مصحوبةً بتوقف عجلة الإنتاج وتراجع مستوى
دخلت مصر في مرحلة انتقالية جديدة، وخطة خريطة طريق بديلة، تحت هيمنة المؤسسة العسكرية التي بدأت بإعادة تشكيل المشهد السياسي المصري، وبتغيير القوانين الناظمة لعمل الحكومة، بدءا من قانون التظاهر إلى قانون الإعلام والاستثمار إلى قانون الانتخابات النيابية، والذي صيغ بحيث يضبط تركيبة البرلمان، عبر تحديد نسبة 70% للقوائم الفردية و30% للقوائم الحزبية، بحيث تفرز الانتخابات برلمانا ضعيفا غير قادر على لعب دور تشريعي وازن، أو تشكيل معارضة جادة وقوية، ناهيك عن تحصين المؤسسة العسكرية دستوريا، عبر منحها حق تسمية وزير الدفاع، واستقلالية وضعها المالي، بإلغاء حق البرلمان في مناقشتها أو مساءلة المؤسسة عن أوجه صرفها.
المؤسسة العسكرية والسلطة
لم تخرج السلطة في مصر من تحت عباءة المؤسسة العسكرية منذ إطاحة النظام الملكي في انقلاب عسكري عام 1952، حيث غدا منصب رئيس الجمهورية لعسكري. بدأت العسكرة بتعيين اللواء محمد نجيب رئيساً للوزراء في 1952، ثم رئيساً للجمهورية في 1953، وتثبتت بتولي العقيد جمال عبد الناصر الرئاسة باستفتاء شعبي في 1956، خلفه أنور السادات بعد وفاته في 1970، فالرئيس المخلوع حسني مبارك الذي تولى الرئاسة بعد اغتيال السادات عام 1981. وقد تعدّدت صور الهيمنة العسكرية على مفاصل السلطة، عبر تعيين الضباط في مناصب وزراء ومحافظين ومدراء مناطق ونواح وسفراء ومدراء مؤسسات الدولة وشركات القطاع العام (قدّر أنور عبد الملك عدد الضباط الذين تم تعيينهم في المراتب العليا في المؤسسات غير العسكرية بين العامين 1954 و1962 بما يقارب الـ1500 ضابط)، كما زج الجيش في تنفيذ مشاريع البنى التحتية أيام الرئيس عبد الناصر، ما منحه سمة عامل تغيير اجتماعي، وجعله مصدرا للنفوذ، من جهة، ومحط تأييد المواطنين وتحمّسهم.
تطور الوضع خلال فترة حكم حسني مبارك الذي سعى إلى استقطاب الضباط عبر التمتع بالنفوذ والمحسوبية، وبتعيينهم بعد التقاعد في مناصب رئيسة في الوزارات والهيئات الحكومية والشركات المملوكة للدولة، ومنحهم رواتب إضافية، وفرصاً مربحة تُمكِّنهم من كسب دخل إضافي، وزيادة دخلهم (الضباط الذين يتقاعدون برتبة لواء، ويحصلون على مبلغ مقطوع، يصل إلى 40.000 جنيه مصري ومعاش تقاعدي شهري يصل إلى 3000 جنيه، يمكن أن يحصلوا في حال انصاعوا لتوجهات الرئاسة على رواتب شهرية من عملهم الجديد تراوح بين مائة ألف ومليون جنيه)، وذلك مقابل ولائهم للرئيس، والابتعاد عن الاهتمام بالسياسة؛ وقد نجح في استقطاب المستوى القيادي في الجيش إلى قلب نظام المحسوبية، ونزع الصبغة والدور السياسيين عنه في إطار سعيه (زوجته سوزان في الواقع) لتمهيد الطريق لتوريث الرئاسة لابنه جمال، ما فتح الباب لتغلغل الضباط في جهاز الدولة، وفي الاقتصاد السياسي في البلاد، إلى درجة أصبح معها وجودهم طاغيا في مجالس الإدارة لمجموعة كبيرة من المرافق العامة المملوكة للدولة، ومشاريع البنية الأساسية الرئيسة، وما يرتبط بها من أشغال وخدمات أو كرؤساء أو أعضاء في مجالس إدارة الشركات القابضة للطيران والمطارات، والنقل البحري والبري، وجميع هيئات الموانئ البحرية، والكهرباء والمياه والصرف الصحي، كما هيمنوا على قطاعي النفط والغاز الطبيعي التابعَين للقطاع العام، وعلى شركات الخدمات المتّصلة بها، وعلى مرافق أخرى، مثل الشركة المصرية للاتصالات (إيجيبت تيليكوم) التي هي الآن شركة
المؤسسة العسكرية والدولة
تسلّم "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، الذي تشكل بموجب القانون رقم 4 لعام 1968، ويتألّف من 25 ضابطا (وزير الدفاع ومساعدوه الأساسيون، ورؤساء أركان فروع القوات المسلحة الرئيسة ورؤساء الاستخبارات العسكرية وقادة المناطق العسكرية الخمس)، من الرئيس المخلوع السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبدأ تحديد المصالح التي يعتزم الدفاع عنها بصراحةٍ متزايدة، فرسم خطوطا حمراء تنطوي على توجيه المسار نحو تغييراتٍ معينة، لا تشكل تهديدا له ولدوره، وأصرّ على احتكار سلطة تحديد خطوات المرحلة الانتقالية، وتسلسلها، وجدولها الزمني. وأصدر تحذيراتٍ غير مسبوقة في فظاظتها، بما في ذلك سعيه إلى فرض مواد في الدستور المصري المعمول عليه تمنحه وصاية عسكرية دائمة.
وفي 13 فبراير/ شباط 2011، بعد يومين من تنحية مبارك، أصدر "المجلس" الإعلان الدستوري الأول، تولى بموجبه السيطرة على الدولة رسمياً، وألغى دستور عام 1971، وأعلن عن تشكيل لجنة لتعديل الدستور. وبعد استفتاء جرى في منتصف مارس/ آذار على تعديلاتٍ مقترحة على الدستور، أصدر إعلاناً دستورياً آخر قنن بموجبه سلطاته التشريعية والتنفيذية، ووضع أساساً قانونياً لتعزيز دوره السياسي.
غير أن فوز جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية أثار هواجس ومخاوف "المجلس"، فأصدر في 18 يونيو/ حزيران، قبل أيام من تسليمه السلطة إلى الرئيس المنتخب، إعلاناً دستورياً آخر منح لنفسه بمقتضاه سلطة تشريعية، واستقلالا ذاتيا، وحق الاعتراض على الدستور الجديد.
وشكل إلغاء الرئيس المنتخب محمود مرسي يوم 5 أغسطس/ آب لهذا الإعلان، وإسناد
استغلت المؤسسة العسكرية حصول احتجاجات جماهيرية على حكم "الإخوان"، توجت بتظاهرات ضخمة يوم 30 يونيو/ حزيران 2013، فأصدرت تحذيراً تطالب فيه الرئيس بالاستجابة للدعوات الجماهيرية بإجراء انتخابات جديدة أو استفتاء على رئاسته. وعندما رفض، قام "الجيش"، ممثلا بوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، بعزله من السلطة يوم 3 يوليو/ تموز 2013، عاد به الجيش ليكون اللاعب المحوري في الدولة المصرية وانخراطه بعمق في الحياة السياسية.
المؤسسة العسكرية والتعديلات الدستورية
حصل عبد الفتاح السيسي على موافقة "المجلس" لخوض الانتخابات الرئاسية في مايو/ أيار 2014، أعلن قادة الجيش تأييدهم لترشّحه في بيان غير مسبوق اعتبره مصريون كثيرون يتمتعون بوعي سياسي مفاجئاً للغاية، فاستقال من وزارة الدفاع، وخاض الانتخابات، وفاز بمنصب رئيس الجمهورية.
لم تشعر المؤسسة العسكرية بأنها حققت أهدافها كاملة لمجرد نجاحها في إسقاط حكم "الإخوان"، وإيصال ضابط إلى سدة الرئاسة، فسعت إلى تعزيز دورها وتثبيته، وتوفير شروط استمراره عبر العمل على إجراء تعديلات دستورية على مواد في الدستور الذي شاركت في صياغته وإقراره.
وتكمن خطورة التعديلات في المواد المتعلقة بالصلاحيات الواسعة التي منحت لرئيس الجمهورية، منهية توازن السلطات واستقلال القضاء ومكرّسة الحكم الشمولي، وكذلك المواد المتعلقة بتقنين استقلالية المؤسسة العسكرية، وتمكينها من الهيمنة على مفاصل الحياة السياسية ككل، والتدخل في الشأن السياسي، بحجة حماية مدنية الدولة، ما يعطي الجيش حق القيام بانقلاب عسكري في أي وقت، يذكرنا ذلك بما كان عليه الوضع في تركيا مع مجلسها العسكري الذي قام بثلاثة انقلابات بذريعة حماية الدولة العلمانية، انقلاب كل عشر سنوات، وتمديد فترة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، وإعطاء الحق للرئيس الحالي بالبقاء في السلطة إلى عام 2034.
واضحٌ أن المؤسسة العسكرية تعيد صياغة المشهد السياسي، عبر فرض قيودها وحدودها على الفضاء العام، كي تشرعن دورها وسيطرتها، وتثبتها بمواد دستورية بصورة صلبة ومباشرة، من دون رتوش أو شعارات سياسية أو رؤى عقائدية باستثناء راية فرض هيبة الدولة. فـ"النظام الذي تتبلور معالمه ليس مختلفاً في سلطويته بل في الكيفية التي ينوي تطبيق هذه السلطوية بها. إنه نظامٌ رئاسي، أمني الطابع، يسيطر عليه ضباط أمنيون وعسكريون، مناوئ للسياسة، مركزي، ومناوئ للأيديولوجيا". ووفق أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، ناثان براون، في مقالته "تصحيح الثورة التصحيحية"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط (4/3/2019)، إنها سلطوية صفيقة، وعارية حتى من ورقة التوت.