سقط متحور "أوميكرون" كالصاعقة على أميركا، خاصة على إدارة بايدن التي جاءها هذا التطور في أسوأ الأوقات.
المخاوف من احتمال استعصاء "أوميكرون" وشدة فتكه، أعادت التذكير بكلفة وتداعيات السنتين الماضيتين وخطر تكرارها وربما هذه المرة على نطاق أوسع وأقسى، مع ما يترتب على ذلك من آثار مدمرة على رئاسته.
وحتى الآن، لا إصابات من "أوميكرون" في أميركا، ولا بيانات علمية بعد لتحديد درجة خطره، لكن المؤكد، حسب المرجعيات الطبية، أنها ليست إلا مسألة وقت قبل أن يجتاح "أوميكرون" الولايات المتحدة، مثلما اجتاحها "دلتا" و"كورونا" الأم، يضاف أن الإشارات الأولية عن "غرابة" هذا المتحور كانت كافية لتحريك الهواجس.
مسارعة الرئيس بايدن للتطمين بأنه "ليس في الأمر ما يستدعي الرعب ولو أنه مثير للقلق"، كانت بحد ذاتها مؤشراً على أن المسألة جدّية لإثارة الذعر، والدليل أن الفريق الرسمي الصحي في الإدارة استأنف الثلاثاء تقديم تقريره اليومي من خلال شاشات التلفزة، عن آخر التطورات والمعلومات حول المتحوّر، مع لائحة من الإرشادات المتوجب اتباعها، والتي شددت من جديد على أهمية ارتداء الكمامة والإسراع في أخذ حقنات التطعيم، إضافة إلى جرعة الدعم الثالثة.
والمعلوم أن حوالي 40% من الأميركيين ما زالوا بدون لقاح، في حين المطلوب وصول نسبة الملقحين إلى 70% كحد أدنى لتوفير ما يسمى بـ"مناعة القطيع" التي تكفل الحد من انتشار الفيروس بدرجة عالية.
ولهذا، ما زالت أميركا تسجل حتى الآن معدل 80 ألف إصابة في اليوم، وحوالي 800 حالة وفاة من كورونا ودلتا، وفق إحصاءات الأسبوع الأخير.
وما يعزز حالة الذعر أن الردود الطبية الأولية جاءت مرتبكة، في ما يتعلق بمدى فعالية اللقاح المتوفر الآن ضد "أوميكرون". وقال رئيس شركة فايزر، ألبرت بورلا، إن اللقاح "قد يخسر بعض فعاليته" مع المتحور الجديد.
وفيما يقول أنتوني فاوتشي، الطبيب المرجع في هذا الحقل، إن التطعيم مع التدابير الاحترازية "يوفر بعض الحماية"، فإن آخرين، مثل عميد كلية الطب في جامعة هيوستن، بيتر هوتز، يتوقعون أن اللقاح سيكون فعالا، لكن هوتز غير متأكد.
ويوصي أطباء آخرون الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 سنة، بالامتناع عن السفر حتى لو كانوا قد تلقوا اللقاح بالكامل. خلاصة هذه القراءات الملتبسة أن التهديد "يمكن أن يكون أخطر" هذه المرة، خاصة أن ما تناقلته التقارير من جنوب أفريقيا يفيد بأن بعض ضحايا "أوميكرون" تظهر عليهم "عوارض شاذة جامحة" حمل البعض على الاستنتاج بأن الفيروس الجديد له تركيبة وقدرات اختراقية مختلفة لخلايا الجسم.
ولن يتبين قبل توفر البيانات العلمية المتجمّعة عن الحالات المرضية، والتي لن تكون جاهزة قبل أسبوع أو اثنين أو ربما أربعة أسابيع، ويمكن للجهات الصحية التعرف بعد ذلك على خصائص الفيروس الأساسية الثلاث: كيفية انتقاله ومدى خطورته وقدرته على تجاوز اللقاح والالتفاف على مناعته. ومن هنا، يتقرر ما إذا التكهنات والتفسيرات مبالغ فيها، أو أن في الأمر ما يبرر الخوف أو يحوله إلى رعب.
وكيفما انتهى إليه الحال، ما هو سائد في المجتمع الطبي والعلمي منذ البداية، أن كورونا من الفيروسات القابلة للتناسل والتطور، وأثبت متحور دلتا ذلك، ولو أنه لم يكن عصيا على اللقاح المتوفر. القناعة الثانية التي استقرت باكرا أن القضاء على كورونا، أو محاصرته على الأقل على طريق دحره، لن تتحول إلى واقع قبل تطعيم عالمي شامل.
واليوم، جدد الاختصاصي في علم اللقاحات، الدكتور بيتر هوتز، الدعوة لحملة دولية لتحقيق هذا الهدف وتخليص البشرية من كورونا، وإلا فإن الاحتمال يبقى قائما لتفريخ المزيد من متحوراته. وحتى ذلك الحين، تبقى أميركا والعالم وبالذات إدارة بايدن في حالة حبس أنفاس.