أججت وفاة معتقل لدى "الإدارة الذاتية"، في شمال شرقي سورية، حالة الاستياء في الشارع السوري المعارض من ممارسات "الإدارة" من دون أن تنجح البيانات المتلاحقة منها في تبديد الغضب، خصوصاً أن الحادثة تُظهر تقفّي "الإدارة" أثر النظام السوري في قتل المعتقلين تحت التعذيب، وفق منظمة حقوقية. وتصدرت حادثة وفاة الشاب السوري الكردي أمين عيسى علي، أول من أمس الثلاثاء، في سجون "الإدارة الذاتية" المشهد، وسط توجيه اتهامات عدة إليها، منها تهديد حياة معارضي حزب "الاتحاد الديمقراطي"، أبرز أحزاب هذه "الإدارة"، المتحكم بمنطقة شرقي الفرات، عبر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وحاولت "الإدارة الذاتية"، أمس الأربعاء، التنصّل من مسؤولية وفاة علي في سجونها، فعقدت مؤتمراً صحافياً، نفى فيه أطباء تابعون لها تقارير سابقة عن وجود آثار تعذيب على جثة المتوفى. وأصرّت على تعرّض المعتقل لأزمة صحية أثناء اعتقاله أدت إلى وفاته، وذلك عبر إصدار "مكتب شؤون العدل والإصلاح في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" بياناً ادّعى فيه أن المعتقل توفي جراء جلطة دماغية تعرّض لها نتيجة أمراض عصبية يعاني منها، نافياً تعرّضه للتعذيب. وذكر المكتب في بيان أن الوفاة حصلت في مركز الإصلاح والتأهيل في غويران بالحسكة لـ"المتهم أمين عيسى علي الذي تم توقيفه في 22/5/2021، بتهمة دفع الرشى، وكان قد صدرت بحقه مذكرة توقيف رسمية صادرة عن الجهات المختصة وفق الأصول".
قُتل العشرات في سجون "قسد" لكن ذويهم يخشون الحديث
من جهته، نفى الرئيس المشترك لـ"مجلس سورية الديمقراطي" (مسد ـ الجناح السياسي لقوات قسد) رياض درار، في حديث مع "العربي الجديد"، وفاة أمين عيسى علي تحت التعذيب، مضيفاً أن هدف هذه الحملة هو تشويه "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية. واتهم درار النظام السوري بالوقوف وراء هذه الحملة الإعلامية التي "تهدف إلى إضعاف الإدارة الذاتية"، مشيراً إلى أن الطبيب الذي أكد وجود تعذيب على جثة أمين عيسى علي "تابع للنظام". واعتبر أن هناك محاولة للبدء في تحقيق جدي يثبت مصداقية "الإدارة" ويكشف خفايا ما يجرى لتشويه صورتها.
ونعى الحزب "الديمقراطي الكردستاني السوري" أمين عيسى علي، الذي كان من القيادات الشابة في هذا الحزب، مؤكداً في بيان أن "مسلحي حزب الاتحاد الديمقراطي ارتكبوا جريمة بشعة بحق الرفيق أمين عيسى علي، عضو المجلس الفرعي لحزبنا الديمقراطي الكردستاني- سورية، الذي استشهد نتيجة التعذيب الشديد الذي تعرّض له في معتقلاتهم". وأضاف: "بعد الكشف على جثته تبين وجود آثار لتعذيب وحشي يُندى له الجبين، وكسور في أنحاء مختلفة من جسمه، وضربات على الركبتين والرقبة بأدوات قاسية، واستعمال الكي الحارق، بالإضافة إلى حروق ممتدة من خلف الرأس إلى نهاية العمود الفقري بالزيت الحار، بحسب تقارير طبية محايدة، في سابقة خطيرة لا يرتكبها إلا المجرمون".
بدورها، أكدت عائلة القتيل في بيان تعرضه لتعذيب "بشكل واضح" أدى إلى وفاته في المعتقل، مطالبة "المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية بفتح تحقيق دولي نزيه وشفاف وعادل ومستقل، للكشف عن ملابسات هذه الجريمة وتقديم الجناة إلى العدالة". وحمّلت العائلة "الإدارة الذاتية" مسؤولية "مقتل ابننا بصفتها حكومة أمر واقع مسؤولة عن سلامة وأمن المواطنين في كامل المنطقة التي تسيطر عليها".
وفي السياق، أكدت مصادر محلية مطلعة لـ "العربي الجديد" أن حادثة أمين عيسى علي "ليست الأولى في سجون الإدارة الذاتية"، مشيرة إلى أن القوى الأمنية التابعة لهذه "الإدارة" قتلت يوم الجمعة الماضي تحت التعذيب والد أحد المنشقين المدنيين عن مؤسسات "الإدارة" في مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي. وكشفت المصادر عن وجود عشرات حالات الوفاة تحت التعذيب في سجون "الإدارة الذاتية ولكن أهالي القتلى لا يجرؤون على الحديث العلني، خشية الانتقام من الأجهزة الأمنية التي تتبع هذه الإدارة". ولفتت إلى أن حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الموصوف بأنه النسخة السورية من حزب "العمال الكردستاني": "لا يقبل بوجود معارضين له في منطقة شرقي نهر الفرات".
من جانبه، يوضح مدير "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" فضل عبد الغني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "لدى قوات سورية الديمقراطية 3417 مختفياً قسرياً، مصيرهم غير معروف، إضافة إلى عشرات آلاف المحتجزين. وهناك 50 ألف محتجز في مخيّم الهول في ريف الحسكة". ويضيف أنه "منذ تأسيس قسد (أواخر عام 2015) قتلت 67 شخصاً تحت التعذيب بينهم طفل وامرأتان"، مبدياً خشية الشبكة على "مصير المختفين قسرياً". ويشدّد على أن أمين عيسى علي "تعرض لعملية تعذيب متوحشة"، مضيفاً: "قوات قسد تعتمد استراتيجية التعذيب لإرهاب الخصوم والمجتمع".
لدى قوات سورية الديمقراطية 3417 مختفياً قسرياً
ويوضح عبد الغني أن أمين عيسى علي "انتقد ممارسات قسد على صفحته في فيسبوك بطريقة ساخرة. نعتقد أن هذا السبب وراء اعتقاله ومن ثم تعذيبه حتى الموت". ولفت إلى أن "الأساليب التي تتبعها "قسد" قريبة من أساليب النظام السوري. ولا يتوقع عبد الغني فتح تحقيق من قبل قوات قسد لمعرفة ملابسات ما جرى "وهذا هو الأسلوب الذي يتبعه النظام".
في موازاة كل ذلك، من المتوقع أن تلقي هذه الحادثة بظلالها على المشهد السياسي الكردي في سورية، في ظل تعثر الحوار بين حزب "الاتحاد الديمقراطي" و"المجلس الوطني الكردي" منذ أواخر العام الماضي. وفي السياق، يشير المنسق العام لـ"حركة الإصلاح الكردي"، عضو "الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي" فيصل يوسف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى "أن المشهد السياسي الكردي يعيش تحت وطأة الخلافات منذ سنوات عديدة". ويشدّد على أن "المجلس الوطني الكردي عمل ولا يزال من أجل وحدة الموقف الكردي"، مضيفاً: "لكن الطرف الآخر تفرّد بالقرار، وهو يحاول الهيمنة بالقوة من خلال إدارته المعلنة. ويقول إن جريمة قتل أمين عيسى علي من قبل الجهات التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، تزيد من الشروخ القائمة أصلاً. وهو ما يدعو لضرورة تفعيل مبدأ الإدارة التشاركية، من قبل كل المكونات، بهدف تامين احتياجات الناس والمحافظة على حقوقهم الإنسانية والديمقراطية. ويؤكد أن "هذه الجريمة المدانة تدعو للاستعجال بإشراك الجميع في القرار ومحاسبة مرتكبيها بشكل شفاف ومن دون مواربة، لأنها هزت الضمير المجتمعي بقوة وباتت علامة على سلبيات أنظمة التفرد والاستبداد".