تغيب المعارك بشكل شبه تام في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" السوري المعارض، إلا أن هذا الجيش، المكّون من فصائل منفصلة فعلياً وموحدة شكلياً، لا يزال يعلن بين الحين والآخر عن ولادة تشكيل جديد بين فصائله، للظهور بمظهر الجيش المتجه نحو المأسسة.
وتأتي هذه الإعلانات في وقت تتمسك فيه قيادة كل فصيل من هذه الفصائل بعناصرها، وتجعل من دمجهم ضمن أي جسم خطاً أحمر. ولا تزال عملية الدمج غير جدّية، بحسب متابعين، ما يؤخر ضبط التوجهات السياسية خصوصاً لـ"الجيش الوطني" المعارض.
تكتل عسكري جديد ضمن "الجيش الوطني" السوري
وضمن هذا الواقع، تم الإعلان أخيراً عن تكتل عسكري جديد في "الجيش الوطني" السوري المعارض، في منطقة "نبع السلام" الخاضعة للنفوذ التركي في منطقة شرقي نهر الفرات. ويضم التكتل الجديد فصائل عدّة، جلّ مقاتليها من المنطقة الشرقية في سورية، أحدها فصائل "أحرار الشرقية"، فرضت عليه وزارة الخزانة الأميركية عقوبات مع اثنين من قيادييه.
يضم التكتل الجديد أربعة فصائل، أبرزها "أحرار الشرقية"
ويحمل التكتل الجديد، الذي أعلن عنه أمس الثلاثاء، اسم حركة "التحرير والبناء"، ويضم فصائل: جيش الشرقية، فرقة أحرار الشرقية، الفرقة 20، صقور الشام (قطاع الشرقية). ويتزعم حركة "التحرير والبناء" الرائد حسين حمادي (أبو علي شرقية)، ونائبه أحمد الهايس (أبو حاتم شقرا).
وكان "الجيش الوطني" السوري المعارض قد تشكل في أواخر عام 2017، ويضم 3 فيالق تندرج فصائل المعارضة السورية ضمنها.
وأوضح الرائد يوسف حمود، المتحدث باسم "الجيش الوطني"، لـ"العربي الجديد"، أن "حركة التحرير والبناء تابعة للجيش الوطني، وضمن غرفة العمليات (عزم)، وهي من مكونات الفيلق الأول في هذا الجيش".
وأشار حمود إلى أن تشكيل الحركة الجديدة يأتي في سياق خطوات لتجاوز حالة الفصائلية في "الجيش الوطني"، موضحاً أن هذا التشكيل لا يقتصر على مقاتلين من المنطقة الشرقية من سورية، "بل يضم مقاتلين من كل المناطق السورية". وأضاف المتحدث أنه "ستكون لهذه الفصائل بنية وقيادة واحدة، وهذه الخطوة جاءت بعد مرحلة تمهيدية طويلة، وقد تم الاندماج فعلاً قبل الإعلان عنه".
وتعليقاً على كون فصيل "أحرار الشرقية" معاقباً من قبل الإدارة الأميركية وتبعات ذلك على التشكيل الجديد، قال حمود: "نأمل بأن يكون الاندماج الجديد وسيلة لإزالة العقوبات عن فصيل أحرار الشرقية"، وأضاف "هي مجرد عقوبات، ولم يصنف أي فصيل من فصائل المعارضة في خانة التنظيمات الإرهابية من قبل أي دولة في العالم".
عقوبات على "أحرار الشرقية"
وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت في منتصف العام الماضي عقوبات على فصيل "أحرار الشرقية"، وعلى اثنين من قادته، هما: أحمد إحسان فياض الهايس (أحمد الهايس)، المعروف باسم أبو حاتم شقرا، وهو قائد الفصيل، ورائد جاسم الهايس (رائد الهايس)، المعروف باسم أبو جعفر شقرا، وهو القائد العسكري لفصيل أحرار الشرقية.
وكان "الجيش الوطني" المعارض قد رفض العقوبات الأميركية على "أحرار الشرقية" واعتبرها "قراراً جائراً"، مشيراً في حينه، إلى أن القرار "اتُخذ دون دراسة موضوعية"، وأنه "قرار سياسي وكيدي"، فيه محاباة لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المتهمة بكونها امتداداً لـ"حزب العماّل الكردستاني"، المصنف من قبل دول عديدة كتنظيم إرهابي.
ويُتهم فصيل "أحرار الشرقية" بارتكاب العديد من التجاوزات في مناطق سيطرته، وخصوصاً في منطقة عفرين، شمال غربي حلب، حيث كان وراء عشرات حالات الخطف من أجل الفدية في عفرين. واستدعى ذلك تدخلاً من "الجيش الوطني" في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، لإيقاف هذا الفصيل عند حدود معينة.
وفي هذا السياق، يُتهم أبو حاتم شقرا، المتحدر من بلدة شقرا في ريف دير الزور الغربي، بتصفية السياسية الكردية هفرين خلف، وحارسين كانا معها، في منطقة رأس العين، في أكتوبر 2019، إبان العملية العسكرية التركية. وأدّت تلك العملية إلى السيطرة على شريط حدودي بطول مائة كيلومتر وعمق 33 كيلومتراً في منطقة شرقي نهر الفرات.
يأمل "الجيش الوطني" بأن يكون الاندماج وسيلة لإزالة العقوبات عن "أحرار الشرقية"
ووفق مصادر مطلعة، يتجاوز عدد عناصر "أحرار الشرقية"، الذي كان قد تأسس في 2016، الألفي مقاتل، وله معسكرات تدريب في ريف حلب الشمالي، خصوصاً في مدينة الراعي التي يتخذها الفصيل مركزاً رئيسياً له، إلى جانب ناحية راجو ومدينة الباب، ومنطقة رأس العين في ريف الحسكة.
ويضم هذا الفصيل عدداً كبيراً من المقاتلين الذين ينتمون إلى عشيرة الفدعان، وقبيلة الشعيطات التي كانت تسيطر على جانب كبير من ريف دير الزور الشرقي، قبل أن تدخل بصراع طويل مع تنظيم "داعش" في منتصف 2014، انتهى بسيطرة التنظيم على المنطقة الغنية بالنفط.
في المقابل، يؤكد المدافعون عن هذا الفصيل أنه خسر نحو 500 عنصر من صفوفه في المعارك التي دارت ضد "داعش" إبان عملية "درع الفرات" التي بدأت في منتصف 2016، وانتهت في فبراير/ شباط 2017 بطرد التنظيم من ريف حلب الشمالي الشرقي.
الجيش السوري المعارض... الفصائلية تؤخر الانضباط
ولطالما شهد الشمال السوري، الواقع تحت سيطرة المعارضة، اندماج فصائل في تشكيل واحد أو جبهة جديدة، إلا أن الوقائع تؤكد أن حالة الفصائلية لا تزال سائدة، على الرغم من أن كل الفصائل يضمّها "الجيش الوطني" المدعوم من تركيا إليه.
وكانت خمسة من أكبر فصائل "الجيش الوطني" السوري قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي، الاندماج ضمن تشكيل جديد، حمل اسم "الجبهة السورية للتحرير". وفي أكتوبر الماضي، أعلنت 7 فصائل اندماجاً جديداً، ضمن تكتل عسكري حمل اسم "حركة ثائرون"، لـ"إنهاء الحالة الفصائلية، وضبط الأمن ودعم الاستقرار في المناطق المعارضة، وتعزيز دور المؤسسات الأمنية والعسكرية"، بحسب بيان.
ومن الواضح أن توالد هذه التشكيلات من رحم "الجيش الوطني" المعارض يدل على فشل المعارضة السورية في الوصول إلى صيغة عسكرية توافقية وقيادة واحدة تشكل مرجعية للحراك العسكري وتضبطه وفق مقتضيات السياسة.
ولا يملك "الائتلاف الوطني السوري" المعارض أي سلطة على هذه الفصائل، التي باتت لكل فصيل منها منطقة نفوذ محددة، ودخلت في صدامات دامية لأجل ذلك، سواء في شرقي الفرات أو غربه.
وتعليقاً على ذلك، أوضح الباحث في "مركز جسور للدراسات" وائل علوان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المداولات حول تشكيل حركة التحرير والبناء بدأت قبل أكثر من شهرين"، مشيراً إلى أن "هذا المشروع لا ينفصل عن محاولات فصائل الجيش الوطني للتقارب لاختزال الكثير من أسماء الفصائل".
ورأى علوان أن "فكرة الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني لم تلغ الفصائلية بشكل حقيقي"، لافتاً إلى أن "هذه الفيالق بقيت حبراً على ورق".
وأضاف الباحث أن "التشكيل الجديد يأتي بعد تشكيل حركة ثائرون، وفي سياق إعادة تنظيم الجيش الوطني على أسس أكثر عملية، بحيث يكون الاندماج بين الفصائل فعلياً على أرض الواقع"، معرباً عن اعتقاده بأنه "من المبكر الحديث عن جدية هذا الاندماج الجديد".
وقال علوان إنه "كانت هناك خطوات من فصائل المعارضة لتحمل المسؤولية الأمنية ومواجهة الاستحقاقات الداخلية والخارجية، وهذا يتطلب تطوراُ في البنى التنظيمية"، وأعرب عن اعتقاده بأن التشكيل الجديد (حركة البناء والتحرير) "سيكون نطاق نشاطه في منطقة نبع السلام في شمال شرقي سورية، وسيختبر في الأسابيع المقبلة".
أما العقوبات الأميركية على "أحرار الشرقية"، وهو أحد أهم فصائل التشكيل الجديد، فرأى علوان أنها "لن تؤثر بشكل مباشر، وخصوصاً أنها لم تصل إلى حد التصنيف في خانة التنظيمات الإرهابية أو التهديد بذلك"، ولفت إلى "جهود تقوم بها وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة لحل هذه القضية قانونياً".
يذكر أن هذه الوزارة كانت قد شهدت في أواخر العام الماضي استقالة وزيرها اللواء سليم إدريس، ليعيّن "الائتلاف الوطني السوري"، الذي تتبع له هذه الحكومة، مكانه العميد الطيّار حسن حمادة.