على الرغم من فوز حزب "روسيا الموحدة" الحاكم وحفاظه على الأغلبية الدستورية بالتشكيلة الجديدة للبرلمان، إلا أنّ انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي التي اختتمت أول من أمس الأحد لم تخلُ من بعض المفاجآت، ولعل أبرزها نجاح حزب "الناس الجدد" في تجاوز عتبة الـ5% المطلوبة لدخول البرلمان، بالإضافة إلى فوز بضعة مرشحين عن الأحزاب غير المتمثلة في البرلمان المنتهية صلاحياته بالدوائر الفردية.
وهذه أول مرة منذ عام 2003 تتأهل فيها خمسة أحزب إلى البرلمان بنظام القائمة النسبية، بعد سيطرة أحزاب "روسيا الموحدة" والشيوعي والليبرالي الديمقراطي و"روسيا العادلة" على الدوما على مدى فترة تقارب عقدين كاملين.
ومع ذلك، ثمة شكوك في أنّ توسيع خريطة الأحزاب المتمثلة في البرلمان يعكس انتقال الحياة السياسية الروسية إلى مرحلة التعددية، وسط ترجيحات بأنه تم بمباركة من الكرملين، الذي يبحث عن استيعاب مختلف قطاعات من السكان، لاسيما من بين الشباب وأصحاب التوجهات الليبرالية المعتدلة.
وفي مقالتها الافتتاحية تحت عنوان "ماذا يعني نجاح الناس الجدد؟"، بعددها الصادر اليوم الثلاثاء، لفتت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" إلى أنّ هناك روايات مختلفة لنجاح الحزب، بما فيها التسمية الناجحة لهذا المشروع السياسي التي لقيت قبولاً لدى من سئموا من عدم تجدد "الإستبلشمنت"، وتلبية الطلب على حزب ليبرالي معتدل من قبل قطاع الأعمال وأنصار اقتصاد السوق.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ الدوما في السنوات الماضية لم يكن متزناً، ليس من جهة السيطرة الكاملة لـ"روسيا الموحدة" فحسب، وإنما أيضاً من جهة تغلب الشعبوية اليسارية، معتبرة أن نجاح "الناس الجدد" لا ينفصل عن نجاح "روسيا الموحدة".
ورجحت "نيزافيسيمايا غازيتا" أنّ "الناس الجدد" ما كان له أن يتأهل إلى البرلمان لولا "دعم إداري"، بعد فوزه بنوع من "المناقصة الليبرالية السياسية" التي خسرها حزب "يابلوكو" ("تفاحة") المعارض الحاضر في المشهد السياسي الروسي منذ تسعينيات القرن الماضي.
وخلصت الصحيفة إلى أن دخول الليبراليين المعتدلين إلى الدوما يجب ألا يربك "روسيا الموحدة" في ظل حصول السلطة على برلمان أكثر اتزاناً.
من جهتها، اعتبرت المحللة السياسية الروسية، تاتيانا ستانوفايا، أنّ الأحزاب النظامية مهما كانت قابلة للاتفاق، إلا أن لديها ناخبها والحد الأدنى من الاستقلالية والفاعلية، مما دفع بالكرملين للاستعانة بالأحزاب الإدارية، بما فيها "الناس الجدد"، لأداء مهام محددة تحت إدارة ديوان الرئاسة.
وفي مقال بعنوان "النظام الحزبي - الإداري. كيف ثبتت الانتخابات نوعاً جديداً من الأحزاب الروسية؟" نشر بموقع مركز "كارنيغي" في موسكو، أمس الإثنين، لفتت ستانوفايا إلى أنّ التنسيق الوطيد للانتخابات أدى إلى النتائج المتوقعة، من جهة حفاظ "روسيا الموحدة" على الأغلبية الدستورية، ولكن الحملة الحالية تشكل مرحلة هامة في "التحول الكبير" للسلطة الروسية الذي انطلق في عام 2020 مع الإصلاح الدستوري، وشمل الحقل الحزبي هذه المرة.
ورأت كاتبة المقال أنّ نوعاً جديداً من الأحزاب تشكل في الانتخابات الحالية، وهو "الأحزاب الإدارية"، وهي تخضع بشكل مباشر لديوان الرئاسة، وعليها ملء الفضاء الحزبي على خلفية تراجع شعبية "روسيا الموحدة".
ووصفت ستانوفايا تأهل "الناس الجدد" إلى البرلمان بأنه توجه نحو "تشكيل حزب برلماني إداري موالٍ للسلطة ذي صورة ليبرالية معتدلة"، محذرة من أن يؤدي الرهان على الأحزاب الإدارية إلى نشوب خلافات في المحيط الرئاسي، ويثير استياء "روسيا الموحدة" الذي اعتاد على احتكار موالاة السلطة.
وكانت لجنة الانتخابات المركزية قد استكملت بحلول صباح اليوم، فرز 100% من الأصوات بانتخابات الدوما، وسط تقدم حزب "روسيا الموحدة" بحصوله على 49.82% من الأصوات، ويليه الحزب الشيوعي (18.93%) والحزب الليبرالي الديمقراطي (7.55%) و"روسيا العادلة - الوطنيون - من أجل الحقيقة" (7.46%) و"الناس الجدد" (5.32%). أما الأحزاب الأخرى، فلم تحصل على الـ5% اللازمة لدخول الدوما.
وبالدوائر الفردية، فاز "روسيا الموحدة" بـ198 دائرة (88%)، والشيوعي بتسع دوائر (4%)، و"روسيا العادلة" بثماني دوائر، والليبرالي الديمقراطي بدائرتين. وكذلك فاز كل من أحزاب "رودينا" ("الوطن") و"روست" ("النمو") و"المنصة المدنية" بدائرة واحدة، بالإضافة إلى فوز خمسة مرشحين خاضوا سباق الانتخابات كمستقلين.