انتهت قبل أيام مناورات "النجم الساطع" في مصر بمشاركة 20 دولة، على رأسها الولايات المتحدة. وأعلنت وزارة الدفاع المصرية، في بيان، أن المشاركة هذا العام "أظهرت معنى تنوع التسليح إلى جانب السلاح الأميركي"، كاشفة عن اشتراك أسلحة روسية وفرنسية، مثل مروحية "كاموف 52" وطائرات "ميراج 2000"، في مناورة واحدة مشتركة. واعتبرت أن هذا الأمر يقدم صورة عملية لمدى مهارة المقاتل المصري، الذي نجح في استيعاب أصعب تكنولوجيا التسليح، وتمكن من الدمج بين المدارس القتالية المختلفة "ليخلق حالة استثنائية على مستوى العالم، ويعكس التوازن الدولي الذي تحققه قواتنا المسلحة من انفتاحها على مختلف المصادر، بما يحقق استقلال قرارها".
سلمت شركة "ليوناردو" الإيطالية مصر 15 مروحية من طراز أغوستا ويستلاند
إلا أنه لم يتم الكشف رسمياً عن مستجد آخر شهدته المناورة، وأظهرته بعض مقاطع الفيديو والصور التي نشرتها واشنطن، يتمثل في مشاركة مروحيات جديدة من طراز "أغوستا ويستلاند 139" المعدلة، من إنتاج شركة "ليوناردو" الإيطالية، في المناورات، في أول استخدام علني لها، وهو ما يدل على إنجاز قسم كبير من الصفقة التي كانت قد بدأت مصر وإيطاليا بتنفيذها في مطلع العام الماضي لتكون الأكبر من نوعها بين البلدين، والتي قد يصل إجماليها إلى 11 مليار يورو، على خلفية رغبة القاهرة في تجاوز الأزمة المتواصلة مع روما، بسبب عدم الكشف عن مرتكبي حادث خطف وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في مطلع 2016، والمماطلة في تقديم المسؤولين المتهمين للعدالة.
وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن شركة "ليوناردو" سلمت مصر بالفعل، على ثلاث دفعات، "أكثر من" 15 مروحية من إجمالي 32 تم الاتفاق على توريدها من طرازي "أغوستا ويستلاند 149 و139" و149 المعدلة، وذلك بعدما كان من الشائع في روما والقاهرة أنه لم يتم تسليم تلك الطلبية حتى الآن، علماً أن العقد كان قد تم توقيعه في العام 2019. وأضافت المصادر أن باقي المروحيات ستصل إلى القاهرة تباعاً آتية من ميلان. كما يتم على مدار العام إرسال بعثات تدريبية لتأهيل الطيارين المصريين على التحليق بتلك المروحيات للأغراض العسكرية والأنشطة الإسعافية الخاصة بإخلاء الجرحى والضحايا، وهو النشاط الذي استُخدمت فيه هذه المروحيات في المناورات الأخيرة.
وذكرت المصادر أن الصفقة تضم أيضاً 24 مروحية تدريب من صنع الشركة نفسها، وذلك كله بقيمة إجمالية تتجاوز 870 مليون يورو، فضلاً عن احتمال زيادة عدد مروحيات الميدان المطلوبة إلى 36 في موعد لاحق. وأشارت المصادر إلى أن زيادة عدد المروحيات لدى الجيش المصري باتت ضرورية، لأسباب تتعلق بخطط التدخل السريع المحتمل في سيناء وليبيا وحوض البحر المتوسط، وكذلك للاستفادة من السفن الحاملة للمروحيات الجديدة، وعلى رأسها جمال عبد الناصر وأنور السادات من طراز "ميسترال" فرنسية الصنع.
وسبق أن كشف تقرير سري، اطلعت "العربي الجديد" على نسخة منه، أن قسماً كبيراً من تمويل صفقة التسليح الإيطالية يعود إلى اتفاقية قرض موقعة بين وزارة الدفاع المصرية وهيئة تنمية الصادرات الإيطالية "SACE" ومجموعة البنوك ومؤسسات التمويل الإيطالية، لتمويل جزء من صفقة التسليح الإيطالية، يبلغ 500 مليون يورو، أي ما يعادل أقل بقليل من نصف القيمة الإجمالية للمرحلة الأولى من صفقة التسليح، والتي تبلغ 1.1 مليار دولار قيمة الفرقاطتين "فريم" اللتين وصلتا بالفعل إلى مصر.
وما زالت الصفقة تشمل 4 قطع "كورفيت" (فرقاطة صغيرة سريعة ذات كلفة تشغيل اقتصادية وتصلح للمعارك البحرية الصغيرة والتصدي للغواصات وحمل الطوربيدات)، ونحو 22 من اللانشات (الزوراق) الهجومية، مع تجهيز جميع القطع الصغيرة بمنظومة حرب إلكترونية ورادارات وأجهزة حديثة للاستشعار عن بعد، وتوفير مدربين لتمرين الضباط المصريين على استخدام بعض المميزات التي ستكون جديدة على البحرية المصرية.
تشمل الصفقة 4 قطع "كورفيت" و22 من الزوارق الهجومية
واللافت أن تعقد ملف ريجيني، واقتراب بدء المحاكمة الغيابية للضباط الأربعة المتهمين، وكذلك متابعة الإيطاليين بصفة خاصة، والأوروبيين بصفة عامة، لقضية الباحث باتريك جورج زكي، لم تمنع الحكومة والشركات الإيطالية من المضي قدماً في تنفيذ صفقة التسليح، في ظل حملة كبيرة ما زالت فاشلة داخل البرلمان الإيطالي لعرقلة التنسيق المتفق عليه سلفاً في ملف التعاون العسكري، باعتبار النظام المصري قمعياً ويرتكب جرائم ضد حقوق الإنسان.
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أشعرت السفارة المصرية في روما بوجوب القيام بتحركات سياسية واستخباراتية واقتصادية عالية المستوى وسريعة، بسبب رصدها تصاعداً في الخطاب النيابي والسياسي والإعلامي المعارض في إيطاليا، سعياً لإلحاق مصر بكل من السعودية والإمارات في تطبيق القانون المحلي رقم 185 لسنة 1990، الذي يمنع توريد أسلحة إيطالية الصنع إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان.
واشترت مصر من إيطاليا أسلحة بمبلغ مليار و944 مليون يورو منذ مقتل ريجيني، منها 991 مليوناً في 2020، والذي يعتبر الرقم الأضخم في تاريخ العلاقات العسكرية بين البلدين. وفي 2019 أنفقت 870 مليون يورو. وفي 2018 كانت قيمة الصفقات 69 مليون يورو فقط، وكان هذا في وقته رقماً قياسياً يمثل أكثر من ضعف أكبر مبلغ دفعته مصر نظير الأسلحة الإيطالية في عام واحد على الإطلاق، وبرقم يفوق بكثير سعر مشترياتها من الأسلحة والذخيرة في جميع الأعوام من 2013 إلى 2017.