يؤشر البيان الذي أصدرته "سرايا القدس"، الذراع العسكرية لحركة "الجهاد الإسلامي"، أمس الأول الخميس، والذي تتحلل فيه من بيان الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية الذي عمّمته "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، إلى تباينات في المواقف والرؤى بين الطرفين، خصوصاً لجهة توقيت العمل العسكري. وبات ذلك في الأعوام الثلاثة الأخيرة أكثر وضوحاً، على الرغم من الالتقاء في كثير من المواقف السياسية.
وعلى الرغم من تأكيد "سرايا القدس" أنها ليست جزءاً من البيان الصادر عن الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، والذي "هدد بردود قاسية من نوع خاص" على العدوان، الذي أدى الخميس الماضي إلى استشهاد فلسطيني إلى الشرق من وسط القطاع، إلا أنها أكدت حق الشعب الفلسطيني في مقاومة العدوان الإسرائيلي.
أضحت المشاكل أقل مع "الجهاد" في السنوات الأولى لحكم "حماس" لغزة
وجاء بيان الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة بلغة لم تعجب حركة "الجهاد". ويبدو أنها لم تُستشر قبل إصداره، بعكس فصائل أقل حجماً وتأثيراً أصدرت بيانات عقبه، وقالت إنها استشيرت فيه وتُوافق على مضمونه. وانعكس هذا التباين في المواقف سريعاً على وسائل التواصل الاجتماعي التي غصت بعشرات المنشورات التي يهاجم فيها أنصار كل طرف الآخر، فيما قلة فقط من الطرفين دعت لعدم الاستعجال والاهتمام بالقواسم المشتركة الكثيرة بين الطرفين على حساب التباينات "الصحية"، وفق كتاباتهم.
وتنتمي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى المشروع الإسلامي، وتأتي "حماس" أولاً في الجانب العسكري في القطاع الذي تسيطر عليه منذ 2007، فيما تأتي "الجهاد" ثانياً، لكن بفارق واضح في القدرات والإمكانيات والإنجازات لصالح "حماس". وقبل سيطرة حركة "حماس" على القطاع بالقوة، وبسط نفوذها الواسع وطرد عناصر السلطة الفلسطينية و"فتح" في 2007، كانت العلاقة مع حركة "الجهاد" في أسوأ أحوالها، وكان التنافس على استقطاب الشباب وإدارة المساجد على أشده، وكثيراً ما كان يتم افتعال مشاكل بين الطرفين. لكن في النهاية كان يتم السيطرة عليها من قبل تيارين في الحركتين يحاولان دوماً تقريب وجهات النظر، ويعتبران أنّهما تكملان بعضهما مع مساحة من التباين والاختلاف.
وعلى الرغم من محاولات "تيار التقريب" العمل على تفكيك الأزمات والتباينات والخلافات الميدانية بين الطرفين، إلا أنّ نجاحه ظل محدوداً، ولا تزال النزعة الحزبية تحكم العلاقة بين الطرفين. في السنوات الأولى لحكم "حماس" لغزة، أضحت المشاكل أقل، لكنها بقيت تشكّل جزءاً من العلاقة بين الطرفين مع احتواء حركة "الجهاد" لعشرات من أنصار "فتح" داخل أطرها العسكرية خصوصاً، والذين لجأوا إليها "للاستمرار في العمل العسكري، وخوفاً من ملاحقة حماس لهم"، وهو ما كان يثير إشكاليات تُحل بين الطرفين قبل أن تتطور لصدام.
وساهمت لجان لـ"التنسيق الوطني" في حل كثير من الإشكاليات عقب ذلك. ولكل تنظيم فلسطيني فريق للتنسيق يعمل على ضبط إيقاع العمل العسكري والوطني والحزبي مع الحكومة التي تديرها حركة "حماس" وأجهزتها الأمنية. واتهم ناشطون في حركة "الجهاد الإسلامي" الأجهزة الأمنية في غزة باعتقال بعض مطلقي الصواريخ في بعض الأحيان. وقبل أسبوعين، اعتقل ثلاثة من عناصر "سرايا القدس" كانوا في طريقهم لإطلاق صواريخ، عقب إعادة اعتقال الاحتلال الإسرائيلي لأسرى "نفق الحرية".
والتباين الأكبر الذي أظهر فجوة واضحة بين الطرفين كان عقب اغتيال إسرائيل لقائد "سرايا القدس" في المنطقة الشمالية من القطاع بهاء أبو العطا، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، والذي لم تشارك "كتائب القسام" في الرد على اغتياله، على عكس المرات السابقة التي كانت جزءاً أساسياً من الردود على أي عملية اغتيال أو استهداف لمسؤول فلسطيني في القطاع. في الغرف المغلقة، تقول أوساط في "حماس" إنّ أبو العطا لم يكن يعمل ضمن إطار الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، وإنّ "سرايا القدس" كانت تضرب "عرض الحائط" بالتوافقات الوطنية الخاصة بالعمل العسكري، وتنفذ هجمات على الحدود من دون ابلاغ الآخرين، ما تسبب في استشهاد عناصر من "حماس" على الحدود، وإبطاء وتدمير جزء من المنظومات العسكرية التي تبنيها "حماس" في القطاع لمواجهة أكبر.
فهم من لقاء هنية بنخالة بأنه إعادة ضبط لإيقاع العلاقة بين الطرفين
ووفق معلومات "العربي الجديد"، فإنّ الردود الإسرائيلية على الصواريخ التي تستهدف "غلاف غزة" في العامين الأخيرين باتت لا تستهدف مواقع عامة للمقاومة كالعادة، بل مواقع عسكرية متقدمة ومتطورة لـ"حماس" ومصانع أسلحة، وأنّ إحدى الغارات الإسرائيلية في العام 2020 دمرت مجموعة من الطائرات المسيّرة التي كانت تجهزها "كتائب القسام" في أحد المواقع العسكرية شمال القطاع، مع ما يشكله الأمر من صعوبة في إعادة المصنوع من هذه الطائرات في ظل شح الإمكانيات والصعوبة البالغة في عمليات تهريب المقدرات العسكرية.
وترد أوساط في "الجهاد الإسلامي" في الغرف المغلقة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان، بأنّ "حماس" كبّلت نفسها بتفاهمات غير مباشرة مع الاحتلال الإسرائيلي لم تحدث فارقاً في حياة الفلسطينيين، وأنّها "تجامل" الوسطاء على حساب تثبيت قواعد الاشتباك. وأظهرت معركة "سيف القدس"، وهي الحرب الرابعة على القطاع، جزءاً من القدرات الكبيرة التي عملت على إنجازها "حماس" تحضيراً لمواجهة كبرى. ويبرر البعض لها عدم دخولها في مواجهات محدودة بين الحين والآخر بمحاولة تجميع أكبر قوة لإحداث تغيير في المعادلة لصالحها وصالح الشعب الفلسطيني.
وعقب اغتيال أبو العطا، وانفراد حركة "الجهاد الإسلامي" بالرد على اغتياله مع تنظيمات فلسطينية أصغر من دون مشاركة "حماس"، زاد التوتر والاتهامات بين الطرفين، لكن سرعان ما التقى رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية بالأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" زياد النخالة. وفهم من اللقاء إعادة ضبط إيقاع العلاقة بين الطرفين ومحاولة تجاوز الخلاف. وخرج النخالة، في أكثر من تصريح ومقابلة صحافية عقب الحرب الرابعة على القطاع وقبلها، ليلمز في جانب "حماس". وعلى الرغم من امتعاض الحركة الواضح تجاه هذه التصريحات، فإنه لم يصدر عنها أي بيان للرد، لكن ناشطيها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كانوا يهاجمون الأمين العام لـ"الجهاد" ويردون على ما يقوله في محاولة لتفنيد تصريحاته.
وبالنسبة لـ"حماس" بات من الواضح أنها في السنوات الأخيرة غيرت استراتيجية العمل العسكري لديها في قطاع غزة، وتعمل على بناء قدراتها بشكل متسارع للمواجهات الكبرى وليس للتصعيد المحدود، مع صعوبة تحركها في كثير من الأحيان، نتيجة المسؤولية التي تقع عليها لحكمها غزة منفردة والالتزامات أمام الوسطاء، خصوصاً الوسيط المصري الذي يُظهر حدة في التعامل معها على عكس السابق، وظهر ذلك جلياً عقب إغلاق معبر رفح في وجه الفلسطينيين لعدة أيام، عقب توتر حدودي أدى لمقتل قناص إسرائيلي شرقي مدينة غزة قبل أسابيع. وعلى الرغم من التباين في المواقف الميدانية والعمل العسكري بين الطرفين، إلا أنّ ما يجمع الطرفين أكبر في السياسة والتحرك الوطني، خصوصاً في ظل وضوح المشهد الإقليمي عقب الثورات المضادة، والذي يستهدف من ضمن من يستهدفهم "الإسلاميين"، وفي الحالة الفلسطينية يستهدف المقاومة المسلحة ويلاحقها ويتعقب أصولها ومصادر تمويلها ومحاولاتها تهريب الأسلحة.