أثار حادث هجوم تنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لتنظيم "داعش"، على استراحة للمواطنين في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر، مساء الثلاثاء الماضي، حالة من القلق والفزع في صفوف عشرات آلاف المواطنين من سكان المحافظة، إذ جاء بعد فترة من الهدوء النسبي، سادت الأوضاع الأمنية في مناطق العريش وبئر العبد على وجه التحديد، لا سيما في اتجاه اعتداءات التنظيم والجيش على المدنيين.
إلا أن الهجوم، الذي أسفر عن إصابة ثلاثة مواطنين، واختطاف ثمانية آخرين، والاستيلاء على سيارتين، وتحطيم محتويات الاستراحة، قلب الأمور رأساً على عقب في شمال سيناء، وأعاد مسلسل الرعب من التنظيم الإرهابي مجدداً إلى الواجهة، وسط غياب واضح لقوات الأمن المصرية، المنتشرة حواجزها في كل ربوع المحافظة.
هاجم التنظيم المواطنين بحجة تعاونهم مع قوات الأمن
وفي تفاصيل الحادثة، قالت مصادر قبلية وشهود عيان، لـ"العربي الجديد"، إن تنظيم "داعش" هاجم استراحة في منطقة بالوظة قرب بئر العبد، وأصاب فيها ثلاثة مواطنين واختطف ثمانية آخرين. وأضافت المصادر أن التنظيم اختطف كلاً من حسن علي، ورضا الله حسين رضوان، ونصر عليوه رشيد الجندي، وسالم الأقرع، وهاني نصر الجندي رشيد، وباسل محمد عبد الله، وعمر محمد سالم، وإبراهيم سليمان محيسن. وأشارت إلى أن المسلحين استولوا على سيارتين للمواطنين الذين كانوا موجودين في الاستراحة، وأن قوات الأمن وصلت إلى المكان بعد نصف ساعة من وقوع الحادثة، وبعد نقل المصابين إلى مستشفى بئر العبد لتلقي العلاج، فيما تجول المسلحون في منطقة الحدث قبل أن ينسحبوا في اتجاه الظهير الصحراوي، وقامت قوات الأمن بتمشيط المنطقة فقط، من دون ملاحقتهم خارج المنطقة السكنية.
وأضافت المصادر أن التنظيم هاجم المواطنين بحجة تعاونهم مع قوات الأمن، وغالبيتهم من قبيلة الأخارسة، ذات الثقل السكاني في شمال سيناء، فيما لم توفر قوات الأمن، التي تقبع في مكانين عسكريين بالقرب من بالوظة، الحماية اللازمة للمواطنين، بل تحركت بعد العديد من الاستغاثات، وإطلاق النار المتكرر من قبل المسلحين في اتجاه المواطنين والاستراحة، إذ استمر الهجوم قرابة 20 دقيقة، وهي فترة كافية لوصول قوات الجيش من الكمائن (الحواجز) القريبة بمسافة 300 متر فقط عن مكان الحادثة. إلا أن ذلك لم يحدث، وتُرك المواطنون ضحية للتنظيم الإرهابي مرة أخرى. وأكدت المصادر أنه لا تتوفر معلومات حول المختطفين حتى هذه اللحظة، إذ جرى نقلهم إلى مكان مجهول من قبل عناصر "ولاية سيناء"، وسط مخاوف حقيقية على حياتهم، وإمكانية تعرضهم للخطر على يد التنظيم، في ظل عدم إمكانية وصول الجيش إليهم، أو معرفة مصيرهم.
وفي التعقيب على ذلك، قال أحد وجهاء قبيلة الأخارسة، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "ما جرى بحق أبنائنا في بالوظة يمثل اعتداءً على الدولة المصرية بأكملها، إذ يتجرأ التنظيم الإرهابي على اختراق كل الحواجز الأمنية والعسكرية، ويصل إلى استراحة وسط منطقة سكنية، ويهاجم مرتاديها، في وقت مبكر بعد صلاة العشاء مباشرة، وفي ظل إحاطة المنطقة بقوات من الجيش والشرطة، فيختطف عدداً منهم ويصيب من رفض السير معهم، وتخريب المكان بالكامل، وإطلاق النار في كل الاتجاهات، ما أصاب السكان بالرعب والفزع". وأضاف: "لم نرَ حادثة بهذا الشكل منذ سيطرة التنظيم على قرى قاطية واقطية والجناين والمريح قبل عام، حينما لم يتمكن الجيش من مجابهة التنظيم الذي استفرد بالمدنيين في نطاق مدينة بئر العبد، وبقي مسيطراً على قراهم عدة أشهر، لولا الخطر الذي داهم قناة السويس آنذاك نتيجة اقتراب سيطرة التنظيم على المناطق الملاصقة لها".
طالب أحد وجهاء قبيلة الأخارسة بتوفير الحماية لكل المواطنين في شمال سيناء
ودعا إلى ضرورة "التدخل الفوري من قبل كل مؤسسات الدولة المصرية، بدءاً من الرئاسة وحتى قوات الجيش في الميدان، لإعادة أبنائنا المفقودين قبل تعرضهم للأذى على يد التنظيم الإرهابي، الذي تعودنا على ارتكابه الجرائم بحق أبناء سيناء على مدار سنوات الحرب". وطالب بتوفير الحماية اللازمة لكل المواطنين في شمال سيناء، تحسباً لتكرار المشهد مرة أخرى خلال الأيام المقبلة، في ظل التحركات الملموسة للتنظيم في محيط المناطق السكنية، وعودة الأحداث إلى ما كانت عليه قبل الهدوء النسبي الذي يسود الأوضاع منذ بداية العام الحالي، لا سيما في مناطق بئر العبد ومحيطها.
يشار إلى أن الأشهر القليلة الماضية شهدت تراجعاً في عمل "ولاية سيناء"، إذ اقتصر نشاطه في مناطق محددة بوسط سيناء والشيخ زويد ورفح، وأطراف العريش وبئر العبد، فيما ابتعدت هجماته عن المدنيين بشكل لافت، وكذلك عن مراكز المدن، والهجمات العنيفة على المواقع العسكرية، والثكنات التابعة للجيش والشرطة، فيما تعرض الجيش لخسائر من خلال استهداف الحملات العسكرية التي تحاول الاقتراب من مناطق وجود التنظيم، جنوب مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد امتداداً إلى مناطق وسط سيناء، فيما سجل الجيش خسائر في صفوف التنظيم خلال الفترة الأخيرة، جرى الإعلان عن بعضها من قبل حسابات مقربة من "ولاية سيناء".