وسط تضارب بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان بشأن عرض المفاوضين المجتمعين في الدوحة على الحركة اتفاقاً لتقاسم السلطة مقابل وقف العنف الذي يجتاح البلاد، اشتدت الضغوط على القوات الحكومية مع محاصرة "طالبان" لكابول، إذ سيطرت على مدينة غزنة الإستراتيجية، التي تعد البوابة الرئيسية للعاصمة والتي تبعد عنها نحو 150 كيلومتراً، وذلك بالتزامن مع مواصلتها شن هجمات في المناطق الأخرى المحيطة بكابول.
وفي ما يبدو أنه استعداد أميركي لسقوط العاصمة بيد الحركة، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الخميس، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن هناك مساعي للحصول على تعهد من "طالبان" بعدم مهاجمة السفارة الأميركية في كابول. وأوضحت الصحيفة أن المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد يحاول إقناع قادة "طالبان" بضرورة بقاء السفارة في كابول مفتوحة وآمنة، وذلك كشرط لمساعدة الحركة ضمن حكومة أفغانية. وتزامن ذلك مع تجديد الطلب لرعاياها بمغادرة أفغانستان فوراً.
سهيل شاهين: طالبان لم تتلق عرضاً جديداً لاقتسام السلطة
وفي الدوحة، عقد اجتماع لـ"الترويكا" الدولية الموسعة، بحضور خليل زاد. وانضم إلى الاجتماع وفود تمثل ألمانيا وطاجيكستان وتركيا، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ومبعوث وزير الخارجيّة القطري لمكافحة الإرهاب والوساطة في تسوية النزاعات، مطلق القحطاني. وأفادت معلومات بأن رئيس لجنة المصالحة الأفغانية، عبد الله عبد الله، سلم قطر خطة الحكومة الأفغانية لإيجاد مخرج من الأزمة الحالية. وقال إن حكومة بلاده تدعم تعيين وسيط أو وسطاء لتنظيم المفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي.
وقال مصدر في فريق مفاوضي الحكومة الأفغانية، لوكالة "فرانس برس" اليوم الخميس، إن المفاوضين المجتمعين في الدوحة عرضوا، عبر الوسيط القطري، على حركة "طالبان" اتفاقاً لتقاسم السلطة مقابل وقف العنف الذي يجتاح البلاد. إلا أن قناة "الجزيرة" نقلت عن عضو وفد "طالبان" لمحادثات السلام سهيل شاهين قوله إن "الحركة لم تتلق عرضاً جديداً لاقتسام السلطة"، معتبراً أن "طالبان مستعدة للمشاركة في حكومة انتقالية ولا نية لديها للإطاحة بالرئيس أشرف غني". واتهم رئيس المكتب السياسي للحركة الملا برادر الحكومة بالمماطلة وإهدار فرصة السلام، مشيراً إلى أنها "عرقلت إطلاق سراح المعتقلين 6 أشهر". وقال: "عرضنا وقف إطلاق النار 3 أشهر، وكانت فرصة لإحراز تقدم، لكن الجانب الحكومي رفض". وأضاف: "لا نريد احتكاراً للسلطة لكن نريد نظاماً إسلامياً مركزياً يوفر العمل على أساس الكفاءة". وانتقد القصف الأميركي، معتبراً أنه "يتعارض مع اتفاق الدوحة، وما لم يتوقف فإن المشاكل ستزداد وستتحمل واشنطن المسؤولية". وقال: "أكدنا للعالم كله، وخاصة الولايات المتحدة، أننا لن نسمح لأحد باستخدام أراضينا ضد الآخرين".
وتعدّ السيطرة على غزنة، أكبر مكسب لحركة "طالبان" حتى الآن بعد استيلائها على قندوز. وتبعد قندوز 300 كيلومتر عن كابول، وتقع على طريق استراتيجي يربط العاصمة بشمال البلاد. ورغم أنّ الحركة موجودة منذ فترة في إقليمي لوجر وميدان وردك، على بعد عشرات الكيلومترات من كابول، إلا أنّ سقوط غزنة يشكّل إشارة مقلقة للغاية بالنسبة الى العاصمة. وتعدّ المدينة نقطة مهمة على المحور الرئيسي الذي يربط كابول بقندهار، ثاني أكبر مدن أفغانستان إلى الجنوب. ويسمح الاستيلاء عليها لعناصر الحركة بقطع خطوط إمداد الجيش البرية إلى الجنوب. ومن شأن ذلك أن يضاعف الضغوط على قوات الجو الأفغانية، إذ يتعيّن عليها قصف مواقع "طالبان" وإيصال التعزيزات والإمدادات الى المناطق التي لا يمكن بلوغها براً، خصوصاً بعد التقدم السريع للحركة، إذ سيطرت في أسبوع واحد، على عشرة من أصل 34 عاصمة إقليم، سبع منها في شمال البلاد، وهي منطقة كانت دائماً تتصدى لها في الماضي. وقال مصدر أمني أفغاني، لـ"العربي الجديد"، إن الحركة سيطرت على سجن هلمند، فيما أعلنت "طالبان" السيطرة على معظم مناطق مدينة قندهار.
وفاجأ السقوط السريع لمدينة غزنة في يد "طالبان" الجميع، خصوصاً استسلام حاكم الإقليم داوود لغماني، ونشر صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مسلحي الحركة يطوقون موكبه. وقال مصدر أمني، لـ"العربي الجديد"، إن "طالبان" قامت بتأمين الطريق لحاكم غزنة ومسؤول أمن الإقليم. ويفتح سقوط المدينة، بحسب مراقبين، الطريق أمام "طالبان" للتقدم صوب العاصمة، خصوصاً أن حالة إرباك تسيطر على أجهزة الأمن والقوات المسلحة المتواجدة في إقليمي لوجر وميدان وردك، اللذين يقعان على طريق كابول بعد غزنة، واللذين تسيطر الحركة على معظم مديرياتهما. وقال الزعيم القبلي في إقليم ميدان وردك فريد الله، لـ"العربي الجديد"، إن "معظم الناس هربوا من مدينة ميدان عاصمة الإقليم إلى مديريات أخرى، خشية شن طالبان هجوماً على المدينة"، محذراً من أنه "لا يمكن لقوات الأمن أن تقاوم فيها، لا سيما أن مدينة غزنة الإستراتيجية الآن في يد طالبان".
وكانت الحكومة الأفغانية أرسلت مجموعات من قوات النخبة إلى غزنة، وهي لا تزال تقاوم داخل المدينة رغم استيلاء "طالبان" عليها. وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية ميروس ستانكزاي، لـ"العربي الجديد"، إن "قوات الداخلية بالتنسيق مع الاستخبارات اعتقلت حاكم إقليم غزنة، لأن سيطرة طالبان على الإقليم وبهذه الطريقة كانت مفاجئة، وبالتالي لا بد من التحقيق فيه للوصول إلى ملابساته". لكن ستانكزاي شدد على أن الحركة لن تستولي على كابول.
الحركة موجودة على بعد عشرات الكيلومترات من كابول
واستبعد الأكاديمي والأستاذ الجامعي كفايت الله حفيظ، بحديث لـ"العربي الجديد"، شن الحركة هجوماً على العاصمة للسيطرة عليها، معتبراً أنه "لا يمكنها أن تتعامل مع كابول كما تعاملت معها في تسعينيات القرن الماضي". وأضاف: "لا بد أن تسيطر على سدة الحكم بالتنسيق والتفاهم مع المجتمع الدولي، الذي لن يسمح لها بدخول كابول بقوة السلاح. وبالتالي طالبان ستطوق كابول وستضيق الخناق عليها وهي فعلت ذلك إلى حد ما". وأضاف: "المجتمع الدولي قد يرغم الرئيس أشرف غني على ترك الحكم قبل وصول الحرب إلى كابول".
لكن الزعيم القبلي في بغمان في العاصمة كابول عتيق الله خان، الذي أشار إلى أن له صلة مع "طالبان"، قال، لـ"العربي الجديد"، إن الحركة "ستسيطر على كابول، لكن بعد السيطرة على الأقاليم الأربعة المحيطة بها، وهي بروان، وكابيسا، ولوجر، وميدان وردك"، معتبراً أن السيطرة على الإقليمين الأخيرين سهلة، لأن قبائل من "البشتون"، المقربة من "طالبان"، تسكنهما، ولكن سيكون من الصعب عليها السيطرة على بروان وكابيسا، "لأن قبائل الطاجيك هناك قوية ولها مع الحركة قصة عداء قبل قضاء القوات الأميركية على حكومة طالبان".