بالتزامن مع حلول الذكرى الأولى لوصول حركة طالبان إلى سدة الحكم في أفغانستان، يختتم وفد الحركة اليوم الأربعاء، زيارته إلى روسيا التي استمرّت منذ 14 أغسطس/آب الجاري، وتركزت على قضايا الإمدادات الروسية من النفط والغذاء إلى أفغانستان.
وخلال الزيارة، عرضت "طالبان" على روسيا أن تشتري منها نحو مليون برميل من النفط في إطار صفقة مقايضة، وفق ما كشف عنه وزير الصناعة والتجارة الأفغاني نور الدين عزيزي، وهو أمر قد يثير اهتمام موسكو، وسط ترقب دخول الحظر الأوروبي على 90 في المائة من نفطها حيز التنفيذ بحلول نهاية العام.
وعلى صعيد سياسي، قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى أفغانستان، مدير قسم آسيا الثاني، زامير كابولوف، إن "طالبان" وعدت، في حدود إمكاناتها، بعدم السماح بنقل مسلحي التنظيمات الإرهابية، بما فيها "داعش"، إلى أوكرانيا، في مؤشر لوفاء "طالبان" بشكل واسع على تعهدها عند وصولها إلى سدة الحكم بألا يكون هناك أي تهديد لروسيا وبلدان آسيا الوسطى قادماً من أراضي أفغانستان.
والآن، ومع بدء حركة طالبان عامها الثاني في السلطة إثر الانسحاب الأميركي، يبدو أن موسكو والسلطة الأفغانية الجديدة قطعتا طريقاً طويلاً نحو تطوير العلاقات الاقتصادية بينهما، بلا آفاق لاعتراف الكرملين سياسياً بالحركة، ورفعها عن قوائم التنظيمات المحظورة.
وسبق لوفد "طالبان" أن شارك في فعاليات منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي في منتصف يونيو/حزيران الماضي، وسط غياب تام لقادة الدول الأجنبية، باستثناء حضور رئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، وإلقاء الرئيسين، المصري عبد الفتاح السيسي، والصيني شي جين بينغ، كلمتين بنظام مؤتمر الفيديو، بالإضافة إلى حضور رئيسي "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد، دينيس بوشيلين وليونيد باسيتشنيك، على خلفية مقاطعة كاملة من قبل قادة الدول الغربية.
ويعتبر رئيس المركز الأوراسي للتحليل في العاصمة الروسية نيكيتا ميندكوفيتش، أن روسيا ليس أمامها بديل يغنيها عن الاتصالات مع "طالبان"، بعد أن تمكنت من تثبيت نفسها كسلطة مستديمة في أفغانستان، مقراً في الوقت نفسه بأن انعدام الاعتراف السياسي بالحركة يعيق التطبيع الكامل للعلاقات.
ويقول ميندكوفيتش في حديث لـ"العربي الجديد": "لم يكن هناك مفر من الزيارة الحالية لوفد "طالبان" إلى روسيا، إذ إن حكومتهم تمكنت من تثبيت نفسها بشكل نهائي خلال العام، وعلى الأرجح ستبقى في السلطة لفترة هامة. وتركز جدول أعمال الزيارة بالدرجة الأولى على الملفات الاقتصادية".
وحول رؤيته لأوجه التعاون بين روسيا و"طالبان"، يضيف: "يمكن لروسيا أن تزود أفغانستان بالنفط مقابل تسليم ترسانة الأسلحة الأميركية المتروكة أو حقوق الامتياز للتنقيب عن المعادن، وهو مجال تتوفر لدى روسيا رؤوس الأموال اللازمة للتعاون فيه، على عكس جيران أفغانستان".
وفي ما يتعلق بالعوامل التي تعيق التطبيع الكامل للعلاقات بين موسكو و"طالبان"، يشرح: "تكمن المشكلة الرئيسية في أن نظام "طالبان" غير معترف به سياسياً، بسبب عزوفه عن بذل جهود كافية في مجال مكافحة الإرهاب، ومثال على ذلك انتظارهم لمقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أيمن الظواهري، بغارة لطائرة مسيرة أميركية، بدلا من المبادرة لاعتقاله وتسليمه".
ولا يرى تناقضاً في حظر روسيا حركة طالبان من جانب والتعاون معها من جانب آخر، قائلاً: "ليس أمامنا خيار آخر في ظل انعدام جهة أخرى يمكن التحاور معها، وهناك وكالات أممية ودولية تواصل عملها في أفغانستان. وهناك سابقة لإجراء موسكو اتصالات في عامي 2012 و2013 مع الرئيس المصري السابق محمد مرسي، الذي كان ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين رغم حظرها في روسيا".
"حلقة جديدة من مسلسل انتهاء الهيمنة الأميركية"
وعلى صعيد إعلامي، لم تفوت الصحافة الروسية الموالية للكرملين الفرصة لتصوير ذكرى صعود "طالبان" كحلقة جديدة من مسلسل انتهاء الهيمنة الأميركية، ومن بينها صحيفة فزغلياد الإلكترونية، التي نشرت مقالاً بعنوان "أفغانستان تكشف مأزق طريق الغرب" للمدير في نادي فالداي الدولي للنقاشات تيموفيه بورداتشوف، الذي ذكر فيه أن "عودة حركة طالبان منتصرة إلى كابول في 16 أغسطس/آب 2021، أصبحت من أهم الأحداث التي أنهت عهد هيمنة الدول الغربية على السياسة الدولية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن ما لا يقل أهمية الآن هو أن طالبان تمكنت خلال عام مضى من الحفاظ على سلطتها وتعزيزها.
واعتبر بورداتشوف أن سقوط نظام الرئيس الأفغاني أشرف غني، حتى قبل انتهاء إجلاء العسكريين الأجانب من البلاد، كشف مدى هشاشة الدولة التي وجودها في حدّ ذاته "ليس أكثر من نتاج لنظام عالمي فريد من نوعه"، على حدّ وصفه، أقيم بعد الحرب الباردة، متمثلاً بـ"تركز السلطة بين أيدي دولة واحدة"، أي الولايات المتحدة.
يذكر أن "طالبان" كثفت في بداية أغسطس/آب 2021، تقدمها على القوات الحكومية الأفغانية، وفي 15 أغسطس/آب، دخلت إلى كابول، معلنة في اليوم التالي عن انتهاء الحرب، وهو ما استثمره الإعلام الروسي آنذاك أيضاً لتصوير الأمر كهزيمة الولايات المتحدة و"فيتنام جديدة".